ثمانية أشهر مرّت بطيئة ثقيلة منذ بدء المذبحة المروعة في غزّة؛ وكلّما مرّ يومٌ انجلى بعضُ الغبار عن الصورة ليتضح أنّ تبعات المذبحة أكبر من المتخيّل وأطول من المتوقّع.

والأزمات الطويلة لا ينفع معها الهبّات الإغاثيّة العاجلة السريعة فحسب؛ ولا يصلح معها التفاعل العاطفيّ والإغاثيّ اللّحظيّ مع مشاهد القتل والتدمير والمجازر المروعة، بل لا بدّ من بقاء البذل مستمرّا والتحريض والحثّ عليه باقيّا ما دامت المعركة قائمة، وما بقيت آثارها مستمرة بعد توقفها.



المسألة محلّ البحث

ونحن في شهر ذي القعدة ومقبلون على موسم الحجّ؛ فإنّ الملايين من المسلمين يسارعون إلى أداء فريضة العمرة الأولى أو فريضة الحجّ الأوّل، وهؤلاء مأجورون وليسوا معنيّين بالحديث عن المسألة المطروحة اليوم؛ بينما نجد الملايين أيضا يؤدّون عمرة النّافلة أو حجّ النّافلة، بمعنى أنّهم أسقطوا عنهم عمرة الفريضة أو حجّ الفريضة ويرغبون في أداء المزيد من العمرة أو الحجّ، وهؤلاء ينفقون مئات الملايين على حجّ النّافلة وعمرة النّافلة؛ فهل الأولى إنفاق هذه الأموال على عمرة وحجّ النّافلة أم إرسالها إلى أهلنا الذين يتعرضون لأبشع مذبحةٍ في غزة، ومثل غزة كل مكان يذوق فيه المسلمون ويلات العدوان ومجازر الطغيان؟

الإغاثة مقدّمة على حجّ وعمرة النّافلة في الرّخاء فكيف في ظل المذبحة؟

ممّا قرّره الفقهاء عامّة ووردت به الآثار المتضافرة هو تقديم إغاثة المحتاجين على عمرة وحجّ النّافلة، وهذا في زمن الاستقرار والرّخاء العامّ فكيف في نازلة عظيمة كنازلة المذبحة والحرب الإجراميّة على غزة؟
ممّا قرّره الفقهاء عامّة ووردت به الآثار المتضافرة هو تقديم إغاثة المحتاجين على عمرة وحجّ النّافلة، وهذا في زمن الاستقرار والرّخاء العامّ فكيف في نازلة عظيمة كنازلة المذبحة والحرب الإجراميّة على غزة؟ عندها يكون تقديم البذل للمنكوبين أشد توكيدا وهو أعظم أجرا بكثير من أداء مناسك التطوّع.

ومن هذه الآثار التي تضافرت على تأكيد هذه الحقيقة؛ ما رواه أبو بكر بن أبي شيبة في "المصنف" عن سيدنا الحسين بن علي رضي الله عنهما قال: "لَأَن أَقُوتَ أَهلَ بَيتٍ بِالمَدِينَةِ صاعا كلَّ يومٍ، أَو كلَّ يَومٍ صَاعينِ شهرا، أَحبُّ إِلَيَّ مِن حَجَّةٍ فِي إِثرِ حَجَّةٍ".

وأخرج عبد الرزاق -واللّفظ له- وابن أبي شيبة في "مصنفيهما" عن الثّوري، وسأله رجل فقال: الحجّ أفضل بعد الفريضة أم الصدقة؟ فقال: أخبرني أبو مسكين، عن إبراهيم النخعي أنه قال: "إذا حجَّ حِجَجا، فالصدقة"، وكان الحسن يقول: "إذا حج حجّة".

وأخرج الإمام أحمد في كتاب "الزّهد" عن الحسن البصري رحمه الله تعالى قال: "يقُولُ أَحَدُهُمْ: أَحُجُّ أَحُجُّ، قَدْ حَججْتَ؛ صِل رَحِما، نَفِّس عَنْ مَغمُومٍ، أَحْسِن إِلَى جَارٍ".

وأخرج ابن أبي شيبة في "المصنف" عن الشعبي أنّ رجلا جاءه فسأله: "إنّي قد تهيّأتُ للخروج، ولي جيران محتاجون متعففون، فما ترى إلى جعل كِرايَ وجهازي فيهم، أو أمضي لوجهي للحجّ؟ فقال: والله إنّ الصّدقة يعظم أجرها، وما تعدل عندي موقفا من المواقف، أو شيئا من الأشياء".

وكلّ هذه الآثار إنّما تتحدّث عن أفضليّة الصّدقة على حجّ وعمرة النّافلة في غير وقت الأزمات الجماعيّة الكبيرة؛ فهذا يدلّ أنّ بذل الأموال المخصّصة لحج وعمرة النّافلة لأهلنا الذين يعيشون القتل والتدمير في غزة أعظم أجرا وأفضل بكثير من أداء مناسك التطوّع.

