ضربة مزدوجة لسرطان الثدي وتوابعه الثانوية بالدماغ.. عن طريق الجسيمات النانوية
تاريخ النشر: 15th, May 2024 GMT
مِثل الحصن المنيع الذي يصد هجوم الأعداء، هكذا يبدو الحاجز الدموي في الدماغ، فهو ضروري لإبعاد المواد الضارة. لكن هذه الميزة التي تعد مهمة في الأوضاع الطبيعية، تصبح تحديا كبيرا عندما يتعلق الأمر بتوصيل الأدوية لعلاج أورام المخ، إذ يتعامل هذا الحاجز الطبيعي معها مثل أي جزيئات ضارة ويمنع دخولها للمخ.
وسعت أكثر من فرقة بحثية حول العالم إلى إحداث ثغرة في هذا الحصن المنيع باستخدام الجسيمات النانوية المحملة بالمادة الدوائية، وتباينت نسب النجاح التي تحققت والطرق المستخدمة، ومن بينها طريقة جديدة أعلن عنها الفريق البحثي من مركز "سيلفستر" الشامل للسرطان بكلية الطب في جامعة ميامي ميلر بالولايات المتحدة.
وتهدف الطريقة التي أعلن عنها الباحثون في دراسة نشرتها دورية "بروسيدنجز أوف ذا ناشونال أكاديمي أوف ساينس"، إلى قتل أورام سرطان الثدي الأولية والنقائل الدماغية في ضربة مزدوجة بعلاج واحد، وتُظهر تجاربهم أن هذه الطريقة يمكن أن تقلص أورام الثدي والدماغ في الدراسات المختبرية.
وتنشأ نقائل الدماغ -أو كما تسمى بـ"الأورام التابعة أو الثانوية"- في الغالب من أورام صلبة مثل سرطان الثدي والقولون، وغالبا ما يرتبط ظهورها بسوء التشخيص، ويمكن أن تظهر هذه الأورام الثانوية في أكثر من مكان بالجسم، أخطرها في الدماغ حيث تكون هناك صعوبة في العلاج بسبب الحاجز الدموي الدماغي.
وبالنظر إلى أن الخلايا السرطانية غالبا ما يكون لها شكل مختلف من التمثيل الغذائي مقارنة بالخلايا السليمة، فإن خنق عملية التمثيل الغذائي يمكن أن يكون وسيلة فعالة لقتل الأورام دون الإضرار بالأنسجة الأخرى.
وتَستخدم الطريقة الجديدة -التي أعلن عنها الباحثون بقيادة "شانتا دهار" الأستاذة بمختبر أبحاث العلاج النانوي بقسم الكيمياء الحيوية والبيولوجيا الجزيئية بكلية الطب بجامعة ميامي ميلر- جسيمات متناهية الصغر طورها الباحثون في دراسات سابقة لهم، وهذه الجسيمات مصنوعة من بوليمرات قابلة للتحلل الحيوي، وهي "حمض الجليكوليك اللاكتيك" و"بولي إيثيلين جلايكول".
والجديد في البحث أن شانتا دهار ورفاقها، ربطوا هذه الجسيمات مع مركب "ثلاثي فينيل فوسفونيوم" الذي سيكون له دور في توجيه تلك الجسيمات بعد تحميلها بالمادة الدوائية نحو الخلايا السرطانية في الثدي والدماغ.
ومركب "ثلاثي فينيل فوسفونيوم" يتكون من "أيون موجب الشحنة"، وغشاء "الميتوكوندريا" في الخلايا السرطانية يكون مفرطا في الاستقطاب (الشحنة السالبة تزيد عن مستواها الطبيعي)، وبالتالي يساعد هذا المركب على وصول الجسيمات النانوية المحملة بالمادة الدوائية إلى الميتوكوندريا (العضيات المنتجة للطاقة داخل الخلايا)، وهذا من شأنه خنق عملية التمثيل الغذائي لتلك الخلايا، مما يساعد على قتل الأورام دون الإضرار بالأنسجة الأخرى.
دواء جديد وآخر معدلوالمادة الدوائية المحملة على تلك الجسيمات النانوية، هي عقار جديد أنتجه الفريق البحثي، وآخر قديم عملوا على تعديله. ووفق ما جاء في الدراسة، فإن أحد هذه الأدوية هو نسخة معدلة من عقار العلاج الكيميائي الكلاسيكي "سيسبلاتين" الذي يقتل الخلايا السرطانية عن طريق إتلاف الحمض النووي في الخلايا سريعة النمو، مما يوقف نموها بشكل فعال.
