تبدأ غداً في العاصمة البحرينية المنامة القمة العربية الثالثة والثلاثين وسط أجواء يطغى عليها الشعور بالخذلان نتيجة فشل الدول العربية ودول العالم الكبرى في وقف الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة رغم مرور أكثر من سبعة شهور على بدء جرائم جيش الاحتلال الإسرائيلي.. إضافة إلى الأوضاع المأساوية في السودان الذي يعيش أسوأ أيامه على الإطلاق دون أي التفاتة حقيقية من الدول العربية أو من المجتمع الدولي، في وقت يتهم فيه السودان أطرافا عربية بتأجيج الصراع والدفع نحو استمراره.

والمشهد في أكثر من عاصمة عربية ليس أفضل من ذلك؛ فسوريا ما زالت ساحة صراعات دولية وكذلك العراق، والقضية اليمنية لم تصل إلى حل نهائي تعود بموجبه الدولة اليمنية الواحدة، والصراع ما زال قائما بشكل أو بآخر في ليبيا، ولبنان لم يستطع حتى الآن التوافق على رئيس جديد..إلخ.

وبدأ اليوم وصول بعض القادة العرب وروساء الوفود إلى المنامة التي اكتست بأجمل حللها لاستقبال القادة العرب.

ورغم التفاؤل والتوافق الذي ساد الاجتماع التحضيري لوزراء الخارجية العرب يوم الثلاثاء إلا أن سقف التوقعات في الشارع العربي لا يتعدى المواقف الخطابية التي ستكشف عنها كلمات الزعماء العرب في القمة غداً، دون انتظار مواقف عربية عملية يمكن أن تشكل ورقة ضغط على الولايات المتحدة الأمريكية إن لم يكن على إسرائيل نفسها.

ورغم القضايا الكبرى التي كان من الممكن أن تنشغل بها قمة عربية في هذا التوقيت والزمن مثل التحولات والثورات التكنولوجية والتهديدات المناخية وخطر الأوبئة والأمن الغذائي في العالم العربي تبدو القمة محاصرة قبل افتتاحها بالقضايا الأمنية الوجودية وبشكل خاص القضية الفلسطينية والإبادة في غزة وهو ملف رغم محوريته عربيا إلا أنه تحول الآن إلى ملف عالمي ولا يتوقع أن تقدم قمة المنامة حلا سحريا تنتهي بموجبه الحرب، ناهيك عن القدرة على بناء خطاب عربي موجه للعالم يملك قوة الضغط والتأثير من أجل اعتراف دولي بفلسطين دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية على حدود الخامس من يونيو ١٩٦٧.

ورغم الجهود الكبيرة التي تبذلها مملكة البحرين إلا أن المشهد العربي في مجمله مشهد مأزوم تتجاذبه الكثير من الصراعات الداخلية والخارجية وكل هذا ينعكس على القمة وقدرة قراراتها أن تكتسب القدرة على التنفيذ العملي.

وتؤكد دعوة أحمد أبو الغيط أمين عام جامعة الدول العربية إلى بناء استراتيجية عربية متماسكة لوقف الصراع ودفع أجندة الدولة الفلسطينية إلى الأمام على تحول محوري لبناء تدابير عربية استباقية ولكن دعوة أبو الغيط ما زالت تحتاج إلى إرادة عربية جماعية تستطيع بناء مثل هذه الاستراتيجية التي تسعى في مجملها إلي التكامل العربي والعمل المشترك وهي عناوين ليست جديدة وتم طرحها عشرات المرات في القمم العربية على مدى العقود الماضية.

ورغم أن القمة العربية ستبدو منشغلة بالأزمات العربية الكبرى المشتعلة الآن إلا أنها مطالبة، منطقيا على الأقل، للعمل الجاد لمواجهة التحديات الإقليمية طويلة الأمد وهي تحديات خطيرة أيضا.

