لجريدة عمان:
2025-02-12@15:41:40 GMT

الدول الفائزة والخاسرة

تاريخ النشر: 15th, May 2024 GMT

«يتلخص التقسيم العالمي للعمل في أن بعض الدول تختص بالفوز وأخرى تختص بالخسارة، أما منطقتنا في العالم، والتي ندعوها اليوم أمريكا اللاتينية، فكانت سباقة: وتخصصت في الخسارة منذ زمن بعيد عندما وصل أوروبيو عصر النهضة عبر البحر وغرسوا أنيابهم في حنجرتها.

ومرت القرون وأمريكا اللاتينية تجيد وتحسن من دورها. فلم تعد مملكة المعجزات حيث تهزم فيها الحقيقة الأسطورة وحيث واجه الخيال الإذلال أمام انتصارات الغزاة ومناجم الذهب وجبال الفضة.

ولا تزال هذه المنطقة تمارس دور الخادمة. فما زالت تعمل على تلبية حاجات الغير، كمصدر واحتياطي للنفط والحديد، النحاس واللحوم، والفاكهة والقهوة، والمواد الأولية والمواد الغذائية الموجهة للدول الغنية ولتحقق الأرباح باستهلاك هذه المواد، أكثر بكثير مما تحققه أمريكا اللاتينية بإنتاجها لهذه المواد...».

ربما يضحك القارئ أو قد يبكي وهو يقرأ هذه الأسطر التي كتبها أحد أهم أعمدة الثقافة اللاتينية على الإطلاق الأوروجواياني إدواردو جاليانو، وهي مقتبسة من «الشرايين المفتوحة لأمريكا اللاتينية» وهو الكتاب الذي أهداه الرئيس الفنزويلي الراحل هوجو تشافيز لباراك أوباما رئيس الولايات المتحدة الأمريكية آنذاك؛ ففيها من التشابه الذي يصل حد التطابق مع الطريقة التي تتعامل بها دول النهضة والتقدم والحريات مع العالم العربي تحديدا، ودول «العالم الثالث»، أي تلك الدول التي لا تستطيع كبح محترفي اغتصاب الأراضي والثروات تحت غطاء وهمي كحماية الحريات أو مكافحة الإرهاب، أو دون الحاجة إلى غطاء أصلًا ولا الدفاع عن نفسها!. وفي الحقيقة لا يهم إن ضحك المرء أم بكى، فما يهم حقا هو العمل وليس الأمنيات، وهو السبيل الوحيد والأوحد للتغيير، التغيير الذي تتحقق نتائجه واقعا ملموسا.

ولأننا تحدثنا عن العمل، فما هو موقع هذه الدعوة هنا؟. إن أهم ما يميز حركات الاستعمار والحركة الصهيونية كذلك؛ هي الدعاية والعمل المتواصل. ولا أعني بالدعاية هنا ذلك العمل الذي يظهر فجأة ويخبو تارة على فترات متقطعة أو التركيز على جانب واحد فحسب، بل هو عمل منظم ومتكامل؛ فكي تستمر في الوجود والبقاء، فأنت تحتاج إلى سردية وتاريخ وشخصية متكاملة، وتحتاج للأسطورة طبعا. فمن غير المرجح أن تجد الدعم اللازم حين تقول بأنك ذاهب لاحتلال أرض أناس آخرين؛ لكن الأمر يختلف حين تخبرهم بأنك ذاهب لاسترداد أرضك المنهوبة من آبائك وأجدادك الذين تعرضوا للترهيب والقتل والتشريد لقرون عديدة، هنا تتحول صورتك بفعل هذه السردية من الجلاد الشرير، إلى الضحية المسكينة التي تصبح مساعدتها لازمة لا من باب العطف والإنسانية فحسب، بل ضرورة أخلاقية حتمية.