ولأن الخلايا السرطانية يمكنها إصلاح الحمض النووي الخاص بها، مما يؤدي في بعض الأحيان إلى مقاومة "السيسبلاتين"، عدل الفريق البحثي في دراسات سابقة الدواء لتحويل هدفه من الحمض النووي العادي إلى الحمض النووي للميتوكوندريا.
و"الميتوكوندريا" هي مصادر الطاقة للخلية، وتحتوي على جينومات أصغر بكثير، والأهم من ذلك بالنسبة للأغراض العلاجية للسرطان أنها لا تمتلك نفس آلية إصلاح الحمض النووي.
وبسبب قدرة الخلايا السرطانية على التبديل بين مصادر الطاقة المختلفة للحفاظ على نموها وتكاثرها، دمج الباحثون عقار "السيسبلاتين" المعدل الذي يسمونه "بلاتين إم" والمسؤول عن مهاجمة عملية توليد الطاقة المعروفة باسم "الفسفرة التأكسدية"، مع دواء آخر طوروه وهو "ميتو دي سي إيه" الذي يستهدف على وجه التحديد بروتين "الميتوكوندريا" المعروف باسم "الكيناز"، والذي يمنع تحلل السكر، وهو نوع مختلف من توليد الطاقة.
وإذا كان وصول هذه الجسيمات النانوية المحملة بالمادة الدوائية لأورام الثدي ليس صعبا، فإن وصولها للمخ خضع لتجارب عديدة.
تقول شانتا دهار في بيان نشره الموقع الإلكتروني لجامعة ميامي ميلر: إنه "من خلال البحث والتطوير الدقيقين، تمكنّا من تحسين تركيبة الجسيمات النانوية لتمكينها من اختراق الحاجز الدموي بالدماغ واستهداف أورام المخ بشكل فعال". ولا تعرف دهار وفريقها الآلية التي تعبر بها هذه الجسيمات حاجز الدم في الدماغ، وأضافت: "ما زلنا نعمل على فهم الآلية".
واختبر الفريق الجسيمات النانوية المتخصصة المحملة بالأدوية في الدراسات قبل السريرية على حيوانات التجارب، ووجدوا أنها تعمل على تقليص أورام الثدي وخلايا سرطان الثدي التي زرعت في الدماغ لتكوين أورام هناك، ووجدوا أيضا أن تركيبة الأدوية والجسيمات النانوية غير سامة وتطيل فترة البقاء على قيد الحياة بشكل ملحوظ في الدراسات المعملية.
وبعد ذلك، يريد الفريق اختبار طريقتهم في المختبر لتكرار النقائل الدماغية البشرية بشكل أوثق، وربما حتى باستخدام الخلايا السرطانية المشتقة من المريض، كما أنهم يريدون اختبار الدواء في النماذج المختبرية للورم الأرومي الدبقي، وهو سرطان دماغي عدواني بشكل خاص.
ولا يَعتبر المدير المؤسس لبرنامج علوم النانو بمدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا "إبراهيم الشربيني" التوصل إلى جزيئات تعبر الحاجز الدموي بالدماغ إنجازا كبيرا، لأن هناك أكثر من فريق بحثي – ومنها فريقه البحثي- نجح في ذلك، فالأمر يخضع للتجارب والمحاولات حتى تصل إلى تركيبة جسيمات نانوية قادرة على العبور.
لكنه أثنى على التحليلات الجينية المهمة التي أجريت بالدراسة، وعلى الفكرة المتعلقة بتوجيه "ضربة مزدوجة" للورم الأصلي وتوابعه في المخ، ويقول: "ربما تكون هذه هي نقطة القوة المهمة في الدراسة، وإن كنت أرى أنه ستكون هناك صعوبة في نقل هذا البحث إلى التطبيق السريري".
ويضيف: "الخلايا التي تتفكك من السرطان وتبدأ في التحرك بالدم مسببة سرطانات أخرى، هي سمة مميزة للمرحلة الأخيرة من المرض، وفي هذه المرحلة لن يظهر توابع للسرطان في المخ فقط، ولكن الأكثر ظهورا سيكون في الرئة، كما يظهر في أماكن أخرى، وبالتالي فإنه في هذه المرحلة تكون فرص البقاء على قيد الحياة ضعيفة للغاية، ولن يجدي معها أي علاج".
