لم تكدْ حركة حماس والمقاومة الفلسطينية تعلنان موافقتهما على اتفاقية الهدنة المعدّلة التي قدّمها الوسطاء: المصري والقطري والأميركي؛ حتى بدأ الهجوم الصهيوني على شرق مدينة رفح، بتعليمات من رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو، كانت منتظرة منذ عدة أشهر؛ بهدف القضاء على حركة حماس وتحرير الأسرى.
جاء هذا الهجوم ليعيد المفاوضات إلى المربع الأول، وليعيد التفكير من جديد في حقيقة الأهداف التي يسعى نتنياهو إلى تحقيقها من وراء هذا الهجوم، وحقيقة الموقف الأميركي الذي بدا في مفاوضات الهدنة حريصًا على إيقاف القتال، وتحرير الأسرى من أيدي المقاومة.
تصريحات الرئيس بايدن بأن الحرب في غزة يمكن أن تتوقف فورًا إذا قامت حماس بتسليم المختطفين
الأسس الحاكمة للفهمبدا للمراقبين أن موافقة حماس على الهدنة، ستفتح الباب لهدنة طويلة من المفترض أن تنتهي بوقف دائم لإطلاق النار، وأن هذه الموافقة وضعت نتنياهو في مأزق جديد، يضاف إلى المآزق العديدة التي يواجهها منذ بداية حرب الإبادة الجماعية الصهيو- أميركية على قطاع غزة قبل سبعة أشهر.
وغاب عن الأذهان أن نتنياهو لم يكن يعطي هذه المآزق أهمية كبيرة طيلة الفترة السابقة من الحرب، وكان يصرّ على المضي قُدمًا في خُطته، غير مكترث لما يترتب على تنفيذها من ردود أفعال سلبية على كافة المستويات.
من هنا أعطى أوامره بشنّ الهجوم على مدينة رفح، رغم التحذيرات الأميركية المتلاحقة من مغبة شنّ هذا الهجوم قبل إخلاء المدنيين، وهو أمرٌ يتّسق مع سلوك نتنياهو وحكومته، فمن أين يستمدّ نتنياهو وحكومته المتطرفة هذه القوة في مواجهة العالم؟
كيف نفهم التطوّرات السياسية والعسكرية الجارية، وما يرافقها من تصريحات ومواقف على جميع المستويات، وما سيترتب عليها من نتائج ومآلات؟
ولكي نجيب عن هذه التساؤلات لابد من الرجوع إلى الأسس التي تحكم التطورات الجارية، حتى نتجنب الانسياق وراء قراءات ظاهرية متعجّلة أو استنتاجات انفعالية تحركها العواطف والأمنيات.
وفي مقدمة هذه الأسس:
أولًا: تصنيف حماس كحركة إرهابيةإن حركة حماس وكتائب المقاومة المسلحة في نظر أميركا وحلفائها الغربيين عبارة عن مجموعات إرهابية، لا بد من اجتثاثها، فضلًا عن أن حركة حماس تعتبر امتدادًا لتنظيم الإخوان المسلمين الذي يتعرّض لحرب شرسة في عدد من الدول العربية، ضمن عملية الحرب الشاملة على جماعات الإسلام السياسيّ.
يعزز هذه النظرة إصرار حماس على عدم الاعتراف بدولة الكيان الصهيوني، ومعارضتها للتطبيع العربي معها، ووقوفها في وجه المخططات الاقتصادية الصهيو- أميركية- العربية القادمة في المنطقة، والتي تمثل فيها أراضي غزة والضفة الغربية حجر الزاوية، ولا مكان فيها لحماس وكتائب المقاومة المسلحة.
ثانيًا: رفض انتصار حماسإن التحالف الصهيو-أميركي لن يسمح بخروج المقاومة المسلحة منتصرة في هذه الحرب، لأن ذلك يعني هزيمة مباشرة له، سيكون لها الكثير من التداعيات الإقليمية والدولية، المعرقلة للمخططات السياسية والاقتصادية القادمة في المنطقة. مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه الحرب هي حرب أميركا بقدر ما هي حرب الكيان الصهيوني، وبالتالي فإن أي حديث عن هدن إنسانية لن يترتب عليه إيقاف دائم للحرب قبل القضاء على حماس والمقاومة المسلحة.
ثالثًا: التخاذل العربي والإسلاميإن الموقف العربي والإسلامي، على المستويين: الرسمي والشعبي أدنى مما تتطلبه حرب الإبادة الجماعية الشاملة الصهيو-أميركية في فلسطين، وأن هشاشة هذا الموقف تشجع التحالف على المضي قدمًا دون قلق من حدوث تداعيات تضرّ بالتحالف وعلاقاته مع دول المنطقة.
