من المهم أن نرى تلك الحالة التطبيعية ضمن السياقات التي كشفت عنها معركة طوفان الأقصى، إذ أن تلك القابليات قد شكلت بحق مناخا ولد فيه التطبيع بكافة مستوياته وأشكاله ومداخله التي تطورت للأسف الشديد الى تحالفات، إذ فاقت التطبيع بمفهومه التقليدي الى تحالفات وربما تحالفات استراتيجية كما في الحالة الإماراتية.



أما عن الاحتلال والعدوان فشكلت استراتيجيات التطبيع أحد أهم أركان السياسات المتعلقة بالكيان الصهيوني، التي تسللت وبشكل مبكر ضمن مشروعها عبر أشكال ومستويات عدة مما عُرف بـ"الصهيونية المتسللة" لإعلان دولة إسرائيل؛ إنها تريد أن تكسب بالتطبيع واتساعه ما لم تحصل عليه بالحروب المتكررة.

في هذا الواقع السياسي، يغدو التطبيع أهم من أي وقت مضى بالنسبة إلى رؤية نتنياهو، وإلى التوقيت الذي هو، على ما يبدو، ملائم للإجهاز كليا على القضية والحركة الوطنية الفلسطينيتين، ولقتل الأمل بالانتصار على الصهيونية، وذلك عبر تجفيف جميع منابع القوة الفلسطينية، بهدف القضاء على كل أشكال المقاومة ومحاصرتها. وقد شكلت "صفقة القرن" عنوانها وسرديتها، سياسات تسوية القضية الفلسطينية ومشاريع تصفيتها، من خلال ما أُسمي بـ"صفقة القرن"، والتي أريد بها ومن خلالها تصفية الشعب الفلسطيني والعمل على إنهاء قضيته. ومدخل التعامل الدولي مع القضية الفلسطينية باعتبارها قضية لاجئين بالمقام الأول والأخير؛ ولم يُتعامل معها باعتبارها قضية تقرير مصير وتحرر وشعب بأسره يقع تحت الاحتلالوهي تقوم على عدم الانسحاب ورفض إخلاء أي مستعمرة في الضفة الغربية. ومع أن الصفقة فشلت مؤقتا حينها ومنذ إعلانها في فترة الحكم السابقة للرئيس ترامب؛ إلا أنها مستمرة من حيث الواقع ولو بأشكال أخرى حتى الآن، وهو ما حدا بالرئيس "بايدن" أن يعلن بعد يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر أنهم يريدون أن يفشلوا جهود التطبيع التي كانت تسعى إليها الإدارة الأمريكية في حقبته.

إلا أن صفقة القرن شكلت ومنذ إعلانها فرصة في الوقت ذاته، للانكشاف على ماذا يعني حل الصراع بالنسبة إلى نتنياهو واليمين الإسرائيلي، ولا سيما أن نتنياهو كان شريكا في صوغها وفي مداولات ترسيمها، ووضع خطوطها العريضة والرفيعة على حد قول أحد الباحثين. وفي الحقيقة، فإنها لا يمكن تسميتها صفقة بقدر ما هي وثيقة استسلام للواقع القائم في إطار تصفية القضية الفلسطينية وصناعة سردية جديدة وذاكرة مستجدة؛ تقبل بالكيان الصهيوني وتتحالف معه ضمن خطة ممتدة لاتساع ظاهرة التصهين، فضلا عن طمس السردية والذاكرة التي تذكر بأصل الظاهرة الاستيطانية الصهيونية في الاحتلال والعدوان وشرعية المقاومة ما دام الاحتلال حتى التحرير.

إن سياسات تسوية القضية الفلسطينية ومشاريع تصفيتها، من خلال ما أُسمي بـ"صفقة القرن"، والتي أريد بها ومن خلالها تصفية الشعب الفلسطيني والعمل على إنهاء قضيته. ومدخل التعامل الدولي مع القضية الفلسطينية باعتبارها قضية لاجئين بالمقام الأول والأخير؛ ولم يُتعامل معها باعتبارها قضية تقرير مصير وتحرر وشعب بأسره يقع تحت الاحتلال.

