لجريدة عمان:
2025-07-11@06:12:15 GMT

الدول الفائزة والخاسرة

تاريخ النشر: 15th, May 2024 GMT

«يتلخص التقسيم العالمي للعمل في أن بعض الدول تختص بالفوز وأخرى تختص بالخسارة، أما منطقتنا في العالم، والتي ندعوها اليوم أمريكا اللاتينية، فكانت سباقة: وتخصصت في الخسارة منذ زمن بعيد عندما وصل أوروبيو عصر النهضة عبر البحر وغرسوا أنيابهم في حنجرتها.

ومرت القرون وأمريكا اللاتينية تجيد وتحسن من دورها. فلم تعد مملكة المعجزات حيث تهزم فيها الحقيقة الأسطورة وحيث واجه الخيال الإذلال أمام انتصارات الغزاة ومناجم الذهب وجبال الفضة.

ولا تزال هذه المنطقة تمارس دور الخادمة. فما زالت تعمل على تلبية حاجات الغير، كمصدر واحتياطي للنفط والحديد، النحاس واللحوم، والفاكهة والقهوة، والمواد الأولية والمواد الغذائية الموجهة للدول الغنية ولتحقق الأرباح باستهلاك هذه المواد، أكثر بكثير مما تحققه أمريكا اللاتينية بإنتاجها لهذه المواد...».

ربما يضحك القارئ أو قد يبكي وهو يقرأ هذه الأسطر التي كتبها أحد أهم أعمدة الثقافة اللاتينية على الإطلاق الأوروجواياني إدواردو جاليانو، وهي مقتبسة من «الشرايين المفتوحة لأمريكا اللاتينية» وهو الكتاب الذي أهداه الرئيس الفنزويلي الراحل هوجو تشافيز لباراك أوباما رئيس الولايات المتحدة الأمريكية آنذاك؛ ففيها من التشابه الذي يصل حد التطابق مع الطريقة التي تتعامل بها دول النهضة والتقدم والحريات مع العالم العربي تحديدا، ودول «العالم الثالث»، أي تلك الدول التي لا تستطيع كبح محترفي اغتصاب الأراضي والثروات تحت غطاء وهمي كحماية الحريات أو مكافحة الإرهاب، أو دون الحاجة إلى غطاء أصلًا ولا الدفاع عن نفسها!. وفي الحقيقة لا يهم إن ضحك المرء أم بكى، فما يهم حقا هو العمل وليس الأمنيات، وهو السبيل الوحيد والأوحد للتغيير، التغيير الذي تتحقق نتائجه واقعا ملموسا.

ولأننا تحدثنا عن العمل، فما هو موقع هذه الدعوة هنا؟. إن أهم ما يميز حركات الاستعمار والحركة الصهيونية كذلك؛ هي الدعاية والعمل المتواصل. ولا أعني بالدعاية هنا ذلك العمل الذي يظهر فجأة ويخبو تارة على فترات متقطعة أو التركيز على جانب واحد فحسب، بل هو عمل منظم ومتكامل؛ فكي تستمر في الوجود والبقاء، فأنت تحتاج إلى سردية وتاريخ وشخصية متكاملة، وتحتاج للأسطورة طبعا. فمن غير المرجح أن تجد الدعم اللازم حين تقول بأنك ذاهب لاحتلال أرض أناس آخرين؛ لكن الأمر يختلف حين تخبرهم بأنك ذاهب لاسترداد أرضك المنهوبة من آبائك وأجدادك الذين تعرضوا للترهيب والقتل والتشريد لقرون عديدة، هنا تتحول صورتك بفعل هذه السردية من الجلاد الشرير، إلى الضحية المسكينة التي تصبح مساعدتها لازمة لا من باب العطف والإنسانية فحسب، بل ضرورة أخلاقية حتمية.

وفي السابق كانت تلك الصورة تخبو شيئا فشيئا وقد يستمر النظر إلى الجلاد على أنه صاحب الحق والفضيلة، لكننا في عصر الصورة والإعلام الحر -وأعني بالحر هنا أي ذلك المتحرر من القيود العصي على الإمساك لا الحر توجها وعملا- وهو ما جعل العالم الغربي خصوصا يستيقظ من كابوس عميق متوغل في الذاكرة والوجدان.

