الذكرى 76 لنكبة فلسطين.. التاريخ يعيد نفسه.. ولكن !
تاريخ النشر: 15th, May 2024 GMT
الثورة / اسكندر المريسي
يحيي الفلسطينيون اليوم الـ 15 من مايو الذكرى الـ 76 للنكبة المشؤومة، أكثر من سبعة عقود ونيف على إثر احتلال إسرائيل لفلسطين شهدت خلالها القضية الفلسطينية مدا وجزرا ومعارك سياسية وعسكرية، وكان كيان الاحتلال هو الرابح الأكبر في كل تلك المعارك .
عام 1948 هزمت الجيوش العربية أمام العصابات الصهيونية وفشلت في منع حدوث النكبة .
هزمت الجيوش العربية أيضا في معارك 1956، و 1967، وتحولت معركة 1973 من حرب تحرير إلى حرب تحريك للسياسة والتطبيع مع العدو .
منذ السابع من أكتوبر 2023، دخل الصراع الفلسطيني – الصهيوني مرحلة جديدة مختلفة ومبشرة رغم الخسائر والضحايا .
انكفأت الجيوش العربية الرسمية، وتكفل محور المقاومة الممتد من ايران إلى اليمن مرورا بلبنان والعراق بالدعم والإسناد، وها هو جيش الاحتلال يخوض أطول وأقسى معركة في تاريخية، ولم ينجح حتى الآن في فرض نكبة ثانية للفلسطينيين في غزة رغم القتل والتدمير .
إنَّ من إفرازات العدوان الوحشي الجاري على قطاع غزة منذ أكثر من سبعة أشهر، أنّه ساهم بشكل متقدم بحسم معركة السرديات بحقيقة أحداث حرب عام 1948، وتفاصيل ما جرى وأدى لنكبة الشعب الفلسطيني وتشريده. فقد حرص طرفا الصراع؛ الإسرائيلي المعتدي والفلسطيني الضحية، طوال ما يقرب من ثمانية عقود على تقديم روايتيهما المتناقضتين للعالم لإثبات عدالة قضيتيهما المختلفتين.
سقوط الرواية الإسرائيلية
لقد حرص الاحتلال الإسرائيلي على التشبّث برواية أنه ليس مسؤولًا عن وقوع النكبة عام 1948، سواء من ناحية إنكار ارتكاب مجازر ومذابح بحق الشعب الفلسطيني على امتداد خارطة فلسطين، أو من ناحية تحمُّل مسؤولية تهجير الشعب الفلسطيني من مدنه وقراه وبلداته. ويعيد سبب تهجيره بعيدًا عنه إلى عوامل ذاتية وعربية. واستفاد الاحتلال على مدى عقود قليلة، أعقبت نكبة 48، من غياب التوثيق وغياب إعلام جدي وموضوعي في تلك الفترة، وكذلك من تبعثُر الشعب الفلسطيني على الطرف المضاد وضعفه وعدم تماسكه، وغياب الإسناد العربي الذي يُفترض أن يكون داعمًا له في دحض ادعاءات الطرف المعتدي.
نفوذ الاحتلال حول العالم والدعم شبه المطلق من الدول الغربية على جانبي المحيط الأطلسي، وتبني هذا المعسكر رواية الاحتلال والعمل على تموضُعها في العقل والضمير الجمعي الشعبي الغربي، مكّن ذلك أكاذيب هذه الرواية من أن تسود وتعشعش بشكل مطلق لفترة ممتدة طوال خمسينيّات القرن الماضي وستينيّاته، حتى إن صورة الاحتلال في المخيال الغربي كانت أنه هو الضحية أمام طوفان عداء عربي وإرهاب فلسطيني مستحكم.
لكنّ إصرار الشعب الفلسطيني، طوال العقود الماضية، على أن تبقى قضيته حية وبأحرفها الأولى وعدم طمسها وتغييبها وإنهائها، تحقّقَ رغم شراسة الاحتلال وعظم المؤامرة الدولية والتحديات الجسيمة والتضحيات، وساهمت ديمومة القضية والحضور القوي للمطالبة بالحقوق في تحقيق اختراقات بالتدريج في حضور الرواية الفلسطينية في الضمير العالمي.