أفضليّة بذل المال لأهلنا في غزة على حجّ وعمرة النّافلة في ظل فقه الموازنات

عموم القواعد الفقهيّة التي تقوم على الموازنة بين جلب المصالح ودرء المفاسد أو الموازنة بين القاصر والمتعدّي أو الموازنة بين الضّروريّات والتّحسينيّات؛ تؤكّد أنّ بذل الأموال لأهلنا في غزة مقدّم على بذلها لأداء حجّ وعمرة النّافلة.

ومن هذه القواعد؛ قاعدة "درءُ المفاسد مُقدّم على جلب المصالح،" ففي أداء عمرة وحجّ النّافلة جلب مصلحةٍ للمرء بينما في بذل المال للمنكوبين درء مفسدة عظيمة وقعت عليهم بل على عموم المجتمع الإسلاميّ، ورفع هذه المفاسد أولى وأعظم وأهمّ من جلب المصالح الذّاتيّة.

وكذلك من القواعد الفقهيّة كذلك "المتعدّي أفضل من القاصر"، وقد صاغها الفقهاء بعبارات عديدة منها "القربة المتعدية أفضل من القاصرة"، و"الحسنة المتعدية إلى الغير أفضل من القاصرة على الفاعل"، وقد استثنى الفقهاء من ذلك الفروض العينيّة.

عموم الآثار والقواعد الفقهيّة وأقوال الأئمة الأعلام تؤكّد أنّ بذل الأموال المرصودة لحجّ النّافلة أو عمرة النّافلة لأهلنا في غزة في ظل هذه المذبحة وحرب الإبادة الصّهيونيّة أعظم أجرا من أداء هذه المناسك التطوعيّة، فمن ابتغى الأجر الأعظم فعليه صرف هذه التّكاليف لصالحهم وألّا يستهين بما يبذل أو يقدّم،
وهذه القاعدة تؤكّد أنّ إنفاق تكاليف حجّ وعمرة الناّفلة القاصرة على فاعلها لصالح أهلنا في غزة الذين يذوقون أصناف شتى من المعاناة أعظم بكثير؛ لأنّها تتعدّى إلى الغير وتتعدد منافعها التي تقوم على إحياء الإنسان وتخفيف آثار الذبحة والكارثة عن المنكوبين.

ومن تعبيرات الأئمة عن هذه الموازنات ما جاء في "مواهب الجليل شرح مختصر خليل": "سئل مالك عن الغزو والحجّ أيهما أحبّ إليك؟ قال: ‌الحجّ إلا أن يكون سنة خوف؛ قيل: فالحج ّوالصّدقة، قال: ‌الحجّ إلا أن تكون سنة مجاعة".

ومن الموازنات المهمّة في هذه المسألة الموازنة بين الضروريات والحاجيّات والتحسينيات؛ فحجّ النّافلة يندرج في رتبة التحسينيّات، بينما إنقاذ الأرواح وإحياء النّاس وإغاثتهم في هذه المذبحة العظيمة يندرج تحت رتبة الضّروريّات، والضروريّات مقدّمة على غيرها من الحاجيّات والتحسينيّات.

إنّ عموم الآثار والقواعد الفقهيّة وأقوال الأئمة الأعلام تؤكّد أنّ بذل الأموال المرصودة لحجّ النّافلة أو عمرة النّافلة لأهلنا في غزة في ظل هذه المذبحة وحرب الإبادة الصّهيونيّة أعظم أجرا من أداء هذه المناسك التطوعيّة، فمن ابتغى الأجر الأعظم فعليه صرف هذه التّكاليف لصالحهم وألّا يستهين بما يبذل أو يقدّم، فالنّاس اليوم بحاجةٍ إلى أيّ مالٍ يقيم صلبهم أو يؤويهم من تشرّد أو يؤمنهم من خوف أو يعينهم على الثبات في وجه الإجرام الصّهيوني.

twitter.com/muhammadkhm

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه العمرة غزة الصدقة غزة العمرة الحج تبرعات صدقة مقالات مقالات مقالات اقتصاد سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة لأهلنا فی غزة الموازنة بین أعظم أجرا الفقهی ة عمرة وحج تؤک د أن من أداء ة أعظم على حج

إقرأ أيضاً:

تصل لـ200 ألف جنيه.. شركات السياحة تكشف أسباب ارتفاع أسعار عمرة رمضان 2025

كتب- محمد أبو بكر:

كشف أيمن عبداللطيف، عضو غرفة شركات السياحة، عن أسباب ارتفاع أسعار برامج العمرة خلال شهر رمضان 2025، مشيرًا إلى أن التكلفة المرتفعة تعود بشكل رئيسي إلى صعوبة توفير رحلات طيران كافية لتلبية الطلب المتزايد.

