خالد فضل

التيار الكهربائي مقطوع الآن، وقطوعات الكهرباء أمر معتاد في قرى الجزيرة، يحمد الناس الله كثيرا على نعمة بصيص منها يجئ ويذهب كيفما اتفق، استلقي على سرير بدون فرش في سور بلدي مساحته حوالي 300م مربع؛ استخدمه منذ نحو عام كمزرعة منزلية صغيرة لإنبات بعض الخضروات، من فوقي نصف شجرة سنط سامقة؛ لقد قص إخواني بعض فروعها الضخمة لحرقها (فحم) في منطقة لم تصلها أنبوبة غاز طبخ واحدة منذ بضعة شهور، ولا بد من نار في البيت، لقد تحول جميع سكان القرية إلى (فحامّة) منذ أن وطأت قريتهم أقدام (الدعّامة) ! السماء مرصعة بنجوم كثيفة؛ في الغالب تحرم الكهرباء الناس من رؤيتها.

مثلما حرمت الحروب، وما تزال تحرم السودانيين من رؤية فرص العيش المشترك والخلاق بينهم، لقد واتتني وأنا على هذه الحال هذه الخاطرة التي أسجلها وأشاركها مع من يقرأون هذه الكلمة.

ماذا لو تمّ تصميم امتحان دولي بقرار من مجلس الأمن، يعده خبراء دوليون ومختصون في مجالات الحكم الرشيد وبناء الدولة الحديثة، يشمل مثلا محاور:  نوع الحكم وطبيعة الدولة، الاقتصاد والتنمية المستدامة، حقوق الإنسان والبيئة، العلاقات الدولية والدبلوماسية والتعاون الدولي، الاستغلال الأمثل للموارد، الشؤون الأمنية والدفاع..إلخ ما يراه المختصون من محاور، يجلس لأداء هذا الامتحان جميع السودانيين/آت في وقت واحد، وذلك عبر ممثليهم الذين يتم اختيارهم بشروط ميسرة هي، الرشد، سلامة العقل، إثبات الهوية (سوداني/ة فقط)، إجادة القراءة باللغة العربية أو الإنجليزية. مع الاحتفاظ بهوية الجهة التي يمثلها المشاركون وعدم نشرها إلا في حالة رفض الجهة المحددة لنتائج الامتحان النهائية بزعم أنها لم تشارك فيه. كيفية اختيار الجالسين للامتحان؟ لنفترض أن لدينا في السودان نحو 10 آلاف منظومة اجتماعية ومهنية ومناطقية وقبلية وعشائرية وحزبية وفئوية وفكرية وعقائدية..إلخ أو أكثر، تختار أي منظومة مهما كان عدد منتسبيها عدد أربعة أشخاص ممن تنطبق عليهم الشروط السابقة، اثنان من النساء واثنان من الرجال، عن طريق الحاسوب وبالاختيار العشوائي يتم اختيار رجل واحد وامرأة واحدة من بين الأربعة للجلوس للامتحان، في هذه الحالة سيكون لدينا 20 ألف ممتحن أو أكثر، مع مراعاة تصميم الامتحان ليلبي حاجة ذوي الإعاقة السمعية أو البصرية أو الحركية،  توزيع هؤلاء الممتحنيين على قاعات مريحة ومجهزة وفق أرقام الجلوس المعروفة في الامتحانات، يمكن أن تكون قاعات جامعة الخرطوم مثلا. أمام كل ممتحن لوحة إلكترونية عليها زران فقط إذ الإجابة المطلوبة تشتمل على خيارين وحيدين أوافق / أو لا أوافق، وفي حالة الامتناع من الإجابة لا يدوس الممتحن على أي من الزرين. وتحسب نسبة الامتناع في النتيجة النهائية، وتستخرج نسبتها المئوية لكل سؤال. ثم يتوالى طرح الأسئلة باللغتين طبعا وبلغة ذوي الإعاقة كذلك الذين تجهز لهم الأدوات اللازمة لوصول السؤال وفرصة الإجابة بيسر وبفرصة متساوية وعادلة مع الآخرين. مع تحديد الوقت المناسب للإجابة عن كل سؤال.