لو تأملنا ما يحدث في العالم الغربي اليوم، سنجد أن غالبية المشاركين في الاعتصامات والاحتجاجات المناهضة للاحتلال الإسرائيلي والحركة الصهيونية، هم من الشباب، وأن كثيرا ممن يبررون ويتعاطفون مع المستوطنين للأراضي الفلسطينية هم من الفئات الأكبر سنا؛ وذلك لأنه من الصعب بمكان تغيير العقليات القديمة في مواجهة الحقائق المتجددة، وفي التاريخ ما يعضد هذه الرؤية، فليس من اليسير أن يكتشف المرء بأنه كان يؤمن بسراب طوال حياته، لكن ردة الفعل العنيفة تكون حين يكتشف في عمر مبكر بأنه تم استغفاله واستغباؤه وهو في مرحلة مبكرة وبيده التغيير وأمامه الحياة كلها.

لنعترف للحركة الصهيونية بشيء، فالاعتراف بالعدو سبيلٌ لتفكيكه بعد فهم طريقته في العمل. لنعترف بأنهم كانوا منظمين وحصدوا نتيجة تراكم الخبرات والسنوات عبر سردية قوية منحتهم شرعية وإن كانت شرعية وهمية. في المقابل، ماذا فعلنا وماذا حصدنا؟ ففي حين عمّق العدو سرديته التي منحته الحق والقوة والدعم المستمر؛ كنا نمنح العدو ذاته تلك الشرعية بدعمه بطرق غير مباشرة. فالتعاون الثقافي المفتوح وبلا قيود، مثلما حدث باستضافة توماس فريدمان المتحيز للإدارات الأمريكية المتعاقبة بما يشبه الدور الذي قدمه كل من كيسينجر وبريجينسكي سابقًا والاحتفاء به مثلما يحتفى بمفكر عظيم، يعتبر سقطة لا ينبغي تكرارها. كما أن هنالك من المؤسسات والمنظمات التي ينبغي دعمها والتي لاقت إما تجاهلًا أو محاربة، وتبيّن دورها المحوري في الأحداث الحالية، كمنظمة «بتسليم» التي تعرّف نفسها بأنها (ركز المعلومات الإسرائيليّ لحقوق الإنسان في المناطق المحتلة، يعمل من أجل مستقبل تُضمن فيه حقوق الإنسان والحرّية والمساواة لجميع بني البشر -فلسطينيّين ويهود- المقيمين بين النهر والبحر. مستقبل كهذا لن يتحقّق إلّا بإنهاء الاحتلال ونظام الأبارتهايد الإسرائيليّ. ومن أجل مستقبل كهذا نحن نعمل. اسم «بتسيلم»، الذي أطلقه على المنظّمة الراحل يوسي سريد، يُحيل إلى الآية «خَلَقَ اللهُ الإنْسانَ عَلى صُورَتِهِ عَلى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ» (سِفر التكوين، 1: 27)، وهو يعبّر عن الفَرْض الكونيّ واليهوديّ الخاص باحترام حقوق الإنسان لكل بني البشر. «من موقع المنظمة. أو حركة BDS» وهي حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها وهي حركة فلسطينية ذات امتداد عالمي تسعى لتحقيق الحرية والعدالة والمساواة وتعمل من أجل حماية حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف) حسب تعريفها لنفسها في موقعها على الإنترنت.

إن العمل المؤسساتي القائم على تفكيك سردية العدو وتقديم السردية الخاصة بنا بطريقة محكمة، يضمن لنا الضمائر الحية الواقفة مع الحق؛ أما التمني بأن ينتهي كل شيء هكذا وكأنها هدية السماء فهي محض أحلام لن تتحقق ولو بعد مليار سنة، فالسنن الكونية مُحكَمة ولا تسيّرها الأهواء، ولن يبلغ البنيان تمامه إلا بالبناء والبناء والبناء، حتى يعجز الهادم عن هدمه. والاهتمام بالقضية الفلسطينية في مواجهة الحركة الصهيونية ضرورة حتمية، فالحركة الصهيونية امتداد صارخ وصريخ للاستعمار الغربي؛ ولا يوجد عاقل لا يخشى تلك الحقبة ويقتزز منها في آن. فالتطور الذي وصلت إليه البشرية يحتّم علينا أن نسعى لأن تكون حياة الناس جميعًا أسهل وأعمق وأكثر بهاء؛ لا أن نقف مكتوفي الأيدي أمام استعمال الطور في استعباد الإنسان لأخيه الإنسان وأرضه وعرضه وماله..

