بين مؤسسة الدراسات والمؤتمر القومي: نحو وعي عربي جديد للقضية الفلسطينية
تاريخ النشر: 15th, May 2024 GMT
لا تزال القضية الفلسطينية ومعركة طوفان الأقصى محور الاهتمام الفكري والسياسي والاعلامي والبحثي في العالم العربي، وعلى الصعيد الإقليمي والدولي.
فقد أدت معركة طوفان الأقصى إلى حراك فكري عربي- إسلامي جديد في كيفية مقاربة القضية الفلسطينية بعد مرور أكثر من 76 على النكبة في العام 1948 وقيام الكيان الصهيوني، ومن يستعرض ما يجري على الصعيد العربي والإسلامي من ندوات ومؤتمرات وأنشطة متنوعة يشعر أننا أمام مرحلة جديدة تتجاوز كل المفاهيم والأفكار التي انتشرت خلال السنوات الست والسبعين الماضية.
وفي إطار إعادة البحث قي كيفية مقاربة القضية الفلسطينية بعد معركة طوفان الأقصى، تشهد العاصمة اللبنانية (بيروت) خلال الأسبوعين القادمين حدثين مهمين حول القضية الفلسطينية، الأول مؤتمر فكري دولي حول القضية الفلسطينية بدعوة من مؤسسة الدراسات الفلسطينية بعنوان: "75 عاما من النكبة المستمرة- الإنتاجات المعرفية"، وذلك بين العشرين والثالث والعشرين من شهر أيار/ مايو الحالي، بالتعاون والشراكة مع مجموعة من المراكز البحثية والجامعات في فلسطين والعالم ومنها: جامعة بيرزيت، والجامعة الأمريكية في بيروت، والجامعة اليسوعية، والمعهد الالماني للأبحاث الشرقية، والمجلس العربي للعلوم الاجتماعية، ومركز الدراسات الفلسطينية في جامعة كولومبيا في نيويورك.
أدت معركة طوفان الأقصى إلى حراك فكري عربي- إسلامي جديد في كيفية مقاربة القضية الفلسطينية بعد مرور أكثر من 76 على النكبة في العام 1948 وقيام الكيان الصهيوني، ومن يستعرض ما يجري على الصعيد العربي والإسلامي من ندوات ومؤتمرات وأنشطة متنوعة يشعر أننا أمام مرحلة جديدة تتجاوز كل المفاهيم والأفكار التي انتشرت خلال السنوات الست والسبعين الماضية
والحدث الثاني هو المؤتمر القومي العربي لدورته (33) بين 31 أيار/مايو و2 حزيران/ يونيو 2024، تحت عنوان دورة "طوفان الأقصى"، حيث ستكون أعمال المؤتمر مخصصة في الكامل لدراسة أبعاد وتداعيات معركة طوفان الأقصى وواقع القضية الفلسطينية اليوم وتفاعلاتها العربية والإقليمية والدولية، وكذلك مستقبل المشروع النهضوي العربي على ضوء ما يجري من تطورات حول القضة الفلسطينية (وقد تحدثنا عن تفاصيل هذا المؤتمر في مقال سابق)، لكن من المهم البحث في كيفية مساهمة معركة طوفان الأقصى في ولادة وعي عربي جديد؛ سواء بالنسبة للقضية الفلسطينية أو حول المشروع العربي النهضوي ودور حركة التحرر العربية والتيارات القومية واليسارية والإسلامية والليبرالية في مواكبة القضية الفلسطينية.
فعلى صعيد مؤسسة الدراسات الفلسطينية (وهي من أهم مراكز الدراسات العربية والدولية التي تُعنى بالقضية الفلسطينية وتتابع مجرياتها منذ ستين عاما تقريبا)، فقد أرادت المؤسسة إحياء الذكرى الستين لتاسيسها والتي كانت مقررة في العام 2023 من خلال الإطلالة على الذكرى الخامسة والسبعين للنكبة الفلسطينية. وتعتبر المؤسسة أن القضية الفلسطينية تمر اليوم في لحظة مفصلية هامة على ضوء استمرار الحرب المسعورة على قطاع غزة والتي استهدفت كل مرتكزات القضية الفلسطينية، ولذلك لا بد من التمسك بمواصلة العمل الفكري والبحثي للتصدي للمشروع الصهيوني التدميري وإعادة قراءة النكبة الفلسطينية على ضوء التطورات الجارية.
