لماذ تتعثر الصفقة بين إسرائيل والمقاومة؟
تاريخ النشر: 15th, May 2024 GMT
د. عبدالله الأشعل **
أعلنت المقاومة شروطها الأربعة للدخول فى صفقة مع إسرائيل؛ وهذه الشروط هي: أولًا: الوقف الشامل والدائم لعملية الابادة، ثانيًا: عودة النازحين إلى مناطقهم فى القطاع، ثالثًا: جلاء القوات الإسرائيلية عن غزة، رابعًا: إدخال المساعدات دون إشراف إسرائيل.
وهذه الشروط تسمح بتبادل المحتجزين من الطرفين، أما إسرائيل وأمريكا فقد وضعا شرطًا واحدًا وهو استمرار الإبادة حتى ينتهي الشعب الفلسطيني وتنتهي مقاومته وتتحرر غزة من حكم حماس، دون أن يكون للسُّلطة دخل فيما بعد الحرب، وفى هذه الحالة يتم تحرير الرهائن الإسرائيليين وحدهم.
هذه الصيغة ظلّت تراوح مكانها شهورًا طويلة؛ لأن نتنياهو يعتقد جازمًا أنه سيُحاسَب على التقصير الأمنى والاداء العسكرى المُتدني، لذلك كان ذلك أحد أسباب عدم قبوله وقف إطلاق النار. أما السبب الثاني، فهو إحساس نتنياهو بالمسؤولية عن اهتزاز الأمن بإسرائيل، لذلك فإنه يطمح لأن يكون بن جوريون آخر، ويهمه دوره ورتبته فى المجد الصهيوني، وهذه شهادة فى المقاومة أنها ضربت المشروع الصهيوني في مقتل، ولا يمكن أن يسترد المشروع عافيته، وأن يعود كما كان في السابق، ثم إن هجوم المقاومة في "7 أكتوبر" أحبط "صفقة القرن" التي كان بعض العرب مُستعدين لتنفيذها، وقد أعلنوا عن ذلك صراحة مع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ويتمنون أن ينجح ترامب فى الانتخابات المقبلة، حتى يمهد المسار أمامهم لتشييد "إسرائيل الكبرى"، ولكن المقاومة أحبطت آمالهم جميعًا، وأثبتت أن فلسطين لأهلها، وأن الغرباء من اليهود أساءوا الأدب، وسوف يظهر التاريخ أن الولايات المتحدة أقوى من قضى على المشروع الصهيوني بسبب تحريضها لإسرائيل ومشاركتها فى أعمال الإبادة.
فشلت الصفقة في الماضي لأسباب عديدة؛ السبب الأول: هو أن المقاومة تريد أن تخرج منتصرة على إسرائيل، وأن إسرائيل تريد القضاء على المقاومة؛ أي إدارة الصراع بنظرية المعادلة الصفرية (zero sum game)، ولكن ذلك مستحيل؛ لأن الغرب وقف بشدة مع إسرائيل وتنكر لشعاراته، كما أن إسرائيل تحلَّلت من أي قيد أخلاقي أو قانوني أو غيره، وساعدها على ذلك أن البيئة العربية فى أحسن الحالات تلعب دور الوسيط، لذلك رأينا أن نيكارجوا في أمريكا اللاتينية هي التى استفزَّها السلوك الألماني، فرفعت الدعوى ضد ألمانيا أمام محكمة العدل الدولية، وبالطبع قرّرت المحكمة أنها غير مُختصة. ومن ناحية أخرى، فإن جنوب إفريقيا تحمَّست لمقاضاة إسرائيل أمام المحكمة الدولية، ولولا أن جنوب إفريقيا انسحبت من "ميثاق روما" 2017 لشاركت خمس دول أخرى أعضاء في "ميثاق روما" رفعوا الدعوى ضد إسرائيل أمام المحكمة، وعلى كل حال تَشكَّل فريقٌ من المحامين الدوليين ومن رجال القانون فى جنوب إفريقيا للتصدى للظاهرة الإسرائيلية التي تهدد المجتمع الدولي وقانونه، وتُشجِّع على الإفلات من العقاب، ويترتب على ذلك أنَّ الأطراف المختلفة المباشرة وجدت استحالة انتصار هذه النظرية، ولا بُد من التمهيد لنظرية أخرى، وهي الخروج من الحرب بانتصار الطرفين المقاومة تكسب السكان وإسرائيل حققت ما لم تكن تحلم به من إبادة السكان، وهي مرحلة من المراحل، خصوصًا وأن المشروع الصهيوني يقوم على التدرُّج.
السبب الثاني أن نتنياهو يُدرك جيدًا أن الصفقة معناها حل حكومته وإجراء انتخابات جديدة ومحاكمته وانتهاء هيئته السياسية؛ لذلك عارض نتنياهو أي صفقة، وظل حتى اليوم يُردد أن الصفقة لن تُوقف اجتياح مدينة رفح الفلسطينية؛ وذلك بسبب تعنُّته وعناده؛ لأنه يعلم أن اجتياح رفح يؤدي للاحتكاك مع مصر، والولايات المتحدة لا تريد أن تخسر إسرائيلُ مصرَ.
