ماذا سيحدث حينما تتوقف المحرقة عن منع العالم من رؤية إسرائيل كما هي؟
تاريخ النشر: 15th, May 2024 GMT
كل من كان يرغب في الرؤية، كانت الحقيقة جلية تماماً في عام 1955 عندما كتبت حنا أريندت تقول: "يعاملون العرب، من تبقى منهم هنا، بطريقة تكفي بذاتها لأن يجتمع العالم بأسره ضد إسرائيل."
ولكن كان ذلك في عام 1955، بالكاد بعد عقد من المحرقة – نكبتنا الكبرى، والتي هي في نفس الوقت السترة الواقية التي ترتديها الصهيونية.
مضى ما يقرب من سبعين عاماً منذ ذلك الحين. في هذه الأثناء، غدت إسرائيل مدمنة على نظام التفوق العرقي اليهودي على الفلسطينيين وكذلك على قدرتها على استخدام ذكرى المحرقة من أجل الحيلولة دون أن تؤدي الجرائم التي ترتكبها ضد الفلسطينيين إلى استنفار العالم ضدها.
لم يخترع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو شيئاً جديداً: لا الجرائم ولا استغلال المحرقة لإسكات الضمير العالمي. ولكنه لم يزل يترأس الحكومة الإسرائيلية على مدى ما يقرب من جيل كامل. خلال تلك الفترة، اتخذت إسرائيل تحت زعامته خطوة كبيرة نحو مستقبل يتم فيه محو الشعب الفلسطيني من حلبة التاريخ – على وجه التأكيد إذا كانت الحلبة المذكورة هي فلسطين، وطنهم التاريخي.
كل ذلك لم يتم تنفيذه تدريجياً فحسب – دونم آخر، نعجة أخرى، موقع متقدم آخر، مزرعة أخرى – ولكن غدا في الآخر سياسة معلنة، من القانون الأساسي لعام 2018 والمتعلق بإسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي، إلى السياسة الأساسية للحكومة الحالية، وأولاً وقبل كل شيء التصريح القائل: "إن للشعب اليهودي حقاً حصرياً وثابتاً في كل أجزاء أرض إسرائيل." والحقيقة هي أن الإجماع على ذلك بات أكثر اتساعاً وأكثر كسحاً من الدعم الذي يحظى به نتنياهو نفسه. وإلا، فمن ذا الذي لم تعجبه في إسرائيل ذلك التحرك الذكي، عشية السابع من أكتوبر 2023، للتطبيع مع المملكة العربية السعودية، من أجل تثبيت حقيقة في الوعي الفلسطيني مفادها أنهم أمة مهزومة؟
ولكن الفلسطينيين، ذلك الشعب العنيد، لم يغادروا الحلبة. وبشكل ما، عبر كل السنين والقهر والمستوطنات والمذابح في الضفة الغربية وجولات الصراع مع غزة، وعنف الجيش وغياب المحاسبة، ومصادرة الأراضي في القدس وفي النقب وفي وادي الأردن، وبشكل خاص كلما حاول فلسطيني التمسك بأرضه، وبعد سنوات عديدة من سفك الدماء والكثير من الجرائم، بدأت تلك الخدعة التي يعاد تدويرها من الدعاية الإسرائيلية، أو الدبلوماسية العامة، في فقد فاعليتها، وتكشفت للناس الحقيقة بأنه ليس كل من يرى الفلسطينيين كائنات حية لها حقوق فهو معاد للسامية.
في تلك الأثناء جاءت الحرب على غزة، وذلك الدمار غير المسبوق الذي ألحقناه في القطاع بعشرات الألوف من الفلسطينيين الذين قضوا نحبهم. لقد بلغ سفك الدماء والقتل والتدمير حداً راح الناس بسببه في محكمة العدل الدولية في لاهاي يناقشون بشكل جدي مسألة ما إذا كان ذلك إبادة جماعية.
على حد تعبير أريندت، ما نفعله بالفلسطينيين – أولئك الذين مازالوا في غزة – لم يستنفر العالم بعد ضد إسرائيل. ولكن العالم سمح لنفسه بالتفكير بصوت مرتفع حول ذلك.