وتعتبر المؤسسة أن سؤال النكبة ليس سؤال الماضي فحسب، بل هو أيضا سؤال الحاضر والمستقبل، لأن الحركة الصهيونية لا تزال تسعى للقضاء على ذاكرة النكبة، التي تشكل مكوّنا رئيسيا من مكونات الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني الذي يحتاج اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى إبقاء ذاكرة النكبة حيّة ومواصلة دراستها وتعليمها.
وسيتناول مؤتمر مؤسسات الدراسات الفلسطينية عناوين متعددة بالغات العربية والفرنسية والإنجليزية والعبرية ومنها: الحرب على غزة وهل هي فصل جديد من فصول النكبة أو محطة على طريق التحرر، قراءة في مفهوم النكبة بعد 75 عاما، إعادة قراءة قسطنطين زريق في ظل النكبة المستمرة (والمعروف أن المفكر العربي قسطنطين زريق من أوائل المفكرين العرب الذين طرحوا سؤال النكبة وأسبابها وكيفية مواجهتها)، نكبات وثورات ونحو نقد عربي جديد، الصهيونية بعد حرب الإبادة، تقييم نقدي للإنتاج المعرفي الفلسطيني ما بعد النكبة، المشروع الوطني التحرري الفلسطيني في ظل حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة.
هذه بعض الموضوعات التي سيتم الإطلالة عليها في مؤتمر الدراسات الفلسطينية، وبموازاة ذلك سيكون المؤتمر القومي العربي معنيا في البحث حول مشروع التحرر العربي ودور قوى المقاومة اليوم، وانعكاس تطورات القضية الفلسطينية اليوم على كل المشروع النهضوي العربي في مختلف مجالاته، إضافة لقراءة التطورات والمتغيرات الإقليمية والدولية وخصوصا ما يجري في الجامعات الأمريكية والغربية من حراك طلابي لدعم القضية الفلسطينية.
هذه الأنشطة الفكرية تؤكد أن القضية الفلسطينية لا تزال محور الحراك الفكري والنضالي اليوم، وخصوصا بعد معركة طوفان الأقصى وتداعياتها المستمرة منذ أكثر من سبعة أشهر، لكن من المهم أن تتم مقاربة هذه التطورات بروحية جديدة بعيدا عن روح الانهزام أو الضعف أو الجانب المأساوي فقط.
رغم العدد الكبير من الشهداء والتدمير الحاصل في غزة ولبنان وما يجري من معركة قاسية في الضفة الغربية المحتلة، فإننا اليوم نشهد ولادة جديدة للقضية الفلسطينية على الصعيد العالمي، وفي المقابل يعيش الكيان الصهيوني أزمة عميقة بسبب تراجع قوة الردع وازدياد المخاطر الكبرى على وجوده وحجم الخلافات الداخلية، وكل ذلك يؤشر إلى أننا سنكون في المرحلة المقبلة أمام متغيرات جديدة لصالح القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني
فرغم حجم التضحيات التي يقدمها الشعب الفلسطيني وكذلك الحرب الدائرة على الجبهات المساندة في لبنان واليمن والعراق، ورغم العدد الكبير من الشهداء والتدمير الحاصل في غزة ولبنان وما يجري من معركة قاسية في الضفة الغربية المحتلة، فإننا اليوم نشهد ولادة جديدة للقضية الفلسطينية على الصعيد العالمي، وفي المقابل يعيش الكيان الصهيوني أزمة عميقة بسبب تراجع قوة الردع وازدياد المخاطر الكبرى على وجوده وحجم الخلافات الداخلية، وكل ذلك يؤشر إلى أننا سنكون في المرحلة المقبلة أمام متغيرات جديدة لصالح القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني.
