فشل الفيلق الأفريقي بديل “فاغنر” وتسببه في اقالة وزير الدفاع الروسي
تاريخ النشر: 15th, May 2024 GMT
في مساء يوم الأحد الموافق 12 مايو/أيار، أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تعديلات جوهرية على التشكيل الحكومي الجديد. ومن بين القرارات البارزة التي اتخذها الرئيس المعين حديثًا لفترة جديدة، جاءت إقالة وزير الدفاع سيرغي شويغو من منصبه، وتعيين النائب الأول لرئيس الوزراء السابق أندريه بيلوسوف بديلاً عنه ليتولى رئاسة الوزارة.
وأشار الناطق الرسمي باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، إلى ضرورة استبدال وزير الدفاع في وقت النزاع مع أوكرانيا، مؤكدًا أن “يجب أن تكون وزارة الدفاع مفتوحة تمامًا على الابتكار، واستيعاب جميع الأفكار المتقدمة، وتهيئة الظروف لتحقيق التنافسية الاقتصادية.”
تم تداول هذه الأخبار على نطاق واسع من قبل وسائل الإعلام الروسية وقنوات التلغرام السياسية، حيث أكدت القنوات المستقلة أن هذه القرارات مرتبطة بعدة أسباب، بما في ذلك الأمور المتعلقة بالعمليات العسكرية الخاصة وبعض المهام الخارجية لروسيا، وبشكل خاص في مناطق أفريقيا.
تعتمد روسيا على “الفيلق الأفريقي” الجديد في تعزيز التعاون العسكري والسياسي مع بعض الدول الأفريقية، وتهدف أيضًا إلى استبدال الشركة العسكرية الخاصة “فاغنر” في الدول الأفريقية التي عملت فيها، ولكن هناك تقديرات تشير إلى عدم قدرة التشكيل العسكري الجديد حتى الآن على تحقيق أهدافها المعلنة، بما في ذلك تعزيز التعاون مع الجهات الرسمية في ليبيا والتوسع في العلاقات الروسية الأفريقية من خلال الانتقال إلى دول أفريقية أخرى.
في الوقت نفسه، أعلنت شركة “فاغنر” مؤخرًا عن حاجتها لاستقطاب مقاتلين جدد للعمل في أفريقيا، حيث نشرت عروض عمل على قنواتها في تلغرام أكثر من مرة خلال الشهر الماضي. هذا يشير إلى عدم نجاح “الفيلق الأفريقي” التابع لوزارة الدفاع في كسب ثقة الدول الأفريقية التي تعاونت مع “فاغنر” لسنوات طويلة، حيث كانت الشركة تقدم خدمات أمنية مقابل بعض الامتيازات. هذا النوع من التعاون لم يتم تحقيقه بواسطة التشكيل العسكري الجديد حتى في ليبيا، أين يتمركز الفيلق الأفريقي.
وذكرت بعض وسائل الإعلام أن اعتقال نائب وزير الدفاع تيمور إيفانوف مؤخرًا من قبل السلطات الروسية، ضمن حملة ضخمة تقودها أجهزة الأمن الروسية لمحاربة الفساد كان أحد الأسباب التي أدت لاحقًا الى تغيرات كبيرة داخل الوزراة. كان اسم إيفانوف مرتبطًا بـ”الفيلق الأفريقي”، حيث زُعم أنه استخدم منصبه لتحقيق مكاسب شخصية من نشاطات الفيلق الأفريقي. تبين لاحقًا خلال التحقيقات أنه كان يشارك في أنشطة تنتهك القانون، وكان يتلقى رشاوى تجاوزت المليار روبل مقابل تقديم خدمات معينة.
وافق مراقبون على أن سجن نائب الوزير يُعتبر أحد أهم أسباب إقالة وزير الدفاع الروسي، بالإضافة إلى النقاش حول النفوذ الروسي في القارة الإفريقية، وطريقة عمل وإدارة “الفيلق الإفريقي” التابع لوزارة الدفاع. كان من المقرر لهذا الفيلق استبدال مواقع تمركز ونشاطات قوات مجموعة “فاغنر” العسكرية الخاصة.
صحيفة السوداني
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الفیلق الأفریقی وزیر الدفاع
إقرأ أيضاً:
فورين بوليسي: كيف بدأت مجموعة فاغنر نشاطها في سوريا؟
استعرضت مجلة "فورين بوليسي" كيف شحذت مجموعة فاغنر قدراتها في سوريا، حيث قاتل المرتزقة الروس نيابة عن بشار الأسد، وكيف كان ذلك مقدمة لما قامت به في أوكرانيا.
وأوضحت المجلة أن يفغيني بريغوجين قضى في شبابه تسع سنوات في السجن بتهمة السرقة والاحتيال. وبعد إطلاق سراحه، ادعى أنه كان يبيع النقانق حتى جمع ما يكفي من المال والعلاقات لدخول مجال المطاعم. وفي عام 1997، افتتح مطعما في سانت بطرسبرغ، حيث حظي بإعجاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عندما كان لا يزال رئيسا للوزراء. وأطلقت تلك العلاقة صاحب المطعم إلى عالم العقود الحكومية المربح.
