لا تنزعجوا بسبب إعانات الدعم الخضراء
تاريخ النشر: 14th, May 2024 GMT
تختمر الآن حرب تجارية تدور رحاها حول التكنولوجيات النظيفة. فقد حذرت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، انطلاقا من شعورهما بالقلق إزاء التهديد الذي تفرضه إعانات الدعم الصينية على صناعاتهما الخضراء، من الرد بفرض قيود على الاستيراد. في المقابل، تقدمت الصين بشكوى إلى منظمة التجارة العالمية بشأن الأحكام التمييزية ضد منتجاتها بموجب التشريع التاريخي الذي أصدره الرئيس الأمريكي جو بايدن بشأن المناخ، قانون خفض التضخم.
في رحلة قامت بها مؤخرًا إلى الصين، حذرت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين الصين بشكل مباشر من أن الولايات المتحدة لن تقف مكتوفة الأيدي في مواجهة «الدعم الحكومي الواسع النطاق» الذي تقدمه الصين لصناعات مثل الطاقة الشمسية، والمركبات الكهربائية، والبطاريات. وذكّرت جمهورها بأن صناعة الصلب في الولايات المتحدة دُمِّـرَت في السابق بسبب الدعم الصيني، وأوضحت تصميم إدارة بايدن على عدم السماح بمعاناة الصناعات الخضراء من المصير ذاته.
نجحت الصين في رفع مستوى صناعاتها الخضراء وتكبيرها بسرعة مذهلة. وهي الآن تنتج ما يقرب من 80% من وحدات الطاقة الشمسية الكهروضوئية على مستوى العالم، و60% من توربينات الرياح، و60% من المركبات الكهربائية والبطاريات. في عام 2023 وحده، زادت قدرتها في مجال توليد الطاقة الشمسية بما يتجاوز إجمالي القدرة المركبة في الولايات المتحدة. كانت هذه الاستثمارات مدفوعة بمجموعة متنوعة من السياسات الحكومية على المستويين الوطني والإقليمي ومستوى البلديات، وقد سمح هذا للشركات الصينية بالتحرك بسرعة عبر منحنى التعلم والتمكن من السيطرة على أسواقها. لكن الفارق كبير بين الخلايا الشمسية الكهروضوئية والمركبات الكهربائية والبطاريات من ناحية، والصناعات الأقدم مثل الفولاذ والسيارات التي تعمل بإحراق الوقود من ناحية أخرى. إذ تشكل التكنولوجيات الخضراء أهمية بالغة في مكافحة تغير المناخ، مما يجعلها منفعة عامة عالمية. وتتلخص الطريقة الوحيدة التي يمكننا بها إزالة الكربون من الكوكب دون تقويض النمو الاقتصادي وجهود الحد من الفقر في التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة والتكنولوجيات الخضراء في أسرع وقت ممكن.
الواقع أن الحجة لصالح دعم الصناعات الخضراء، كما فعلت الصين، لا غبار عليها. فبعيدا عن الحجة المعتادة بأن التكنولوجيات الجديدة توفر الدراية وغير ذلك من العوامل الخارجية الإيجابية، يتعين علينا أيضًا أن نضع في الحسبان التكاليف شديدة الضخامة المترتبة على تغير المناخ والفوائد الضخمة المحتملة المترتبة على التعجيل بالتحول الأخضر.
علاوة على ذلك، ولأن انتشار المعرفة يعبر الحدود الوطنية، فإن إعانات الدعم التي تقدمها الصين لا تفيد المستهلكين في كل مكان فحسب، بل تعود فوائدها أيضا على شركات أخرى على طول سلسلة العرض العالمية. تأتي حجة أخرى قوية من ثاني أفضل منطق. فلو كان العالم منظما بواسطة متخصص في التخطيط الاجتماعي، لكانت ضريبة عالمية تُـفرَض على الكربون؛ ولكن بالطبع، لا يوجد شيء من هذا القبيل. فعلى الرغم من وجود مجموعة متنوعة من خطط تسعير الكربون الإقليمية والوطنية ودون الوطنية، تخضع حصة ضئيلة فقط من الانبعاثات العالمية لسعر يقترب من تغطية التكلفة الاجتماعية الحقيقية التي يفرضها الكربون. في ظل هذه الظروف، تتضاعف الفوائد المترتبة على تطبيق السياسات الصناعية الخضراء - سواء لتحفيز التعلم التكنولوجي الضروري أو كبديل لتسعير الكربون. كان المعلقون الغربيون الذين يستعرضون مصطلحات مخيفة مثل «القدرة الفائضة»، و«حروب إعانات الدعم»، و«صدمة الصين التجارية 2.0» سببا في إعادة الأمور إلى الوراء تماما. الواقع أن تخمة مصادر الطاقة المتجددة والمنتجات الخضراء هي على وجه التحديد ما نحتاج إليه في التصدي لتغير المناخ. كانت السياسات الصناعية الخضراء التي تنتهجها الصين مسؤولة عن بعض من أهم المكاسب حتى الآن في مكافحة تغير المناخ. فمع نجاح المنتجين الصينيين في توسيع قدراتهم وجني فوائد الحجم الكبير، انخفضت تكاليف الطاقة المتجددة بشكل حاد. في غضون عشر سنوات، انخفضت أسعار الطاقة الشمسية بنسبة 80%، وانخفضت أسعار طاقة الرياح البحرية بنسبة 73%، وأسعار طاقة الرياح البرية بنسبة 57%، وأسعار البطاريات الكهربائية بنسبة 80%. تعزز هذه المكاسب التفاؤل الزاحف في دوائر المناخ بأننا قد نتمكن من إبقاء الزيادة في درجات الحرارة العالمية بسبب الانحباس الحراري الكوكبي ضمن حدود معقولة. وقد أثبتت الحوافز الحكومية، والاستثمار الخاص، ومنحنيات التعلم كونها تركيبة بالغة القوة حقا.
