لأول مرة.. مهرجان كان يخصص مسابقة لأفلام الواقع الافتراضي
تاريخ النشر: 15th, May 2024 GMT
تضمنت النسخ السابقة من مهرجان كان السينمائي أفلاما بتقنية الواقع الافتراضي أو المعزز، إلا أن الجديد في الدورة الـ77 التي انطلقت فعالياتها مساء أمس الثلاثاء، تخصيص مسابقة لهذه الأعمال للمرة الأولى، كما في مهرجان فينيسيا (البندقية).
وفي عام 2017، عرض المخرج المكسيكي أليخاندرو غونزاليس إينياريتو فيلمه "اللحم والرمل" (Carne y Arena) بتقنية الواقع الافتراضي، والذي كان أول عمل بهذه التقنية يشارك في المنافسة الرسمية لمهرجان كان.
وفي الدورة الحالية، ستمنح لجنة تحكيم دولية تضم متخصصين في السينما وفي الفن الغامر الجائزة ضمن حفل مخصص.
وتحتوي الأفلام الثمانية المتنافسة على الجائزة الجديدة، مختلف أنواع التكنولوجيا؛ بدءا من أحدث تقنيات الواقع الافتراضي التي تُلزِم المشاهدين وضع خوذ رأس لجعلهم يتنقّلون بين أبعاد متعددة، وصولاً إلى تجارب تفاعلية من دون معدات.
وفي الفئة الأولى، أي الأعمال بتقنية الواقع الافتراضي، يبرز فيلم "عبور الضباب" (Traversing the Mist) للتايواني تونغ ين تشو، والذي يتيح للمشاهد أن يشعر بتحركات الشخصية في كل طبقة أو ممر أو غرفة يمشي فيها، بالإضافة إلى عدم قدرتها على النظر في وجه الآخر.
حوار مع الشاشاتومن بين الأفلام التي توفّر تجارب تفاعلية من دون معدات، "في الحب" (En Amour) للفرنسيَّيْن كلير باردين وأدريان موندو. ويتناول هذا العمل مشاعر الحب بطريقة شاعرية. ولا تستلزم مشاهدة الفيلم أي معدات، ولكن من خلال التحرّك أو لمس الشاشات، يؤثّر المشاهد على جزيئات الضوء الخاصة بالعمل.
وتقول كلير باردين "إنّ الصورة تصبح شريكا وتمكّن الجسد من الدخول في حوار مع الشاشات والأرض"، على وقع أنغام موسيقية ألّفها لوران باردين وتمتزج بين نوعي الالكترو والبوب.
ومن الواضح أنّ آفاق هذه الصيغ من الأفلام واسعة جدا؛ إذ يقول البريطاني بارنابي ستيل، وهو أحد القائمين على فيلم "إيفولفر" (Evolver)، "أعتقد أننا نعيش عصر الأبيض والأسود لهذا النوع من التكنولوجيا".
و"إيفولفر" الذي كان إنتاجه مشتركا بين المملكة المتحدة وفرنسا والولايات المتحدة، يتيح للمشاهد استكشاف القفص الصدري من الداخل، مع صوت كيت بلانشيت ("كارول"، "تار") وتنفّسها.
ومن غير المتوقّع أن تدرّ أعمال مماثلة عائدات مرتفعة كالتي تحققها أفلام "مارفل" أو سلسلة "جيمس بوند" مثلا، فالمبالغ التي يتعيّن استثمارها لتمكين العامة من مشاهدة أعمال كهذه، كبيرة جدا، إذ تتراوح تكلفة كل خوذة رأس ستُستخدم في مهرجان كان بين 200 إلى 500 يورو لمشاهدة فيلم "مايا: ولادة بطل خارق" (Maya: The Birth of a Superhero ) بواقع 4 مستخدمين كحد أقصى لكل عرض خلال المهرجان.
"أخطبوط عملاق"هذا العمل الذي تتشارك فرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة في إنتاجه، يُسمَح بمشاهدته لمَن بلغوا الـ13 فما فوق، يتيح للمشاهد عيش تجربة فتاة صغيرة من أصل هندي تعيش في لندن، وتواجه مضايقات في مدرستها وكيفية تعاملها مع ما تؤمن به عائلتها.
