بيت لحم- في أزقة مخيم الدهيشة للاجئين بمدينة بيت لحم في الضفة الغربية، سارت الجزيرة نت بحثا عن منزل المسنة خضرة رمضان، التي تعيش هنا قسرا وترفض الاعتراف ببيتها الصغير كمكان سكن دائم، لأنها تصرُّ على حقها في العودة إلى قريتها "جراش" في قضاء القدس، والتي هجّرت منها إبان النكبة.

لا يكاد يخلو جدار واحد في مخيم الدهيشة -الذي تأسس عام 1949- من عبارات رفض الاحتلال وتمجيد المقاومة الفلسطينية، وشهداء المخيم الذين ارتقوا على مرّ السنوات.

كما يتسلل إلى أنف الزائر في كل زقاق رائحة أكلة المقلوبة الفلسطينية التي تفوح من مطابخ نساء المخيم خاصة يوم الجمعة.

شعارات رفض الاحتلال وتمجيد المقاومة وأسماء المقاومين على جدران أزقة مخيم الدهيشة (الجزيرة) حارة الجراشية

في حارة أزقتها ضيقة يُطلق عليها أهالي المخيم حارة "الجراشية" أو "الرمضانية" نسبة لعائلة رمضان وقرية جراش التي هُجروا منها، يقع منزل اللاجئة المسنة خضرة، حيث باب حديدي بُنّي لا يشبه أبدا مدخل منزل عائلتها في قريتها المهجرة، ولا تشبه ملامح بيتها الحالي منزل الطفولة.

ولدت خضرة عام 1936 في قرية "جراش" القائمة على السفح الغربي الأدنى لأحد جبال القدس، وهي محاطة بأودية من الجنوب والغرب والشمال، وتربطها طريق فرعية تخترق قرية "سُفلى" المجاورة بطريق القدس-بيت لحم، وكانت القرية مستطيلة الشكل، وبنيت معظم منازلها من الحجارة.

هذا وصف المؤرخ الفلسطيني وليد الخالدي لموقع القرية وفقا لما ورد في موسوعة "كي لا ننسى"، لكن وصف خضرة كان أكثر شاعرية لقريتها، وقالت بحسرة تؤلمها منذ 76 عاما "كان منزلنا يتكون من طابقين: السفلي للدواب والعلوي لأفراد الأسرة، وكانت غرف المنزل ذات سقوف مقببة عالية ومساحتها كبيرة".

تنطق خضرة بهذه الكلمات، وتنظر إلى سقف منزلها المتهالك في المخيم، فتتألم ثم تصرُّ على مواصلة حديثها الذي تتخلله الكثير من المصطلحات الغريبة عن الأجيال الجديدة.

اللاجئة خضرة رمضان تشرح لحفيدتيها عن العروق التي اشتهرت بها أثواب قرية جراش المقدسية (الجزيرة) أرض الخيرات

"كنّا نقضي أوقاتنا في الزراعة والعناية بالأرض، ولكل شهر في السنة هناك مهمات للفلاح.. نبذر الحبوب ونغرسها في الأرض بعد حرثها، ثم ننتظر نضوجها لنحصدها ثم نقطفها ونحتفظ بها في الخوابي وهي الغرف الطينية المخصصة لتخزين المحاصيل المقطوفة".

القمح والعدس والشعير والذرة والحِلبة وغيرها تُزرع في أوقات محددة من السنة، وعلى مدار العام كان يهتم أهالي جراش -وفقا لخضرة- بأشجار قريتهم المثمرة كاللوز والزيتون والتين، وبالمزروعات التي تستخدم للاستهلاك اليومي كالبندورة والورقيات بأنواعها والكوسا والباذنجان وغيرها.

"عشت طفولة جميلة.. ساهمت في كل الأعمال التي تقع على عاتق النساء بالأرض، كما تعلمتُ التطريز الفلسطيني التراثي، وصنعت بعض الأثواب قبل تهجيرنا، وأحتفظ بها حتى الآن، وأشهر الغُرز التي اشتهرت بخياطتها نساء جراش هي العصافير وعروق الدوالي والوردتان والريش".