إن "صفقة القرن" جاءت متجاوزة في جملة من التنازلات المفروضة على الجانب الفلسطيني، وأهمها الاعتراف بيهودية دولة "إسرائيل"، والتنازل عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين، والاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل.

أما عن الاستبداد والطغيان فتمكن العودة لعبد الرحمن الكواكبي في كتابه "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد". فهذا الكتاب الذي يعود إلى أواخر القرن التاسع عشر، والذي دفع مؤلفه الحلبي حياته ثمنا له، يفتح لنا باب إعادة النظر في حياتنا الحاضرة وفي لغتنا؛ الكواكبي الذي كشف عن تشريح الظاهرة الاستبدادية فكتب عن طبيعة الاستبداد، وشرح علاقة الاستبداد بالاستعباد، وحلل بنية الاستبداد وفككه إلى عناصره المتعددة وتشكلاته المختلفة في ساحات ومساحات متنوعة؛ تسلل وتمكن فيها وأحكم قبضته.

الاحتلال والعدوان وكذا الاستبداد من جانب آخر ملة واحدة؛ يجمع فيما بينهما سلب الحرية واغتصاب الشعوب. إن أنظمة الاستبداد والفساد والتبعية في بقاع ممتدة من أمتنا؛ تربط مصيرها بالصهاينة ليس فقط حماية لها من غضبة الشعوب، ولكن كون هذا التطبيع الذي يخرج من رحم الطغيان جواز مرور لشرعنة هذه النظم والحفاظ على كراسيها في عروش طاغية ونظم مستبدة عاتية
قلنا مبكرا إن الاحتلال والعدوان وكذا الاستبداد من جانب آخر ملة واحدة؛ يجمع فيما بينهما سلب الحرية واغتصاب الشعوب. إن أنظمة الاستبداد والفساد والتبعية في بقاع ممتدة من أمتنا؛ تربط مصيرها بالصهاينة ليس فقط حماية لها من غضبة الشعوب، ولكن كون هذا التطبيع الذي يخرج من رحم الطغيان جواز مرور لشرعنة هذه النظم والحفاظ على كراسيها في عروش طاغية ونظم مستبدة عاتية.

الكل يرتمي في أحضان داعميهم؛ الطغيان الصغير في تلك الأنظمة يلوذ بالطغيان الكبير المتمثل في مستكبري النظام الدولي، لذلك شكّل التطبيع مع الكيان الصهيوني عقدا من العقود الفاسدة من بعض أنظمة هذه الأمة، تستبدل شرعيتها لدى طغاة النظام الدولي وكيان العدو الصهيوني بشرعيتها في الأمة ورضا شعوبها؛ كجوهر حقيقي لمسألة الشرعية في أساسها الذي يتعلق بالرضا النابع لا الرضا الكاذب والرضا التابع قبولا بمعادلة باطلة وعقد فاسد بين طغيان الخارج وطغيان الداخل؛ والتي كان ميدانها التطبيع الآثم.

أما عن الانهزام والخذلان؛ فالخذلان حالة مُشاهدة للأمة ملحقة بما سبق من احتلال وعدوان؛ واستبداد وطغيان؛ وعقد بينهما يتسم بالبطلان؛ وهي ترتبط بحال المهانة وقابليات الهوان. أما عن الوهن والمهانة والإهانة والهوان؛ إنها رباعية المهانة؛ والمهانة غَدت شكلا للحكم ونَمطا لتدبير المجتمعات وطنيا وعالميا، على ما يؤكد عالم المستقبليات القدير "المهدي المنجرة". ذلك أن القوى العالمية الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، تُمارس الإذلال على بلدان العالم، حيث تَنصاع لذلك كثير من الدول من غير اعتراضات، قبل أن تُمارس هذه الدول الإذلال بِدَورها على جماهيرها ذاتها، لهذا فإن الأخيرة تُعاني من ذُلّ مُزدوج يَنضاف إليه ذُلّ ثالث هو الذُلّ الذاتي ويتمثل في الامتناع عن الفعل.

