أول رد من الأزهر على «التنويريين»: القرآن والسنة ثوابت العقيدة وأمننا
تاريخ النشر: 15th, May 2024 GMT
عقد الجامع الأزهر حلقة جديدة من ملتقى الأزهر للقضايا المعاصرة تحت عنوان «الإسلام والأمن الثقافي»، بمشاركة الدكتور مجدي عبد الغفار أستاذ الثقافة الإسلامية بكلية أصول الدين بالقاهرة، والدكتور صالح عبد الوهاب وكيل كلية العلوم الإسلامية للوافدين.
أدار الملتقى الشيخ إبراهيم حلس مدير الأروقة بالجامع الأزهر تحت رعاية الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، وبمتابعة من الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر وإشراف الدكتور عبد المنعم فؤاد المشرف على الرواق الأزهري والدكتور هاني عودة مدير عام الجامع الأزهر.
وبحسب بيان عن تفاصيل ملتقى الأزهر قال الدكتور مجدي عبد الغفار أستاذ الثقافة والدعوة الإسلامية بكلية أصول الدين جامعة الأزهر بالقاهرة، إننا نعيش أوقاتا حساسة تموج بأفكار وشهوات وشبهات وكتب علينا أن نكون بين دائرة الشهوات والشبهات ، ومن نجى من الشهوات تعرض في فتن الشبهات وفتن الشبهات في هذا العصر أشد من الشهوات لأنها تغرس في نفوس الأجيال وتغرس في نفوس أبنائنا ما يخرب عليهم عقولهم وما ينال من فكرهم وما يحدث اضطرابا في مجتمعهم، فالحقيقة أن أمن مجتمعنا في وسطية فكرنا فلا أمان للمجتمع إلا بفكر مستقيم لذلك المجتمع يقوم على هذه القواعد قواعد أساسية يقوم عليها مجتمعنا الإسلامي أعني المجتمع الإسلامي فهو يقوم على دين طويل قال تعالى «فأقم وجهك للدين القيم»، وقوله «فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله»، والجناح الأول بالنسبة له فهم مستقيم ، والجناح الثاني بالنسبه له عمل صالح مستديم.
أمن مجتمعنا في وسطية فكرنا مصدرها القرآن والسنةوأكد أستاذ الثقافة الإسلامية ، أنه إذا وجد الدين القويم بجناحيه الفكر المستقيم والعمل الصالح المستديم دخل في المجتمع الأمن والأمان فلا يضطرب المجتمع، وهل هذه هي الأولى من مثلها أبدا عبر التاريخ، وجاء أمثال هؤلاء وقام لهم من العلماء رجال قاموا في وجوه هؤلاء ففندوا هذه الشبهات ، فالشبهات ليست جديدة، ولكن الجديد فيها هو ارتداء ثوبها في عصرها، أما هي في ذاتها فهي قديمة ورد عليها فحول العلماء وفندها فحول العلماء، فما علينا إلا أن نأخذ من هذا المعين الصافي الذي قام به جل العلماء عبر العصور لنعطي العصر ما يتناسب من الرد المناسب للعصر.
الفكر في شريعتنا ينطلق من الذكر الذي تكفل الله بحفظه إلى يوم الدينوتابع مجدي عبد الغفار: «إننا بين دائرتين، الغلو والتحلل، هذا غلو من جانب ، وهذا مذموم، وذاك تحلل من جانب وذاك مذموم ، فنريد في وسط العقد هذا الذي ينبغي أن نعقد وسطية هذا الدين قال سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم إن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى، فهذا الذي نراه في الفكر تشدد وذاك الذي أرايد لهذا الفكر تبدد ، فلا نريد تشددا ولا تبددا بل ننشد الأمر الأوسط، متسائلا: «وسطية الفكر عمن تأخذون؟ هذا دين فلتنظروا عمن تأخذون دينكم فهو عظمك ولحمك، الفكر عندنا ينطلق من الذكر والفكر عندنا بوسطيته محفوظ لأنه يبنى على الذكر، والذكر محفوظ لقوله تعالى: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون، فالله حفظ لنا الذكر وأخبرنا بحفظه له فبالتالي هناك حفظ أيضا للفكر ، فمهما انكب من انكب على الفكر ليضلل هذه الأمة لجأنا إلى الذكر وأخذنا الفكر من الذكر فنجونا بهذا الذكر وأخذنا وسطية الفكر ، فحينما تأخذها من الذكر - من كتاب الله وسنة رسول الله- ، فالعلماء يواجهون بالفكر المستمد من الذكر المتشددين الذين قال النبي في حقهم "هلك المتنطعون ".