رابعًا: لا تعويل على الحراك الشعبي والنخبويإن الحراك الشعبي الذي تشهده أميركا في الشوارع والجامعات ومنصات التواصل الاجتماعي، يظل حراكًا منبثقًا من مبادئ حرية الرأي والتعبير، ولكنه محكوم بالتشريعات والقوانين المنظمة لذلك، وقد يكون ليس له تأثير كبير في قرارات الإدارة الأميركية.
خامسًا: مشكلة استهداف المدنيينإن ما أثار الشارع الغربي ضد حرب الإبادة الصهيو-أميركية في غزة، لم يكن الحرب على حماس، وإنما المجازر الوحشية والسلوكيات الانتقامية البربرية في حقّ المدنيين من النساء والأطفال والضعفاء، ورغم الطلبات المتكررة من الإدارة الأميركية إلى الكيان الصهيوني بالعمل على تجنب وقوع خسائر في صفوف المدنيين في المرحلة القادمة من الحرب؛ فإن نتنياهو لم يأبه لذلك حتى الآن، ومازال مصرًّا على استهداف المدنيين.
سادسًا: التحالف الصهيو-أميركي غير قابل للكسرإن الإدارة الأميركية ومجلسي النواب والشيوخ في أميركا، يتحكم فيها جميعًا اللوبي الصهيوني، ويسيطر على أكثر من 80٪ من أعضائها، وأنه لن يصدر عنها أي قرارات تخالف مصالحه وإرادته، فالتحالف الصهيو-أميركي غير قابل للكسر على حد قول الرئيس بايدن.
والأدلة على سيطرة اللوبي الصهيوني على القرار الأميركي كثيرة، يكفينا في هذا المقام التذكير بالتسابق المحموم الجاري بين الحزبين: الديمقراطي والجمهوري؛ لاسترضاء اللوبي الصهيوني، وكيف يزايد الأخير على الأول في موضوع تعليق إدارة بايدن إرسال شحنة الأسلحة الدقيقة شديدة التفجير إلى الكيان الصهيوني، بينما دعت الإدارة الأميركية إلى إجراء تحقيق حول مدى انتهاك الكيان الصهيونيّ للقانون الأميركي والقانون الدولي في حربه على غزة، لينتهي التحقيق بعدم وجود أية أدلة على قيام الكيان الصهيوني بانتهاكات للقانون الأميركي والقانون الدولي.
وأحدث ما يمكن ذكره في هذا المقام؛ تصريحات الرئيس بايدن بأن الحرب يمكن أن تتوقف فورًا إذا قامت حماس بتسليم المختطفين، ناسفًا بذلك كل الجهود التي بُذلت للتوصل إلى اتفاق الهدنة الأخير الذي وافقت عليه حماس، وفاضحًا حقيقة الموقف الأميركي المتبنّي موقف نتنياهو، والذي عبّر عنه وزير الخارجية الأميركي بلينكن حين دعا حماس إلى تسليم المختطفين والسلاح والاستسلام.
سابعًا: أسرى الكيان الصهيوني مجرد ورقة سياسيةإن أسرى الكيان الصهيوني لدى حماس وكتائب المقاومة في غزة، ليسوا أكثر من ورقة سياسية يتلاعب بها التحالف الصهيو-أميركي، يتلاعب بها نتنياهو وحكومته والرئيس بايدن وإدارته لتحقيق مكاسب سياسية وتعزيز الجبهة الداخلية، وليست ذات تأثير حقيقي في قرار الاستمرار في الحرب أو إيقافها، وليس أدل على ذلك من الإستراتيجية العسكرية لجيش الكيان الصهيوني ضد كتائب المقاومة، والتي لا تضع في حسبانها قتل أسراها تحت القصف والدمار.
ثامنًا: الرهان الأخيرراهن التحالف الصهيو-أميركي على عدة عوامل لإلحاق الهزيمة بحركة حماس وكتائب المقاومة المسلحة: عسكرية وأمنية واجتماعية ونفسية وإنسانية ولوجستية، مستعينًا بخبرات الحلفاء والشركاء الدوليين والإقليميين، إلا أنها لم تفلح في تحقيق أهدافه المعلنة حتى الآن، ولم يبقَ أمامه سوى المراهنة على نفاد الذخائر والمؤن، خصوصًا مع انسداد خطوط الإمداد العسكرية للمقاومة، واعتمادها على مخزون ما قبل الحرب.