ويرى المهدي بأنّ الإهانة تنبع من إرادة واعية في التعدّي على كرامة الآخرين، وليس فقط من الهيمنة، ويشير إلى أن هذا الشَطَط الميغا إمبريالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وتحالفاتها ذات الهندسة العولمية المتنوعة، يُعدُّ شكلا جَديدا من أشكال الفَاشيّة، التي لا تترك حيزا كبيرا للتسامح واحترام الآخر، بل ولا تترك حيّزا للعدالة أيضا، وهي سلاح مدمر مُوجّه ضد الكرامة الإنسانية. ويرى المهدي بأن هذا هو إرهاب الدولة الذي يُمثّل الأداة الجديدة للدولة الفَتّاكة، الذي أصبح يُسمَّى النظام العالمي الجديد، وأن هذا الإرهاب بِنِظَامه العالمي الجديد قد مَارس أعتَى أنواع الإذلالِ على شعوبِ العالم العربي والإسلامي في الوَقت الراهن.

إن حاضر الأمة عبارة عن سلسلة لا متناهية من المَهانات والمَذّلة. فعلى المستوى السياسي ظل تحت وطأة النزاعات الجهوية وغياب المؤسسات الديمقراطية، وفي المستوى الاقتصادي نُلاحظ فشلا شاملا لِنَماذج التنمية التي فرضتها المحافل الدولية في أغلب بلاد العالم الإسلامي، وهذا الانهيار هو المستديم وليس التنمية. ويشير بأنه يأتي بعد ذلك الاستلاب الثقافي الذي يمكن اعتباره الذلّ الأكثر خطرا على المستوى البعيد، لأن الأمر يتعلق بعدوان على أنظمة القيم. يَنضاف إلى ذلك أزمةٍ أخلاقيةٍ ناجمةٍ عن الفقرِ والأمّيةِ وغياب العدالةَ الاجتماعية وخرق حقوق الإنسان في معظم بلدان العالم الإسلامي، وهذه العوامل الخارجية والداخلية تتجلى للعيان وتختل المجتمعات إلى حد الانفجار، وهذا ما اسماه انتفاضات، فالانتفاضات حتمية في العالم العربي والاسلامي.

يتساءل: أين حُكَامنا؟ أين مُثقفونا؟ أين مُبدعونا، كيف نفسر سكونيتنا الخاصة والقبول بمذلة وطنية ودولية كهذه؟ متألما يقول إنه لم يَعدْ أحد يقوم برد فعل إزاء إهانة المقدسات وتدنيس المعتقدات. ويختتم بقوله إن الذل الأكبر في نهاية المطاف حين لا نعود عارفين لمعنى الذل.

السلام الأمريكي الصهيوني الذي شُكلت طبعته في حال الاستسلام المقيم والشعور بالهزيمة المقيم ومواقف الذل والإذلال العميم؛ الذي ظن أهله من الأمة أنه الحكمة والتعقل والواقعية وما كان ذلك إلا وقوعا وسقوطا مريعا
لم يكن هذا النقل المطول عبثا، بل هو من أهم مداخل كيف اصطنع الغرب الكيان الصهيوني حتى يقوم بإذلال الأمة. وقد قام منذ قيامه بهذه الوظيفة بكل فاعلية واستغل كل ثغرة في تمكين سياسات الرباعية الخطيرة التي تسللت إلى كيان الأمة؛ من مهانة تكونت من حال الوهن وقابليات الإهانة وتمكين الهوان، فصارت مستحيلات الكيان الصهيوني ممكنة وممكنات العرب والأمة مستحيلات بفعل الهرولة التطبيعية وصعود ثقافة التصهين وارتقاء العلاقات مع الكيان إلى حد التحالف.

إنه دخول بيت الطاعة الأمريكي الإسرائيلي في تصور السلام الأمريكي الصهيوني الذي شُكلت طبعته في حال الاستسلام المقيم والشعور بالهزيمة المقيم ومواقف الذل والإذلال العميم؛ الذي ظن أهله من الأمة أنه الحكمة والتعقل والواقعية وما كان ذلك إلا وقوعا وسقوطا مريعا.

