سرايا - بعد مرور أكثر من مائتي يوم على اندلاع العدوان الإسرائيلي على غزة، بات جيش الاحتلال الإسرائيلي يكشف بالتدريج عن العديد من الأمراض التي تفتك به، وتعمل مع غيرها من العوامل على الحدّ من قدرته على استكمال عدوانه الدموي على الفلسطينيين.

وتراوحت أمراض جيش الاحتلال الإسرائيلي بين الانتحار المتزايد، وتصاعد رفض الخدمة العسكرية، ودعوات أهاليهم لعدم إرسالهم لساحة المعركة، وتفشي الأمراض النفسية الخطيرة التي جعلتهم يعانون من آثار ما بعد صدمة حرب غزة.



الجنود المنتحرون في جيش الاحتلال الإسرائيلي

كان لافتاً أن يعلن جيش الاحتلال قبل ساعات عن أعداد متزايدة من جنوده المنتحرين خلال فترة الحرب على غزة، مما دفع أوساطه لفتح تحقيق حول الظاهرة، بعد إثبات عجزه عن معالجتها، في ظل ارتفاع أعدادها خلال الشهور القليلة الماضية.

تعكس هذه الظاهرة حجم الأزمة النفسية التي يعانيها الجنود، رغم جهود جيش الاحتلال الإسرائيلي بالتعتيم على تفاصيل عمليات الانتحار تلك، لأن من بينهم ضابطاً كبيراً برتبة مقدم، مما دفع برئيس مركز دراسة الانتحار والألم النفسي بمركز روبين، البروفيسور يوسي ليفي باليز، للقول إن مسألة الانتحار كانت مفاجئة للغاية، لأننا غير معتادين عليها أثناء القتال.

وتشمل هذه الحالات من يعانون أعراض ما بعد الصدمة، ممن يستيقظون كل صباح على مشاهد وأصوات وشعور بالذنب، لكن الجيش يرفض نشر أسماء الجنود والضباط المنتحرين، ويبقيها سرية.

تكشف سجلات جيش الاحتلال أنه بين 1973-2024، انتحر 1227 جندياً، لكن العدد الفعلي أكبر بكثير، لأن الجيش يصنف بعضها بحوادث أسلحة، ويتكتم عن أخرى، بناءً على طلبات من عائلات المنتحرين، مما يجعلنا أمام جيش ترهّل وشاخ وتقادم .

كما أن إرادة القتال في جيش الاحتلال الإسرائيلي انهارت، رغم التدمير الذي ينفذه في غزة، وبات يترنّح بين ضمور الروح العسكرية واللوذ بالفرار من الجيش، في ضوء التخوف من تزايد تردّي حوافز الخدمة لديه، وانهيار وشيك لقوات الاحتياط، وسريان مشاعر الإحباط والقلق بين جنوده، وفقدان المقدرة القتالية، وانخفاض الروح المعنوية، والإحساس العميق بالخوف واليأس.

وقد جاء في إفادة لجندي عائد من الخدمة في غزة، أنها كانت كابوساً حقيقياً، غزة أصبحت عشّاً من الدبابير، ولذا أنا أفضل خدمة شهرين في أي حدود أخرى على الخدمة أسبوعين في غزة، كلما تذكرت أنني سأضطر للعودة لكل هذه الأماكن المقيتة اعترتني قشعريرة، وتصبّب العرق من جبيني .

كما اكتشف الجندي الإسرائيلي أنه رغم معداته القتالية الفائقة، والتدريب المكثف الذي يتلقاه، فإنه أصبح صيداً سهلاً للمقاومين، ويتضح في نسبة من سقط من الجنود صرعى المعارك مع المقاومة أن حياتهم في الدبابات باتت جحيماً لا يُطاق، فالأوامر الصادرة لهم تتضمن البقاء داخلها طوال الفترة المحددة لهم دون الخروج منها.

كما صدرت أوامر تحظر عليهم النظر من فوهاتها خوفاً من تعرضهم لرصاصات تأتيهم من المناطق المحاصرة، ولا يستطيعون الخروج منها لقضاء حاجتهم كالذهاب للحمام، خوفاً من تعرضهم لقناص فلسطيني ينتظر خروجهم منها.