جرائم على الهواء
لقد جاءت الأحداث الجسام منذ شهر أكتوبر من العام الماضي وحتى الشهر الجاري مايو، وحلول الذكرى 76 للنكبة، وارتكاب دولة الاحتلال جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والقتل الممنهج، لتكشف جرائم الاحتلال بشكل ملموس وعلى مرأى من العالم أجمع وبتوثيق دقيق غير مسبوق. كل ذلك كشف حقيقة ما جرى حين وقعت نكبة 48، وأن الطبيعة الإجرامية المتأصلة لدولة الاحتلال ليست وليدة هذه الأيام.
وما يدور الآن من أحداث هو دليل دامغ على وقوع مجازر دير ياسين والدوايمة ومعها 90 مجزرة على طول خارطة فلسطين التاريخية وعرضها، ارتقى معها ما لا يقل عن 15 ألف شهيد (والرقمان حسب توثيق المؤرخ الدكتور سلمان أبوستة)، هذا رغم عظمه أقل بكثير من جرائم الإبادة الجماعية والتي ترتكب خلال عامَي 2023 و2024، حيث قَتل الاحتلال ما يزيد عن 35 ألف شهيد فلسطيني، يضاف لهم آلاف المفقودين تحت الأنقاض منذ السابع من أكتوبر الماضي حتى حلول الذكرى 76 للنكبة في منتصف شهر مايو الجاري، وتم توثيق أكثر من ثلاثة آلاف مجزرة ارتكبت بشكل وحشي ساديّ وبدم بارد. ومع الشهداء هناك ما يقترب من 100 ألف جريح، والأغلبية الساحقة من الضحايا نساء وأطفال.
فأضحت حجج الشعب الفلسطيني عبر التاريخ لا تحتاج أدلّة مع هكذا مشاهد يراها العالم ويعايش تفاصيلها، فتكشفت الحقائق بما لا يدع مجالًا للإنكار. وهذا ما أدَّى إلى انقلاب شعوب العالم على دولة الاحتلال. وقد تجلّت لهم طبيعة الكيان الغاصب وانكشف زيف الأوصاف التي روّجتها آلة الدعاية الغربية دفاعًا عن دولة الاحتلال: (سواء أنها دولة واحة الديمقراطية وشعبها صناع السلام أو أنهم الجانب الحضاري المشرق في الشرق الأوسط. وكأن التاريخ يعيد نفسه في مشاهد عدة للصراع حول فلسطين، فالغطاء الدولي المنحاز للمعتدي دون الاكتراث للمعايير السياسية والقانونية والإنسانية يتكرر هذه الأيام من الدول نفسها، وعلى أيدي أحفاد اللاعبين السياسيين أنفسهم منذ ثمانية عقود خلت وقبلها.
فحتى كتابة هذه السطور لم تصدر إدانة من الاتحاد الأوروبي للمجازر، رغم أن القتل في الشعب الفلسطيني مستمر على مدار سبعة أشهر، ولم يقترب من اعتبار ما يجري إبادة جماعية وتطهيرًا عرقيًا.
ولكن، رغم فداحة الأحداث وعِظم الخسائر في جسم الشعب الفلسطيني خلال الأحداث الجارية، فلن يتأتى لدولة الاحتلال وداعميها أن يحصلوا على نتائج كتلك التي ترسخت إثر نكبة 48. فالبيئة الوطنية الفلسطينية والقومية العربية والدولية على المستويين: الشعبي والرسمي لحد ما، قد طرأ عليها تحولات وتطورات مهمة وجوهرية تحول دون أن يتحرك أصحاب مشروع دولة الاحتلال في فضاءات على عدة أصعده، ويضاف لهذا الوضع المنقسم على نفسه وبشكل حاد داخل دولة الاحتلال، حيث لم يستطيعوا إخفاءه أو تأجيله، في حال حرب مستعرة تقودها دولة الاحتلال على عدة أصعدة، وفي ساحات مختلفة، وعلى امتداد مساحة الكرة الأرضية.