إن هذه الرباعية التي أوردناها في عنوان المقال ومحاولة تشريحها ولو بشكل مبدئي؛ شكلت سياقات وفي ذات الوقت قابليات خطيرة؛ لآثار ومآلات بئيسة؛ المقاومة لم تكن بعيدة عن هذه السياقات ومثلت تحديا كبيرا لهذه القابليات؛ بل أثرت تأثيرا بليغا لا يستطيع أحد في الأمة أو خارجها أن ينكر ذلك؛ خاصة بعد طوفان الأقصى الذي أذّنت فيه المقاومة في غزة بالمقاومة، إنها البديل الأعلى للأمة المفعم بمقاومة العدوان والاحتلال؛ وضرورات التحرير والتحرر من الاستبداد والطغيان؛ ورفض الواقع المسكون بالهزيمة والخذلان؛ المسكون بالمهانة والوهن والإهانة والهوان..

twitter.com/Saif_abdelfatah

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه التطبيعية إسرائيل الاستبداد الشرعية الذل إسرائيل الشرعية التطبيع الاستبداد الذل مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاحتلال والعدوان القضیة الفلسطینیة الکیان الصهیونی صفقة القرن أما عن الذی ی

إقرأ أيضاً:

خواطر ما بعد العدوان على غزة

أولا: صمود أبناء قطاع غزة:

على الرغم من الدمار وعدد الشهداء، حتى لم يبق بيت إلا وفيه شهيد أو جريج، أو شهداء وجرحى، أو بيت مدمّر، إلا أنهم ما زالوا بصلابة الفولاذ ورقة الياسمين؛ مما يطرح سؤالا مركزيا قادحا: ما الذي منح هؤلاء البشر هذه القوة الخارقة والصبر العظيم؟ وعلى الرغم من استشهاد غالبية قادة الصف الأول من حركة المقاومة، إلا أنه لم يحدث أي بلبلة أو فراغ قيادي، بل ارتفعت وتيرة التصدي للعدو، بعد استشهاد يحيى السنوار وإخوانه..!

أليست هي العقيدة؟ والتمسك بالمبادئ التي تفرض على أصحابها رفض الاستسلام والخنوع والهوان؟!

إن الصمود الأسطوري لأهل غزة سيكتبه التاريخ، وستتناقله الأجيال إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وسيكون الشرارة التي ستمكن الفلسطينيين من تحرير أرضهم ومقدساتهم.

ثانيا: التواطؤ العربي:
الصمود الأسطوري لأهل غزة سيكتبه التاريخ، وستتناقله الأجيال إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وسيكون الشرارة التي ستمكن الفلسطينيين من تحرير أرضهم ومقدساتهم
على الرغم من التخلي والخذلان والتواطؤ، بل والمشاركة في العدوان من قبل الحكومات العربية الأكثر تأثيرا، وخصوصا دول الطوق، وبعض دول الخليج، إلا أن ذلك لم يفت في عضد المقاومة، ولم يضعفها، ولم يشكل هاجس قلق أو خوف، وظلت غزة على أهبة الاستعداد لما هو أبعد مما كان. وباءت محاولات بعض أجهزة الأمن العربية في تحريض الغزيين على مقاومتهم بالفشل الذريع، حين التفت الجماهير الغزية حول المقاومة بعد توقف العدوان الإجرامي؛ بما يؤكد بأن شعب غزة وشعب فلسطين ليسوا صيدا سهلا، وبأن كل فلسطيني مقاوم أو مشروع مقاوم طفلا كان أو شيخا أور رجلا أو امرأة.