جرت العادة أن يحافظ جيش الاحتلال الإسرائيلي على مستوى متقدم من ثقة الجمهور به، لكن العدوان على غزة تسبّب بتراجع ثقتهم بشكل كبير بقيادة الجيش من 75% في مارس/آذار إلى 59% في أوائل مايو/أيار، وقال 70% من المستطلعين إن على قائده هآرتسي هاليفي الاستقالة؛ بسبب إخفاقه الأمني في السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

تشكل هذه النتائج مركز قلق الجيش التي تعتبر مهمة الحفاظ على مكانته في قلب الوعي الإسرائيلي من مهامه الرسمية، مما سيجعله في نهاية الأمر يخوض حرباً ضد تدنّي مكانته في نظر الجمهور.

وساعد في هذه المسألة الطابع الفاشل لأدائه العسكري في غزة، ودأب الجنود العائدون من هناك على تقديم إفاداتهم المخيبة للآمال، مما زاد من التأثير السلبي لإخفاقاته على صورته.

هذه التطورات تساهم في الإحساس داخل جيش الاحتلال الإسرائيلي بأن الثقة به آخذة بالتآكل، بحيث لم يعد الإسرائيليون يؤمنون بأنه الأقوى في المنطقة بعد أن مُني بهزيمة مدوية أمام مقاتلي حماس الذين اقتحموا الحدود، بل باتوا اليوم أقل تفاؤلاً بقدرته، وأكثر خوفاً من فشله.

ومع مثل هذه الصورة القاسية يصعب بث روح حقيقية في صفوفه، والانتصار في حرب غزة، كما يدعي قادته، الذين باتوا يخشون من فقدان مصداقية الجيش تماماً، والأخطر أن قيادته لم تعد تمتلك تلك الصلاحيات والمرجعية الأخلاقية لإرسال الجنود للحرب بعد إخفاقها في أكتوبر/تشرين الأول.

هذه الثقة المهزوزة في جيش الاحتلال الإسرائيلي نجمت عن حالة لم يعهدها من قبل، دفعت قطاعاً واسعاً من الإسرائيليين للتأكيد أنه في وضع هو الأسوأ بالنسبة له، فهو ليس في حالة انتصار، ولا في حالة انهيار، بل في حالة من الفشل الطبيعي، وقدر كبير من عجرفة القادة الكبار، مع قدر قليل جداً من التفكير المشوّش فيما تسعى إليه في حربها على غزة.

لقد تجلت أزمة الثقة في جيش الاحتلال الإسرائيلي، ليس في حملة الانتقادات القادمة من الخارج، على كثرتها، بل من الأصوات التي خرجت من داخل المؤسسة، داخل البيت، فقد انتظمت مجموعة من كبار ضباط الاحتياط، من رتبة عميد فما فوق، للشروع في مطالبات متلاحقة لتشكيل هيئة خارجية تحقق في إخفاقات الحرب على غزة، لأنهم رأوا بأم أعينهم أخطاء جسيمة جداً ارتُكبت، ونتيجة لها دفعت الدولة أثماناً باهظة.

الثابت خلال الشهور الأخيرة أن هناك عملية تآكل متواصلة في الحصانة التقليدية للجيش من الانتقادات العامة، وهي ظاهرة هامة في مسيرة تغيير علاقته بالمجتمع، بعد أن كان يعتبر إلى سنوات قليلة فقط بمثابة البقرة المقدسة التي يحرم على الإسرائيليين التعرض لها بأي أذى أو انتقاد.

اليوم لم يعد محظوراً توجيه أصابع الاتهام لعيوبه وعوراته، والفجوات التي تعتريه في هيكليته التنظيمية، أو أجهزته التنفيذية، أو أدائه العملاني، ولم يعد الجيش الذي لا يقهر ، والأخطر أن الاعتزاز به قد غاب جزئياً، سواء بسبب الإخفاق أمام المقاومة، أو انتشار آفة الثرثرات، وحروب الجنرالات الكلامية فيما بينهم، ولم يعودوا يظهرون كمثل يحتذى للجنود.