شرذمة جعلونا نتحول من تربية أبنائنا على القرآن والسنة إلى رد شبهاتهم وتشكيك شبابناوأضاف أن رسول الله علمنا التيسير وكيفية التعامل مع الناس ومع المتشددين بأخلاقه صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله من أجلها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» مستنكرا ما يطفو الآن على الساحة ممن يسمون أنفسهم بـ«التنويريين»، وهم يقصدون من وراء ذلك تدمير الفكر بكلمة التحرر وادعوا لهذا التحرر الاهتمام بالعقل ، فهم يقولون أنهم يريدون الاهتمام بالعقول.. والسؤال هل الإسلام يلغي العقول؟! ، والعجيب أن هؤلاء لا يعلمون أن التكليف يكون بأمور ثلاثة: إسلام، بلوغ، عقل، فلا تكليف إلا بعقل، فإن غاب أو غيب العقل سقط التكليف، فانطلاق كلمات العقل في الذكر كثيرة تزيد عن 90 موضعا بمشتقاتها في القرآن الكريم.
وحي بلا وعي تعطيلوشدد على أننا في حاجة إلى فهم الوحي، فلا بد من عقل يفهم الوحي والعقل يشار إليه بالوعي فأقول: وحي بلا وعي تعطيل، فحينما نلغي الوعي نعطل الوحي، وووعي بلا وحي تضليل، وهذا ما أرادوه ونحن لا نريد تعطيلا ولا تضليلا ، فهم أرادوا تضليل المجتمع ، ونحن نريد وحيا بوعي وهو تأصيل ، من خلال ما جاء في كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلـم، فهذا باب عظيم قيض الله له رجالا يحفظون كتاب الله وسنة نبينا، ومن هنا يأتي أمن المجتمع الذي يصبوا إليه كل عاقل ، فالاضطراب الذي يحدث بالمجتمع بسبب الفكر أشد من الاضطراب الذي يحدث للمجتمع من خلال الاقتصاد، فعقول الأمة يكون من فكرها فهذا خلل كبير في المجتمع.
ماذا نفعل تجاه تلك التيارات الجارفة؟وتساءل: «ماذا نفعل تجاه تلك التيارات الجارفة؟ للأسف التيارات تنطلق عبر الشاشات والمساحات والتقنيات وما يرصد لها من ملايين الجنيهات ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون ، ماذا نصنع أمام هذه المراكز التي استهدفت شبابنا وبناتنا ونساءنا وأطفالنا ، فعلماء الأزهر الأكابر سوف ينطلقون أمام هذه المسميات باليقين وإيماننا بكتاب ربنا وسنة نبينا والفكر الوسطي الذي يحمله علماؤنا وعلى رأسهم الإمام الأكبر الذي يتصدى لهم من خلال منبر الجامع الأزهر الشريف ، فالأزهر الشريف وعلماؤه لا يعمل في الظلام فليس لنا دينان دين نظهره ودين نخفيه» مؤكدا أن مثل هذه المراكز والهجمات هي زمنية قاصرة وتنتهي كما انتهى ما سبقها من هجمات ومؤسسات ، ثم يأتي من يرتدون ثياب أخرى في كل عصر، فسيهلكون ويبقى الدين إلى قيام الساعة لأن الله هو الذي حفظه.
هناك من يسعون لنشر الرذيلة لتضليل أبنائنا وتحررهم من ثوابتهم الدينيةمن جهته قال الدكتور صالح عبد الوهاب ، وكيل كلية العلوم الإسلامية للوافدين، إنه ما أحوجنا اليوم إلى أن نجتمع للتباحث حول هذا العنوان: «الإسلام والأمن الثقافي»، حيث إننا نعيش زمنا تبدلت فيه المفاهيم والقيم فحلت فيه الرذيلة مكان الفضيلة والهدم محل البناء والتخشع محل الخشوع وبدلا من أن نسوق شبابنا إلى تدبر آيات القرآن الكريم والوقوف مع السنة النبوية ونتأملها ونتدبرها ، إذ بشرذمة من دعاة العلم يسوقون شبابنا إلى التشكيك في ثوابت هذه الأمة والتحرر من كل قيمة ومنقبة وكل فضل ، وصدق رسول الله حين قال : يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.
