لجريدة عمان:
2024-07-03@16:11:59 GMT

هل تتفكك إمبراطورية «جوجل»

تاريخ النشر: 14th, May 2024 GMT

في مطلع الشهر الجاري استكملت المحكمة الجزئية الأمريكية في واشنطن التي تنظر قضية رفعتها الحكومة الأمريكية على شركة «ألفابت» (الشركة الأم لعملاق التكنولوجيا «جوجل») تتهمها فيها بالاحتكار، وإساءة استخدام سلطتها ونفوذها الواسع على شبكة الإنترنت، المرافعات النهائية من الحكومة والشركة، منهية بذلك الجزء الإجرائي من واحدة من أهم قضايا مكافحة الاحتكار خلال السنوات الأخيرة، والتي قد يشكّل الحكم فيها مستقبل الإنترنت، وبالتالي مستقبل العالم.

تستدعي هذه القضية إلى الأذهان تجارب سابقة مع وسائل الإعلام اتبعتها الحكومة الأمريكية. وعلى سبيل المثال ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية كانت صناعة السينما الأمريكية مركزة في خمس شركات كبرى عرفت باسم الخمسة الكبار، وهي شركات: فوكس القرن العشرين، وجي ام جي، وبارامونت، وآر كيه اوه، ووارنر برازر. لم تكن هذه الشركات الخمس تحتكر إنتاج الأفلام فقط ولكن أيضا شركات التوزيع وشركات دور العرض السينمائي. وكانت الشركات الخمس تسيطر على نحو 77% من دور العرض. وقد دفع هذا الوضع الاحتكاري الحكومة الأمريكية إلى التقدم بدعوى إلى المحكمة الأمريكية العليا لإنهائه. وأصدرت المحكمة في عام 1948 حكما بعدم شرعية احتكار شركات الإنتاج السينمائي لعمليات الإنتاج والتوزيع والعرض، وخيّرت هذه الشركات بين أن تبيع استوديوهات الإنتاج، أو أن تبيع دور العرض. وقد اختارت الشركات بيع دور العرض، وبالتالي تم فصل إنتاج الأفلام عن عرضها، ولم تعد شركات الإنتاج تضمن عرض أفلامها في دور العرض. وكان عليها أن تتنافس فيما بينها على دور العرض مما أفسح المجال لظهور شركات سينمائية جديدة. وقد تمت الإجراءات نفسها مع الشبكات التلفزيونية الكبيرة، وأجبرتها المحكمة على فصل شركات الإنتاج التلفزيوني عن شركات التوزيع حتى لا تكتسب أعمالها وضعًا احتكاري للعرض في محطاتها التلفزيونية.

ما الذي حدث مع «جوجل» ودفع الحكومة الأمريكية إلى اتهامها بالقيام بممارسات احتكارية؟ وهل يمكن أن ينتهي الأمر، مع نهاية هذا العام، إلى تفكيك عملاق التكنولوجيا الأول في العالم إلى مجموعة من الشركات الصغيرة؟

في ربع قرن منذ تأسيسها، حققت «جوجل» نموًا كبيرًا بشكل مذهل. فكل يوم، يطرح مليارات الأشخاص حول العالم أسئلة على محرك بحثها، أو يرسلون ويستقبلون عشرات الرسائل عبر بريدها الإلكتروني الأكثر استخداما في العالم «جيميل»، أو يتنقلون بسياراتهم أو بالمواصلات العامة أو حتى مشيًا على الأقدام باستخدام خرائط «جوجل». وهو ما جعل عملاق التكنولوجيا يسيطر على اقتصاد الإنترنت، ويوسع أعماله بسرعة من خلال شراء مئات الشركات الصغيرة. وفي العام الماضي 2023، حققت الشركة إيرادات بقيمة 307 مليارات دولار، وهو ما يعادل الناتج المحلي الإجمالي لدولة أوروبية متقدمة مثل فنلندا.

وتكتسب قضية الاحتكار التي رفعتها الحكومة على «جوجل» زخمها وأهميتها ليس فقط من أهمية الشركة العملاقة، ولكن أيضا من النتائج والتداعيات التي يمكن أن تحدث إذا أقرت المحكمة الوضع الاحتكاري لها، وحكمت بوضع قيود على حركتها في السوق، وكيفية إدارة إمبراطوريتها المتشعبة على الإنترنت. ويتوقع البعض أن تجبرها المحكمة على بيع بعض علاماتها التجارية المهمة مثل متصفح «جوجل كروم» لفتح باب المنافسة أمام محركات البحث الأخرى.