جرت العادة أن يتباهى قادة جيش الاحتلال الإسرائيلي بالحوافز والدافعية لدى أبناء الشبيبة للتجنّد والخدمة في صفوفه، ومع ذلك، فإن الانضباط داخله أخذ يضعف، حتى وجد طريقه لظاهرة رفض الخدمة العسكرية، والتمرّد على أوامر الضباط، بإعلان العشرات من الجنود والضباط خلال الشهور الماضية عن رفضهم الالتحاق بصفوف الجيش احتجاجاً على سياسة الحكومة.

حادثة الرفض الأبرز تمثلت بالشابين تال ميتنيك وصوفيا أور، اللذين يقبعان في السجن لرفضهما الخدمة العسكرية، وبعثا برسالة للرئيس الأمريكي جو بايدن ناشداه فيها استخدام سلطته لوقف حرب غزة، ووضع شروط على إرسال المساعدات العسكرية للاحتلال.

واعتبر الجنديان أن الدعم غير المشروط لسياسة التدمير التي ينتهجها نتنياهو منذ بدء الحرب، أوصل الإسرائيليين لحالة من التعوّد على المذبحة، والاستهانة بحياة البشر، ورفضت عشرات المجندات مغادرة مركز تجنيد للجيش عقب تعيينهن مراقبات عسكريات، وتم اعتقالهن من قبل الجيش.

تعود البدايات التاريخية لظاهرة رفض الخدمة مع حركة يوجد حدود التي تأسست أثناء حرب لبنان 1982، ورغم أنها لم تنجح في زلزلة المؤسسة العسكرية، لكن الظاهرة صدمت في السنوات الأخيرة الرأي العام الإسرائيلي، بعد وصولها للوحدات النخبوية، واقتحامها المتسارع للمركز ، بعد اقتصارها على مدى عقود على اليسار، مما أثار الإرباك والقلق في محافل الدولة.

لقد ارتفعت ظاهرة التملص من الخدمة العسكرية في جيش الاحتلال الإسرائيلي باطراد، وأخذت نسبة المتهربين بالارتفاع، وأثارت أرقامها مخاوف الجيش، لأن التوقعات تشير لتواصل ارتفاعها في السنوات القادمة.

ولعل أحد أهم أبعادها الخطيرة أنها تهدم واحدة من أهم القناعات التي ينخرط الجنود من خلالها في الجيش، وهي أنه لم يعد يضمن لهم البقاء والأمن والطمأنينة، مما يعتبر تحدّياً لسياسات الحكومة اليمينية الحالية، وكشفاً لوحشيتها في تعاملها مع الفلسطينيين.

وفيما تشكل المقاومة خطراً حقيقياً على قدرة جيش الاحتلال الإسرائيلي، فإن رفض الخدمة تشكّل تسميماً للجيش من الداخل، وتؤدي لخفض المساهمة الكمّية في الجهد العسكري، لاسيما مع شيوع ظاهرة الرفض الرمادي ، وتضمّ أعداداً كبيرة من جنود الاحتياط الذين يلجأون لتأجيل الخدمة لأسباب صحية، ويتمارضون.

تتمثل أبرز أسباب انتشار ظاهرة رفض الخدمة العسكرية في تراجع هيبة جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي يتلقى الضربات على رأسه منذ أكتوبر 2023، وتتواصل في معاركه أمام المقاومة، مما أدى لاهتزاز صورته، وتراجع مكانته، وتزايد الانتقادات الموجهة ضده، وإحساس المجنّدين بعدم جدوى الاستمرار في حرب غزة، فضلاً عن الخوف من مواجهة المقاومة، وبعبارة أكثر وضوحاً، الخوف من الموت. فالجنود، ومعظمهم علمانيون، متوجّهون نحو اللذة، لا يؤمنون بأي مثاليات قومية، وهم في حالة خوف شديدة من المقاومين.

شهدت الشهور السبعة الأخيرة من الحرب على غزة انتشاراً لافتاً للحالات النفسية والمرضية المتفشية في صفوف الجيش، حيث سبّب لهم العدوان ضد الفلسطينيين ظواهر مرضية، ومشاكل نفسية، تجد طريقها في التبوّل الليلي والكوابيس التي ترافقهم يومياً.

