نشر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي مؤخرا تقريرًا بعنوان: « شباب لا يشتغلون، ليسوا بالمدرسة، ولا يتابعون أي تكوين: أي آفاق للإدماج الاقتصادي والاجتماعي؟ ». يأتي هذا التقرير، الذي يستند إلى معطيات المندوبية السامية للتخطيط لسنة 2022، ليلفت انتباه السلطات العمومية مرة أخرى إلى موضوع لا يمكن إلا أن يكون مثيرا للقلق لأنه يتعلق بفئة من الساكنة يتراوح عمرها بين 15 و24 سنة، هشة بشكل خاص ومعرضة للانخراط في مغامرات محفوفة بالمخاطر.

الموضوع ليس جديدا، فقد كان موضوعا لعدة تقارير في الماضي: بالإضافة إلى الأبحاث المنتظمة التي تقوم بها المندوبية السامية للتخطيط حول التشغيل، والتي تشير إلى حالة هذه الفئة، ينبغي الإشارة إلى الدراسة التفصيلية التي أجراها المرصد الوطني للتنمية البشرية ONDH) ) بتعاون مع منظمة اليونيسف، وهي دراسة علقنا عليها باستفاضة في مقالة نشرت في شهر يونيو 2021 تحت عنوان: « الشباب خارج المدرسة وخارج سوق الشغل مشكلة مجتمعية تتطلب حلولا استعجالية »، مع عرض مختصر لبعض الحلول التي نجدها في مقترحات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.
من حيث وصف الظاهرة، فإن الدراسات التي أجرتها المندوبية السامية للتخطيط والمرصد الوطني للتنمية البشرية أكثر تفصيلا بكثير من تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي للتنمية وذلك لسببين على الأقل: أولا على مستوى « تعريف الفئة المستهدفة »، فإن دراسة المرصد الوطني للتنمية البشرية هي أكثر تحديدًا ويدخل في التفاصيل من خلال التمييز بين خمس فئات من الشباب الذين لا يشتغلون وليسوا بالمدرسة ولا يتابعون أي تكوين، وهي: النساء القرويات في المنزل مع مسؤوليات عائلية (54.3%)، الشباب المحبطين من سكان المناطق الحضرية (25%)، شباب لا يشتغلون وليسوا بالمدرسة ولا يتابعون أي تكوين يمرون بمرحلة انتقالية (7.8%)، شباب لا يشتغلون وليسوا بالمدرسة ولا يتابعون أي تكوين عن طواعية واختيار (7.5%)، وشباب يعانون من مشاكل صحية (5.1%). ثم على مستوى التوزيع الجهوي والمحلي، يقدم بحث المندوبية السامية للتخطيط مؤشرات مفيدة لتحديد وتنفيذ السياسات الجهوية والمحلية في هذا المجال. ولذلك يمكننا أن نتساءل حول مدى أهمية دراسة المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الجديدة وقيمتها المضافة مقارنة بما هو موجود؟
في الواقع، هذه الدراسة، المنبثقة عن هيئة دستورية مكونة من ممثلين عن العمال وأرباب العمل والمجتمع المدني والأوساط الأكاديمية، تجد أهميتها في كونها جاءت لتحريك المياه الراكدة من جهة، وتقديم مقترحات لإدماج اجتماعي واقتصادي لهذه الشريحة من السكان من جهة أخرى.
دعونا نذكر، لطمأنة رئيس الحكومة الذي يبدو أنه غير راض ومنزعج بتقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والذي تزامن مع النقاش البرلماني حول الحصيلة الحكومية في منتصف ولايتها، بأن « شباب لا يشتغلون وليسوا بالمدرسة ولا يتابعون أي تكوين » لا تشكل ظاهرة خاصة بالمغرب وليست نتاجا لتوجهات الحكومة الحالية. نحن لا نلوم الحكومة على إنجابها لهذه الفئة، لكننا نلومها على عدم إعطاء كل الاهتمام اللازم لمشكلة مجتمعية قد تنفجر في أي لحظة.
في الواقع، فإن وضع فئة « شباب لا يشتغلون وليسوا بالمدرسة ولا يتابعون أي تكوين »، وهي ترجمة للعبارة الإنجليزية « Not in Education, Employment or Training » (NEET يهم واحد من كل أربعة شباب في الفئة المتراوحة أعمارهم ما بين 15 و24 سنة. وهو ما يمثل إجمالي 1.502 مليون شاب في سنة 2022. وعلى مدار ما يقرب من عقد من الزمن، انخفض معدل فئة « شباب لا يشتغلون وليسوا بالمدرسة ولا يتابعون أي تكوين » ضمن مجموع الشباب من 29% إلى 25.2%، مما يعكس انخفاضًا قدره 4 نقاط. ومع ذلك، على الرغم من أن هذا المعدل أقل من المتوسط في البلدان ذات الدخل المتوسط الأدنى (28٪)، فإنه لا يزال أعلى من المتوسط في البلدان ذات الدخل المتوسط الأعلى (19.6٪) وبلدان منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية(14.8٪).
الخصائص الرئيسية لفئة « NEET » هي: التأنيث (ما يقرب من ثلاثة أرباع من الفتيات الصغيرات أو النساء المتزوجات في وقت مبكر). انخفاض مستوى التعليم (حوالي 40% منهم لديهم تعليم ضعيف أو أقل من سلك الاعدادي، و8% فقط لديهم مستوى عالي). الاستدامة (الشاب الذي ينضم إلى فئة « NEET » يظل فيها لفترة طويلة، وخاصة في المناطق القروية).
بشكل عام، تقتصر مشكلة هذه الظاهرة على إشكالية العالم القروي (مع الهدر المدرسي) وإدماج المرأة المغربية في النشاط الاقتصادي. وإذا كانت الحكومات المتعاقبة، الحالية والتي سبقتها، لم تتمكن من تحسين معدل النشاط لدى النساء، ذلك لأنهم لم يأخذوا هذه البيانات الهيكلية بعين الاعتبار الكافي لمعالجة الموضوع بتصميم ومتابعة. على هذا النحو، بدلاً من تجاهلها بحجة أنها «صعبة التطبيق»، من المهم مراعاة مقترحات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي التي لها ميزة إثراء النقاش. إن تغيير المسار هو بحكم طبيعته عمل شاق وصعب، ونادرًا ما يكون الطريق المؤدي إليه بدون مزالق.
ولنعترف بأن الحكومة الحالية كانت لديها الشجاعة لتضع لنفسها هدف زيادة معدل النشاط لدى النساء إلى 30% في نهاية الولاية (2026) بدلاً من 20% في سنة 2021. ولكن حدث العكس: حيث انخفض المعدل إلى 19% في سنة 2023. وسبب هذا النكوص واضح: لقد وضعنا هدفا جديرا بالثناء وجذابا دون التفكير في وسائل تحقيقه. ولحسن الحظ، لم يفت الأوان أبدًا لتصحيح الوضع، وذلك باستلهام العمل الذي قام به المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الذي قدم خمسة مقترحات: تعزيز قدرات تحديد ورصد الشباب الذين لا يشتغلون وليسوا بالمدرسة ولا يتابعون أي تكوين، وتنفيذ التدابير الوقائية لمنع فئات جديدة من الشباب من أن يجدوا أنفسهم في وضع NEET، وإنشاء نظام بيئي موسع لاستقبال وتوجيه الشباب المعني نحو خيارات شخصية تلبي احتياجاتهم الخاصة، وتحسين نوعية وفعالية خدمات وبرامج إدماج هؤلاء الشباب، وتحديد إطار واضح للحكامة. تستحق هذه المقترحات مزيدا من الدراسة والإثراء.
ومع ذلك، كان ينبغي على المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن يربط بين مقترحاته وما هو موجود بالفعل، وذلك لخلق التكامل واختصار وقت الإنجاز. لقد أظهرت التجربة أنه في بعض القضايا، يكفي إجراء تعديل بسيط لتحقيق نتائج ملموسة.
في جميع الحالات، نحن لاننطلق من العدم: هناك سياسات تتطلب المراجعة والتصحيح، وهناك هياكل وبنيات (ترجمه للعربية عبد العزيز بودرة).