ويحمل هذا التغيير الكبير في حياة الفتاة مايا رسالتَي نضال وأمل كبيرتين. ويضم الفيلم الذي تبلغ مدته 33 دقيقة مشاهد واقعية في المدرسة وأخرى خيالية لمحاربة كائنات شريرة وقوى ظلام. ويصبح المشاهد ممثلاً من خلال فتح راحتيه، لتصبح القدرة على مساعدة الفتاة الصغيرة للانتقال إلى عالم البالغين، حرفيا في أيادي الجميع.
تقول القائمة هذا العمل الهندية بولومي باسو -المولودة عام 2008- "في أحد مشاهد الفيلم، يتعيّن على المشاهد مواجهة أخطبوط عملاق، ويمكنه الشعور بضربات المعركة (…) يتناول العمل بأحد جوانبه قصتي وقصة نساء أخريات، إنه رحلة من الخزي إلى القدرة على تولّي زمام الأمور".
وتختم حديثها بالقول، "إنّ التكنولوجيا تتيح لنا الذهاب نحو مناطق جديدة، فيصبح الواقع الافتراضي عاملا مستفزا لدفع الجميع إلى التفاعل".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات الواقع الافتراضی مهرجان کان
إقرأ أيضاً:
الفوضى وأثرها على الأمم
لعل السؤال الأبرز اليوم في هذا الكوكب هو: ما الذي يجري؟ لماذا كل هذا الانهيار في القيم؟ وفي النظم الأخلاقية؟ لماذا ينحدر العالم إلى الحضيض؟ لماذا تعلن روسيا استراتيجية الأمن الثقافي القومي؟ ولماذا المسلمون يتقبلون الواقع على مذهب ذلك الأعرابي الذي قال: أخذوا الأبل فأوسعتهم سبا؟.
نحن اليوم نعيش واقعا متموجا ومضطربا وقلقا، اليسار العالمي تصدع وبانت شروخه في جدار الزمن، والنظم الديمقراطية أخفقت في تقديم النموذج الأخلاقي الشريف الذي ينتصر للإنسان، والمسلمون في غفلة الوقت فكهون يكتفون ببيانات التنديد والشجب وبالتظاهرات، في حين تقوم التطبيقات الاجتماعية في تفكيك نظمهم الأخلاقية، وجرهم إلى عالم التفاهة، وليس من مشروع حضاري قادر على البقاء والصراع في هذا الواقع المتموج والمنحدر إلى الأسفل.
قبل سقوط بغداد عام 2003م كان هناك مصطلح الفوضى الخلاقة، وبعد سقوطها شاعت هذه الفوضى حتى رأينا البناءات الاجتماعية والنظام العام والطبيعي يتداعى إلى درجة السقوط في الكثير من البلدان، ثم شاعت فكرة الفوضى في الفنون والآداب، وحاول الكثير من أرباب الفنون عن طريق الفوضى الخلاقة إيصال رسالة التشظي والانكسار والانهيار إلى الناس خاصة المجتمع العراقي كمجتمع مستهدف مطلع الألفية الثالثة، وبعد اجتياح فوضى الربيع العربي وانهيار النظم العامة والطبيعية في الكثير من البلدان العربية، ها هي فكرة الفوضى الجديدة تبرز من جديد كقوة تحارب جنبا إلى جنب مع النظام الرأسمالي في مواجهة روسيا التي سارعت إلى الإعلان عن استراتيجية الأمن القومي الثقافي، كجزء من استراتيجية الصراع مع الغرب الذي يفرض النظم الأخلاقية الجديدة التي تستهدف الإنسان في قيمته المادية والمعنوية وتحويله إلى كيان فوضى ومسخ .