وتبيّن المعطيات أنه في الشهور الأخيرة طرأ ارتفاع مقلق في عدد متلقي الخدمات النفسية، حتى إن مسؤولي شعبة القوى البشرية في الجيش يزعمون أن الوضع النفسي يشكل مخرجاً مريحاً للجنود للتهرب من الخدمة العسكرية.

وقد أدلى جندي إسرائيلي عاد من غزة باعترافات صادمة أمام جلسة في الكنيست، مؤكداً أنه يتبوّل على نفسه من الرعب ليلاً، ويزوره الفلسطينيون في كوابيسه ليسألوه لماذا قتلتنا؟ .

وقال الجندي أفيخاي ليفي، الذي انسحب من معارك غزة، إنني أتخيل أن قذائف آر بي جي تطير فوق رأسي، وأشمّ رائحة الجثث، أتبوّل على نفسي خلال نومي من الخوف، ولا أنام إن لم أشرب زجاجة كحول .

ورُصد تسعة آلاف جندي في غزة تعرضوا لاضطرابات نفسية، وشهدت حالاتهم تدهوراً حاداً، وتم رصد ارتفاع كبير في استهلاكهم للأدوية المضادة للاكتئاب، ولم يعد ربعهم للقتال، وتم تجنيد تسعمائة ضابط صحة نفسية لمعالجة المصابين باضطرابات نفسية جراء الحرب، وأطلق قسم التأهيل في جيش الاحتلال الإسرائيلي برنامجاً لمساعدة الجنود المصابين بآثار ما بعد الصدمة، وتم تشكيل فرق من ممرضين، وأطباء نفسيين.

ولئن فرضت حرب غزة على الإسرائيليين أثماناً باهظة في الخسائر البشرية، والإصابات الجسدية، فإن الاضطرابات النفسية أدخلت 2800 من الجنود لقائمة إعادة التأهيل النفسي بسبب إجهاد ما بعد الصدمة الذين باتوا يعيشون حالة الانغلاق النفسي، مع انتشار ظاهرة البكاء بينهم، ولجوء الكثيرين منهم لاعتماد أقسى أنواع العنف للتنفيس عن الضغوطات التي تصيبهم.

رئيسة وحدة الخدمة الاجتماعية في قسم إعادة التأهيل بوزارة الحرب، نوا روفا، ذكرت أن الجنود يعانون من اضطرابات ما بعد الصدمة، ولا يوجد حل لهذه المشكلة حالياً، لكن الخطورة أن الأعداد ستتضاعف خلال عامين.

فيما كشفت يخآل ليفشيتز، رئيسة القسم السريري للأمراض العقلية في جيش الاحتلال الإسرائيلي، أن ثلاثة آلاف جندي، نظامي واحتياط، جرى فحصهم من قبل ضباط الصحة العقلية، وظهرت على ألف منهم، ونقلوا للعناية المركزة في قاعدة تسرفين العسكرية، ودأبوا على إجراء مكالمات هاتفية متواصلة مع الطب النفسي لطلب المساعدة.

تجدر الإشارة أن من بين الاضطرابات التي يعاني منها الجنود الإسرائيليون: الوحدة والعزلة، والانفصال القسري عن أقاربهم، وسوء الأكل والشرب والنوم، ووقوعهم تحت ضغط هائل لعدم القدرة على التنبؤ بحروب العصابات التي تجعل من الصعب عليهم توقع زمن ومكان الهجوم التالي.

وباتوا مثقلين بالضغوط القتالية، لدرجة أن دفاعهم النفسي، يصبح منهكاً، وحينها يحدث الانهيار النفسي، بجانب أعراض الأرق، والانسحاب عن الآخرين، والارتباك، والبارانويا، وجنون الارتياب، والشعور بالملاحقة من الآخرين، وتصاعد المشاكل الاجتماعية والنفسية بينهم بصورة تصاعدية.