مع قانون خفض التضخم، أصبح لدى أمريكا بالفعل نسختها الخاصة من السياسات الصناعية الخضراء كتلك التي تنتهجها الصين. إذ يوفر القانون إعانات دعم بمئات المليارات من الدولارات لتسهيل الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة والصناعات الخضراء. ورغم أن بعض الحوافز الضريبية تحابي المنتجين المحليين على حساب الواردات (أو لا تُـتاح إلا بمتطلبات صارمة فيما يتعلق بمصادر التوريد)، فلا بد من النظر إلى هذه العيوب في سياق التسويات السياسية اللازمة لضمان إقرار التشريع. فقد تكون ثمنا زهيدا يُـدفَع في مقابل ما يعتبره كثيرون من المحللين «تغييرا لقواعد لعبة» السياسة المناخية. بطبيعة الحال، تحرك الدول مصالح أخرى إلى جانب المناخ. فربما تُـضـمِـر مخاوف مشروعة بشأن العواقب التي قد تخلّفها سياسات الصناعة الخضراء التي تنتهجها بلدان أخرى على الوظائف والقدرة الإبداعية في الداخل. وإذا ارتأت أن هذه التكاليف تفوق الفوائد المناخية والفوائد التي تعود على المستهلكين، فينبغي أن تكون لها الحرية في فرض رسوم جمركية تعويضية على الواردات، كما تسمح قواعد التجارة بالفعل. سوف يكون من الأفضل للعالم في عموم الأمر إذا لم تتصرف هذه الدول على هذا النحو، لكن لا أحد يستطيع، أو لا أحد ينبغي له، أن يمنعها.
الواقع أنه لم يكن من غير المألوف، قبل أن تتسارع العولمة وإحكام القواعد التجارية في تسعينيات القرن العشرين، أن تتفاوض البلدان على ترتيبات غير رسمية مع المصدرين كوسيلة لتخفيف الزيادات في الواردات والإبقاء على المصدرين سعداء بدرجة معقولة. لنتذكر هنا اتفاق الألياف المتعددة في مجال صناعة الملابس في السبعينيات، والقيود الطوعية على الصادرات من السيارات والصلب في الثمانينيات.
ورغم أن خبراء الاقتصاد شجبوا هذه المخططات ووصفوها بأنها تدابير حماية، فإن مثل هذه الترتيبات لم تلحق ضررا كبيرا بالاقتصاد العالمي. فقد عملت في الأساس كصمامات أمان: فمن خلال السماح للضغوط بالإفلات، ساعدت في الحفاظ على السلام التجاري.
ما لا ينبغي للحكومات أن تفعل هو شجب السياسات الصناعية الخضراء باعتبارها انتهاكات للمعايير أو تجاوزات خطيرة للقواعد الدولية. الواقع أن الحجج الأخلاقية والبيئية والاقتصادية تحابي أولئك الذين يدعمون صناعاتهم الخضراء، وليس أولئك الذين يريدون فرض الضرائب على إنتاج آخرين.
داني رودريك أستاذ الاقتصاد السياسي الدولي في كلية كينيدي بجامعة هارفارد، ورئيس الرابطة الاقتصادية الدولية ومؤلف كتاب «الحديث الصريح بشأن التجارة: أفكار لاقتصاد عالمي عاقل».
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة الطاقة المتجددة الطاقة الشمسیة إعانات الدعم الواقع أن
إقرأ أيضاً:
استمرار تعطل الدوام الحكومي بعدة محافظات في إيران بسبب ارتفاع استهلاك الغاز
أعلنت السلطات الإيرانية تعطيل الدوام في المكاتب الحكومية والمراكز التعليمية في عدد من المحافظات، من بينها طهران، بعد ارتفاع استهلاك الغاز بنسبة 16% خلال الأيام الماضية، وهذا أدى إلى ضغط على إمدادات الطاقة.
وشملت الإجراءات تحويل الدراسة في المدارس إلى نظام التعليم الافتراضي، بالإضافة إلى تعطيل الدوام في محافظات أخرى مثل أذربيجان الشرقية، أصفهان، فارس، وخراسان رضوي، في محاولة لإدارة الاستهلاك خلال فصل الشتاء.