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

ملتقى بمسقط يناقش تحديات دمج حقوق الإنسان في الممارسات التجارية

استعرض ملتقى الأعمال التجارية وحقوق الإنسان، الذي نظمته اللجنة العمانية لحقوق الإنسان بفندق كراون بلازا العرفان اليوم، الجهود الوطنية الرامية إلى ترسيخ مبادئ العدالة والشفافية في بيئة العمل، وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان، كما ناقش التحديات الناشئة في دمج حقوق الإنسان في الممارسات التجارية. رعى الملتقى معالي قيس بن محمد اليوسف، وزير التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، وبمشاركة واسعة من ممثلي الجهات الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص والمجتمع المدني، إلى جانب عدد من المنظمات الأممية والمؤسسات الأكاديمية.

يسعى الملتقى إلى تعزيز الحوار المتعدد الأطراف بين المعنيين ببيئة الأعمال، وتوسيع نطاق الوعي بالمبادئ الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وتبادل أفضل الممارسات الوطنية والإقليمية في هذا المجال، واستعراض التجارب المؤسسية الناجحة، واقتراح السبل الفاعلة لمعالجة التحديات ومواءمة التشريعات المحلية مع المعايير الدولية.

وقال الدكتور راشد بن حمد البلوشي، رئيس اللجنة العُمانية لحقوق الإنسان في كلمة له: في عالم يشهد تسارعًا لافتًا في التحولات الاقتصادية والتكنولوجية، لم تعد الممارسات التجارية بمعزل عن المسؤوليات الحقوقية، ولم يعد من الممكن فصل النشاط الاقتصادي عن القيم التي تحفظ كرامة الإنسان وتصون حقوقه الأساسية، فمن دون منظومة حقوقية واضحة، تتصدع العلاقة بين رأس المال والمجتمع، ويتحول النمو الاقتصادي إلى مسار منفصل عن مبادئ حقوق الإنسان، مشيرا إلى أن سلطنة عُمان أدركت مبكرًا هذا الترابط العميق، فجاء النظام الأساسي للدولة ليؤكد على صون حقوق الإنسان، وضمان الحريات، وتحقيق العدالة، في إطار من التوازن بين حرية ممارسة النشاط الاقتصادي والمسؤولية الاجتماعية، كما رسّخت «رؤية عُمان 2040» هذا التوجّه من خلال تركيزها على بناء اقتصاد تنافسي، مرن، يقوم على مبادئ الحوكمة، والمسؤولية، والاستدامة، واحترام حقوق الإنسان، مؤكدا على أن اللجنة تؤمن بأن تعزيز حضور حقوق الإنسان في بيئة العمل ضرورة استراتيجية تسهم في استدامة التنمية، وتعزيز الثقة بين المستثمر والمستهلك، وبين العامل وصاحب العمل، وبين المؤسسة والمجتمع، مشيرا إلى أن هذا الملتقى يهدف إلى تعزيز وضع سلطنة عمان لدى الفريق المعني بالأعمال التجارية وحقوق الإنسان في الأمم المتحدة واقتراح استراتيجيات تعنى بمناقشة التحديات في مجال الأعمال التجارية وحقوق الإنسان واستعراض التقدم الذي أحرزته في هذا الاتجاه.

وأضاف: لمسنا نماذج مشرقة سواء على مستوى سياسات التوظيف، أو المبادرات المؤسسية لدعم الفئات الأولى بالرعاية، أو تبنّي ممارسات تضمن حقوق الإنسان في بيئة العمل، بالإضافة إلى دمج المعايير الحقوقية في استراتيجيات الحوكمة المؤسسية، واعتماد معايير الشفافية والمساءلة في سلاسل التوريد والإنتاج، إلى جانب الحرص على تطوير الكفاءات الوطنية في مجالات الامتثال الحقوقي والممارسات التجارية المسؤولة.

وشهد حفل الافتتاح إطلاق المبادرة الوطنية لتوظيف عدد من الأشخاص ذوي الإعاقة في القطاع الخاص؛ حيث تسعى المبادرة إلى تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من النفاذ إلى فرص العمل في مؤسسات القطاع الخاص، وترسيخ مبدأ تكافؤ الفرص وعدم التمييز في التوظيف، بما يعزز إدماجهم في بيئات العمل بصورة عادلة ومنصفة، كما تسعى المبادرة إلى ربط مخرجات الملتقى بتوجهات عملية تسهم في دعم حقوق ذوي الإعاقة داخل سوق العمل، وتساعد في تحقيق النسبة الوطنية المستهدفة لإشراك الأشخاص ذوي الإعاقة في التوظيف.