في عام 2014، أصبح بريغوجين موردا للوجبات والرجال، وفي أعقاب غزو موسكو لشبه جزيرة القرم، كانت وزارة الدفاع ترعى مجموعات من المرتزقة والمتطوعين للقتال في شرق أوكرانيا نيابة عن جمهورية لوهانسك الشعبية، وأراد بريغوجين المشاركة وتواصل مع ديمتري أوتكين، وهو جندي محترف يحمل الاسم الرمزي "فاغنر".
وأثبت رجال بريغوجين أنهم قوة قتالية فعالة ومنفذون قساة، حيث كانوا مسؤولين عن اغتيال زعيم انفصالي واحد على الأقل في لوهانسك. ومع ذلك، في أعقاب اتفاقية وقف إطلاق النار "مينسك 2" لعام 2015 في أوكرانيا، انخفض الطلب على مرتزقة بريغوجين وأوتكين، وتم حل الوحدات. كان من الممكن أن تختفي "الشركة"، أو مجموعة فاغنر؛ إلا أن بريغوجين كان يتطلع إلى بناء شركة عسكرية خاصة على غرار "بلاك ووتر" الأمريكية.
وأوضحت المجلة أنه عندما وصل الربيع العربي إلى سوريا في أوائل آذار/مارس 2011، سحق نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد الاحتجاجات بوحشية. ومع تحول الاحتجاجات إلى حرب أهلية، حرصت روسيا والغرب على البقاء على الهامش. وعبر المحيط الأطلسي، حذرت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما الأسد من أن أي استخدام للأسلحة الكيميائية سيؤدي إلى عواقب.
في ذلك الصيف، زار السفيران الفرنسي والأمريكي لدى سوريا مدينة حماة والتقيا بالمتظاهرين، فأرسل رجل الأعمال السوري محمد جابر حافلات مليئة بموالين للنظام لاقتحام السفارتين انتقاما، كما نظم جابر "الشبيحة"، في لجان مقاومة شعبية.
وكان لمحمد وشقيقه أيمن تاريخ طويل من العمل لصالح عائلة الأسد؛ حيث تزوج أيمن جابر من عائلة الأسد، مما فتح الباب أمام الحصول على عمولات في قطاعات الطاقة والحديد والصلب.
وفي نهاية كانون الثاني/يناير 2011، أرسل الأسد الجيش لسحق الانتفاضة في حماة. لكن وحشية الأسد وسياساته الطائفية أدت إلى انشقاقات. ولتعزيز الصفوف، بدأت إيران في إرسال الرجال.
خسر الأسد أراضٍ كبيرة، وفي نيسان/أبريل 2013، أصدر النظام مرسوما يسمح لشركات النفط وغيرها بتوظيف مرتزقة لحماية الأصول. وقدم القانون الجديد للأخوين جابر فرصة، وبالفعل في عام 2012، كان الأخوان يجريان محادثات مع مجموعة "موران"، وهي شركة عسكرية خاصة.
وبينت المجلة أن المرتزقة والشركات العسكرية الخاصة تُعدّ غير قانونية في روسيا بموجب المادة 359 من القانون الجنائي الروسي لعام 1996. لكن الحرب على الإرهاب كانت نعمة على صناعة الأمن، مما سمح للمتعاقدين الروس بالعمل لدى شركات غربية. كما فتحت أزمة القرصنة قبالة سواحل الصومال هذه الصناعة أمام رواد الأعمال الروس.
لا أحد يعرف على وجه اليقين من الذي ربط جابر بمجموعة "موران"، فيما يؤكد الصحفيون الروس أن سفير سوريا لدى روسيا وجهاز الأمن الروسي توسطا الصفقة.
وأشارت المجلة إلى أنه في عام 2012، سجل نائب رئيس "موران"، فاديم غوسيف، كيانا جديدا باسم "الفيلق السلافي المحدود" في هونغ كونغ. وعندما شرّع الأسد استخدام المرتزقة، كانت حملة التجنيد للفيلق السلافي جارية بالفعل. وكان أحد الرجال الذين انضموا يُدعى أندريه، والذي أنهى خدمته في الجيش، وأراد الانضمام إلى إحدى شركات الأمن البحري، وعندما سمع عن فرصة لحراسة منشآت غاز، سجل على الفور.
في نيسان/أبريل 2013، عندما استعد أندريه للمشاركة، شن نظام الأسد هجوما بغاز السارين على جزء من دمشق، مما أسفر عن مقتل ما يصل إلى 1400 شخص. وكان الرئيس فلاديمير بوتين يكره الانخراط في تدخل آخر في الشرق الأوسط، فيمت كان الأمريكيون مترددين، وعندما صرح وزير الخارجية آنذاك جون كيري بأن الأسد يمكنه تجنب الضربات الجوية إذا سلم جميع الأسلحة الكيميائية، تدخل الدبلوماسيون الروس.
وبينما تعاونت موسكو مع الولايات المتحدة بشأن تسليم الأسلحة الكيميائية، وصل الفيلق السلافي. وانضم أندريه إلى "الموجيك"، الذين كانوا يتألفون من موظفي مجموعة "موران" بقيادة أوتكين.