الرحيل المر

وبمجرد وصول الشهادة الحيّة لهذه المسنة إلى محطة التهجير واللجوء، تغيرت نبرة صوتها وقالت بألم عميق "لازم الكل يعرف أنه كانت لدينا أراضٍ تقلب الرأس (في إشارة لكثرتها)، وإننا خرجنا من بلدنا مجبرين بعد معركة باب الواد ورحيل كافة أهالي القرى القريبة منا مثل سُفلى وإشوع ودير ابان وصرعة وعرتوف".

"عندما وصلت العصابات الصهيونية إلى قرية دير ابان استهدفوا أهلها مرارا بقذائف الهاون وأسلحة أخرى، ولم يكن أمامنا خيار سوى الرحيل، فركبنا في سيارتَي شحن يملكهما خالي وودعنا القرية بألم، لكن بأمل أننا سنعود إليها".

ومع مشاهد نزوح الغزيين في الشاحنات خلال العدوان الحالي على القطاع، انتعشت ذاكرة خضرة برحلتها المُرّة بعيدا عن قريتها. وقالت "لا أستطيع أن أرى بعيني من كثرة البكاء على الغزيين، يتعرضون لإبادة أبشع من تلك التي تعرضنا لها عام 1948.. وأبكي عليهم لأنني أعرف ما ينتظرهم الآن من شتات وتيه بعيدا عن منازلهم وأراضيهم".

منازل قرية جراش المهجرة نسفت بالكامل (الجزيرة) طريق الهجرة

كانت قرية "بني نعيم" قضاء الخليل الوجهة الأولى لأهالي جراش، ومن هناك لجؤوا إلى قرية "جورة الشمعة" ثم إلى "بيت سكاريا" قضاء بيت لحم، قبل أن تتزوج خضرة بابن عمها عام 1950، وتستقر معه في مخيم الدهيشة للاجئين الذي يضم الآن 13 ألف لاجئ فلسطيني تعود أصولهم لـ45 قرية من غربي القدس ومنطقة الخليل، وفقا للموقع الإلكتروني لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).

تقول خضرة إنها أحصت بشكل شخصي عدد أهالي جراش الذين خرجوا من القرية وكانوا 300 نسمة. وأوردت موسوعة "كي لا ننسى" في توثيقها لقرية جراش أن عدد سكانها بين عامي 1944 و1945 كان 190 فلسطينيا يعيشون في 33 منزلا.

نجحت هذه اللاجئة في زيارة قريتها المهجرة مرارا بعد النكبة، وقبل أن تطبق الحواجز الإسرائيلية العسكرية الخناق على أهالي الضفة الغربية.

وتذكر أن المنازل نُسفت بالكامل، لكنها حرصت على الوقوف على أطلالها، وهو ما ينسجم مع المعلومات الواردة في الموسوعة من أن الأعشاب تغطي موقع القرية، وتتخللها بقايا المنازل المدمرة وركام المصاطب، وأن أشجار الخروب والزيتون واللوز والتين لا تزال صامدة فيها.

بعض القرى المهجرة حولها الاحتلال إلى محميات طبيعية (الجزيرة) من الطنطورة إلى غزة

طيلة ساعات مكوثنا في منزل كان تعلقها في الماضي باديا في كل أحاديثها، فعندما تزوجت أحضرت معها لمنزل زوجها 12 ثوبا تراثيا فلسطينيا، وكلما أوشك أحد الأثواب على التلف قصّت أجزاء منه، وصنعت منها وسائد وتحفا تراثية تزين فيها مجلسها الصغير بالمخيم.

وقبل أن نودعها، أفصحت للجزيرة نت عن أمنيتها قائلة "أتضرع إلى الله ليلا ونهارا بأن ينصر الفلسطينيين، ويعيدهم إلى وطنهم ليعيشوا فيه آمنين، وأن تشفق كافة الدول على النازحين والقابعين تحت القصف لإنهاء هذه المذبحة.. كانت حسرة مجزرتي دير ياسين والطنطورة ترافقني منذ عام النكبة والآن حسرة غزة انضمت إليهما، وسترافقني حتى مماتي".