لذلك، ومع تأكيد الدكتور الشربيني قيمة الدراسة من الناحية العلمية، فإنه يؤكد أن فرص تطبيقها ستكون صعبة، وقال: "الأهم والأولى هو تشجيع الكشف المبكر عن السرطان، لأنه الوسيلة الأنجع لحصار المرض وتجنيبنا خطر توابعه الثانوية".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات الخلایا السرطانیة الجسیمات النانویة الفریق البحثی هذه الجسیمات الحمض النووی سرطان الثدی فی الدماغ
إقرأ أيضاً:
وقفة.. ضربة أمريكا لمنشآت إيران النووية
وقفتنا هذا الأسبوع سوف نتوقف فيها قليلا ونلقى الضوء على ضربة أمريكا لمنشآت إيران النووية، فقد فوجئنا فجر يوم الجمعة قبل الماضي بانطلاق أحدث طائرات أمريكا المقاتلة من إحدى القواعد وضربها لمنشآت إيران النووية في أصفهان ونطنز وفوردو، نتائج الضربة الحقيقية المؤكدة أظن أنها لن تُعرَف في المدى الزمنى القصير الحالي، بل قد ننتظر بعض الوقت لنعرف بشكل مؤكد نتائج تلك الضربة لأسباب كثيرة.
فلنسر مع أحد السيناريوهات المتوقعة لنتائج تلك الضربة وهو أنها أصابت الهدف فهذا سيتسبب في تسرب إشعاعي خطير ومداه سيكون أخطر على منطقة الشرق الأوسط وخاصة الدول المحيطة بإيران والقريبة منها، وبالطبع متوقع معه توجيه إيران ضربة بناء على ذلك لمفاعل ديمونة بالأراضي المحتلة من إسرائيل بأرض فلسطين الحبيبة، وسيكون أيضا أمر في غاية الخطورة إذا ترتب على تلك الضربة تسريب إشعاعي قد تنتقل آثاره للدول الملاصقة والقريبة من أراضي فلسطين المحتلة ومنها مصر لا قدر الله، لذا يجب أن تقوم الدول العربية ومنها مصر من الآن بإنشاء إدارة أزمات حقيقية بكل دولة، تنبثق عنها إدارات فرعية متخصصة تكون كل إدارة فرعية بها فرق أزمات تتولى كل إدارة وفرقها الجزئية الفنية المتعلقة بها.
وفى النهاية تقوم كل إدارة بإعداد التقرير النهائي المجمع وعرضه على رئيس الإدارة العليا الرئيسية لاتخاذ وإصدار القرارات الاستراتيجية للنجاح في مواجهة مجموع الأزمات المتوقعة، والأزمات المتوقعة قد لا تخرج عن أزمات صحية وأمنية وغذائية ومياه الشرب، وأسعار السلع والخدمات وتوافرها، والإعلام والشائعات، وقناة السويس وآثار غلق مضيق هرمز بواسطة إيران وغيرها من الأزمات المتوقعة وغير المتوقعة عن طريق التنبؤ ووضع كافة الحلول لكافة السيناريوهات، ولابد من وجود تعاون بين الدول العربية والإسلامية وبعضها البعض، ولا بد من خلق قنوات اتصال مع الدول المتسببة في الأزمة، والدول الصديقة لها، حتى يتواكب مع وضع سيناريوهات حل الأزمات المتوقعة وغير المتوقعة، وإمكانية حل الازمة الرئيسية الحادثة بين الدول المتسببة في الأزمة، الفترة القادمة تحتاج إلى عقول إبداعية في جميع المجالات وعلى مستوي اتخاذ القرارات الاستراتيجية، والله الموفق والمستعان.
إلى هنا انتهت وقفتنا لهذا الأسبوع، أدعو الله أن أكون بها من المقبولين، وإلى وقفة أخرى الأسبوع القادم إذا أحيانا الله وأحياكم إن شاء الله.
اقرأ أيضاًليس بمقال.. بل فضفضة عامة وبحث عن شغف الحياة المفقود في ثنايا أرواحنا
مقال «الأسبوع» يزلزل الاحتلال.. مرصد إسرائيلي يتهم الدكتور محمد عمارة بالتحريض ضد إسرائيل