تتم عمليات استخراج النتائج كلها عن طريق الحاسوب وفق برنامج معلوم، وبالتالي تعتبر النتائج التي تظهر هي تعبير عن رأي كل السودانيين في المجالات المطلوبة لبناء دولتهم، وهي تمثل المشروع الوطني المتفق عليه، ومنه يتم صناعة الدستور الدائم للبلاد، ويتم إذاعة هذه النتائج في وسائط الإعلام والتواصل داخليا وإقليميا ودوليا وبمختلف لغات العالم بحيث يعلم سكان الأدغال أو طلبة جامعة هارفارد أن نسبة كم بالمئة من السودانيين يوافقون على هذا، أو لا يقبلون بهذا , وتعتمد الأمم المتحدة ومجلس الأمن النتائج النهائية، والتي تعتبر وثيقة الحل الناجع الناجم من رؤية جميع السودانيين , ولا يحق لأحد بعد ذلك أن يزعم المزاعم حول تمثيله للسودانيين /آت، فلا حكومة أمر واقع ولا يحزنون، ولا لجان مقاومة وما يقاومون، ولا كتائب البراء وما يجاهدون ولا قوات حميدتي وما يهرفون، ليس هناك مالك للعقار أو مستأجر له، مثلما ليس هناك مجال بأن هذه حركة شعبية أو أخرى حركة بتاعت (حركات مناوية ساكت)، ليس هناك فرصة لصاحب حنجرة عسكورية أو فقه أسطوري أو آيدلوجيا كونية، الآن لدينا نتيجة امتحان لممثلي جميع سكان السودان، فإذا كانت النتائج لصالح (السودانيين لا يوافقون على بناء دولتهم الحديثة)، فليرفع العالم كله يديه عنهم، ويتركهم وشأنهم حتى ينقرض نسلهم، وتخلو أرضهم من الحياة بكل أوجهها، وأهو تكون هناك مساحة أكثر من ستمائة ألف ميل مربع تحولت إلى تطبيق فعلي لنظرية الخلو المباح! هذا لا قدر الله ذلك.  وأرضا سلاح حي على الفلاح،   من سيقوم بتنفيذ نتائج الامتحان الحلم؟ بيني وبينك ده سؤال بيت القصيد، هل من يشارك بالإجابة ولو في الأحلام!!!

الوسومخالد فضل

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: خالد فضل

إقرأ أيضاً:

لماذا افكر ..؟ سؤال وجيه ووجه ذو وجوه !

بقلم : حسين الذكر ..

الدكتور منذر حبيب استاذ الادب الانكليزي الذي اكن له تقديرا جما كتب لي سائلا : ( يقول الفيلسوف غرامشي :-إن المثقف يموت حينما يتخلى عن قضايا مجتمعه وعصره، لينغمس كليا في ممارسة الحياة ) . مردفا : ( اليوم أصبح المثقف بالنسبة لأغلبية افراد المجتمع هو شخص حاصل على دكتوراه أو ماجيستير ليظل مفهومه منحصر بين هلالين ) .. ثم وجه سؤال مباشر لي سائلا : ( ما مفهوم الثقافة عندكم .. وما الذي يدفعكم للخوض في الفلسفة الفكرية ) ؟.
فاجبت : ( منذ بواكير الوعي التي تحفزت وانطلقت ارهاصاتها على شكل اسئلة حبلى لم اجد لها اجابات ولا اقوى على مصارحة الذات والمحيط بها .. مما جعل شبابي سيما في ظل الاوضاع السياسية العربية عامة والعراقية خاصة مطلع الثمانينات تفتح امامي جملة من ابواب الحيرة عصية الاغلاق او الاهمال .. فكانت تنساب اسئلة مبهمة او شطحات فكرية مبكرة ) !.
فتسائلت :

ما الغاية من الخلق ولماذا نحن هنا والمغادرة ليست بعيدة وبلا قصدية ؟ من جاء بي دون ارادتي وما الذي سيجعلني اغادر مكرها مرغما ؟ لماذا التفاوت الانساني بكل شيء في منظمومة رائعة التنظيم حد الذهول ؟ الانسان كائن متفيض من ذات لا بد ان تكون خيرة مقتدرة فلماذا التشطين الانساني غير المتسق مع قدرة الخالق العظيم التي نحن امتداد لها ؟

