لاجئ سبعيني بغزة: لأبناء طوفان الأقصى أنياب وأظافر قادرة على إيذاء إسرائيل
تاريخ النشر: 15th, May 2024 GMT
غزة- يجلس اللاجئ السبعيني عبد ربه أبو جبل في خيمة متهالكة بمنطقة المواصي المحاذية للبحر، غرب مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، بعدما اضطر إلى النزوح عن منزله بمدينة رفح على الحدود مع مصر، إثر إنذارات إسرائيلية للسكان بالإخلاء، إيذانا بعملية عسكرية برية.
ورغم عمق المأساة التي حلت بزهاء 2.3 مليون فلسطيني يسكنون في القطاع الساحلي الصغير، جراء الحرب الإسرائيلية التي شردت أكثر من 85% منهم في الخيام ومراكز الإيواء، فإن اللاجئ أبو جبل لم يفقد ما يصفه بـ"شعور الفخر"، وتلازمه "نشوة النصر" منذ هجوم طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ويعتبره أحد أبرز المحطات النضالية الفلسطينية منذ النكبة عام 1948، وقيام الكيان الإسرائيلي على أنقاض فلسطين التاريخية.
زارت الجزيرة نت اللاجئ أبو جبل في خيمته، حيث يجلس متصدرا واجهتها الغربية ومرتديا زيا تقليديا، وأجرت معه حوارا بدأه بابتسامة زينت وجهه بلحيته البيضاء، وقد استهل حديثه قائلا "أنا أكبر من إسرائيل، وأنا وأبنائي وأحفادي أحق بهذه الأرض، وسنعود ليس إلى بيتنا في رفح وإنما إلى برير".
إذن، أنت لاجئ من برير يا حج؟نعم، ولدت في برير عام 1947، وهي قرية تتبع لواء غزة منذ ما قبل وقوع النكبة عام 1948، وكل المعاملات الإدارية والرسمية لبرير والقرى المحيطة بها كانت تتم في غزة سواء في عهد الدولة العثمانية، أو الانتداب البريطاني.
وعندما وقعت النكبة، وهربا من الجرائم المروعة التي ارتكبتها العصابات الصهيونية مثلما تفعل إسرائيل الآن في غزة، هاجرت العائلة إلى مدينة غزة أولا، وبعد نحو عامين انتقلت لمخيم رفح للاجئين، وقد تكاثرت العائلة وامتدت ولا تزال تقيم في رفح، ونؤمن أن نزوحنا الكبير سيكون عودة نحو برير قريبا، إن شاء الله.
منطقة المواصي تكتظ بعشرات معسكرات الخيام على امتداد البحر من رفح جنوبا وحتى دير البلح وسط قطاع غزة (الجزيرة) تتحدث عن حق العودة وأنت نازح في خيمة؟بالتأكيد سنعود إلى برير، ولكل مدننا وقرانا في فلسطين التاريخية، وإسرائيل ترتكب الجرائم لمحاولة إطالة عمرها، فهي تدرك أن لا مستقبل لها على هذه الأرض، ومثلما هجرتنا بالإرهاب في العام 1948، فإنها تمارس السياسة نفسها منذ 8 أشهر في غزة، لكن هناك فرقا كبيرا بين جيل النكبة والجيل الحالي، فالآباء والأجداد كانوا فقراء وبسطاء ولا يملكون ما يواجهون به العصابات الصهيونية.
وهل تعتقد أن الجيل الحالي قادر على هذه المواجهة؟عندما وقعت النكبة كان الفلسطيني بسيطا وفقيرا وغير متعلم، ونجحت الدول الاستعمارية بتمرير وعد بلفور المشؤوم، وحدثت المأساة الفلسطينية التي يمر عليها في هذه الأيام 76 عاما، ومن الظلم أن نحمل آباءنا وأجدادنا إثم ومسؤولية ضياع فلسطين، فقد كان المقاتل منهم يبيع دابته أو ذهب زوجته ليشتري بارودة بدائية ليقاوم بها طائرات ودبابات ومدافع منحتها بريطانيا للعصابات الصهيونية.
أما اليوم، ورغم أن إسرائيل متفوقة بكل شيء، ولذات الأسباب حيث الدعم غير المحدود من أميركا والدول الغربية لها في مواجهة شعب أعزل، فإن الجيل الحالي جيل طوفان الأقصى له أنياب وأظافر وقادر على "خرمشة" الاحتلال، فهو جيل متعلم ومؤمن، وقادر على توظيف علمه في تطوير أدواته وسلاحه.
وهل هذا كاف للتحرير وتحقيق النصر؟بالطبع ليس كافيا، ولكنه يفقد إسرائيل أمنها واستقرارها، ونحن نزرع في أبنائنا وأحفادنا عشق فلسطين، والإيمان بحق العودة، ونبذل الغالي والنفيس لتعليمهم أفضل تعليم ليكونوا قادرين على بناء مستقبل أفضل.