وفي السابق كانت تلك الصورة تخبو شيئا فشيئا وقد يستمر النظر إلى الجلاد على أنه صاحب الحق والفضيلة، لكننا في عصر الصورة والإعلام الحر -وأعني بالحر هنا أي ذلك المتحرر من القيود العصي على الإمساك لا الحر توجها وعملا- وهو ما جعل العالم الغربي خصوصا يستيقظ من كابوس عميق متوغل في الذاكرة والوجدان.

لو تأملنا ما يحدث في العالم الغربي اليوم، سنجد أن غالبية المشاركين في الاعتصامات والاحتجاجات المناهضة للاحتلال الإسرائيلي والحركة الصهيونية، هم من الشباب، وأن كثيرا ممن يبررون ويتعاطفون مع المستوطنين للأراضي الفلسطينية هم من الفئات الأكبر سنا؛ وذلك لأنه من الصعب بمكان تغيير العقليات القديمة في مواجهة الحقائق المتجددة، وفي التاريخ ما يعضد هذه الرؤية، فليس من اليسير أن يكتشف المرء بأنه كان يؤمن بسراب طوال حياته، لكن ردة الفعل العنيفة تكون حين يكتشف في عمر مبكر بأنه تم استغفاله واستغباؤه وهو في مرحلة مبكرة وبيده التغيير وأمامه الحياة كلها.

لنعترف للحركة الصهيونية بشيء، فالاعتراف بالعدو سبيلٌ لتفكيكه بعد فهم طريقته في العمل. لنعترف بأنهم كانوا منظمين وحصدوا نتيجة تراكم الخبرات والسنوات عبر سردية قوية منحتهم شرعية وإن كانت شرعية وهمية. في المقابل، ماذا فعلنا وماذا حصدنا؟ ففي حين عمّق العدو سرديته التي منحته الحق والقوة والدعم المستمر؛ كنا نمنح العدو ذاته تلك الشرعية بدعمه بطرق غير مباشرة. فالتعاون الثقافي المفتوح وبلا قيود، مثلما حدث باستضافة توماس فريدمان المتحيز للإدارات الأمريكية المتعاقبة بما يشبه الدور الذي قدمه كل من كيسينجر وبريجينسكي سابقًا والاحتفاء به مثلما يحتفى بمفكر عظيم، يعتبر سقطة لا ينبغي تكرارها. كما أن هنالك من المؤسسات والمنظمات التي ينبغي دعمها والتي لاقت إما تجاهلًا أو محاربة، وتبيّن دورها المحوري في الأحداث الحالية، كمنظمة «بتسليم» التي تعرّف نفسها بأنها (ركز المعلومات الإسرائيليّ لحقوق الإنسان في المناطق المحتلة، يعمل من أجل مستقبل تُضمن فيه حقوق الإنسان والحرّية والمساواة لجميع بني البشر -فلسطينيّين ويهود- المقيمين بين النهر والبحر. مستقبل كهذا لن يتحقّق إلّا بإنهاء الاحتلال ونظام الأبارتهايد الإسرائيليّ. ومن أجل مستقبل كهذا نحن نعمل. اسم «بتسيلم»، الذي أطلقه على المنظّمة الراحل يوسي سريد، يُحيل إلى الآية «خَلَقَ اللهُ الإنْسانَ عَلى صُورَتِهِ عَلى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ» (سِفر التكوين، 1: 27)، وهو يعبّر عن الفَرْض الكونيّ واليهوديّ الخاص باحترام حقوق الإنسان لكل بني البشر. «من موقع المنظمة. أو حركة BDS» وهي حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها وهي حركة فلسطينية ذات امتداد عالمي تسعى لتحقيق الحرية والعدالة والمساواة وتعمل من أجل حماية حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف) حسب تعريفها لنفسها في موقعها على الإنترنت.