وتابعت المجلة قائلة إنه بعدما رجع المرتزقة إلى اللاذقية؛ كان جابر غاضبا من أداء الفيلق، وكان المرتزقة يعلمون أن الكرملين لن يكون سعيدا أيضا. وفي آذار/مارس، وافق الأسد على تسليم مخزونه من الأسلحة الكيميائية، مما سمح لروسيا بتقديم نفسها للغرب كجهة فاعلة مسؤولة. وأشارت مهمة الفيلق السلافي، إلى أن روسيا كانت تدعم الأسد سرا.
وفي 28 أيار/مايو، أحضرت طائرتان الفيلق السلافي إلى موسكو، حيث استقبلهم جهاز الأمن الفيدرالي، وتم استجواب الجميع ثم إطلاق سراحهم، ولكن في حزيران/يونيو، أصبح غوسيف وقائد آخر أول مواطنين يُتهمون وفق المادة 359 المتعلقة بالارتزاق.
إن إنزال مثل هذه العقوبة سمح للكرملين بالنأي بنفسه عن الشركة العسكرية الخاصة. ومع ذلك، سيكون من الخطأ وصف مغامرتهم السورية بالفشل: فبفضل أوتكين، لم يُقتل أحد، ولقد أثبتت المهمة أنه، في السياق الصحيح، يمكن أن يكون المرتزقة مفيدين.
وتحول القلق بشأن استخدام الأسد للأسلحة الكيميائية إلى تهديد اعتبره الغرب وجوديا. وفي شتاء عام 2014، أطلقت الولايات المتحدة عملية "العزم الصلب" وبدأت في قصف تنظيم الدولة.
كما أعلنت الإدارة عن برنامج لتسليح المعارضين لمحاربة تنظيم الدولة ودخلت في شراكة مع وحدات كردية.
وأضافت المجلة أنه في عام 2015، تدخلت روسيا رسميا في سوريا؛ حيث يرى كيريل سيمينوف، الخبير الروسي في شؤون الشرق الأوسط، بأن سوريا كانت وسيلة لروسيا لإعادة فتح القنوات الدبلوماسية مع الأمريكيين بعد الأحداث في أوكرانيا. وكان التدخل في سوريا سيجبر الأمريكيين على التعاون بشأن قضية مهمة، وهي هزيمة تنظيم الدولة.
ووصلت المجموعة الأولى من مقاتلي فاغنر في أيار/مايو؛ حيث لا يُعرف من صاحب قرار إرسال الشركة إلى هناك. ويعتقد مصدر في وزارة الدفاع أن بريغوجين أخذ زمام المبادرة، وحصل على موافقة بوتين. وجلبت فاغنر في الغالب مدربين ومتخصصين في الدبابات إلى حمص.
ولمدة شهر تقريبا؛ قامت الشركة بتدريب "صقور الصحراء"، وهي الشركة العسكرية الخاصة المحلية للأخوين جابر، ثم بدأت قوات فاغنر في الاشتباك مع العدو في اللاذقية. ولكن سرعان ما أصابت قذيفة موجهة خيمة المدفعية التابعة للواء مارات، مما أسفر عن مقتل تسعة، وأصيبت وزارة الدفاع بالذعر؛ لم تكن هناك خطة بعد لكيفية إخفاء الإصابات.
وذكرت المجلة أن المجموعة لم تمكث في روسيا طويلا؛ فبعد أكتوبر/تشرين الأول، أدرك المخططون العسكريون الروس والسوريون أن قوات الأسد المشتتة لا يمكنها استعادة الأراضي. وتم اتخاذ القرار باعتبار فاغنر قوة مرتزقة وعدم إدراج خسائرهم في الإحصائيات الرسمية.
في الواقع، على الرغم من عدم شرعيتهم، أثبت المرتزقة أنهم مفيدون في دونباس كقوات يمكن إنكار وجودها. وفي سوريا، كان المرتزقة قوة يمكن إنكارها للجمهور في الداخل، كما أدت الاستعانة بمصادر خارجية للحرب للمتعاقدين إلى خفض التكاليف السياسية للتدخل.
في يناير/كانون الثاني 2016، وصل مارات وزملاؤه المرتزقة مرة أخرى. كان هو و300 مرتزق آخر سيندمجون مع "صقور الصحراء" التابعة لأيمن ومحمد جابر ويشنون هجوما على الأراضي التي يسيطر عليها المتمردون.
واختتمت المجلة التقرير بالقول إنه يبدو من قبيل المصادفة غير المرجحة أن الفيلق السلافي أولا، ثم شركة بريغوجين وأوتكين، وقعا صفقات مع الأخوين جابر، وربما كان بريغوجين وأوتكين يعتقدان في ذلك الوقت أن الصفقة مع آل الأسد ستخفف من اعتماد فاغنر المالي على وزارة الدفاع. إلا أن الاستقلال كان سيثبت أنه سيف ذو حدين وسيضع رجال بريغوجين في مسار تصادمي مع الولايات المتحدة.