ويمكن أن تمثل قمة البحرين منعطفا تاريخيا إذا نجحت في تحفيز الدعم الدولي لمشروع حل الدولتين وإنشاء إطار للحوار والتدخل المستمرين، لكن مثل هذه النتيجة تعتمد على قدرة الزعماء العرب على بناء جبهة موحدة تستطيع التعامل مع القوى العالمية واستخدام كل أوراق الضغط العربية من أجل أن تكون الكلمة العربية مؤثرة في بناء جدول الأعمال الدولي؛ ولذلك على قمة البحرين أن لا تبقي نفسها في إطار معالجة وضع عربي آني في فلسطين ولكن عليها أن تعيد تشكيل الاستراتيجية طويلة الأجل لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة التي يكون معادلها الموضوعي هو الاستقرار الإقليمي في منطقة "الشرق الأوسط" وتأمين طرق الملاحة وكذلك تأمين الطاقة. والاختبار الحقيقي في هذا السياق سيكون في ما بعد القمة ومدى قدرتها على تحويل القرارات التي ستخرج بها القمة ـ وهي قرارات في الغالب طموحة ومغرية ـ إلى إجراءات تخرج من على الورق لتكون واقعا ملموسا يحقق الطموحات العربية.

ويبدو أن القمة العربية مطالبة بتوظيف دعم وتعاطف الجماهير الغربية، بما في ذلك النخب الأكاديمية في مختلف الجامعات الغربية، لتشكيل رأي عام عالمي يملك القدرة على الضغط على الحكومات الغربية لوقف دعمها العسكري، على أقل تقدير، لإسرائيل والدفع نحو إنهاء الحروب المصنوعة في العالم العربي وفتح حوارات حضارية من أجل تجاوز خطابات الكراهية التي كرس وجودها وأججها الحرب على غزة وموقف الحكومات الغربية الداعم لما تضمنته تلك الحرب من إبادة جماعية للفلسطينيين الأبرياء.

وهذا الأمر يتوافق مع دعوة أبو الغيط نفسه «لحشد التأييد للاعتراف بفلسطين»، في تحرك «يفضي إلى مؤتمر دولي تُشارك فيه كافة الأطراف المقتنعة بحل الدولتين والراغبة في تعزيز فرص تحققه». رغم أن البعض في العالم العربي يجادل في أن هذا المشروع غير قابل للتحقق رغم موافقة الدول العربية، بما في ذلك فلسطين نفسها؛ لأنه يتعارض مع الفلسفة التي تقوم عليها أوهام الإسرائيليين في شكل "دولتهم" وحدودها، وأن موافقتهم على مبدأ "حل الدولتين" هو كسر عميق في مشروعهم وخلل وجودي.

لكن البعض الآخر يجادل أيضا أن مثل هذا الإيمان الإسرائيلي يمكن أن يتزعزع إذا ما استطاعت "إسرائيل" التخلص من سيطرة اليمين المتشدد الذي يسيطر عليها وصعود تيارات ليبرالية جديدة سواء للسلطة أو لصدارة التنظير لشكل الدولة ومرتكزاتها.

ويبدو أن قمة البحرين ستدعو إلى مؤتمر دولي يهدف لحماية الفلسطينيين ويدفع نحو بناء مسار يحقق "حل الدولتين"، وهذا مفهوم في ظل استمرار تبني جميع الدول العربية، تقريبا، للمبادرة العربية التي ترتكز أساسا على مشروع حل الدولتين في مقابل تطبيع عربي كامل مع إسرائيل.. لكنّ توجهات إسرائيل الجديدة بعيدة عن فكرة بناء علاقات عربية جماعية معها وتبحث الآن عن بناء علاقات ثنائية مع الدول العربية لا تقوم على ركيزة واحدة ولا تنطلق من منطلق واحد، وهذا التوجه بدأ منذ توقيع الاتفاقيات الإبراهيمية قبل أربع سنوات ومستمر الآن في البحث عن علاقات ثنائية جديدة.

وبهذا تبدو قمة البحرين تاريخية بالنظر إلى سياق الأزمات التي تواجه العالم العربي لكنها في الوقت نفسه تواجه تحديات تاريخية غير مسبوقة قد تقف حائط صد أمام قدرة الإرادة العربية على بناء موقف حازم يلبي التطلعات العربية ويكون عند مستوى الحدث وحجمه وخطره.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

فلسطين تطلب عقد اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية

فلسطين – تقدمت دولة فلسطين بطلب للأمانة العامة إلى جامعة الدول العربية لعقد اجتماع طارئ على إثر استئناف إسرائيل حربها على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة

وأعلن المندوب الدائم لدولة فلسطين لدى جامعة الدول العربية السفير مهند العكلوك أن دولة فلسطين تقدمت إلى الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بطلب عقد دورة غير عادية لمجلس الجامعة على مستوى المندوبين الدائمين “على إثر استئناف إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال لجرائم العدوان والإبادة الجماعية والتطهير العرقي”.