مازال كل ذلك لا يدفعنا نحو إعادة التفكير في الطريقة التي نعامل بها العرب. بدلاً من ذلك، ها نحن تارة أخرى نحاول بث الحياة من جديد في المنطاد المستخدم للدعاية الصهيونية. كان نتنياهو في عام 2019 قد أعلن أن التحقيق الذي تجريه المحكمة الجنائية الدولية "مرسوم معاد للسامية" (ولم يوقف ذلك التحقيق)، وفي عام 2021، أكد أن ذلك كان هو معاداة السامية الخالصة (ولم يوقف ذلك التحقيق)، ثم قبل أسبوع بدأ يصرخ قائلاً إن ذلك "جريمة كراهية معادية للسامية."
كعادته، يحشر نتنياهو بضع كلمات من الحقيقة بين السطر والسطر الذي يليه. في خطابه الذي ألقاه عشية يوم ذكرى المحرقة في نصب ياد فاشيم للمحرقة، كان محقاً عندما قال إن المحكمة الجنائية الدولية ككيان "تأسست كرد فعل على المحرقة وعلى الفظائع الأخرى من أجل ضمان عدم تكرار ذلك." ولكن، وبجرأة استثنائية، إذا فكرت للحظة في الترتيب والتوقيت، فإن كل ما قاله نتنياهو مما يحيط بهذا التصريح ما هو إلا كذب، وخاصة عندما أكد أنه إذا صدرت مذكرة توقيف ضده فإن "تلك ستكون خطوة تلصق وصمة لا تمحى على جبين نفس فكرة العدالة والقانون الدولي."
والحقيقة هي أن الوصمة التي تهز أساسات القانون الدولي هي حقيقة أنه حتى بعد أعوام من التحقيق، حسب علمنا، لم تصدر بعد مذكرة توقيف ضد نتنياهو أو ضد غيره من مجرمي الحرب الإسرائيليين. وذلك على الرغم من حقيقة أنه، وعلى مدى عقود، لم تزل إسرائيل ترتكب في وضح النهار جرائم ضد الفلسطينيين، جرائم باتت سياسة رسمية للحكومة، جرائم تقرها المحكمة العليا، وتحظى بالحماية بما يدليه من آراء المدعون العامون وتحظى بالتبييض من قبل جنرالات الجيش. على الرغم من أن كل ذلك علني ومعروف، منشور في وسائل الإعلام، إلا أن أحداً لا يُلقى على كاهله المسؤولية أو يحاسب بسببه، لا في إسرائيل ولا في خارجها، على الأقل حتى هذه اللحظة.
إننا نقترب من اللحظة، ولربما وصلناها، عندما لا تعود ذكرى المحرقة كفيلة بمنع العالم من رؤية إسرائيل كما هي في الواقع. إنها اللحظة التي سوف تتوقف فيها الجرائم التاريخية التي ارتكبت ضد شعبنا عن ممارسة دور القبة الحديدية التي تحمينا من المساءلة والمحاسبة على الجرائم التي نرتكبها في الحاضر ضد الأمة التي نشترك معها في الوطن التاريخي.
وحتى لو تأخر مجيء تلك اللحظة، فإنه حان موعد وصولها. سوف تكون إسرائيل بدون المحرقة، وإن كان سيتصدر لحماية سمعتها عبقري الدعاية الصهيونية الإسرائيلي العربي جوزيف حداد وصانع المحتوى إيلا ترافيلز.
لربما يكون من الأفضل لنا أن نفتح عيوننا وأن نتبنى سلوكاً مختلفاً في التعامل مع الفلسطينيين: أن نراهم بشراً متساوين. من المؤكد أن ذلك سيكون درساً أبلغ من المحرقة، ولعل أريندت توافق على ذلك.
مقال للرأي في صحيفة هآريتز
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه إسرائيل المحرقة الفلسطينيين إسرائيل فلسطين الاحتلال المحرقة مقالات مقالات مقالات اقتصاد سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی عام
إقرأ أيضاً:
الشبكة الذكية للكهرباء والمياه تدعم رؤية دبي في أن تكون المدينة الأذكى والأكثر سعادة في العالم
تعد “الشبكة الذكية” التي تنفذها هيئة كهرباء ومياه دبي، باستثمارات إجمالية تبلغ 7 مليارات درهم، إحدى الأدوات التي تدعم رؤية القيادة الرشيدة في أن تكون دبي المدينة الأذكى والأكثر سعادة على مستوى العالم، حيث تسهم الشبكة الذكية في ضمان استمرارية وتوافرية الخدمات المتكاملة والمتصلة بما توفره من خصائص متقدمة تشمل قدرات اتخاذ القرار التلقائي، وإمكانية التشغيل التبادلية بين مختلف أنحاء شبكة الكهرباء والمياه لضمان التشغيل السلس والسريع والفعال بالاعتماد على أحدث التقنيات الإحلالية للثورة الصناعية الرابعة بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء وغيرها.
