نحو الكفاءة في تنفيذ المشروعات الحكومية
تاريخ النشر: 14th, May 2024 GMT
علم إدارة المشروعات (Project Management) ليس علمًا جديدًا من حيث النشأة؛ فبناء سور الصين العظيم وبناء الأهرامات في مصر، والتي تُعد من التراث العالمي، هي إدارة علمية للمشروعات التاريخية على مر الزمان. فالذين أشرفوا على بنائها ليسوا من حملة المؤهلات العليا أو خضعوا لدورات متقدمة في إدارة المشروعات، لكن المقصد بأن تلك المشروعات العملاقة كانت تحت إشراف وقيادة فريق عمل من ذوي الكفاءة العالية في التنفيذ في جميع مراحل المشروع من مرحلة الفكرة وحتى النهاية.
والمشروعات سواء كانت حكومية أو خاصة، فإنها تمر بمراحل تخطيطية شاملة لكي يكتب لها النجاح. أول تلك المراحل، هي دراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع. هذه الدراسة تختلف حسب القيمة التقديرية للمشروع والظروف المحيطة به. والهدف من الدراسة، بأن تكون هناك قيمة مضافة بعد انتهاء المشروع على المستوى الاقتصادي والتنموي. بيد أن القيمة المضافة لا يشترط دائمًا أن تكون ذات عائد على الاستثمار (Return on Investment) عندما يتعلق الوضع بمشروعات البنية الأساسية ومنها: مشروعات الطرق والجسور والمطارات والكهرباء والمياه والمدارس والمستشفيات. فهذه المشروعات من الصعوبة تبيان الجدوى الاقتصادية؛ لأنها استثمار ذا نفع عام وليس للحصول على مردود اقتصادي. بيد أن هناك مشروعات حكومية ومنها على سبيل المثال، مشروع الباطنة الساحلي فهو من المشروعات الاستراتيجية التي يُرى من البداية بأنها مهمة، وإن كانت جدواه الاقتصادية والاجتماعية محل نظر؛ لأنه خضع للتأجيل وإعادة الدراسة، وأيضًا لتكلفته المالية العالية حيث تبلغ قيمة التعويضات التي صرفت لأصحاب الأملاك والمزارع عملًا بقانون نزع الملكية للمنفعة العامة، ما يتجاوز ملياري ريال عماني. هذا لا يتضمن المناقصات المتعلقة بالمشروع ذاته، والتي هي مستمرة أحدثها، مناقصة استكمال المرحلة الأولى بقيمة (79) مليون ريال عماني التي طرحت في شهر أبريل الماضي. مع العلم بأن أول مناقصة طرحت لهذا المشروع كانت في (2008) أي قبل (16) عامًا. ولعل هناك خلطًا بين وجود المديريات أو الدوائر التي تقوم بالإشراف على أعمال المشروعات والصيانة بالجهات الحكومية، وبين وجود مدير للمشروع (Project Manager) الذي يجب أن يكون متفرغًا لمتابعة سير تنفيذ العمل، ومشرفًا عليه مع فريقه الاحترافي من تاريخ استلام المستندات المتعلقة بالعقد وحتى تسليمه جاهزًا للجهة المختصة. اختيار مدير المشروع يتم بناء على عدد من المهارات والخبرات العملية والعلمية التي يجب أن تتوفر فيه، ولا يفترض أن يكون مهندسا؛ لأن عمله يكمن في الجانب التخطيطي ويسانده فريق من المهندسين والاختصاصين حسب طبيعة المشروع الذي يتم تنفيذه. وللوصول للكفاءة في التنفيذ، فإن مدير المشروع يجب أن يكون ملمًا بالمخطط التفصيلي الزمني ولديه القدرة الإدارية وأيضا معرفة جيدة في حسابات التكاليف المالية ومهارات عالية في التفاوض لإيجاد الحلول التوافقية السريعة في حال ما طرأت مستجدات في مرحلة التنفيذ. والكفاءة تتم ملاحظتها في أغلب المشروعات الحكومية أثناء مرحلة التنفيذ، في