المصدر: اليوم 24

كلمات دلالية: المجلس الاقتصادی والاجتماعی والبیئی المندوبیة السامیة للتخطیط

إقرأ أيضاً:

وكيل وزارة الشباب والرياضة بالغربية في زيارة مفاجئة لإدارة شباب كفر الزيات

قام، اليوم، اللواء حسين حنفي، وكيل وزارة الشباب والرياضة بالغربية، بزيارة مفاجئة لإدارة شباب كفر الزيات، ويأتى ذلك في إطار جولاته المفاجئة على مستوى المحافظة للتأكيد على انضباط العاملين ومتابعة تنفيذ الأنشطة والوقوف على المشكلات التي تواجه مراكز الشباب وبحث سبل حلها وفقاً لتوجيهات الدكتور أشرف صبحي وزير الشباب والرياضة.

حيث تابع سجلات وتقارير المتابعة والرد عليها، وشدد على انضباط العاملين ومتابعة تنفيذ الانشطة، كما تابع سجلات الحضور والانصراف للتأكد من أنضباط العاملين والالتزام بمواعيد العمل الرسمية كما وجة العاملين للقيام بتكليفاتهم وفقاً للإجراءات والضوابط المنصوص عليها.

يأتى ذلك في إطار حرص سيادته على متابعة العمل داخل الإدارات والوقوف على أهم المشكلات التى تواجه العاملين من أجل الارتقاء بمستوى العمل بالإدارات الفرعية.

أكد، وكيل الوزارة، أن ذلك يأتي لتحقيق انضباط العاملين والتأكد من تنفيذ خطط النشاط بالمراكز وكذلك متابعة ما تشمله الهيئات الشبابية من منشآت، وأنه تم تغير الصورة الذهنية لمراكز الشباب، وتحويلها لمراكز مجتمعية تقدم خدمات للأسر المصرية.

مقالات مشابهة

  • 60 % من المصريين شباب.. فرصة لتطوير التعليم العالي
  • مدير رياضة القليوبية يشهد ختام دوري أكاديميات كرة القدم والنسائية
  • اتحاد الشباب بالخارج: الدبلوماسية المصرية دعمها كبير لأنشطة أبنائنا
  • تعاون شبابي بين «كهرباء دبي» و«الخدمات الصحية»
  • ليبيا تشارك باجتماع «المجلس الاقتصادي والاجتماعي» في مصر
  • ملتقى شباب المعرفة ينطلق في المغرب 20 و21 الجاري
  • وكيل وزارة الشباب والرياضة بالغربية في زيارة مفاجئة لإدارة شباب كفر الزيات
  • الإمارات تسلّم البحرين رئاسة الدورة الجديدة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي العربي
  • وزير التجارة يؤكد التزام العراق بتعزيز التعاون الاقتصادي العربي
  • اليمن تشارك بالاجتماع الوزاري للمجلس الاقتصادي والاجتماعي العربي في القاهرة