في تكرار لمشاهد حصلت في حروب سابقة، وجّه أهالي ستمائة جندي رسالة لقيادات جيش الاحتلال الإسرائيلي يعارضون فيها اجتياح رفح، والعودة لأحياء جباليا والزيتون، لأنهم لا يثقون بتلك القيادات، ولن يقفوا مكتوفي الأيدي بينما أبناؤهم في خطر، لأن الشعور بالإحباط يتصاعد في صفوف الجنود، ويشعرون أنه يتم الزجّ بهم في لعبة سياسية، ولم يتم توظيف تضحياتهم لاستعادة الأسرى من أيدي حماس، التي تواصل التعافي بصورة مستفزة لجيش الاحتلال.

لقد جاء لافتاً هذا الخطاب الذي أرسلته أمهات الجنود لقيادة جيش الاحتلال الإسرائيلي والحكومة، وسط توقّع بأن تتضمن فعالياتهم المقبلة سلسلة منشورات وبيانات، وعكست مقابلاتهم الإعلامية حالة الخوف والقلق والرعب التي خلقتها حرب غزة في أوساطهم، ومن المفردات التي تداولوها: حماس تسحق جيشنا.. تفتك بأبنائنا.. رصاصهم أصبح لا يخطئ.. الموت يتربص بنا غزة تطاردنا وتلاحقنا كابوس يعيش معنا أبناؤنا يموتون نتنياهو يشرب بجماجمهم ندفع ثمن بطشه وغطرسته .


المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية

كلمات دلالية: فی جیش الاحتلال الإسرائیلی الخدمة العسکریة ما بعد الصدمة رفض الخدمة فی حالة حرب غزة على غزة فی غزة لم یعد فی حرب

إقرأ أيضاً:

انتحار أمام الضباط وهروب من مدرعة أثناء القتال.. جحيم نفسي لجيش الاحتلال بغزة‏

كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، عن تفاصيل مثيرة، بشأن "الجحيم النفسي" الذي يواجهه جنود الاحتلال داخل غزة، والذي دفع عددا منهم للانتحار في القطاع أمام الجنود الآخرين.
وقالت الصحيفة في تقرير ترجمته "عربي21"، إن آلاف الجنود، يخضعون للعلاج النفسي بالفعل، وهذا وضع لم يحدث في كافة حروب "إسرائيل"، على مدى 14 شهرا، بدأت في هجوم مفاجئ يوم 7 تشرين أول/أكتوبر، فضلا عن تعرض آلاف الضباط والجنود لصدمات نفسية داخل القطاع.

وللدلالة على عمق الأزمة النفسية التي يعاني منها جيش الاحتلال بغزة، أشارت إلى أن جنديا في إحدى كتائب المشاة القتالية يرفض منذ أشهر مغادرة القطاع ويطالب بمواصلة القتال دون توقف بسبب أزمة عقلية، وفي كتيبة أخرى، وفي ذورة التوغل البري قبل نحو عام، قفز جندي من مدرعته هاربا نحو الأراضي المحتلة عام 48، لكن في طريقه أوقفته قوة أخرى ونقلته للعلاج النفسي.



ولفتت إلى حالة أخرى، والتي "تعتبر متطرفة وغير عادية، أنهى ضابط مقاتل شاب حياته في منطقة القتال في غزة، أمام بعض ضباطه، في حدث مؤلم لا يزال يتردد صداه في الوحدة، ولكن لم يتردد صداه في الجمهور، حتى لا يثقل كاهل الأسرة الثكلى بصورة أكبر".

وكشفت الصحيفة، أن 6 من الجنود الذين قاتلوا لفترة طويلة في غزة ولبنان، أقدموا على الانتحار، في الأشهر الأخيرة، لكن الرقم جزئي والجيش يرفض الإفصاح عن العدد الكامل للمنتحرين أو من حاولوا الانتحار.

وقال أحد القادة العسكريين عن غزة: "إنها ثقب أسود لا نهاية له لأن العديد من المقاتلين المتحمسين يخجلون من الخضوع لعلاج طويل وكبير، وفي هذه الأثناء تتراكم الندوب الخفية التي يمكن التعبير عنها في نوبات غضب أو قمع صامت خلال فترات الراحة القصيرة بين الغارات والجولات في غزة".

 وأضافت: "الندوب المروعة في ساحة المعركة لا تنتهي، الجنود رأوا زملاءهم وضباطهم قتلى وجرحى وتعرضوا لضربات ورأوا جثثا، ليس في حرب مدتها في المتوسط شهرا، لكن 14 شهرا متواصلة".