وتتوزع أعمال الملتقى على خمس جلسات رئيسية تُعقد على مدى يومين، وتُعرض خلالها خمس عشرة ورقة عمل علمية تتناول محاور متنوعة تشمل التشريعات الوطنية، ودور القضاء، وسياسات المؤسسات التجارية، والتجارب الميدانية لعدد من الشركات والمؤسسات الأكاديمية، حيث جاءت الجلسة الأولى بعنوان «نظرة عامة على الأنظمة الدولية والوطنية المتعلقة بالأعمال التجارية وحقوق الإنسان»، وتضمنت مناقشة 4 أوراق عمل وشملت على عدة محاور منها تقديم نظرة عامة على المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان، ودور «رؤية عمان 2040» في تمكين الأعمال ودعم حقوق الإنسان في سلطنة عمان، إلى جانب عرض الإطار التشريعي لحماية حقوق العمال، ودور مؤسسات التعليم العالي في تعزيز وحماية حقوق الإنسان في بيئة الأعمال: جامعة السلطان قابوس نموذجا.

واستعرضت الجلسة الثانية دور القضاء في حماية حقوق الإنسان في الأعمال التجارية، ودور غرفة تجارة وصناعة عمان في تعزيز حقوق الإنسان في بيئة الأعمال التجارية، إضافة إلى مناقشة جهود هيئة حماية المستهلك في تعزيز الممارسات التجارية العادلة، وسياسات وممارسات شركة أوريدو في تعزيز حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في بيئة الأعمال.

وقالت الدكتورة كوثر الخايفية، خبيرة تخطيط استراتيجي باللجنة العمانية لحقوق الإنسان: من أهم الموضوعات المتعلقة بالأعمال التجارية التي تركز عليها اللجنة هي توفير ضمانات قضائية لسرعة حل النزاعات بين الشركات، وعمل آليات تمنع تجاوزات حقوق الإنسان لدى الشركات وتضمن التعويضات، إضافة إلى دعم وحماية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، مشيرة إلى ضرورة الوعي بأهمية الحماية من الفصل التعسفي والإساءة في بيئة العمل، والتوعية بالسلامة والصحة المهنية والتوازن بين العمل والحياة والإجازات مدفوعة الأجر.

من جانبه قال الدكتور سعود بن طالب الجابري، رئيس المحكمة الابتدائية بلوى: إن المجلس الأعلى للقضاء يضطلع بدور فعال في إنقاذ حقوق الأفراد وتطبيق القوانين والأنظمة المتعلقة بحقوق الإنسان منها حقهم في الحياة بكرامة، ومبدأ المساواة وعدم التمييز في الحقوق والواجبات، ولعب دورا رقابيا حيويا ومفصلا في حماية الحقوق في الأعمال التجارية كالرقابة القضائية على القرارات الإدارية، والرقابة على تنفيذ الالتزامات القانونية للشركات.

مقالات مشابهة

  • شر البلية ما يضحك.. المنصات تتفاعل مع الرسوم التي فرضها ترامب على العراق
  • حقوق الإنسان في سلطنة عمان مصانة
  • توصيات بإدراج موضوع حقوق الإنسان في بيئة الأعمال ضمن المقررات الدراسية
  • دولتان عربيتان ضمنها.. تقرير قد يصدمك عن هجرة المليونيرات وأبرز الدول التي تجذبهم
  • محلل سياسي: بقاء الحوثيين مرهون بمخططات الدول التي تسعى لتمزيق اليمن والسيطرة عليه
  • مجلس المستشارين يصادق على مشروع القانون المتعلق بالمسطرة الجنائية التي أثارت جدلاً واسعاً
  • 4 أسباب بارزة.. لماذا سيطر الفشل على الدول التي دخلتها إيران؟
  • إطلاق حملة لترميم الجبال التي احترقت باللاذقية ووزير الطوارئ يشكر الدول المشاركة في إخماد الحرائق
  • مجلس حقوق الإنسان يعتمد بالإجماع قرارًا قدمته المملكة لحماية الأطفال في الفضاء الرقمي انطلاقًا من المبادرة العالمية “حماية الطفل في الفضاء السيبراني” التي أطلقها سمو ولي العهد
  • ملتقى بمسقط يناقش تحديات دمج حقوق الإنسان في الممارسات التجارية