الغرب اليوم يقر بحقوق التحول الجنسي، ويقر المثلية، ويقر الممارسة الجنسية مع الحيوانات، ويستهدف الإنسان حتى يصبح كيانا خاليا وعاطلا من أي محتوى قيمي، أو إنساني من خلال نظم الفوضى الخلاقة، وقد نشأ في الغرب نفسه تيارات فكرية مناهضة لهذا التوجه السياسي للنظام الدولي، وصدرت عدد من الكتب، هذه الكتب تناقش فكرة النظام الأخلاقي الجديد، كيف تبدأ الأفكار؟ وكيف تصبح في مخيلة المجتمع؟ وكيف يتخيل المجتمع وجوده الاجتماعي في العلاقات والتعامل البيني؟
فالمتخيل الاجتماعي فهم عام مشترك يجعل الممارسات الاجتماعية ممكنة كما تذهب إلى ذلك الكثير من النظريات الاجتماعية الحديثة.
اليوم نحن نعيش في زمن ما بعد الحداثة العالم يطرح رؤى فلسفية، ومتخيلات لنظم أخلاقية، ويعمل على فلسفة القيم ويعيد بناءها بعد القيام بنظم التفكيك وبما يتسق مع المستوى الحضاري المعاصر.
نحن كعرب وكمسلمين ما الذي نقوم به؟
هذا السؤال هو السؤال الأهم في سياق ما يحدث حولنا من انهيارات وهزائم للنظم الأخلاقية والقيم النبيلة التي كانت تنتصر للإنسان في سالف الزمان والعقود.
السؤال المطروح سؤال وجودي في عالم يسيطر على الموجهات الكلية والعامة، ضرورة الإجابة عليه لا تعني بالمطلق بيانات الإدانة والشجب ولا التظاهرات والحملات الإعلامية التي تنتهي في ظرف زمني وجيز لا يتجاوز الساعات وربما الثواني المعدودة.
نحن أمام حرب ثقافية وهذه الحرب تواجه بمثلها، فالصاروخ والدبابة والبندقية لا تحسم فيها معركة، ولذلك فخوض المعركة – وهو أمر حتمي – يتطلب وعيا متقدما وفهما للواقع واستراتيجيات، وخطط واضحة المعالم والأهداف، ويمكننا العودة إلى زمن الحرب الباردة بين الشرق والغرب للاستفادة من طرق وأساليب إدارة المعركة مع هذا الغول المتوحش الرأسمالي الذي بدأ يشيع في حياة البشرية نظريات الفوضى وتمتين علاقتها مع نظريات أخرى مثل نظرية الاحتمالات، ونظرية الكارثة، ونظرية التعقيد.
التفكير العلمي والمنطقي الذي يستمد مقوماته من تغيرات الواقع، ويحوّل ذلك إلى تصورات في محاولة لتفسير هذا الواقع هو الطريق القادر على الوقوف أمام هذا التوحش.
فالفكر العلمي المعاصر تتخلله رؤى جديدة إلى الواقع في مختلف مستويات الوجود، تعبر إلى حد ما عن انفصال وقطيعة مع ما تحقق في الماضي ولا بد لنا من معالجة الظواهر بما يتسق وضرورات المرحلة الحضارية والثقافية.
يقول الكاتب خليفة داوود: ” لقد قدم الفكر العلمي الجديد نماذج معرفية صنعتها عدة نظريات، لاسيما في ميدان الفيزياء، وكان من أهمها: ميكانيكا الكم ونظرية النسبية… وما صاحب ذلك من تغير بعض المفاهيم العلمية الأساسية كالانتظام والاطراد والتنبؤ والاتصال..، وبرزت إلى الوجود أبحاث تسعى إلى الكشف عن تفاصيل الظواهر الطبيعية؛ فتوصل بعض العلماء إلى أن ظواهر الطبيعة لا هي بمطردة وغير منتظمة ولا يمكن التنبؤ بها، ومن ثمّ فإن إمكان فهم الطبيعة باستعمال المنهج الرياضي لا يصمد – في كل الأحوال – أمام ما تزخر به ظواهر الطبيعة من تفاعلات غير متوقعة”.
نحن في معركة كبرى اليوم ولا بد لنا من استخدام النظم المعرفية والنظريات حتى ننتصر، فالمعركة التي أعلنت عن نفسها اليوم هي معركة كبرى البقاء فيها للأكثر معرفة بقوانين الطبيعة وبنظم المعرفة وبالمستويات الحضارية التي تحتاج إلى الانتظام والأخلاق بما يتسق مع التطورات، فالفوضى لن تكون إلا دمارا شاملا للأمم والشعوب.