السبب الثالث: أنَّ الوسطاء بقيادة الولايات المتحدة تعرضوا لضغوط كثيرة، ويكفي أن الجامعات الأمريكية تغلي، وأن الرئيس جو بايدن لا يستطيع أن يتحمل النتائج الكارثية لنظام ديمقراطي يقمع حرية التعبير والتظاهر؛ لذلك فإن تصريح وزير الخارجية الأمريك يشير إلى أن واشنطن مُصرَّة على إنجاح الصفقة.
السبب الرابع: أن المقاومة أدركتْ أن الولايات المتحدة وإسرائيل بدأوا حربَ دعاية ضدها؛ لذلك فإنَّ إسرائيل تلوم المقاومة على تعنتها في التوصل إلى صفقة؛ لذلك شاع التفاؤل بين الوفود المختلفة الوسطاء وإسرائيل والمقاومة، وقدمت المقاومة بعض التنازلات إدركًا منها بأنَّ الصفقة تُنقذ آلافًا من الشهداء الفلسطينيين، وتذكرتْ أن إسرائيل كانت تلوم المقاومة على أعمال الإبادة لأن إسرائيل قالتْ منذ شهور إنه لو كانت المقاومة تعمل للشعب الفلسطيني لضحَّت واستسلمت وسلَّمت أسلحتها لإسرائيل، وإسرائيل مستعدة للوقف الفوري لأعمال الإبادة، وكأنَّ أعمال الإبادة انتقامٌ من المقاومة، ولكنَّ الصحيح أن أعمال الإبادة جوهر المشروع الصهيوني.
الخلاصة.. مع كتابة هذا المقال، نتفاءل بأنَّ الصفقة سوف يتمُّ التوقيع عليها، كما أنَّ المقاومة لديها شكوك فى مصداقية إسرائيل؛ لذلك طلبت من 3 دول أن تضمن تنفيذ هذه الصفقة؛ وهي: أمريكا ومصر وتركيا، خاصة وأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أعلن أن الإجراءات التجارية ضد إسرائيل ستتوقف، إذا جرى التوصل إلى صفقة تبادل للأسرى ووقف الحرب.
إنَّ نجاحَ الصَّفقة يتوقف على هذه العوامل: جدية الموقف الأمريكي، ومرونة المقاومة، وتنشيط دور الوسطاء، واستمرار ميزان القوة في الميدان، وجديَّة اتجاه أطراف الصراع واقتناعهم بصيغة "لا غالب ولا مغلوب"، على الأقل مرحليًّا!
** أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
خبير عسكري: عمليات جباليا تعكس فشل إسرائيل في السيطرة على المنطقة
تعكس العمليات المتواصلة التي تنفذها فصائل المقاومة ضد قوات الاحتلال في شمالي قطاع غزة فشل إسرائيل في السيطرة على هذه المنطقة التي تعرضت لعملية تدمير وتهجير واسعة، كما يقول الخبير العسكري العقيد ركن حاتم الفلاحي.
وفي وقت سابق اليوم الاثنين، أعلنت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، أنها قتلت عناصر قوة إسرائيلية تحصنت داخل مبنى في بيت لاهيا شمالي القطاع، بعدما طعنت وقتلت 3 عسكريين كانوا يحرسونه.
وتكررت خلال الأيام الأخيرة عمليات الإجهاز على جنود الاحتلال بالأسلحة البيضاء في الشمال، الأمر الذي يعتبره المراقبون أنه يعكس جرأة مقاتلي المقاومة وتفوقهم البدني والمهاري على جنود الاحتلال.
وتختلف التكتيكات في حرب العصابات من منطقة لأخرى بحسب نوعية الهدف وسبل الوصول إليه، وفق الفلاحي، الذي أشار إلى أن بعض الأهداف قد يصعب الوصول إليها بالأسلحة النارية.
تفوق بدني ومهاري
كما أن هذه العمليات -والحديث للفلاحي- تعكس أيضا أن معرفة المقاومة بطبيعة الأرض واستغلالها لها، فضلا عن وصولها إلى مرحلة لم تعد تهتم فيها بالطريقة التي ستقاتل بها حتى لو كانت سكينا أو حربة.
وعزا الخبير العسكري هذا التصاعد في العمليات من جانب المقاومة، إلى بدء جيش الاحتلال التوغل في الشجاعية وعزبة بيت لاهيا لتوسيع عمليته العسكرية في الشمال.
إعلانولن يكون هذا التوسع العملياتي نزهة، برأي الفلاحي، الذي يرى أن المقاومة أثبتت قدرتها على الوصول لأماكن لم يكن الاحتلال يتوقع وصولهم لها.
ففي مثل هذه الحالات -يضيف الخبير العسكري- ستكون قوات الاحتلال هدفا سهلا للمقاومة التي تعتمد على مواجهة القوة الكبيرة بمجموعات صغيرة تجنبا للحرب المباشرة.
وأعلن الجيش الإسرائيلي أن العسكريين الثلاثة الذين قتلوا في شمال غزة من لواء كفير، وقال إن أحدهم ضابط.
ووفقا لهيئة البث الإسرائيلية، فقد قتل 38 جنديا في شمال قطاع غزة منذ بداية العملية العسكرية الأخيرة في الخامس من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
لكن الناطق باسم القسام "أبو عبيدة"، قال إن خسائر الاحتلال أكبر مما يتم الإعلان عنه، ووصف أوضاع الجنود الإسرائيليين في الشمال بالمزرية.