إن العمل المؤسساتي القائم على تفكيك سردية العدو وتقديم السردية الخاصة بنا بطريقة محكمة، يضمن لنا الضمائر الحية الواقفة مع الحق؛ أما التمني بأن ينتهي كل شيء هكذا وكأنها هدية السماء فهي محض أحلام لن تتحقق ولو بعد مليار سنة، فالسنن الكونية مُحكَمة ولا تسيّرها الأهواء، ولن يبلغ البنيان تمامه إلا بالبناء والبناء والبناء، حتى يعجز الهادم عن هدمه. والاهتمام بالقضية الفلسطينية في مواجهة الحركة الصهيونية ضرورة حتمية، فالحركة الصهيونية امتداد صارخ وصريخ للاستعمار الغربي؛ ولا يوجد عاقل لا يخشى تلك الحقبة ويقتزز منها في آن. فالتطور الذي وصلت إليه البشرية يحتّم علينا أن نسعى لأن تكون حياة الناس جميعًا أسهل وأعمق وأكثر بهاء؛ لا أن نقف مكتوفي الأيدي أمام استعمال الطور في استعباد الإنسان لأخيه الإنسان وأرضه وعرضه وماله..

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

بين الأتمتة وإعادة التأهيل المهني: هل يفقد الإنسان دوره في سوق العمل؟

لم تعد الأتمتة مجرد تقدم تقني، بل أصبحت قوة محورية تعيد رسم ملامح أسواق العمل، فارضة معادلات جديدة لمستقبل التوظيف. ومع تنامي دور الذكاء الاصطناعي والروبوتات، تختفي بعض الوظائف التقليدية تدريجيًا، في حين تنشأ وظائف أخرى تتطلب مهارات غير مألوفة تستوجب التعلم المستمر والتأقلم السريع. فهل نحن على أعتاب عصر تهيمن فيه الآلة على سوق العمل، مهددةً مكانة اليد البشرية؟ أم أن التحدي الحقيقي يكمن في قدرة الأفراد والمجتمعات على إعادة التأهيل واكتساب المهارات التي يتطلبها المستقبل؟

للإجابة عن هذه التساؤلات الجوهرية، التقت "عُمان" بصاحب السمو السيد الدكتور أدهم بن تركي آل سعيد، أستاذ مساعد في الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة السلطان قابوس، للحديث عن تأثير التحول الرقمي على الاقتصاد، وأهمية إعادة التأهيل المهني في التكيف مع التغيرات المتسارعة، إضافة إلى استراتيجيات مواجهة تحديات الأتمتة وضمان استدامة الوظائف في عصر الذكاء الاصطناعي. ودار بيننا الحوار التالي:

كيف يؤثر التقدم التكنولوجي المتسارع على سوق العمل اليوم؟ وفي المقابل، ما هي أبرز الفرص والتحديات التي خلقها؟

لطالما شكلت الابتكارات التكنولوجية القوة الدافعة للنمو الاقتصادي عبر العصور. خلال الثورات الصناعية السابقة، أحدثت التكنولوجيا تحولات جوهرية في نماذج الأعمال، تمثلت في الانتقال من العمليات اليدوية إلى الأتمتة، واعتماد مصادر طاقة جديدة، وتحسين وسائل التواصل ومعالجة المعلومات.

في عصرنا الحالي، أدى تسارع الابتكار والرقمنة إلى تغييرات جذرية في الإنتاج والقيمة الاقتصادية، حيث أسهمت الرقمنة في تحسين العمليات، وزيادة الكفاءة، وتعزيز الشفافية، فضلًا عن فتح آفاق جديدة لنماذج أعمال مبتكرة.

ومع ذلك، يفرض هذا التحول الرقمي تحديات كبيرة، حيث يتأثر سوق العمل بشكل مباشر بهذه التغيرات، مما يجعل المهارات الرقمية ضرورة أساسية في معظم الوظائف. في حين يتيح التقدم التكنولوجي فرصًا واسعة للعاملين ذوي المهارات الرقمية، فإنه في المقابل يزيد من الضغوط على العمال غير المهرة، مما يعزز الحاجة إلى إعادة التدريب والتأهيل المستمر.