حال إجراء تغييرات في المكونات المعتمدة في المشروع والتي لم يكن مخططًا لها مسبقًا. ونقصد بالتغييرات التي عادة تتطلب اعتماد مبالغ مالية إضافية على القيمة الأصلية للمشروع. هذه التغييرات كان سابقا يطلق عليها الأوامر التغييرية (Variations Orders) وطبعًا هذا الإجراء مسموح القيام به وتم تحديد نسبة له وهي (10%) من قيمة المشروع. فالمشروع الذي تكون تكلفته التقديرية، مليون ريال عماني يسمح بإجراء تعديلات سواء بالإضافة أو النقص في حدود (100) ألف ريال عماني. ولكن غالبا ما تتجاوز تلك الأوامر التغييرية النسبة المحددة بمستندات المناقصة وبنسب أعلى. في السنوات الأخيرة تم استبدال صيغة الأوامر التغييرية، إلى صيغة «الأعمال الإضافية» مع العلم بأنها تأخذ الغرض نفسه. وقلّما تجد اجتماعًا لمجلس المناقصات إلا ويكون هناك إسناد لأعمال إضافية على بعض المشروعات الجاري تنفيذها. فمع وجود مستندات مسح الكميات للمشروع وتحديد الأعداد والقيم المالية لمكونات المشروع، إلا أن إضافة أعمال أخرى على المشروع تتجاوز النسبة المسموح بها، يعطي دلالة على ضعف الكفاءة في مرحلة التنفيذ والذي يكون سببه غياب التخطيط السليم عن وضع مواصفات المشروع من البداية. على سبيل المثال خلال خمس سنوات للفترة بين (2008-2013) بلغت التكلفة الإجمالية للأوامر التغييرية ما يقرب من (2.4) مليار ريال عماني. كما أن زيادة الأوامر التغييرية، تضيف عبئًا ماليًا على عقود الاستشاريين الذين يشرفون على تنفيذ المشروعات؛ لأنه عادة يتم حساب التكلفة المالية حسب المدة الزمنية للمشروع، فإن طالت مرحلة التنفيذ تكلفت الدولة أيضا مبالغ إضافية. وبشكل عام، عندما أحست الجهات الحكومية بأهمية هذا الموضوع، تم استحداث مشروع استراتيجي في الخطة الخمسية العاشرة (2021-2025)، يتعلق بإنشاء مكتب لإدارة المشروعات الحكومية يتبع وزارة الاقتصاد. يكون من ضمن مهامه الأساسية الضبط والتحكم في كمية الأوامر التغييرية، مع الإشارة إلى وجود مؤشرات إيجابية في الحد من الأوامر أو الأعمال الإضافية في السنوات الأخيرة.
في مشروع إنشاء مطار مسقط وصلالة الدوليين، وأثناء مرحلة التنفيذ طرأت عليه تغييرات وأعمال إضافية أدت إلى تأخير إنجاز المشروع إلى ما يزيد على ثلاث سنوات عن المدة الزمنية المحددة. وعندما يتأخر المشروع لفترة طويلة قد تنشأ خلافات بين الجهة الحكومية المشرفة على المشروع والشركات المنفذة. تلك الخلافات، في حال لم يتم التصالح بين الأطراف، فإنه عادة يتم اللجوء إلى التحكيم التجاري (Commercial Arbitration) المحلي أو الدولي. في مشروع مطار مسقط الدولي، نتوقع بأن مجريات الأمور وصلت لمراحل شبيهة، حيث إن مجلس المناقصات خلال شهر مايو (2024) أسند مناقصة بقيمة (3) ملايين ريال عماني، لتقديم خدمات قانونية للتحكيم الدولي، وأيضا مناقصة أخرى لتعيين مكتب محاماة لتمثيل وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات بقيمة تجاوزت (9) ملايين ريال عماني. والتحكيم التجاري الهدف منه هو: حفظ حقوق الأطراف القانونية، سواء كانت أطرافا حكومية أو شركات بقصد عدم ضياع تلك الحقوق والحيلولة دون اللجوء للمحاكم كمرحلة أولية تنص عليها بنود التعاقد.