ولي أنا شخصيا من الأبناء 5 ذكور و5 إناث، حرصت على تعليمهم، ومنهم من يحمل شهادة الدكتوراه، رغم أنني لم أكمل تعليمي بعد الصف الأول الثانوي، بسبب ضيق الحال، واضطررت إلى ترك المدرسة من أجل مساعدة والدي في إعالة الأسرة، غير أنني أؤمن بقيمة العلم، وكنت حريصا على تعليم الأولاد والبنات، وزوجتهم وقد أنجبوا لي 22 حفيدا، وما زلت -رغم تقدمي بالعمر- أحرص على جمعهم وسرد حكايات برير وفلسطين على مسامعهم كي تبقى محفورة في ذاكرتهم.
هذا كله مهم من أجل مشاغلة الاحتلال، وجعل احتلاله مكلفا، غير أن التحرير الكامل وتحقيق النصر بحاجة إلى وحدة عربية وإسلامية، ولك أن تتخيل لو أن الجبهات العربية المحيطة بفلسطين التحمت مع المقاومة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، لما بقيت إسرائيل على الخارطة.
إن تحرير فلسطين بحاجة إلى أنظمة عربية ثورية، تعلي مصالح شعوبها والأمن القومي العربي، وتعتبر أن إسرائيل هي العدو الأول، وتفرض على العالم أن يطبق قوانين ومعايير الديمقراطية وحقوق الإنسان التي يتغنى بها، ولكننا لا نراها في غزة، والعالم يتفرج علينا ونحن نذبح وندمر.
تتحدث كثيرا عن أهمية العلم والمعرفة في معركة التحرير؟
نعم، ولولا أننا وصلنا إلى هذه الدرجة من العلم والمعرفة والإيمان لما نجحت المقاومة بعتاد بسيط في هجوم طوفان الأقصى والتصدي للعدوان، ولما نجحنا كشعب في الصبر والصمود رغم شراسة الحرب، التي ارتكبت خلالها قوات الاحتلال كل أنواع الجرائم، التي تفوق جرائم العصابات الصهيونية إبان النكبة عام 1948.
فهذه الحرب لا أخلاق فيها، وقد قتلت فيها إسرائيل آلاف الأطفال والنساء، ودمرت المنازل فوق رؤوس ساكنيها، إضافة إلى تدمير شامل للبنية التحتية والمستشفيات والمدارس وكل مقومات الحياة.
العصابات الصهيونية هجّرت أهالي القرى الفلسطينية عام 1948 بالقوة والترهيب (الجزيرة) هل التهجير هو هدف إسرائيل من وراء هذه الجرائم؟بلا شك، غزة باتت الصداع المزمن بالنسبة إلى إسرائيل، ولهذا كانت هذه الحرب المجنونة من أجل دفع الناس للهجرة إلى الخارج، وإحكام سيطرتها على غزة وتصفية القضية الفلسطينية، لكن الفلسطيني في غزة أوقف هذه المخططات بصبره وصموده ووعيه.
وأنا شخصيا أموت هنا ولا أهاجر، وأؤمن أن كرامتي بالبقاء هنا في غزة، وهذا ما زرعته في أبنائي على مدار السنوات الطويلة الماضية، فقد أمنت لهم الحياة هنا، وعلمتهم وزوجتهم وأسست لكل منهم بيتا، كي لا يفكروا يوما بالهجرة.
هناك من يحمل على هجوم طوفان الأقصى وقد تأثر بتداعيات الحرب من قتل وتدمير ونزوح، هل من رسالة لهم؟أقول ما أُخذ بالقوة لا يسترد إلا بمزيد من القوة، وعملية طوفان الأقصى محطة بارزة في تاريخ النضال الفلسطيني، ويجب أن نفتخر بها، وبمثل جيل طوفان الأقصى سنعود إلى ديارنا وبلادنا، وراقبوا كيف أصبح العالم كله يتحدث عن فلسطين وحقوق الشعب الفلسطيني، بعد عقود من الانحياز الأعمى لإسرائيل وتشويش وعي الجماهير والشعوب.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات العصابات الصهیونیة طوفان الأقصى عام 1948 فی غزة
إقرأ أيضاً:
"طوفان الأقصى" تعصف باستقرار المستوطنين وتدفعهم للهجرة
الضفة الغربية - خاص صفا
عقب عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/ تشرين أول 2023، دخلت "إسرائيل" منعطفاً لم تسلكه منذ عام 1948، وباتت الدولة التي كان يروج ساستها أنها المكان الأكثر أماناً، تحت نار صواريخ المقاومة وضغط الحرب.
وأفادت تقارير بمغادرة نحو نصف مليون "إسرائيلي" بعد بدء الحرب على قطاع غزة، وتجاوز عدد "الإسرائيليين" الذين قرروا العيش خارج حدود دولة الاحتلال أعداد العائدين بنسبة 44%.