وأضاف وكيل كلية العلوم الإسلامية إن لفظ الأمن يأتي كثيرا مقرونا بلفظ الإيمان ، فلا عجب أن نرى هذا العنوان الإسلام والأمن، فالإسلام هو دين الأمن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، وغيرها من الأحاديث النبوية التي أكدت ذلك ، ومنها الآيات الكثيرة التي تقرن الأمن بالإيمان وبعبادة الله تعالى ومن ذلك قوله سبحانه: وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا، فلم تتحقق العبادة إلا بالأمن والاستقرار، فمفهوم الأمن والإسلام هو الاستقرار والطمأنينة، موضحا أن مفهوم الثقافة يعني الفهم والعلم والتحقق والتثبت، وبالتالي فليس هناك ثقافة بلا علم أو فهم أو تحقق أو تثبت ، ومن هنا يجب على مدعي الثقافة أن يوضحوا لنا من أين تعلموا ومن أين يتحققون ويتثبتون.
وأوضح أن التراث والحضارة هما ما يميز أمة عن أمة، ومن يريد أن يهدم هذا التراث ويضلل الناس ويفسد عليهم استقراراهم فهو من الخوارج الذين يخرجون بفكرهم عن ثقافة وحضارة هذه الأمة ، لافتا إلى أن الإسلام منذ بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وهو يواجه مثل هذه الهجمات وبعد سجال طويل تكون الغلبة والنصر للإسلام الحنيف ، وهذا ما أكد عليه الله سبحانه وتعالى في قوله تعالى: إنا نحن نزلنا الذكر إنا له لحافظون، فهذا الدين محفوظ بحفظ الله تعالى إلى يوم القيامة.
الإسلام هو دين الأمن وعلى مدعي الثقافة أن يخبرونا من أين تعلموا العلممن جهته قال الشيخ إبراهيم حلس مدير إدارة شؤون الأروقة إن من مظاهر الأمن الثقافي للمجتمعات الإسلامية الحفاظ على العقيدة وثوابتها الأصيلة وهي القرآن والسنة ، فقال صلى الله عليه وسلم: «يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون تحريف الغالين وتحريف المغرضين»، فالله تعالى تعهد لهذه الأمة بأن يبعث رجالا يتصدون لهؤلاء المغالين والمفرطين أيضا ، فرزق الله الأمة بالأزهر الشريف وعلمائه بأن يقوموا بهذه المهمة ، وهم الآن يدافعون عن الدين الحنيف.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الأزهر القرآن والسنة ملتقى الأزهر صلى الله علیه وسلم القرآن والسنة الأزهر الشریف هذه الأمة رسول الله من الذکر
إقرأ أيضاً:
القرآن..البوصلة الحقيقة للأمّة
الانشغال بالقران في شهر القرآن هو تجديد العهد بأيام نزوله
المجتمعات المسلمة بحاجة ملحّة إلى العودة إلى القرآن الحكيم كمنهج وطريقة حياة، لهذا وجب لنا فقه "قراءة القرآن" بمعنى أن نفطِن أو ندرِك حقيقة الفضل والثواب لقارئ القرآن، وفضل من رزِق العمل به، وما ينتظره في الآخرة من عاقبة طيّبة وحسن مآب، لأنّه من أعظم الطّاعات، وأجلّ القربات، فيجب تعويد النفس- قبل رمضان- قراءة القرآن، فهو حبل اللّه المتين، وحامله من أهل اللّه وخاصّته، ويأتي القرآن شفيعًا لصاحبه، الذي يجيد فهم القرآن وتلاوته مع السّفرة الكرام البررة، وتنزل عليه السّكينة، وتغشاه الرّحمة، وتحفّه الملائكة، وله به في كلّ حرف حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، ويقال له يوم القيامة اقرأ واصعد في درجات الجنّة فمنزلك عند آخر آية تقرأها من القرآن، وكثير من الفضائل الجليلة.كما وصف الله القرآن بأوصاف عديدة هي أسماء لها دلالات ومغزى تدلّ على عظيم فضل القرآن وعلوّ منزلة قارئه وعاقبة التلذذ بتلاوته، وهي أنفع الطرق لصلاح القلب وذهاب القسوة عنه، ولا بد من وقفة أو لحظات متأنّية متأمّلة ومتدبرة كي نهّذب نفوسنا ونزكّيها ونطهرها، وتتجسد ذواتنا في هذه الخصال والمناقب، وصف اللّه القرآن بأنه "روح" "وبشرى"، وبأنّه" نور" و "حق"، ويهدي إلى "الرشد"، والتي «هي أقوم» أي أعدل وأصوب الطرق، وصفه بأنه "شفاء" و"هدى" و"بصائر" "كتاب عزيز" كلّ هذا الوصف الحافل الجامع لفضائله لحث المسلم على تعظيمه والاهتداء بآياته، والالتفات إلى أحكامه، والتفكر في محكم بيانه، والالتزام بما اشتمل عليه من تعاليم .