وبالنسبة للعلاقة بين الجهات الحكومية وبين شركات القطاع الخاص المنفذة لتلك المشروعات فكانت أغلبها فاترة، وأخذت مسارات مختلفة. فبعض الجهات تعاملت مع شركات القطاع الخاص حسب نصوص العقد بصرامة، وفي حال حدث إخلال بتلك البنود فإن الغرامات أو الاستقطاعات المالية تكون جاهزة للخصم من الدفعات المستحقة للمقاول أو الشركة. فهذا إجراء لا غبار فيه. ولكن في الجانب الآخر في حال وجود تأخير في تسديد الدفعات المستحقة للمقاول الذي يمتد في بعض الأحيان لشهور أو سنوات فإنه لا يتم التعويض عن الضرر الذي قد يلحق بتلك الشركات نظير ذلك التأخير. وحسب العُرف فإن التعامل بين الأطراف يجب أن يكون على أساس «لا ضرر ولا ضرار». ذلك التأخير في تدفق السيولة المالية يؤثر في سير مراحل التنفيذ، هذا التأثير يمتد إلى عدم قدرة الشركة في مواصلة العمل. كما أن توفر السيولة من العوامل التي تساعد في الكفاءة في إنجاز المشروعات في الوقت المتفق عليه. في الجانب الآخر فمن المغالطات القول إن الشركات التي يسند إليها المناقصات ذات القيم المالية الكبيرة بأنه تحقق أرباحا طائلة من تلك المناقصات، هذه النظرة ليست في محلها، حيث إن الشركة المنفذة دخلت في منافسة مع الشركات الأخرى. أيضا تلك الشركات تتحمل درجة المخاطر غير المتوقعة والتغييرات التي تطرأ في السوق المحلي والعالمي بالنسبة لأسعار مشتريات المواد التي تحتاج إليها الشركة. عليه في نهاية المشروع، غالبا قد تخرج الشركة المنفذة إما الوصول لمرحلة التعادل -لا ربح ولا خسارة- أو على أقل تقدير فإنها تحقق ربحا في الحدود المعقولة.هناك جهود ومؤشرات إيجابية من قبل الجهات في متابعة تنفيذ المشروعات الحكومية، ولكن للوصول نحو الكفاءة في إدارة المشروعات، فإن العلاقة بين تلك الجهات والشركات المنفذة للمشروعات، يجب أن تكون علاقة ثقة متبادلة بين الطرفين، بحيث إن الكل يكسب في نهاية المشروع. فالجهة الحكومية تريد إنجازًا لمشروعها حسب المواصفات المعتمدة والمدة المحددة للتنفيذ بدون تأخير، وأيضًا الشركة المنفذة تريد تعاملًا إنسانيًا من الجهات الحكومية وينظر إليها بأنها أيضا يجب أن تستفيد من المناقصة مع تحقيق أرباح في نهاية المشروع؛ لأنها جزء من المنظومة الاقتصادية والاجتماعية في الدولة. وعند تحقيق تلك الشركات للأرباح فإنها تستطيع الاستمرار في توظيف المواطنين الذين من حقهم أن يعملوا في بيئة عمل ولا يكونون عرضة للتسريح من العمل نظرًا لغياب الكفاءة في تنفيذ المشروعات الحكومية، حيث إن ذلك التنفيذ يجب أن يكون حسب التكلفة المالية المعتمدة للمشروع، وأيضا حسب الفترة الزمنية المحددة للتنفيذ.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المشروعات الحکومیة تنفیذ المشروعات الجهات الحکومیة إدارة المشروعات مرحلة التنفیذ یجب أن یکون ریال عمانی الکفاءة فی حیث إن فی حال
إقرأ أيضاً:
بدء تنفيذ مجسر “باب طرابلس” لتحسين حركة المرور في تاجوراء
ليبيا – شرع جهاز تنفيذ مشروعات الإسكان والمرافق في تنفيذ الأعمال الإنشائية لمجسر “باب طرابلس”، الواقع عند تقاطع الطريق الساحلي مع طريق الشط، بالقرب من مستشفى القلب في تاجوراء.
ووفقًا لبيان صحفي صادر عن الجهاز، الذي اطلعت عليه صحيفة “المرصد“, تركز المرحلة الحالية من المشروع على أعمال الحفر وصب الركائز الخرسانية، بالإضافة إلى تنفيذ التسليح اللازم لضمان استقرار المجسر.
ويهدف المشروع إلى تحسين انسيابية حركة المرور في المنطقة، وتعزيز كفاءة البنية التحتية، بما يسهم في تقليل الازدحام وتطوير شبكة الطرق لتلبية احتياجات السكان.