وأظهرت البيانات انخفاضاً بنسبة 7% في عدد العائدين إلى "إسرائيل" بعد العيش في الخارج، حيث عاد 11 ألفاً و300 إسرائيلي فقط خلال عام 2023، مقارنة بمتوسط 12 ألفاً و214 في العقد الماضي.
وتتصاعد الهجرة العكسية في "إسرائيل" لأسباب أمنية واقتصادية، ما يضع الاحتلال أمام انعطافة ديموغرافية تهدد مستقل الدولة اليهودية.
وأفاد المختص في الشأن الإسرائيلي نهاد أبو غوش، بأن اتجاهات الهجرة بدأت ترتفع مع وجود حكومة اليمين ومحاولات تغيير النظام السياسي "الإسرائيلي" من خلال مشروع الانقلاب القضائي.
وقال في حديثه لوكالة "صفا"، إن ارتفاع مؤشرات الهجرة بشكل ملحوظ بعد طوفان الأقصى، يأتي بسبب زعزعت فكرة الوطن القومي الآمن لليهود، التي كان يروج لها الاحتلال على مدار عقود لاستقطاب يهود العالم.
أن صواريخ ومسيرات المقاومة وصلت كافة الأراضي المحتلة، وخلقت واقعاً يتنافى مع العقيدة الأمنية للاحتلال، التي ترتكز على تحقيق الأمن والاستقرار للمستوطنين.
وأشار أبو غوش إلى أن الأزمة الاقتصادية والخسائر التي يتكبدها الاحتلال في انفاقه على الحرب، والضغط على جنود الاحتياط واستمرار خدمتهم لفترات طويلة، فضلاً عن تغلغل اليمين المتطرف في مفاصل الحكومة، عوامل ساهمت مجتمعة في تشجيع الهجرة العكسية لليهود.
وبيّن أن الهجرة الداخلية من القدس إلى تل أبيب، كانت دائماً موجودة من قبل الفئات الليبرالية بسبب القيود التي يفرضها اليهود المتدينين "الحريديم" على الحياة اليومية.
وتتركز الهجرة في أوساط الليبراليين العلمانيين، والمهنيين الذين يديرون عجلة اقتصاد الاحتلال، بحسب أبو غوش، مرجحاً الأسباب إلى اتساع سيطرة اليمين المتطرف على الحكومة، وكلفة الحرب وتبيعاتها الاقتصادية التي يدفع فاتورتها المستوطنين.
وأكد على أن الهجرة العكسية هي الكابوس الأكبر الذي من شأنه أن ينهي حلم الدولة للكيان الصهيوني، إذ تتحول "إسرائيل" تدريجياً إلى دولة متطرفة لا ديموقراطية فيها، بعدما كان نظامها الليبرالي الديموقراطي أبرز عناصر قوتها وجذبها ليهود العالم.
وأضاف "إن هيمنة اليهود المتدينين وتغلغلهم في الحكم، وهم فئة غير منتجة ومساهمتها صفرية في الاقتصاد، إلى جانب رفضها الانضمام إلى الجيش، ستحول إسرائيل إلى دولة عالم ثالث تعتمد على المساعدات".
وهدمت الحرب أسطورة الجيش الذي لا يقهر، وأظهرت ضعف "إسرائيل" واعتمادها التام على الدعم الأمريكي، وكشفت حقيقة الاحتلال المجرم للعالم، وفق أبو غوش، مبيّناً أن كل هذه العوامل أسقطت ثقة المستوطنين في حكومتهم ودفعتهم إلى الهجرة إلى أماكن أكثر أماناً واستقراراً.
ويتكتم الاحتلال على حقيقة الأرقام المتعلقة بالهجرة العكسية أو عودة اليهود إلى أوطانهم الحقيقية، إلا أن الأرقام التي تتضح في مفاصل أخرى للدولة مثل مؤسسات التأمين الصحي تظهر عزوفاً وتراجعاً في الرغبة بالعيش داخل "إسرائيل".
وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 10 آلاف "إسرائيلي" هاجروا إلى كندا هذا العام، في حين حصل حوالي 8 آلاف إسرائيلي على تأشيرات عمل، وهي زيادة كبيرة عن أعداد العام الماضي، كما تقدم أكثر من 18000 "إسرائيلي" بطلب جنسية ألمانية في الأشهر التسعة الأولى من عام 2024.
وأفاد تقرير لـ "هآرتس" بأن من يغادرون هم رأس مال بشري نوعي، ومغادرتهم تعرض استمرار النمو الاقتصادي في "إسرائيل" للخطر، إذ بلغت الزيادة في نسبة الأثرياء الباحثين عن الهجرة نحو 250%، ليتراجع أعداد أصحاب الملايين في "إسرائيل" من 11 ألف إلى 200 مليونير فقط.