خرجنا من منزل خضرة وهي منهمكة في شرح عروق أثوابها لحفيدتيها، وكلما أخطأت إحداهما بمعلومة تنفعل المسنة وتعيد الشرح، فهذا التراث والتاريخ يجب أن يُنقل بدقة لكافة الأجيال في ظل محاولات التشويه والتهويد التي يتعرض لها كل ما هو فلسطيني منذ عام النكبة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات مخیم الدهیشة بیت لحم

إقرأ أيضاً:

مصادر سودانية تؤكد رفض الخرطوم تهجير فلسطينيي غزة إلى السودان

السودان – أكد مسؤولان سودانيان لوكالة “أسوشيتد برس” أن الحكومة رفضت فكرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى السودان.

وكشف المسؤولان لأن إدارة ترامب اتصلت بالحكومة التي يقودها الجيش بشأن قبول الفلسطينيين.

وقال أحدهم إن الاتصالات بدأت حتى قبل تنصيب ترامب رئيسا للولايات المتحدة، مشيرا إلى أنه تم تقديم مغريات تتضمن “مساعدة عسكرية ضد قوات الدعم السريع، ومساعدة في إعادة الإعمار بعد الحرب وحوافز أخرى”.

وقال المسؤولان إن الحكومة السودانية رفضت الفكرة “على الفور، ولم يفتح أحد هذا الأمر مرة أخرى”.

المصدر: AP

Previous نتنياهو : نسيطر على 5 مواقع جنوب لبنان وسنبقى فيها Related Posts نتنياهو : نسيطر على 5 مواقع جنوب لبنان وسنبقى فيها عربي 14 مارس، 2025 دمشق.. وفد تركي رفيع المستوى يبحث مع الشرع العلاقات وتطورات المنطقة عربي 14 مارس، 2025 أحدث المقالات مصادر سودانية تؤكد رفض الخرطوم تهجير فلسطينيي غزة إلى السودان نتنياهو : نسيطر على 5 مواقع جنوب لبنان وسنبقى فيها دمشق.. وفد تركي رفيع المستوى يبحث مع الشرع العلاقات وتطورات المنطقة على أنغام “طلع البدر علينا”.. عبور وفد من شيوخ الموحدين الدروز من قرى جبل الشيخ إلى إسرائيل ترحيب عربي بتصريحات ترامب عن غزة ومطالبات بمسار للسلام

ليبية يومية شاملة

جميع الحقوق محفوظة 2022© الرئيسية محلي فيديو المرصد عربي الشرق الأوسط المغرب العربي الخليج العربي دولي رياضة محليات عربي دولي إقتصاد عربي دولي صحة متابعات محلية صحتك بالدنيا العالم منوعات منوعات ليبية الفن وأهله علوم وتكنولوجيا Type to search or hit ESC to close See all results

مقالات مشابهة

  • راشيل كوري: الناشطة الأمريكية التي ضحت بحياتها دفاعا عن منزل فلسطيني
  • نزوح 90% من أهالي مخيم جنين..ماذا يجري في المخيم؟
  • صورة: أراضي 48: قتيل بجريمة إطلاق نار في يافة الناصرة
  • تركيا الأولى عالميا ضمن الدول التي يصعب فيها امتلاك منزل!
  • عماد الدين حسين: خطة مصر لإعادة إعمار غزة دون تهجير أهله تحظى بدعم المجتمع الدولي
  • من بريق الملاعب إلى ظلام تهجير الفيليين.. حكاية النجم الكروي علي حسين
  • كيف أربكت تصريحات ترامب عن تهجير الغزيين واشنطن؟
  • مصرع ربة منزل صعقا بالكهرباء في قرية الحراجية بـ قنا
  • مصادر سودانية تؤكد رفض الخرطوم تهجير فلسطينيي غزة إلى السودان
  • محافظ أسيوط يبحث شكاوى ومطالب أهالي قرية نزلة باقور بأبوتيج