ما المهارات والكفاءات التي يحتاجها الأفراد اليوم للنجاح في سوق العمل الرقمي المتغير؟

مع تسارع وتيرة التطور التكنولوجي، أصبح من الضروري للأفراد، وخاصة الشباب، العمل المستمر على تطوير مهاراتهم لمواكبة احتياجات سوق العمل الرقمي المتغير، وتشمل المهارات الأساسية تحليل البيانات، وإجادة استخدام الأدوات التكنولوجية لتحسين الإنتاجية والكفاءة، كما أصبحت مهارات اتخاذ القرار وحل المشكلات تعتمد بشكل متزايد على الإلمام بالتكنولوجيا، إلى جانب ذلك، تُعد مهارة التعلم المستمر من الركائز الأساسية للنجاح، ويجب على الأفراد الاستفادة من المنصات التعليمية المتاحة، سواء عبر الدورات التدريبية المتخصصة أو المصادر التعليمية المفتوحة على الإنترنت كما أن امتلاك القدرة على التعلم مدى الحياة يُعد من أهم المهارات المطلوبة للتكيف مع التغيرات المتسارعة في سوق العمل.

ماذا عن دور المؤسسات التعليمية والتدريبية في تأهيل الخريجين لسوق العمل الرقمي؟ وهل تواكب المناهج الحالية هذه التطورات؟

تلعب المؤسسات التعليمية والتدريبية دورًا محوريًا في تزويد الخريجين بالمهارات المطلوبة لسوق العمل الرقمي. لذا، يجب أن تركز هذه المؤسسات على تطوير مناهج تعليمية مرنة تدمج التقنيات الحديثة وتحاكي بيئة العمل الحقيقية، وأصبح التعلم التجريبي ضرورة ملحة، حيث يُفضل تقديم دراسات حالة واقعية تمثل التحديات التي يواجهها الخريجون.

ومع ذلك، تعاني المناهج الحالية في العديد من الدول من الجمود، وعدم التكيف الكامل مع التحولات التكنولوجية. لذا، يجب أن تتضمن المناهج الدراسية عنصرًا عمليًا قويًا، بالإضافة إلى تعزيز التعاون بين الجامعات والقطاع الخاص لضمان توازن بين المعرفة الأكاديمية والخبرة العملية.

هل ينبغي على الحكومات دعم إيجاد وظائف جديدة في قطاعات الاقتصاد الرقمي؟ وما السياسات والبرامج التي يمكن اعتمادها لتحقيق ذلك؟

يمكن للحكومات تعزيز الاقتصاد الرقمي من خلال سياسات تدعم البيئة الاستثمارية، وتشمل حماية البيانات والمعلومات، ودعم البحث والتطوير، وضمان حقوق الملكية الفكرية، إضافة إلى توفير الموارد المالية والمواهب الماهرة. كما أن الاستثمار في البنية التحتية الرقمية، مثل شبكات الإنترنت عالية السرعة وشبكات الجيل الخامس، يُعد خطوة أساسية. إضافة إلى ذلك، تحتاج الحكومات إلى وضع استراتيجيات لتطوير مهارات القوى العاملة الرقمية من خلال برامج تعليمية وتدريبية. على سبيل المثال، يمكن تقديم منح دراسية للطلبة في المجالات التقنية، وإنشاء حاضنات أعمال لدعم الشركات الناشئة في قطاع التكنولوجيا.

- برأيك، ما أبرز القطاعات الاقتصادية التي يُتوقع أن تشهد نموًا كبيرًا في الوظائف في المستقبل القريب في ظل التطورات التكنولوجية؟

من المتوقع أن تشهد القطاعات التي تعتمد على التكنولوجيا الحديثة، مثل تحليل البيانات، والذكاء الاصطناعي، وتقنيات البلوك تشين، والتكنولوجيا المالية (FinTech)، نموًا ملحوظًا في الوظائف خلال السنوات القادمة.

