هل من أفق للمصالحة بين السودانيين؟
تاريخ النشر: 15th, May 2024 GMT
خالد فضل
التيار الكهربائي مقطوع الآن، وقطوعات الكهرباء أمر معتاد في قرى الجزيرة، يحمد الناس الله كثيرا على نعمة بصيص منها يجئ ويذهب كيفما اتفق، استلقي على سرير بدون فرش في سور بلدي مساحته حوالي 300م مربع؛ استخدمه منذ نحو عام كمزرعة منزلية صغيرة لإنبات بعض الخضروات، من فوقي نصف شجرة سنط سامقة؛ لقد قص إخواني بعض فروعها الضخمة لحرقها (فحم) في منطقة لم تصلها أنبوبة غاز طبخ واحدة منذ بضعة شهور، ولا بد من نار في البيت، لقد تحول جميع سكان القرية إلى (فحامّة) منذ أن وطأت قريتهم أقدام (الدعّامة) ! السماء مرصعة بنجوم كثيفة؛ في الغالب تحرم الكهرباء الناس من رؤيتها.
ماذا لو تمّ تصميم امتحان دولي بقرار من مجلس الأمن، يعده خبراء دوليون ومختصون في مجالات الحكم الرشيد وبناء الدولة الحديثة، يشمل مثلا محاور: نوع الحكم وطبيعة الدولة، الاقتصاد والتنمية المستدامة، حقوق الإنسان والبيئة، العلاقات الدولية والدبلوماسية والتعاون الدولي، الاستغلال الأمثل للموارد، الشؤون الأمنية والدفاع..إلخ ما يراه المختصون من محاور، يجلس لأداء هذا الامتحان جميع السودانيين/آت في وقت واحد، وذلك عبر ممثليهم الذين يتم اختيارهم بشروط ميسرة هي، الرشد، سلامة العقل، إثبات الهوية (سوداني/ة فقط)، إجادة القراءة باللغة العربية أو الإنجليزية. مع الاحتفاظ بهوية الجهة التي يمثلها المشاركون وعدم نشرها إلا في حالة رفض الجهة المحددة لنتائج الامتحان النهائية بزعم أنها لم تشارك فيه. كيفية اختيار الجالسين للامتحان؟ لنفترض أن لدينا في السودان نحو 10 آلاف منظومة اجتماعية ومهنية ومناطقية وقبلية وعشائرية وحزبية وفئوية وفكرية وعقائدية..إلخ أو أكثر، تختار أي منظومة مهما كان عدد منتسبيها عدد أربعة أشخاص ممن تنطبق عليهم الشروط السابقة، اثنان من النساء واثنان من الرجال، عن طريق الحاسوب وبالاختيار العشوائي يتم اختيار رجل واحد وامرأة واحدة من بين الأربعة للجلوس للامتحان، في هذه الحالة سيكون لدينا 20 ألف ممتحن أو أكثر، مع مراعاة تصميم الامتحان ليلبي حاجة ذوي الإعاقة السمعية أو البصرية أو الحركية، توزيع هؤلاء الممتحنيين على قاعات مريحة ومجهزة وفق أرقام الجلوس المعروفة في الامتحانات، يمكن أن تكون قاعات جامعة الخرطوم مثلا. أمام كل ممتحن لوحة إلكترونية عليها زران فقط إذ الإجابة المطلوبة تشتمل على خيارين وحيدين أوافق / أو لا أوافق، وفي حالة الامتناع من الإجابة لا يدوس الممتحن على أي من الزرين. وتحسب نسبة الامتناع في النتيجة النهائية، وتستخرج نسبتها المئوية لكل سؤال. ثم يتوالى طرح الأسئلة باللغتين طبعا وبلغة ذوي الإعاقة كذلك الذين تجهز لهم الأدوات اللازمة لوصول السؤال وفرصة الإجابة بيسر وبفرصة متساوية وعادلة مع الآخرين. مع تحديد الوقت المناسب للإجابة عن كل سؤال.
تتم عمليات استخراج النتائج كلها عن طريق الحاسوب وفق برنامج معلوم، وبالتالي تعتبر النتائج التي تظهر هي تعبير عن رأي كل السودانيين في المجالات المطلوبة لبناء دولتهم، وهي تمثل المشروع الوطني المتفق عليه، ومنه يتم صناعة الدستور الدائم للبلاد، ويتم إذاعة هذه النتائج في وسائط الإعلام والتواصل داخليا وإقليميا ودوليا وبمختلف لغات العالم بحيث يعلم سكان الأدغال أو طلبة جامعة هارفارد أن نسبة كم بالمئة من السودانيين يوافقون على هذا، أو لا يقبلون بهذا , وتعتمد الأمم المتحدة ومجلس الأمن النتائج النهائية، والتي تعتبر وثيقة الحل الناجع الناجم من رؤية جميع السودانيين , ولا يحق لأحد بعد ذلك أن يزعم المزاعم حول تمثيله للسودانيين /آت، فلا حكومة أمر واقع ولا يحزنون، ولا لجان مقاومة وما يقاومون، ولا كتائب البراء وما يجاهدون ولا قوات حميدتي وما يهرفون، ليس هناك مالك للعقار أو مستأجر له، مثلما ليس هناك مجال بأن هذه حركة شعبية أو أخرى حركة بتاعت (حركات مناوية ساكت)، ليس هناك فرصة لصاحب حنجرة عسكورية أو فقه أسطوري أو آيدلوجيا كونية، الآن لدينا نتيجة امتحان لممثلي جميع سكان السودان، فإذا كانت النتائج لصالح (السودانيين لا يوافقون على بناء دولتهم الحديثة)، فليرفع العالم كله يديه عنهم، ويتركهم وشأنهم حتى ينقرض نسلهم، وتخلو أرضهم من الحياة بكل أوجهها، وأهو تكون هناك مساحة أكثر من ستمائة ألف ميل مربع تحولت إلى تطبيق فعلي لنظرية الخلو المباح! هذا لا قدر الله ذلك. وأرضا سلاح حي على الفلاح، من سيقوم بتنفيذ نتائج الامتحان الحلم؟ بيني وبينك ده سؤال بيت القصيد، هل من يشارك بالإجابة ولو في الأحلام!!!
الوسومخالد فضلالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: خالد فضل
إقرأ أيضاً:
روابط وعرى وثيقة تجمع السودانيين من الفاشر حتى بورتسودان
حركة التاريخ عجيبة، أشياء قد تبدو لك في غاية الشر تؤدي لخلق نقيضها الذي ينفيها، لا أقول أن هناك غاية تبرر كل شيء موجود لكنها سنة التدافع، ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض، مخطط المليشيا العنصري وحد الناس، مؤامرات الغربيين عززت الشعور الوطني، الحاجة والواقع المزري كشفت روابط وعرى وثيقة تجمع السودانيين من الفاشر حتى بورتسودان، المسألة ليست حول (مناخ مثالي) وعالم متخيل يحلم به البعض لكنها حول واقع مضطرب يحوي مشروعين إثنين فقط، الأول نحو الوحدة والسيادة والانفكاك عن التبعية، والثاني يتجه نحو التفكك والتحلل والخضوع التام للخارج. المشروعان يصطرعان على عدة أصعدة، في السياسة والإعلام والفكر والميدان العسكري، وما ليس منه بد هو أن نقاوم ونصمد حتى ننتصر.
والله أكبر والعزة للسودان.
هشام عثمان الشواني
إنضم لقناة النيلين على واتساب