الإعلام المفتوح
فحالة الوعي عند الشعب الفلسطيني بحقيقة المؤامرة ومخطط التهجير، ومعه يأتي التمسّك بالحقوق والعمل على استرجاعها بكل الوسائل التي شرعتها القوانين الدولية، وتماسكه شعبيًا حول خيار مقاومة المحتل، وهذا الحد الأدنى مما كفلته له القوانين كافة، ومعه يأتي وعي الدول العربية بمسلسل التهجير ورفضه، كل ذلك قد أسقط خيار التهجير والترحيل القسري وصعّب مهمته، ولم يعد مشهد الـ 48 سهل المنال.
في الجانب الوطني الفلسطيني أيضًا، تعاظم الفعل الفلسطيني في شتى المجالات، ومع تطوُّر حضور الفلسطينيين حيت كانوا في العالم، كان لذلك الأثر في تصعيب مهمة تحرُّك دولة الاحتلال في إنفاذ مخططاتها.
ولا نغفل ما يمكن اعتباره ضعفًا في المواقف العربية بشكل جمعي وقُطري إلى حدٍّ ما، مع وجود آلة تطبيع مع دولة الاحتلال ما زالت صامدة، وعدم تحرك المجهود الشعبي بما يكافئ حجم التضحيات والكوارث في غزة، إلا أن عوامل عديدة موازية واكبت الصمود الفلسطيني حيدت هذا الأداء على الصعيد العربي وبرزت كعناصر تفوق أمام آلة الحرب الإسرائيلية التي تمعن قتلًا في الشعب الفلسطيني.
ومع الإعلام المفتوح وتكنولوجيا المعلومات وتحوُّل العالم كما يقال (لقرية صغيرة) ومجتمع واحد، انفتح على نفسه، لم تعد أدوات التأثير والتحكم حكرًا على الدول والجهات الرسمية، أو أن يستطيع طرفٌ أن يتحكمَ في تفاصيلِ المشهد العالمي بشكل شاملٍ. ومع تكشُّف الحقائق وتطوُّر الوعي العالمي، تحول هذا إلى فعل مضاد للمخطط التآمري على الشعب الفلسطيني، وتمظهر ذلك بأشكال تضامنية متماسكة وقوية التأثير وضاغطة، كان آخرها احتجاجات الجامعات في أميركا وأوروبا التي لحقت عشرات آلاف المظاهرات التي عمَّت شوارع عواصم ومدن العالم طوال الأشهر الماضية ومنذ السابع من أكتوبر، وهنا تأتي مصداقية مقولة يرددها الباحثون والسياسيون منذ زمن: (لو كان الإعلام المفتوح موجودًا إبان نكبة 48 لكان يمكن ألا تقع).
ولعلّ تحرُّك حركة الاستقطاب العالمي وحصول تبدُّل جوهري في ميزان القوى يصعب مهمة كسر شوكة الشعب الفلسطيني، نضرب مثالًا في أداء أربع دول بدءًا من مواقفها في التصويت بنعم على قرار التقسيم وهي روسيا (الاتحاد السوفياتي سابقًا) وجنوب أفريقيا ونيكاراغوا والبرازيل. وننتقي جنوب أفريقيا التي كانت الحليف الاستراتيجي لدولة الاحتلال؛ صِنوها العنصري آنذاك، لتتحول إلى محارب شرس دفاعًا عن حقوق الشعب الفلسطيني، ومشهد محكمة لاهاي الاستراتيجي أصبح علامة تاريخية فارقة. وكذا الصين التي امتنعت عن التصويت لقرار التقسيم، وموقفها اليوم في الفضاء العالمي مهم في الكفاح الفلسطيني لاسترجاع الحقوق.
وعلى الجانب الآخر والأقرب، يقف محور المقاومة من إيران إلى اليمن مرورا بلبنان وسوريا والعراق، الذي كان ولا يزال الداعم الأول للفلسطينيين في معركة طوفان الأقصى.