ثالثا: موقف الشعوب العربية:

كان موقف الشعوب العربية، خلافا لمواقف حكوماتها المرتهنة، عظيما، ويؤشر على الشجاعة والوعي الكبيرين، وعلى الإصرار والتحدي لكل محاولات التخويف والتخذيل والتهديد من قبل هذه الحكومات التي خانت شعبها وقيمه ومبادئه؛ مما أشعل جذوة وعيهم بما يحيق بالمنطقة من مخاطر. وقد تحدت الشعوب حكوماتها وبشاعة التعامل الأمني معها، غير عابئة بالنتائج، فتم اعتقال عدد من الناشطين في الأردن على سبيل المثال لا الحصر. وفي حين كانت شاحنات الخضار والمواد الغذائية وربما الأسلحة، تمر عبر الأردن أو منها باتجاه الكيان المحتل، كان الشعب الأردني في قمة غضبه ورفضه ووجعه لما يحدث في قطاع غزة.. وفي المغرب كان التعاطف والرفض لسياسات الحكومة فوق التصور، وكذلك في الجزائر وتونس ولبنان واليمن.

إن من أكثر ما يفتح كوة من الأمل وسط الحزن العميق والجرح الغائر، ما وصلت إليه الشعوب العربية من وعي استثنائي، لم نعهده من قبل، وهنا لا أتحدث عن الحراك الشعبي في حد ذاته، بقدر ما يعنيه هذا الحراك الذي واكب المعركة منذ اليوم الأول حتى آخر يوم، من حالة الوعي بما يدور في المنطقة، علنا تارة وفي الكواليس أخرى من مؤامرات ومشروعات لبسط الهيمنة على المنطقة العربية، مما يؤشر على صلابة وتحد من قبل الشعوب، فلو تعرضت الأردن، مثلا، لأي خطر، فإن مئات الآلاف من أبناء الشعب سيتصدون بشجاعة مفرطة للمعتدي، بما يشبه صمود أهل غزة، فنحن والأردنيون من منبت واحد، ودم واحد، وموقف واحد، وتاريخ واحد، ومبدأ واحد.

رابعا: موقف شعوب العالم:

كان مفاجئا للجميع موقف شعوب العالم من محرقة غزة النازية؛ وقد تفوقت الشعوب الحرة على الشعوب العربية في انتصارها للحق الفلسطيني، بما يشبه الانقلاب العالمي على الصمت، بعد انكشاف الغطرسة الصهيونية وجرائم الحرب، من قتل للأطفال والنساء والمدنيين بشكل عام، بلا رحمة، والتي رافقها افتخار الجنود والضباط بقتل الأطفال، وبقر بطون الحوامل، وتحريض وزراء وسياسيين من الصف الأول على قتل الأطفال والنساء من خلال القصف العشوائي الذي اعتمد سياسة الأرض المحروقة.

خامسا: سلاح الكيان المحتل وسلاح المقاومة:

لم يكن عتاد العدو إسرائيليا صرفا، بل كان معتمدا بشكل كبير على السلاح الأمريكي والغربي بعامة، فقد شاركت أمريكا مباشرة أو بشكل غير مباشر بطائراتها وقذائفها وأقمارها الصناعية وقبتها الحديدية، وكل أدوات التدمير الممنهج، بينما كان سلاح المقاومة، صواريخها وعبواتها وبنادقها، محلي الصنع، ومع ذلك لم تنفد ذخيرتها، ولم تتوقف مقاومتها، لكن لو توقف دعم الغرب للكيان فلربما هزم شر هزيمة، وكان بالإمكان ملاحقة فلوله.. فقد أصبح من الواضح أن تخلي الغرب عن قوات الاحتلال، ربما يعني سقوطه كما حدث في المشهد السوري، وهو ليس حلما متخيلا، بل حسابات بسيطة ومدركة بقليل من التفكير الاستراتيجي.

أصبح من الواضح أن تخلي الغرب عن قوات الاحتلال، ربما يعني سقوطه كما حدث في المشهد السوري، وهو ليس حلما متخيلا، بل حسابات بسيطة ومدركة بقليل من التفكير الاستراتيجي
سادسا: زلزال 7 أكتوبر:

لقد هز هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر الكيان المحتل في المستويين العسكري والسياسي، وأرعبه وأشعره بخطورة قوة المقاومة وإبداعها في التخطيط، وإمكانية إلحاق الهزيمة بجيشه، وتحقيق النصر في لاحق الأيام، وما كان من إجرامه في غزة لا يخرج عن سببين اثنين؛ الأول: الانتقام من المقاومة وشعب غزة الذي فرح وهلل لاجتياح المقاومة مناطق في غلاف غزة، وأسر عدد كبير من الصهاينة. والثاني: الخوف من المستقبل الذي يحمل إرهاصات انتصار كبير للمقاومة، وطرد اليهود من فلسطين، فحاول بإجرامه القضاء على غزة بما فيها ومن فيها، ليتقي ما سيكون بعد فترة من الزمن، لا سيما مع إرهاصات الثمانين عاما التي لم تتجاوزها كل ممالك اليهود عبر التاريخ.