في المقابل يمكن للمحكمة أيضًا أن تحكم بأن «جوجل» لا تمارس الاحتكار، وهو ما قد يمثل انتكاسة كبيرة للحكومة والمدافعين عن مكافحة الاحتكار، الذين يقولون: إن شركات التكنولوجيا الكبرى أصبحت قوية وشرسة للغاية. وفي الحالتين، سوف يؤثر الحكم المنتظر في هذه القضية على الدعاوى القضائية الأخرى المرفوعة ضد شركات التكنولوجيا الكبرى الأخرى، مثل «أمازون» و«آبل».

في تقديري أن المحكمة قد تلجأ إلى الخيار الأول وهو إدانة «جوجل» بالممارسات الاحتكارية وذلك استنادًا إلى الحقائق على الأرض التي تقول: إن شركة واحدة لديها تسعة منتجات، يستحوذ كل منتج منها على نحو مليار مستخدم في العالم، لا يمكن أن تبقى هكذا دون تدخل حكومي وقضائي يفتح باب المنافسة للشركات الأخرى.

على سبيل المثال فإن محرك بحث «جوجل» الذي يعد محرك البحث الأول والأكثر أهمية في العالم، يستأثر بنحو 5 مليارات مستخدم، ويهيمن بالفعل على الفضاء الإلكتروني. ويُعد «موقع جوجل» هو الموقع الإلكتروني الأكثر زيارة في العالم، حيث يصل عدد زياراته إلى أكثر من 86 مليار زيارة شهريًا. ويسيطر بذلك على 92 بالمائة من سوق محركات البحث». ويبتعد المحرك الثاني الذي ينافسه وهو محرك «بينج» من شركة ميكروسوفت عنه كثيرًا جدًا وبنسبة سيطرة تبلغ 3 بالمائة فقط. الخطير في الأمر أن الشركة بدأت في وضع الإجابات التي يتم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي، في أعلى نتائج البحث. وقد يؤدي ذلك إلى قلب الويب رأسًا على عقب، مما يضر بالناشرين الذين يعتمدون على حركة المرور من «جوجل» من أجل بقائهم على قيد الحياة.تمتلك «جوجل» أيضا متصفح الويب الأكثر شعبية في العالم «جوجل كروم» الذي بلغ عدد مستخدميه العام الماضي نحو 3.5 مليار شخص. والواقع أن امتلاك «كروم» يمنح «جوجل» القدرة على إبقاء محرك البحث الخاص بها في المقدمة، كما يسمح لها أيضًا بتتبع الأشخاص في جميع أنحاء العالم، وجمع كميات هائلة من البيانات الدقيقة حول سلوك الأفراد عبر الإنترنت، وهو أمر مهم خاصة عندما يتعلق بالإعلان والتجارة الإلكترونية. وقد منحها هذا الوضع الاحتكاري ميزة مهمة وهي أن مطوري مواقع الويب يحرصون على أن تعمل مواقعهم على النحو الأمثل على متصفح «كروم»، ولا يهتمون كثيرًا بأن تعمل بسلاسة على متصفحات المنافسين مثل «بينج»، أو «فيرفوكس» أو «موزيلا». وإذا حكم القاضي بأن «جوجل» تمارس احتكارا غير قانوني، فهناك احتمال بأن تضطر الشركة إلى تقسيم أعمالها، وتحول متصفح «كروم» إلى كيان منفصل.

وفي اعتقادي أن الأمر نفسه قد يحدث مع نظام «أندرويد»، وهو نظام تشغيل الهواتف الذكية المملوك لـ«جوجل»، و«يستخدمه أكثر من ثلاثة مليارات شخص في العالم، ويعمل على 70 بالمائة من جميع الهواتف الذكية في العالم، فيما يأتي نظام أبل «آي او اس» في المركز الثاني وبفارق كبير، وبنسبة 28.5 بالمائة فقط».