كما ستشهد قطاعات مثل الخدمات اللوجستية والتجارة الإلكترونية توسعًا مستمرًا، مدعومًا بالاعتماد المتزايد على الأتمتة والرقمنة. حتى القطاعات الخدمية التقليدية، مثل التعليم والرعاية الصحية، ستشهد تحولًا كبيرًا مع دخول التقنيات الحديثة مثل التعليم عن بُعد والخدمات الصحية الرقمية، مما يفتح الباب أمام وظائف جديدة تجمع بين التكنولوجيا والخدمات الإنسانية.

تثير الأتمتة واستبدال الوظائف التقليدية بالآلة الكثير من القلق، كيف يمكن التعامل مع ذلك؟ وما هي الحلول المقترحة لحماية العمال المتضررين؟

تُعد الأتمتة من أبرز التحديات التي تواجه سوق العمل، إذ يمكن أن تؤدي إلى استبدال بعض الوظائف التقليدية، مما يترك العديد من العمال في مواجهة مشكلة البحث عن العمل، ولمواجهة هذا التحدي، يجب التركيز على برامج إعادة التدريب والتأهيل، التي تزوّد العمال بمهارات جديدة تتماشى مع متطلبات العصر الرقمي.

إلى جانب ذلك، يمكن للحكومات تنفيذ أنظمة حماية اجتماعية قوية لدعم العمال المتضررين، بما في ذلك تقديم إعانات مالية مؤقتة وبرامج تشغيل مدعومة، كما يجب تعزيز الابتكار في السياسات الاجتماعية لتشمل خططًا مستقبلية تحفز التوظيف في قطاعات جديدة.

ولمواجهة التحديات الناتجة عن الأتمتة، يمكن اتخاذ الخطوات التالية:

برامج إعادة التأهيل والتدريب: توفير دورات تدريبية للعمال لاكتساب مهارات جديدة تتماشى مع متطلبات العصر الرقمي.

أنظمة حماية اجتماعية: تقديم إعانات مالية مؤقتة للعمال الذين فقدوا وظائفهم بسبب الأتمتة، وإنشاء شبكات أمان اجتماعي فعالة.

تعزيز التعليم المهني والتقني: التركيز على التعليم القائم على التكنولوجيا لضمان جاهزية القوى العاملة المستقبلية.

دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة: تحفيز هذه الشركات على اعتماد التكنولوجيا مع توفير الدعم المالي والتقني لضمان انتقال سلس وتحقيق توازن اقتصادي.

كيف يؤثر التقدم التكنولوجي المتسارع على سوق العمل اليوم؟ وفي المقابل، ما هي أبرز الفرص والتحديات التي أوجدها؟

لطالما شكلت الابتكارات التكنولوجية القوة الدافعة للنمو الاقتصادي عبر العصور فخلال الثورات الصناعية السابقة، أحدثت التكنولوجيا تحولات جوهرية في نماذج الأعمال، تمثلت في الانتقال من العمليات اليدوية إلى الأتمتة، واعتماد مصادر طاقة جديدة، وتحسين وسائل التواصل ومعالجة المعلومات.

في عصرنا الحالي، أدى تسارع الابتكار والرقمنة إلى تغييرات جذرية في الإنتاج والقيمة الاقتصادية، حيث أسهمت الرقمنة في تحسين العمليات، وزيادة الكفاءة، وتعزيز الشفافية، فضلًا عن فتح آفاق جديدة لنماذج أعمال مبتكرة.

ومع ذلك، يفرض هذا التحول الرقمي تحديات كبيرة، حيث يتأثر سوق العمل بشكل مباشر بهذه التغيرات، مما يجعل المهارات الرقمية ضرورة أساسية في معظم الوظائف، في حين يتيح التقدم التكنولوجي فرصًا واسعة للعاملين ذوي المهارات الرقمية، فإنه في المقابل يزيد من الضغوط على العمال غير المهرة، مما يعزز الحاجة إلى إعادة التدريب والتأهيل المستمر.