وأضاف الدبلوماسي الفلسطيني أن من المنتظر أن تبحث الدورة غير العادية لمجلس الجامعة التحرك العربي والدولي لإلزام إسرائيل بوقف جرائمها وعدوانها ضد الشعب الفلسطيني والانصياع للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية.

واستأنفت إسرائيل قبل فجر امس (الثلاثاء) عملياتها العسكرية ضد قطاع غزة منهيةً بذلك هدنة هشة استمرت لنحو شهرين كانت قد بدأت في يناير الماضي بوساطة مصرية قطرية أمريكية، ونفذت سلسلة غارات جوية مكثفة وأحزمة نارية على عدة مناطق في القطاع.

وأعلنت وزارة الصحة في غزة ارتفاع حصيلة الشهداء جراء الغارات الإسرائيلية على مناطق متفرقة من قطاع غزة منذ ساعات فجر اليوم إلى 412 شهيدا و500 مصاب .

ومنذ السابع من أكتوبر 2023، بدأت قوات الاحتلال عدوانا على قطاع غزة، أسفر عن استشهاد ما يزيد على 48,572 مواطنا، أغلبيتهم من الأطفال والنساء، وإصابة 112,032 آخرين، في حين لا يزال عدد من الضحايا تحت الركام.

المصدر: RT

Previous أكاكوس تُعلن استكمال حفر البئر D-42 بمعدل إنتاج واعد Related Posts الرئيس المصري وملك البحرين يدينان العدوان الإسرائيلي الغاشم على أهالي قطاع غزة الأبرياء عربي 19 مارس، 2025 هجوم صاورخي من اليمن يستهدف إسرائيل عربي 19 مارس، 2025 أحدث المقالات فلسطين تطلب عقد اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية أكاكوس تُعلن استكمال حفر البئر D-42 بمعدل إنتاج واعد حسني بي يحذر: المضاربة على الدولار تتصاعد بسبب زيادة عرض الدينار أبوالقاسم: مصرف ليبيا المركزي في مواجهة منفردة أمام الحكومات والمضاربين الرئيس المصري وملك البحرين يدينان العدوان الإسرائيلي الغاشم على أهالي قطاع غزة الأبرياء

ليبية يومية شاملة

جميع الحقوق محفوظة 2022© الرئيسية محلي فيديو المرصد عربي الشرق الأوسط المغرب العربي الخليج العربي دولي رياضة محليات عربي دولي إقتصاد عربي دولي صحة متابعات محلية صحتك بالدنيا العالم منوعات منوعات ليبية الفن وأهله علوم وتكنولوجيا Type to search or hit ESC to close See all results

مقالات مشابهة

  • كاتب صحفي: الموقف العربي الموحد يمكن أن يلعب دورًا حاسمًا في الضغط على إسرائيل
  • اتحاد المغرب العربي بعد 36 عام إلى أين؟
  • الحد الأدنى للأجور: ما هي الدول الأوروبية التي شهدت أعلى الزيادات؟
  • فلسطين تطلب عقد اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية
  • “الخارجية الفلسطينية” ترحب بردود الفعل العربية والدولية الرافضة لعدوان إسرائيل على قطاع غزة
  • فلسطين تدعو جامعة الدول العربية لاجتماع طارئ لوقف العدوان الإسرائيلي
  • مدبولي: مصر من أوائل الدول التي وقعت على أهداف التنمية المستدامة عام 2015
  • أمين عام جامعة الدول العربية يُدين الغارات الإسرائيلية على غزة
  • الإمبراطورية العُمانية.. تاريخ مُشرق
  • الدول العربية الأكثر ضرراً من الرسوم الجمركية الأميركية