وقال معالي سعيد محمد الطاير، العضو المنتدب الرئيس التنفيذي لهيئة كهرباء ومياه دبي: “نعمل وفق رؤية سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وتوجيهات سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع رئيس المجلس التنفيذي لإمارة دبي، لتوفير بنية تحتية متطورة ومتكاملة تسهم في الوصول بدبي لأن تكون المدينة الأذكى والأكثر سعادة على مستوى العالم. وتسهم الشبكة الذكية التي ننفذها باستثمارات تبلغ 7 مليارات درهم حتى عام 2035 في تقديم خدمات الكهرباء والمياه وفق أعلى معايير التوافرية والاعتمادية والاستدامة والجودة، وتحقيق نتائج تنافسية تتجاوز نخبة الشركات الأوروبية والأمريكية في الكفاءة والاعتمادية، ففي عام 2023، بلغت نسبة الفاقد في شبكات نقل وتوزيع الكهرباء في دبي 2.0% مقارنة مع 6-7% في أوروبا والولايات المتحدة، وانخفضت نسبة الفاقد في شبكات المياه إلى 4.6% مقارنة مع 15% في أمريكا الشمالية، كما حققت الهيئة رقماً عالمياً جديداً في متوسط انقطاع الكهرباء لكل مشترك، حيث سجلت دبي متوسط 1.06 دقيقة انقطاع لكل مشترك في العام، مقارنة مع 15 دقيقة لدى نخبة من شركات الكهرباء في دول الاتحاد الأوروبي.”
استراتيجية الشبكة الذكية
في عام 2014، طورت هيئة كهرباء ومياه دبي أول استراتيجية للشبكة الذكية، وفي عام 2021، حدّثت الهيئة الاستراتيجية حتى عام 2035، مع تحويل برامج الشبكة الذكية إلى ستة محاور أساسية، ما يسمح بتوسيع الممكنات الذكية ويوفر المزيد من المرونة والرشاقة لمواكبة الفرص والاحتياجات الجديدة. وتضم هذه المحاور 19 من ممكنات الشبكة الذكية الرائدة عالمياً التي تدعم الأهداف الاستراتيجية للهيئة.
الاستعادة الآلية للكهرباء
من بين البرامج التي أطلقتها الهيئة تحت مظلة الشبكة الذكية، نظام استعادة الشبكة الذكية الآلي، الأول من نوعه في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لزيادة التحكم وإدارة ومراقبة شبكة الطاقة عن بعد وعلى مدار الساعة دون أي تدخل بشري. ويعتمد النظام على أنظمة مركزية ذكية ومبتكرة، لتحديد موقع العطل في شبكة الطاقة وعزله وإعادة الخدمة تلقائياً، ما يحسن أتمتة الشبكة وعمليات اكتشاف الأعطال وعزلها واستعادة الخدمة، ويدعم جهود الهيئة لمواصلة توفير خدماتها وفق أعلى معايير الاعتمادية والموثوقية والكفاءة.
تحليل البيانات الضخمة
وفي عام 2022، أطلقت الهيئة منصة “البيانات الضخمة وتطبيق التحليلات” لدمج تطبيقات الشبكة الذكية والتقنيات التشغيلية وغيرها، بما يتيح معالجة كميات ضخمة من البيانات وتقديم تحليلات مبنية على الحقائق والتنبؤ بالمستقبل للمشاريع الحالية والمستقبلية. وتسهم المنصة في تحسين عمليات وإدارة الأصول والعدادات الذكية والارتقاء بتجربة المعنيين وتعزيز سعادتهم.
إشعار باستهلاك مرتفع
تساعد خدمة “إشعار باستهلاك مرتفع للمياه” المدعومة بالشبكة الذكية، المتعاملين على اكتشاف أية تسريبات في توصيلات المياه بعد العداد، حيث يتم إرسال إشعارات آنية للمتعاملين في حال اكتشاف نظام العدادات الذكية أي ارتفاع غير معتاد في الاستهلاك، ليسارعوا إلى فحص التوصيلات الداخلية، وإصلاح أية تسريبات بالاستعانة بفني متخصص. ومنذ إطلاقها عام 2019 وحتى نهاية عام 2023، نجحت الخدمة في رصد 1,811,681 حالة تسرب في توصيلات المياه بعد العداد، و36,005 خلل، و13,397 حالة زيادة أحمال.