تاسعًا: إيمان راسخ بضم الضفة الغربية وقطاع غزةإن نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة يرفضون حل الدولتين، ويرفضون الاعتراف بدولة فلسطين، ولا يعترفون بالشعب الفلسطيني، ويؤمنون بإقامة الدولة اليهودية الكاملة على جميع أرض فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر، بما فيها الضفة الغربية وقطاع غزة، ويؤمنون بصورة راسخة بخيار تهجير الشعب الفلسطيني إلى الدول العربية والغربية.
عاشرًا: البعد الاقتصادي للحربإن البعد الاقتصادي لهذه الحرب لا يمكن إغفاله، فلا الكيان الصهيوني ولا الولايات المتحدة ولا حلفاؤهم الغربيون، يقبلون بقيام دولة فلسطينية غنية، تتدفق إليها أموال النفط والغاز الذي سيتم استخراجه من أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، هذه الأموال يسيل لعاب الكيان الصهيوني لها، ولن يقبل بوقوعها في أيدي السلطة الفلسطينية، فضلًا عن أن يقبل بوقوعها في أيدي حماس.
هذه الأسس العشر ليست نقاطًا هامشية، وإنما عوامل واقعية قائمة، شديدة التأثير في سير الأحداث، ولا يستقيم في غيابها استقراء المشهدَين: السياسي والعسكري، ورصد احتمالاتهما المتوقعة، وما يمكن أن تؤول إليه الأمور، وهو ما سنتناوله في مقالنا القادم بإذن الله.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات الإدارة الأمیرکیة المقاومة المسلحة نتنیاهو وحکومته الکیان الصهیونی حرکة حماس
إقرأ أيضاً:
جرائم المليشيا الحوثية بحق الشعب اليمني تفوق جرائم الكيان الصهيوني في غزة
تعتبر جرائم المليشيا الحوثية الإرهابية بحق الشعب اليمني من أكثر الانتهاكات الوحشية التي شهدها العالم خلال العقد الأخير، وتسببت في كوارث إنسانية وتدمير للبنى التحتية وتمزيق النسيج الاجتماعي للشعب اليمني، ما يجعل المليشيا تتساوى مع الكيان الصهيوني أو تفوق عليه في حجم الإجرام.
فمنذ انقلابها، ارتكبت المليشيات الحوثية الإرهابية العديد من الجرائم والانتهاكات الفظيعة، بما في ذلك تجنيد الأطفال واستخدامهم في القتال، والتعذيب المميت في السجون والتي أدت إلى مئات الحالات من الوفاة بينهم نساء وأطفال، وفرض الإتاوات، والاعتقالات التعسفية، وزرع الألغام في المنازل والمدارس والأسواق، مما أدى إلى مقتل وإصابة الآلاف من المدنيين وترك الكثير منهم بإعاقات دائمة.
كما سعت مليشيات الحوثي إلى تفكيك النسيج الاجتماعي وتغذية النزاعات الطائفية والمناطقية، مستهدفة الأقليات الدينية بشكل خاص.
وقامت المليشيا الحوثية باعتقال الآلاف من المدنيين بشكل تعسفي، بما في ذلك ناشطون وصحفيون وأكاديميون، وتعرض الكثير منهم للتعذيب في السجون.
كما اختطفت مليشيا الحوثي النساء والأطفال واستخدمتهم كأدوات للضغط والتفاوض، تعرض المختطفون لسوء المعاملة وأحياناً للتعذيب الجسدي والنفسي.
وزرعت مليشيا الحوثي آلاف الألغام في المناطق المدنية بما في ذلك المنازل والمدارس والأسواق، وتسببت هذه الألغام في مقتل وإصابة الآلاف من المدنيين، بما في ذلك النساء والأطفال، وتركت الكثير منهم بإعاقات دائمة.
ومن بين أكثر الانتهاكات فتكاً نفذ الحوثيون هجمات عشوائية بالصواريخ والقذائف على المدن والمناطق السكنية، مما أسفر عن مقتل وجرح العديد من المدنيين وتدمير البنية التحتية.
وجندت المليشيا الحوثية الأطفال بشكل ممنهج للزج بهم في جبهات القتال، حيث تعرض هؤلاء الأطفال لمخاطر كبيرة، مما أدى إلى مقتل وإصابة العديد منهم، وحرمانهم من التعليم والطفولة الطبيعية.
كما استخدمت المليشيات الحوثية سياسة التجويع والإفقار ضد المدنيين من خلال قطع الرواتب وفرض الضرائب والجبايات ونهب الممتلكات الخاصة والعامة، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية.
وأدت هذه الانتهاكات إلى أكبر موجة نزوح في تاريخ اليمن، حيث اضطر ملايين اليمنيين إلى الهروب من منازلهم والعيش في ظروف معيشية مروعة في مخيمات النزوح أو في الخارج.