لكن مهمة الفكر العربي والمؤسسات الفكرية العربية والقوى القومية والتحررية أن تبحث في كيفية مقاربة كل هذه التطورات وتوليد وعي عربي جديد قادر على مواكبة المتغيرات، والخروج من ثقافة النكبة إلى ثقافة التحرر والمقاومة وبناء رؤية جديدة قادرة على ملاقات التضحيات التي يقدمها الشعب الفلسطيني وقوى المقاومة في فلسطين ولبنان واليمن والعراق، وملاقاة ما يجري في العالم من وعي جديد حول القضية الفلسطينية.
نحن اليوم أمام مرحلة جديدة في النضال تتطلب مقاربات فكرية وبحثية ونضالية جديدة، فهل سنشهد بعض هذه المقاربات في مؤتمر مؤسسة الدراسات الفلسطينية والمؤتمر القومي العربي في دورته الثالثة والثلاثين في بيروت؟
ومن سيكون المفكر العربي الجديد الذي سيعيد تفكيك سؤال النكبة مجددا ويقدّم لنا مقاربة جديدة للمشروع العربي والإسلامي الذي يحمي قوى المقاومة ويساندها في معركتها التحررية الجديدة؟
twitter.com/kassirkassem
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفلسطينية النكبة غزة المقاومة فلسطين غزة الاحتلال المقاومة النكبة مقالات مقالات مقالات اقتصاد سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الدراسات الفلسطینیة معرکة طوفان الأقصى القضیة الفلسطینیة للقضیة الفلسطینیة الکیان الصهیونی المؤتمر القومی مؤسسة الدراسات على الصعید عربی جدید فی کیفیة ما یجری أکثر من
إقرأ أيضاً:
طوفان الأقصى: السياسي والإيديولوجي
يمكننا، كما استخلصنا بعض السمات التي أفرزها طوفان الأقصى من جانب تعامل الطغمة الصهيونية والأمريكية معه، نريد التوقف على الجانب العربي بهدف النظر في كيفية تعاطيه مع القضية الفلسطينية عموما، وحدث 7 تشرين الأول/ أكتوبر بصفة خاصة.
لقد تصرف العرب عموما مع الحدث، وكأنه بعيد عن انشغالاتهم وهمومهم بالقدر الذي يتطلبه هذا الحدث العظيم. ولم يطرأ التغيير في مواقفهم منه إلا بعد أن طرح ترامب مسألة تهجير سكان غزة إلى مصر والأردن، حيث بدأت القضية لديهم تأخذ مسارا آخر. فكان الإجماع الذي افتقدته القضية منذ مدة طويلة.
قد تتعدد تفسيرات الواقع العربي، حكومات، وشعوبا، وأحزابا والتحولات التي أدت إلى المواقف من القضية الفلسطينية عكس ما وقع مثلا في 1973. لكني أريد الذهاب إلى البحث في الذهنية التي تتحكم في التصور العربي، ولا سيما لدى من ظلت القضية الفلسطينية تمثل لديهم أولوية في الصراع ضد الاستيطان، والهيمنة الأمريكية. وأقصد بصورة خاصة الأحزاب المعارضة، والنقابات، والمثقفين على اختلاف طوائفهم وألوانهم. وللقيام بذلك سأميز بين الإيديولوجيا والسياسة لأنني أرى هذا التمييز المدخل الطبيعي والضروري لفهم وتفسير ما جرى.
أعتبر السياسة فن إدارة وتدبير الوجود البشري لتحقيق المكاسب. أما الإيديولوجيا فنشر أفكار، والدفاع عنها باستماتة بهدف كسب الأنصار. إن الإيديولوجي الذي يمارس السياسة يعمل بدون وضع الزمن وتحولاته في نطاق ممارسته. إن ما يهمه بالدرجة الأولى هو تقديم تصوره الإيديولوجي الذي يتبناه ويظل يدافع عنه. والعرب لم يكونوا يمارسون السياسة ولكن الإيديولوجيا. إن الإيديولوجيا العربية، أيا كانت منطلقاتها ومقاصدها، هي ما يمارسه العرب في علاقتهم فيما بينهم، فتجد الفرقة بينهم تتخذ بعدا دينيا وطائفيا (سنة، شيعة)، وجغرافيا وحدوديا (شمال وجنوب، وغرب وشرق)، وسياسيا (حكومات وحركات). وكل منهم يرى أن إيديولوجيته هي التي تمتلك الحقيقة، والآخر ضال. وفي ضوء هذا التمايز تتخذ المواقف ضد أو مع ما يجري في الساحة العربية داخل كل قطر عربي، وبين الأقطار العربية. وهذه المواقف هي التي تتحدد في العلاقة مع الصهيونية وأمريكا خارجيا، حيث الرضوخ لهما بدعوى التحالف أو اتخاذ الحياد السلبي، أو التصريحات المجانية.