والاحتفاء بهذه النعم الجزيلة والشكر عليها لا يكمل إلا من خلال الإجادة أو القراءة -هناك قلم مصحح للتلاوة- والاعتماد على تفسير واضح وسهل؛ لتحقيق التدبر والإنصات، وإتقانه أو فهمه حتمًا عبادة كاملة، والالتفات إلى العلوم والمعارف المعاصرة لتحقيق فهم عميق للقرآن ليشمل الإعجاز التشريعي والأخلاقي والعلمي أو شتى ميادين العلوم.. الخ أصل الذكر تلاوة القرآن، فحين نفهم القرآن ونتعلمه ونتدارس أحكامه ورسالته سنقوّي صلتنا بالله تعالى، وأنّ القرآن ميسّر لمن أراد أن يحفظه أو يفهمه أو يسترشد به، من قرأ القرآن ليتذكر ويتفكر به ويتدبر وينصت لآياته سهل عليه ذلك، أفلا نعتبر ونتعظ وقد يسر الله القرآن للذكر؟ بدليل قوله: { فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ {.
قراءة القرآن وشهر رمضان احتفاء بشهر انزل فيه القرآن، ومن ابتغى الهدى في غيره أضلّه وأضاعه اللّه، لهذا فإن الانشغال بالقران في شهر القرآن هو تجديد العهد بأيام نزوله، كي نرزق العمل به، والشكر على نعمه وأفضاله أن أنزل علينا كتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
ومن ليس في قلبه شيء من حفظ القرآن كالبيت المهجور الخرب، الخالي من الخير والصلاح، أو القلب الفارغ يحتاج إلى ملء جوانبه بالنور والحق كي يستنير القلب، وينشرح الصّدر ليصل إلى مرحلة التذوق والتلذّذ بذكر الله، وهو علاج لأمراض العصر مثل: الوحشة والقلق والاكتئاب، ويشكّل عقلية الإنسان المسلم ويصوغ حياته حاضرًا ومستقبلًا.
لهذا ذمّ الله الذين لا يتدبّرون مواعظه وآياته ويتفكرون في معانيه ومحكم تنزيله، بأنها "قلوب مقفلة" لا تقبل الخير وفهم آياته ( أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالهَا ) بمعنى أم أقفل الله على قلوبهم فلا يعقلون، ويؤكّد هذا الزركشيّ بقوله: "مَن لم يكن له علمٌ وفهمٌ وتقوى وتدبر، لم يدرك من لذّة القرآن شيئاً".
ما يحدث الآن في مجتمعاتنا الإسلامية من الفتن والنزاعات والحروب الدمويّة، ملزم للمسلم بالرجوع إلى القرآن، هناك أئمة الضلال الذين يبغون الفتنة وفيهم سماعون لهم، ويتبعون متشابهه بتأويلات محرّفة ابتغاء الإيقاع بالشباب في تديّن معوّج يحمل شعارات حزبيّة وسياسيّة تتستر تحت مظلّة الدين، فيوقعونهم في شراك الضلالة تحت مسمّى أنه طريق الجهاد والجنة والصلاح، للنجاة من الفتن ما ظهر منها وما بطن، والحل لهذه الإشكالية هو بالرجوع إلى البوصلة الحقيقة للأمّة "القرآن الكريم" والاستهداء بنوره لتمييز الحق من الباطل والهدى من الضلال، وفي الحديث: (ألا إنها ستكون فتنة. فقلت: ما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: كتاب الله، فيه نبأ ما كان قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم(.