ما المهارات والكفاءات التي يحتاجها الأفراد اليوم للنجاح في سوق العمل الرقمي المتغير؟

مع تسارع وتيرة التطور التكنولوجي، أصبح من الضروري للأفراد، وخاصة الشباب، العمل المستمر على تطوير مهاراتهم لمواكبة احتياجات سوق العمل الرقمي المتغير، وتشمل المهارات الأساسية تحليل البيانات، وإجادة استخدام الأدوات التكنولوجية لتحسين الإنتاجية والكفاءة، كما أصبحت مهارات اتخاذ القرار وحل المشكلات تعتمد بشكل متزايد على الإلمام بالتكنولوجيا.

إلى جانب ذلك، تُعد مهارة التعلم المستمر من الركائز الأساسية للنجاح، ويجب على الأفراد الاستفادة من المنصات التعليمية المتاحة، سواء عبر الدورات التدريبية المتخصصة أو المصادر التعليمية المفتوحة على الإنترنت كما أن امتلاك القدرة على التعلم مدى الحياة يُعد من أهم المهارات المطلوبة للتكيف مع التغيرات المتسارعة في سوق العمل.

ماذا عن دور المؤسسات التعليمية والتدريبية في تأهيل الخريجين لسوق العمل الرقمي؟ وهل تواكب المناهج الحالية هذه التطورات؟

تلعب المؤسسات التعليمية والتدريبية دورًا محوريًا في تزويد الخريجين بالمهارات المطلوبة لسوق العمل الرقمي. لذا، يجب أن تركز هذه المؤسسات على تطوير مناهج تعليمية مرنة تدمج التقنيات الحديثة وتحاكي بيئة العمل الحقيقية فقد أصبح التعلم التجريبي ضرورة ملحة، حيث يُفضل تقديم دراسات حالة واقعية تمثل التحديات التي يواجهها الخريجون.

ومع ذلك، تعاني المناهج الحالية في العديد من الدول من الجمود، وعدم التكيف الكامل مع التحولات التكنولوجية. لذا، يجب أن تتضمن المناهج الدراسية عنصرًا عمليًا قويًا، بالإضافة إلى تعزيز التعاون بين الجامعات والقطاع الخاص لضمان توازن بين المعرفة الأكاديمية والخبرة العملية.

بالنسبة لسلطنة عمان تحديدًا، ما هي الإجراءات والسياسات التي يجب على الحكومة اتخاذها لدعم التحول الرقمي للاقتصاد المحلي وإيجاد فرص عمل جديدة؟

يمكن للحكومة دعم التحول الرقمي من خلال تنفيذ سياسات شاملة تركز على تعزيز البنية التحتية الرقمية، وتمكين القطاع الخاص، وتطوير المهارات الرقمية. من بين هذه السياسات:

*الاستثمار في البنية التحتية الرقمية: تحسين شبكات الإنترنت السريعة مثل الجيل الخامس، وضمان توفر التكنولوجيا في جميع المناطق، سواء الحضرية أو الريفية.

*دعم الابتكار وريادة الأعمال: تقديم حوافز مالية وتسهيلات للشركات الناشئة التي تركز على التكنولوجيا الرقمية، بالإضافة إلى إنشاء حاضنات ومسرعات أعمال لتعزيز الابتكار.

*تطوير المهارات الرقمية: دعم برامج التدريب والتعليم المستمر في مجالات التكنولوجيا مثل البرمجة، والذكاء الاصطناعي، وتحليل البيانات، لضمان جاهزية القوى العاملة.

*التعاون مع القطاع الخاص: تشجيع الشراكات بين الحكومة والشركات التكنولوجية الكبرى للمساهمة في تسريع وتيرة التحول الرقمي، وإيجاد بيئة أعمال تنافسية.

كيف يرى الدكتور وضع الاقتصاد العماني في ظل التطورات التكنولوجية المتسارعة؟ وما أبرز نقاط القوة والضعف؟

يعاني الاقتصاد العماني من بطء نسبي في تبني التكنولوجيا الناشئة، حيث لا تزال بعض القطاعات تعتمد على أساليب تقليدية في الإنتاج والإدارة. مع ذلك، هناك خطوات إيجابية تشير إلى توجه قوي نحو التحول الرقمي، مثل:

1. نقاط القوة:

• الالتزام الحكومي بدعم التكنولوجيا، مثل استراتيجيات الثورة الصناعية الرابعة.