تحديات تشغيل رحلات الطيران

وأوضح "عبداللطيف"، في تصريحات لـ"مصراوي"، أن هناك محاولات لإدخال خطوط طيران جديدة بالتنسيق مع غرفة شركات السياحة، لكن الأمر لا يزال يواجه تحديات كبيرة، ولم يتم تحقيق تقدم ملموس حتى الآن.

وأضاف عضو غرفة شركات السياحة، أن بعض أسعار تذاكر الطيران وصلت إلى 35 ألف جنيه، ما يعقد إمكانية خفض أسعار برامج العمرة في الوقت الحالي، لافتًا إلى أن شهر رمضان 2025 سيشهد لأول مرة تشغيل رحلات عمرة جوية ونيلية.

تفاصيل أسعار عمرة العشر الأواخر من رمضان

من جانبه، كشف محمد عابد، عضو غرفة شركات السياحة، عن تفاصيل أسعار عمرة العشر الأواخر من شهر رمضان 2025، موضحًا أن التكاليف تختلف حسب مستوى الخدمات الفندقية ونوع البرنامج السياحي.

البرامج الاقتصادية: تبدأ تكلفتها من 68 ألف جنيه للإقامة في المدينة المنورة، وتصل إلى 90 ألف جنيه للإقامة في مكة المكرمة.

برامج العمرة الفاخرة الخمس نجوم: تبدأ من 110 آلاف جنيه للإقامة في مكة، و75 ألف جنيه للإقامة في المدينة، بينما قد تصل التكلفة إلى 200 ألف جنيه وفقًا لمستوى الخدمات المقدمة وجودة الإقامة الفندقية.

وأشار "عابد" إلى أن هناك إقبالًا كبيرًا متوقعًا على عمرة رمضان 2025، خاصة في العشر الأواخر.

اقرأ أيضًا:

مفتي الجمهورية لـ "مصراوي": الأمن نعمة عظيمة.. وهذه رسالتي للشعب بشأن الشائعات

توقعات طقس الساعات المقبلة.. الأرصاد: برودة والحرارة تنخفض لأقل من 10 درجات

رمضان 2025.. مواعيد العمل الرسمية للمتحف القومي للحضارة المصرية

توقيع 12 وثيقة تعاون بين مصر والعراق في عدد من المجالات

لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا

لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا

أسعار عمرة رمضان 2025 أسباب ارتفاع أسعار عمرة رمضان غرفة شركات السياحة عمرة العشر الأواخر من رمضان

تابع صفحتنا على أخبار جوجل

تابع صفحتنا على فيسبوك

تابع صفحتنا على يوتيوب

فيديو قد يعجبك:

الأخبار المتعلقة رقم تعريفي لكل شخص.. ضوابط جديدة بشأن الحج 2025 أخبار تصل لـ100 ألف جنيه.. أسعار عمرة النصف الثاني من رجب 2025 الاقتصادية والـ5 أخبار الحج السياحي 2025.. مد مواعيد إبرام التضامنات بين الشركات السياحية حتى أخبار عضو بـ"غرفة شركات السياحة": أعداد المتقدمين لأداء الحج السياحي هذا العام أخبار

إعلان

إعلان

أخبار

تصل لـ200 ألف جنيه.. "شركات السياحة" تكشف أسباب ارتفاع أسعار عمرة رمضان 2025

أخبار رياضة لايف ستايل فنون وثقافة سيارات إسلاميات

© 2021 جميع الحقوق محفوظة لدى

إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك أبرزهم الضيف ومروان عيسى.. المقاومة تعلن استشهاد 6 من قادتها البارزين 22

القاهرة - مصر

22 13 الرطوبة: 45% الرياح: شمال غرب المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار bbc وظائف اقتصاد أسعار الذهب أخبار التعليم فيديوهات تعليمية رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك خدمة الإشعارات تلقى آخر الأخبار والمستجدات من موقع مصراوي لاحقا اشترك

مقالات مشابهة

  • « أحمد هنو»: المليون كتاب هدية وزارة الثقافة لأهل مصر
  • رئيس دينية الشيوخ: مسابقة بورسعيد الدولية للقرآن ضمن رعاية مصر لأهل القرآن
  • تصل لـ200 ألف جنيه.. شركات السياحة تكشف أسباب ارتفاع أسعار عمرة رمضان 2025
  • قبل عمرة شعبان.. سعر الريال السعودي اليوم الخميس 30 يناير
  • حج وعمرة.. الداخلية تغلق 3 شركات سياحة نصبوا على مواطنين
  • عمرة النصف من شعبان.. الأسعار والبرامج المتاحة
  • نشاط أسواق المال العربية| ارتفاع في أداء البورصات العربية.. المصرية تغلق على ارتفاع والبحرينية تتباين
  • دعاء قبول العمرة
  • اليونيسف تطلب إدخال المزيد من المساعدات لأهل غزة
  • محافظة القاهرة تطلق قافلة الخير لأهل غزة