رغم الجراح والآلام والخسائر في جسم الشعب الفلسطيني، فإنه بات أقرب لاسترجاع حقوقه وعلى رأسها العودة إلى قراه ومدنه التي جرى تهجيره منها.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
الشعب المغربي يخلّد الذكرى 49 للمسيرة الخضراء
يخلد الشعب المغربي، يومه الأربعاء 6/9/2024، بمشاعر الفخر والاعتزاز، الذكرى التاسعة والأربعين لإعلان الملك الراحل الحسن الثاني، طيب الله ثراه، عن تنظيم المسيرة الخضراء كحدث غير مسبوق على المستوى الدولي، والذي اعتبر منعطفا كبيرًا لاستكمال الوحدة الترابية للمملكة واسترجاع أقاليمها الجنوبية بطريقة سلمية.
يمثل هذا الحدث المتجذر في تاريخ المغرب تحولا حاسما في مسار الكفاح من أجل استكمال الاستقلال الوطني وتحقيق الوحدة الترابية للمملكة المغربية، ومناسبة للتأكيد الجماعي المتجدد لكل أطياف الشعب المغربي على مغربية الأقاليم الجنوبية للمغرب، ومحطة مشرقة ومفصلية في تاريخ المملكة، حيث تمكن الشعب المغربي من تحرير جزء من أراضيه السليبة، ووضع حد لنحو 75 سنة من الاحتلال لجزء مهم من أرضه.
يرجع حدث المسيرة الخضراء لتاريخ 16 أكتوبر من سنة 1975، حين أعلن الملك الحسن الثاني، رحمه الله، عن تنظيم مسيرة لاسترجاع أراضيه بطريقة سلمية أبهرت العالم أجمع، وشكّلت سابقة في تاريخ التحرر من الاستعمار، وقد تزامن الإعلان عن المسيرة مع إصدار محكمة العدل الدولية بلاهاي لرأيها الاستشاري حول الصحراء، والذي أكدت فيه، في اعتراف دولي لا يقبل الاجتهاد أو التأويل، شرعية مطالب المغرب في استرجاع أراضيه، وأوضحت في هذا القرار التاريخي أن الأقاليم الجنوبية جزء من تراب المملكة ولم تكن يوما أرض خلاء، وأن هناك روابط قانونية وأواصر بيعة مثبتة كانت تجمع بين سلاطين المغرب وبين سكان الصحراء.
شكّل رأي المحكمة المذكورة بداية للتحرك المغربي لاسترجاع أراضيه من إسبانيا، حيث أعلن الملك الحسن الثاني في خطابه الموجه للأمة بهذه المناسبة ما يلي: "بقي لنا أن نتوجه إلى أرضنا، الصحراء فتحت لنا أبوابها قانونيا، اعترف العالم بأسره بأن الصحراء كانت لنا منذ قديم الزمن. واعترف العالم لنا أيضا بأنه كانت بيننا وبين الصحراء روابط، وتلك الروابط لم تقطع تلقائيا وإنما قطعها الاستعمار (...) لم يبق شعبي العزيز إلا شيء واحد، إننا علينا أن نقوم بمسيرة خضراء من شمال المغرب إلى جنوبه ومن شرق المغرب إلى غربه".
وقد جسدت المسيرة الخضراء، التي انطلقت في السادس من نونبر عام 1975، مبادئ تشبث المغاربة بترابهم الوطني والتحام الشعب بالعرش، وإجماع كافة فئات وشرائح المجتمع المغربي على الوحدة، ومثالا يحتذى عن نبذ العنف والتشبع بقيم السلام، كما حرص الملك الحسن الثاني، مهندس المسيرة الخضراء، على تجنيب المغرب والمنطقة حربا مدمرة، فكان أن اتخذ قراره باللجوء إلى مسيرة سلمية ونهج الحوار لتسوية هذا النزاع في سبيل تحرير أقاليمه الجنوبية.