• الاستثمارات التي تقوم بها الصناديق الوطنية مثل «صندوق عمان المستقبل» في الشركات الناشئة التكنولوجية.

• الموقع الجغرافي المميز لعمان والذي يمكن أن يسهم في تحويلها إلى مركز إقليمي للبيانات والخدمات الرقمية.

2. نقاط الضعف:

• ضعف الوعي التكنولوجي في بعض القطاعات.

• الحاجة إلى تطوير المهارات الرقمية بشكل أسرع لمواكبة متطلبات السوق.

• الاعتماد الكبير على القطاعات التقليدية مثل النفط والغاز على الرغم من حسن تطويعها للتقانة المتقدمة.

لعل حديثنا عن الوظائف والتحديات التي يفرضها التقدم التكنولوجي يصب بشكل عام في علاقة وتأثير النمو الاقتصادي في تحقيق التنمية الاجتماعية الشاملة؟ برأيك ما أبرز المؤشرات التي تدل على وجود ترابط قوي بينهما؟

النمو الاقتصادي هو عنصر أساسي لإيجاد فرص اقتصادية واجتماعية. ومع ذلك، فإن النمو الاقتصادي بحد ذاته ليس الهدف النهائي، بل هو وسيلة لتحقيق نتائج اجتماعية واقتصادية أوسع. عند التفكير في التنمية المستدامة، يجب أن نأخذ بعين الاعتبار مختلف العوامل الاجتماعية والاقتصادية، ومنها خلق فرص اقتصادية تدعم توسع الأعمال القائمة وتشجع على تأسيس مشاريع جديدة. هذه العملية تساهم في خلق فرص عمل تمكّن الأفراد من تحقيق طموحاتهم الشخصية وتوفر لهم القدرة على الإنفاق والادخار والاستثمار.

علاوة على ذلك، تتيح هذه الفرص دمج فئات مختلفة من المجتمع، مثل النساء اللواتي قد لا تتاح لهن مثل هذه الفرص إذا كانت التنمية محدودة. بالإضافة إلى ذلك، يُعزز النمو الاقتصادي الاستثمار العام والخاص في مجالات التعليم والصحة والتكنولوجيا لتلبية احتياجات المجتمع وضمان التحسين المستمر.

من بين المؤشرات التي تربط بين النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية: نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، ومؤشرات اجتماعية مثل متوسط الأعمار وانخفاض معدلات وفيات الأطفال والأمهات عند الولادة. بالإضافة إلى ذلك، تشمل مؤشرات أخرى نسب الالتحاق بالتعليم المدرسي والعالي، وهناك العديد من المؤشرات الأخرى التي ترتفع بشكل متوازٍ مع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي لتعكس العلاقة الوثيقة بين النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية.

مقالات مشابهة

  • بعد وفاة والدها.. ما العمل مع إبنتي التي لم تتقبل قدرها؟
  • مرقص زار العبسي: نتحرك في إطار مسار العمل الذي حدده فخامة الرئيس
  • بين الأتمتة وإعادة التأهيل المهني: هل يفقد الإنسان دوره في سوق العمل؟
  • روبيو: الوحيد الذي قال إنه سيساعد غزة هو ترامب
  • السفير خليل الذوادي: خطط حوكمة عربية متكاملة لمواجهة الأخطار التي تهدد المنطقة
  • سياسي أميركي: هذا ليس هو ترامب الذي انتخبته أميركا
  • علاج الوسواس القهري الذي يصيب الإنسان.. تخلص منه في الحال
  • حزب “الإصلاح”: الصهيونية في ثوبٍ إسلامي
  • قمة عربية طارئة في مصر التحديات التي تواجه مستقبل الفلسطينيين في غزة بسبب خطة ترامب
  • الكشف عن أبرز البنود التي تحوي المشروع الوطني الذي قدمته القوى السياسية