يبدو لنا ذلك بجلاء في المواقف الفلسطينية أولا من طوفان الأقصى. لقد اعتبرته السلطة الفلسطينية خطأ لأنه أعطى لإسرائيل الذريعة لتدمير غزة، وشاركتها الدول العربية الموقف عينه بصورة أو أخرى، وهو الموقف الذي اعتمده الغرب أيضا، وهو يصطف إلى جانب الأطروحة الصهيونية ــ الأمريكية. لقد تم التعامل مع الحدث على أنه عمل حركة إرهابية هي حماس ضد دولة معترف بها عالميا، ولم يكن التعامل معه باعتباره وليد صيرورة من الصراع الفلسطيني ــ الإسرائيلي. وأنه لم يأت إلا ضد ما كانت تمارسه السلطات الصهيونية ومستوطنوها في القدس، وما ظلت تقوم به لتصفية القضية نهائيا، وخاصة منذ ولاية ترامب الأولى التي دعا فيها إلى نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، مدعيا جعلها عاصمة أبدية لإسرائيل، متنكرا بذلك لكل القرارات الأممية حول القدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية، وحل الدولتين.
أمام عدم انخراط الضفة الغربية في طوفان الأقصى، وهو ما كانت تخشاه إسرائيل، ملأت جبهات الإسناد الساحة، وقامت بدورها في دعم المقاومة في غزة، فبدا طوفان الأقصى وكأنه وليد إملاءات إيرانية، فاستغل هذا عالميا، وخاصة من لدن إسرائيل وأمريكا لتحوير الحرب الحقيقية من كونها قضية وطن إلى حرب بالوكالة لفائدة إيران التي صارت قطب «محور الشر». فكانت الاغتيالات لهنية في طهران، وبعد ذلك لرموز حزب الله وحركة حماس ليست نهاية لطوفان الأقصى بل لتأجيجه ودفعه في اتجاه مناقض لما كانت تحلم به إسرائيل التي توهمت أن القضية الفلسطينية ليس وراءها سوى إرهابيين يكفي القضاء عليهم لإنهاء القضية وإقبارها إلى الأبد.
لكن الصمود الوطني الأسطوري للمقاومة دفعها إلى القبول بوقف إطلاق النار في جنوب لبنان، وبعد ذلك في غزة. وخلال هدنة تبادل الأسرى والمختطفين تفرغت الآلة الجهنمية الصهيونية للضفة الغربية مستهدفة تهجير المواطنين وتدميرها كما فعلت في غزة. ومع التحول الذي عرفته سوريا، ونهاية «الممانعة» التي كانت تمنع من المواجهة مع العدو، ها هي إسرائيل تهدد أمن بلد خرج للتو من كابوس مرعب بدعوى السيمفونية النشاز: حماية أمنها القومي؟ إسرائيل شعب الله المختار عليه أن يحافظ على أمنه الذي عليه تكدير أمن «جيرانه» غير المحتملين، وتنغيص الحياة عليهم. هذه هي السياسة الصهيونية التي تنبني على إيديولوجية التسلط والهيمنة.