مسترسلا :
كل ما يحيط امة العرب ضعف وتفكك حد الهوان تحت يد تدفعهم قهرا منذ الاف السنين التي لم تتغير برغم دهور المعاناة فكل الامور مسيطر عليها خارجيا وما نراه مجرد صور وزخرف يغطي الكثير من الفضح خلفه ؟
لماذا اهل الفكر والنوايا الحسنة مضطهدون على طول الخط ؟
غير ذلك الكثير مما يجتاحني ويدور براسي حد الاختمار وتشكيل مطلب اساسي لوقف الالم الموخز للضمير ومتعب الروح وكاتم الحواس .
اختمار :
بعد اجارب العبور لعدد من مطبات الحياة المميتة والمذلة وتعزيزها بتحصيل المعرفة وجدت اعلى درجات الايمان واكثر تعابير الطاعة للخالق تتمثل ليس بالطقوس والقشور بل تتجلى ( وتفكروا في خلق السماوات والارض ) !
فضلا عن ثبوت عدم صحت العقيدة – من وجهة نظر شخصية بالوراثة – سيما العمياء منها !
مع عن تزايد آلام البشرية الروحية والمادية برغم تطورات وهيمنة التقنيات !
شعور وايحاء :
اصبحت اشعر هناك وحي ضاغط بكياني يجبرني على التخلق السامي في الارض والتحلي بالجراة لاقتحام سبل السماء .. لا لرغبات عمياء او مجرد نزوات معرفية او شهوانية .. بل ردت فعل طبيعية ينسجم مع اختمار التجربة وتفتق سبل الوعي لمحاكاة صوت الحرية وفيض الفضول المعرفي المكتنز والمتحفز حتى غدا شاغلي الاول في الحياة معززة برغبة انسانية جامحة للتخلص من الألم لجميع المخلوقات المشاركة لمحنة الانسان في الارض .
بيان ورؤية :
( هذه الرسالة لم تكن وليدة اليوم ولا بعمر الحكمة الذي جاوزت فيه سن الستين بل رافقني منذ الشباب وقد صرحت به مطلع تسعينات القرن المنصرم .. باوج فواجع العراقيين وكوارثهم السياسية والعسكرية والامنية والاقتصادية والاجتماعية … التي حلت بهم بعد اجتياح الكويت وما سمي بعمليات تحريره التي نعاني من تبعاتها وويلاتها حتى اليوم . فقد اجبت على سؤال اعلامي وجه لي كمواطن انذاك او بالاحرى لشاب بمقتبل العمر وقد عبرت فيه عن امنياتي بمناسبة حلول راس السنة الميلادية عام 1992 ، فقلت : ( اتمنى ان اكون على بينة من امري وان ينتفي الالم العام ) .
شكرا :
لكم دكتورنا الغالي وآمل ان اكون قد وفقت بالاجابة عما يجيش بخاطري ونفسي وروحي بكل صديقاتها ومختلجها وحقيقتها ؟

حسين الذكر

مقالات مشابهة

  • عن الرئاسي.. شرادة: إصدار مرسوم من جسم حدوده الجغرافية محدودة مجرد “هدرزة ليل”
  • خبير تربوي: مراجعة معايير امتحانات الثانوية العامة وتوزيع الأسئلة ضرورة
  • غارديان: السجون اليونانية تعج باللاجئين السودانيين
  • ارتفاع كبير في نسب الرسوب في “البيرمي” ووزارة النقل تلزم الصمت
  • بعد النتائج المتدنية.. نادٍ رياضي عراقي يعاقب لاعبيه ويتوعدهم بـالقسوة
  • العمال الكردستاني: لا نريد أن نكون الطرف المفسد للمصالحة
  • لماذا افكر ..؟ سؤال وجيه ووجه ذو وجوه !
  • الجنجويد هم اجبن السودانيين
  • أفضل أدعية للمذاكرة قبل الامتحان لتهدئة النفس وزيادة التركيز
  • عودة النازحين السودانيين-مناورة سياسية فوق أنقاض وطن ممزق