سابعا: الشهيد يحيى السنوار

لقد ملأ الخونة الدنيا ضجيجا؛ مدعين أن يحيى السنوار وبقية القادة، يختبئون في الأنفاق، بينما يتركون الشعب للموت، لكن حين استشهد السنوار في وضح النهار وهو يحمل سلاحه ويقاتل، ثم حين تم الكشف عن عدد من القادة الشهداء؛ خرست الألسنة عن ادعاءاتها، لكنها لم تخرس عن تشويه المقاومة وخذلانها ومحاولة إلصاق تهمة الهزيمة بها..!

ثامنا: المشهد المتفجر في الضفة الغربية:

يعاقب نتنياهو وعصابته أهل الضفة الغربية الصامدة؛ انتقاما لهزيمته في غزة، فقد استشهد عدد كبير من المقاومين الأبطال، وتم تدمير بيوت ومساجد وبنى تحتية وتهجير للسكان، وإجرام ما بعده إجرام، فلأول مرة منذ 1967 يستخدم جيش الاحتلال الطائرات لقصف مدن الضفة وقراها، ولم يفعل ذلك حتى في الانتفاضتين الأولى والثانية. لكن المقاومة في الضفة أثبتت جدارة وقوة وصلابة استثنائية، وهي على الرغم من القمع الإجرامي، تواجهه بكل وسيلة ممكنة، متحدية المستحيل، وماضية في مقارعته غير آبهة بالموت أو الأسر..

تاسعا: السيسي وتهجير أبناء القطاع:

وفيما أعلنت دوائر إعلامية في الولايات المتحدة بأن اتصالا هاتفيا تم بين ترامب والسيسي، وأشارت إلى أنهما بحثا مسألة تهجير أبناء غزة، لم تذكر وسائل الإعلام المصرية شيئا من ذلك. وفي حين ادعت وسائل الإعلام المصرية أن السيسي تلقى مكالمة من ترامب، أعلنت وسائل الإعلام الأمريكية بأن ترامب هو الذي تلقى اتصالا من السيسي.. وهنا لا بد من طرح السؤال التالي: لماذا لم يتم الكشف عن فحوى المحادثة الهاتفية؟ ولماذا تم إخفاء الجزئية الخاصة بالتهجير؟! نحن نعرف الإجابة جيدا، وأنتم تعرفون، فلننتظر الفضائح بالجملة، لكن هناك ثابت واحد، وهو أن أبناء غزة لن يغادروها أحياء مهما حاول ترامب وغيره بإذن الله..!!

مقالات مشابهة

  • القبائل اليمنية رمزُ الصمود ومقدمة الصفوف في معركة الأمة
  • خواطر ما بعد العدوان على غزة
  • الأونروا تكشف عن استشهاد أكثر من 270 من موظفيها جراء العدوان الصهيوني
  • سياسي أردني: اليمن أجبر الكيان الصهيوني على وقف عدوانه على غزة
  • مشاهد تسليم الأسرى تهز كيان العدو الصهيوني وتُربك قادته وتفضح هزيمته
  • الوثيقة التاريخية لشهداء المقاومة عظماء الأمة إلى شبابها ومستقبلها
  • التهجير والتخلص من الأونروا.. مخطط الكيان الصهيوني للقضاء على القضية الفلسطينية
  • الشهيد القائد: صوت الحق وشعلة المقاومة
  • قائد الثورة: المجاهدون في فلسطين ولبنان هم المترس الأول للأمة الإسلامية
  • قائد الثورة: استشهاد الرئيس الصماد كان من أكبر الحوافز للشعب اليمني في التضحية والثبات