يبدو لنا ذلك بجلاء في المواقف الفلسطينية أولا من طوفان الأقصى. لقد اعتبرته السلطة الفلسطينية خطأ لأنه أعطى لإسرائيل الذريعة لتدمير غزة، وشاركتها الدول العربية الموقف عينه بصورة أو أخرى، وهو الموقف الذي اعتمده الغرب أيضا،
إن كل هذا نتيجة الخلاف الإيديولوجي بين مكونات المقاومة الفلسطينية الذي ظلت إسرائيل تغذيه وتفرضه طيلة كل عقود الصراع. ولا فرق في ذلك من يحمل السلاح لأنه إرهابي، ومن يخضع للهيمنة الصهيونية باسم سلطة لا حق لها في ممارستها. فكلاهما غير مرغوب فيه لأن إسرائيل للإسرائيليين وليست لأي عربي. هذا الدرس لم يفهمه بعض الفلسطينيين والعرب الذين اتخذوا مواقف مضادة من طوفان الأقصى. وهو الدرس الأكبر الذي يقدمه الطوفان لمن لم يريدوا فهم طبيعة الكيان الصهيوني وأسطورته الإسرائيلية، وهو ما يبدو حاليا بشكل أجلى منذ انتخاب ترامب في ولايته الثانية. وهو ما ظل يصرح به أبدا سموتريتش وبن غفير بوقاحة وجرأة وطغيان وعنصرية مقيتة.
يمارس الفلسطينيون بمختلف تياراتهم واتجاهاتهم السياسة، ومعهم كل الأحزاب والمنظمات الحقوقية والأهلية العربية من منظور حركات التحرر العالمية في الستينيات، أي في ضوء تصورات إيديولوجية معينة. ومواقفهم من بعضهم البعض تتأسس على قاعدة: من ليس معي، فهو ضدي. إنها القاعدة التي لا يتولد منها سوى الحقد الإيديولوجي، والاقتتال الداخلي، والصراع المستدام. إنهم لا يميزون بين التناقض الرئيسي والتناقضات الثانوية. بل إن ما هو ثانوي يصبح لديهم أساسيا، وفي المستوى الأول، بينما التناقض الرئيسي يقبع في الخلفية. ولذلك نجدهم يُرهِّنون تناقضاتهم الداخلية الخاصة، وتحتل المكانة الكبرى أمام ما تمثله تناقضاتهم مع عدوهم الخارجي التي تصبح وكأنها غير موجودة. يغذي العدو هذه التناقضات، ومن مصلحته إدامتها لبسط هيمنته، وإدارته الصراع بما يخدم مصلحته.
تبدأ ممارسة السياسة لدى الفلسطينيين إذا ما جمدوا تناقضاتهم الداخلية، ووجهوا التناقض نحو العدو المشترك. في هذا التجميد يكمن الحس الوطني الحقيقي في بعده الديمقراطي والوحدوي الذي تهمه قضية الوطن عبر وضعها فوق أي اعتبار. أما تبادل الاتهامات وادعاءات تمثيل الشعب الفلسطيني فليس سوى خطابات جوفاء لا قيمة لها لأنها تعبير عن إيديولوجيا زائفة.
إن الدرس الأكبر الذي نستنتجه من الحدث الأكبر طوفان الأقصى، والذي هو في الحقيقة حلقة من حلقات ما يمكننا تعلمه من تاريخنا الحديث في صراعنا مع الآخر، أي من الاستعمار التقليدي إلى الجديد يدفعنا إلى تأكيد أن ما قلناه عن الفلسطينيين ينسحب على العرب حكومات وشعوبا وأحزابا ومنظمات مختلفة. إن التناقض الرئيسي ليس مع من يختلف معنا، ويعارضنا، إنه ضد التبعية، والتخلف، والتفرقة، والتأخر عن العصر الذي نعيش فيه. إنه ضد الآخر الذي يسعى لإدامة التفرقة بين الدول والشعوب، وإشاعة الفتنة، ونهب ثروات وخيرات البلاد العربية، والحيلولة دون تقدمها. إنه ضد الطائفية والعرقية والظلامية، ومع حرية المواطن وكرامته وعزته في وطنه، ووحدة الأوطان، وتعزيز التعاون والتقارب بينها لما فيه الخير للجميع.
إذا لم تكن السياسة فن إدارة التدبير من أجل الحياة الكريمة فإنها ليست سوى إيديولوجيا توليد التناقضات وتفريخ الصراعات، وإشعال النزعات وإشاعة النزاعات، ويكفي النظر إلى ما يمور به واقعنا لتأكيد أن الإيديولوجي مهيمن في حياتنا على السياسي.
لقد كشف طوفان الأقصى حقيقة واقعنا مع ذاتنا ومع الآخر. فإلى متى يظل يلدغ المؤمن من الجحر مرتين؟