ولفتت إلى أن القتال العنيف، يشارك فيه "صبية تتراوح أعمارهم بين 19-20 عاما، بين القتل والرصاص والانفجارات وروائح المعارك، وظروف ميدانية سيئة دون مياه جارية ودورات مياه، وبالكاد رأوا عائلاتهم خلال العام الماضي".

وتابعت: "وفقا للعديد من الشهادات التي وصلت إلينا في الأسابيع الأخيرة، في كل وحدة قاتلت في غزة أو في لبنان تقريبا، تم تسريح عدد كبير من المقاتلين لأسباب عقلية، ورغم أن هذا من بين مئات الجنود الذين يخدمون في الفوج، إلا أن هناك العديد من الجنود الذين يريدون خوض الحرب ويواجهون صعوبات مع القيادة وسلطات الصحة العقلية".

وقالت: "في إحدى كتائب المشاة النظامية، نظر الجنود وأولياء أمورهم في جواز رفع دعوى ضد القادة على أساس عدم مراعاة الأعباء العقلية المفروضة على الجنود".

وأشار خبراء في الجيش إلى أن التأثير الحقيقي سيصبح واضحا بعد العودة جزئيا إلى طبيعته وسينتهي القتال النفسي إلى حد كبير.

ونقلت جنود في رفح قولهم إنهم يجلسون لأيام على مؤخراتهم في المنازل المدمرة، في ظل ظروف المخاطرة بحياتهم، من أجل البحث عن المتفجرات، بدلا من التصرف بصورة طبيعية، وقال أحد الجنود الذين سرحوا من مهام قتالية، إن هذا له كلفة عقلية من الإحباط والغضب المتراكمين.

ووفقا لبيانات وزارة حرب الاحتلال، فإن 12 ألف جندي جريح قبلوا كمعاقين منذ بداية العدوان، واستقبل ألف جريح جديد، "وهذا أمر يمزق اللحم الحي للقوة البشرية المقاتلة في الجيش، عندما لا تلوح نهاية في الأفق للقتال، ووفقا لتقديرات قسم إعادة التأهيل بحلول نهاية العام المقبل سيكون عدد معاقي الجيش 20 ألفا".



وأشار قسم التأهيل بوزارة الحرب إلى أن عدد المصابين بأمراض نفسية أكثر من المصابين جسديا.

ويعاني حوالي ثلث المعاقين المعترف بهم أيضا من اضطراب ما بعد الصدمة وهذه ليست سوى البداية، وقالت الصحيفة: "عندما يهتز الرعد إذا توقفت المدافع، سيتضح مدى الانهيار العقلي للجنود".

ولفت إلى أن 35 بالمئة ممن خضعوا للكشف النفسي، يعانون من اضطرابات، ومعظمهم من جنود الاحتلال، أما بحسب تقديرات الجيش، فإن 15 بالمئة من المقاتلين النظاميين الذين غادروا غزة وخضعوا للعلاج العقلي، لم يتمكنوا من العودة للقتال بسبب الصعوبات التي يواجهونها.

مقالات مشابهة

  • الجيش الإسرائيلي يعترض مسيّرة قبالة سواحل حيفا
  • عن معركة في جنوب لبنان.. هذا ما اعترف به الجيش الإسرائيليّ
  • بيان للجيش الإسرائيلي بعد اللقطات التي نشرتها حماس
  • أزمة في الجيش الإسرائيلي.. الجنود يتخلصون من حياتهم بسبب حرب غزة ولبنان
  • تحذير إسرائيلي من تراجع كفاءة الجيش مع إصرار الحريديم على عدم الخدمة العسكرية
  • قوات الاحتلال  تقتحم عددًا من قرى الكفريات جنوب طولكرم
  • انتحار أمام الضباط وهروب من مدرعة أثناء القتال.. جحيم نفسي لجيش الاحتلال بغزة‏
  • الجيش الإسرائيلي: اعترضنا هدفا جويا أطلق من لبنان
  • "القسام" تكشف عن عملية مُركّبة أوقعت قتلى بجنود إسرائيليين في رفح
  • الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد جنوده بجنوب لبنان