إذا وضعنا في الاعتبار الممتلكات الأخرى مثل متجر «جوجل بلاي» الذي يستخدمه 2.5 مليار كل شهر، وشبكة يوتيوب التي تعد الشبكة الأولى في خدمة الفيديو عبر الإنترنت، ويبلغ عدد مستخدميها 2 مليار مستخدم، والبريد الإلكتروني «جيميل» الذي يستخدمه نحو 1.8 مليار شخص، وصور «جوجل»، وخرائط «جوجل» وكل منهما يستخدمها مليار شخص، بالإضافة إلى ممتلكاتها غير الإنترنتية التي تديرها الشركة الأم «ألفابت»، مثل شركة السيارات ذاتية القيادة، وشركة الأبحاث الطبية، وشركة رأس المال الاستثماري التي تشتري وتؤجر أساطيل من السفن لمد الكابلات تحت البحر عبر المحيطات، ندرك أننا أمام أخطبوط كبير، يكاد يسيطر على العالم وليس على الولايات المتحدة فقط، وأنه من الخير للبشرية أن ينتهي هذا الوضع الاحتكاري الذي تتمتع به، والذي قد يعوق التطور التكنولوجي القائم على المنافسة في المستقبل.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الحکومة الأمریکیة دور العرض فی العالم

إقرأ أيضاً:

الجمرة بتحرق الواطيها

كلام الناس
نورالدين مدني
الجمرة بتحرق الواطيها
كنا على أيامنا نتعاطف مع ما يجري في العالم ونتأثر به ونسعى قدر ما نستطيع عمل مايمكن عمله للمساهمة في ما يمكن معالجته، ولا نمل التعبير عن رفضنا لكل مظاهر الظلم والقهر في جميع أنحاء العالم بغض النظر عن بعده عنا.
هذه الأيام للأسف بقدر ما يحدث من ويلات وكوارث لا يكاد يتأثر بها إلا بعض المتعاطفين الإنسانيين فيما يكتوى بنيرانها الذين يعانون من جحيم نيرانها.
نعلم أن الويلات والكوارث ازدادت حتى أصبحت شبه معتادة لكن ذلك لايبرر حالة الجفاء غير الإنساني التي أصابت نفوس البشر الذين أصبحوا يتاجرون في تداعيات هذه الويلات دون أدني اعتبار لمعاناة من اكتووا بنيرانها.
ليس هذا فحسب بل ظهرت بعض المواقف الغريبة عن الإنسانية مثل الملاحقات الأمنية التعسفية والترحيل القسري لإعادة من يقع في قبضتهم إلى الجحيم الذي هربوا منه دون اعتبار لما سيحدث لهم أو ما هو حادث لهم فعلاً.
ليس هذا فحسب بل أصبحت منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية التي قامت من أجل الحفاظ على السلام العالمي وحماية حقوق المواطنين خاصة طالبي اللجوء الذي أصبحوا يكتوون بنيران بطء الإجراءات وتعقيداتها والقيود المجحفة التي تعرقل سرعة البت في طلباتهم.
للأسف بعض طالبي اللجوء في مناطق العبور والمعسكرات المؤقتة يجدون أنفسهم بين نارين نار الإهمال وعدم الاهتمام ونار بطء الأجراءات، هذا عدا الملاحقات الامنية غير المبررة.
مع كل هذا الجفاء المؤسف لن نفقد الأمل في رحمة الله الذي يسخر خلقه من الطيبين وسط هذه الجفوة غير المعتادة يحببهم لفعل الخير وتقديم العون لكل من من يحتاج للعون خاصة في الدول الحاضنة مثل أستراليا التي ما زالت تفتح أبوابها لطالبي اللجوء وتستعد لاستقبالهم وتسكينهم ودمجهم في نسيجها المجتمعي المتعدد الأعراق والثقافات.
نعم "النار بتحرق الواطيها" أي الذي يطأها بقدمه لكنها لاتقف عند حد قدميه إذا لم تجد من يطفئ لهيبها، ولابد من استيعاب هذه الدروس المتجددة في كل أنحاء العالم.

noradin@msn.com  

مقالات مشابهة

  • الجمرة بتحرق الواطيها
  • "مصر الفرعونية في السودان".. حكاية من إمبراطورية منابع النيل
  • صحيفتان أمريكيتان: قرار المحكمة العليا بشأن حصانة ترامب ليس نهاية الديمقراطية
  • المحكمة العليا الأمريكية تقضي بحصانة جنائية لترامب
  • أمريكا وإسرائيل.. حكاية حبّ يجب أن تُروى.. في السياسة لا بدّ من الإيضاح
  • العليا الأمريكية تحكم بـ حصانة جزئية لترامب.. ماذا يعني هذا؟
  • المحكمة العليا الأمريكية تحكم بأن ترامب يتمتع بالحصانة فيما يتعلق بالأعمال الرسمية
  • المحكمة الأمريكية العليا تفصل في الحصانة الجنائية المطلقة لترامب
  • إمبراطورية المستوطنات.. هل تنجح خطة إسرائيل لاستيطان غزة مجددا؟
  • شفرة الاعداء تتفكك