وتواجه إيران سنويا زيادة كبيرة في استهلاك الغاز خلال موسم البرد، وهذا يضع شبكة الإمدادات تحت ضغط متزايد.
وتأتي هذه التطورات رغم امتلاك إيران ثاني أكبر احتياطي للغاز الطبيعي في العالم، حيث تبلغ احتياطياتها المؤكدة نحو 29.6 تريليون متر مكعب، ما يعادل 15.8% من إجمالي الاحتياطي العالمي.
ورغم ذلك، تشير بيانات رسمية إلى أن استهلاك الغاز داخل إيران تجاوز 692 مليون متر مكعب يوميا هذا الشتاء، مع تخصيص حوالي 74% منه للقطاع السكني والتجاري والصناعات الصغيرة، وهذا يحد من قدرة البلاد على تصدير الغاز أو استخدامه في القطاعات الصناعية ومحطات الطاقة بكفاءة.
ويأتي هذا الوضع في ظل نقاشات مستمرة حول تحديات إدارة موارد الطاقة في البلاد، حيث تسعى الجهات المختصة إلى تحسين كفاءة الاستهلاك وتطوير البنية التحتية.
إعلانفي الوقت نفسه، يبقى الطلب المتزايد على الغاز، خاصة خلال فترات الذروة، عاملا رئيسا في رسم سياسات الطاقة على المدى القريب والبعيد، وسط جهود لتعزيز الإنتاج وتوسيع شبكات التوزيع لمواكبة الاحتياجات المتزايدة.
قيود الإنتاجوبحسب خبير الطاقة حميد رضا شكوهي، فإن نقص الغاز في إيران يعود إلى عدة عوامل، أبرزها زيادة الاستهلاك وغياب التنوع في مصادر الطاقة، حيث تعتمد البلاد بشكل كبير على الغاز الطبيعي، إذ يشكل أكثر من 70% من إجمالي الطاقة المستهلكة، مقارنةً بدول أخرى تعتمد على مزيج متنوع من الطاقة يشمل الكهرباء والطاقة المتجددة ومصادر أخرى.
وأوضح شكوهي للجزيرة نت أن امتلاك إيران ثاني أكبر احتياطي للغاز في العالم دفعها إلى تبني إستراتيجية تقوم على ضخ كميات هائلة من الغاز، إلا أن السعر المنخفض للغاز محليا أدى إلى ارتفاع معدلات الاستهلاك، في ظل غياب سياسات فاعلة لترشيده، مثل معايير بناء محطات توفير للطاقة أو فرض قيود على استهلاك أجهزة التدفئة.
وأشار إلى أن العقوبات الخارجية تشكل عقبتين رئيسيتين أمام قطاع الغاز الإيراني، إذ تؤثر سلبا على الاستثمار والتطور التقني، لافتا إلى أن إيران تحتاج إلى استقطاب استثمارات ضخمة وتقنيات متطورة مثل منصات تعزيز الضغط لضمان استمرار الإنتاج بكفاءة.
وأشار شكوهي في هذا السياق إلى العقد الذي أبرمته طهران مع شركة توتال الفرنسية عام 2017 لتطوير منصة ضغط في المنطقة 11 من حقل فارس الجنوبي المشترك مع قطر، إلا أن المشروع توقف بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018، وهذا حال دون نقل التكنولوجيا التي كانت إيران تعوّل عليها لتخفيف الضغط في الحقول الأخرى.
ورأى شكوهي أن تعطيل المؤسسات التعليمية والحكومية لا يمثل حلا طويل الأمد، بل هو إجراء مؤقت يهدف إلى تقليل الضغط على شبكة الإمدادات.
إعلانوأضاف أن الحكومة تحاول عبر هذه العطلة تفادي قطع الغاز عن المصانع والبتروكيميائيات ومحطات الكهرباء، لكنها لم تنجح بالكامل في ذلك، إذ لا تزال مضطرة إلى تقنين إمدادات الغاز للقطاع الإنتاجي، وهذا يؤثر سلبا على الاقتصاد والصناعة.
وأكد أن الحل الجذري لهذه الأزمة يكمن في زيادة الاستثمارات في قطاع الغاز، وتطوير تقنيات تعزيز الضغط، وتحسين كفاءة الاستهلاك، إلى جانب الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة مثل محطات الطاقة الشمسية، وذلك لضمان أمن الطاقة وتقليل الاعتماد المفرط على الغاز الطبيعي.
تأثير العقوباتمن جهته يقول خبير الاقتصاد آيزاك سعيديان، إن البنية التحتية لقطاعي النفط والغاز في إيران تعود إلى أكثر من 45 عاما، ولم تشهد عمليات تطوير وتحديث واسعة النطاق خلال العقود الماضية.
وأوضح للجزيرة نت أن تجديد هذه البنى التحتية يتطلب استثمارات ضخمة، سواء محلية أو أجنبية، بالإضافة إلى استقطاب التقنيات الحديثة لتعزيز الكفاءة وزيادة الإنتاج.
وأشار سعيديان إلى أن العقوبات المفروضة على إيران تشكل عائقا رئيسا أمام تدفق الاستثمارات إلى قطاع الطاقة، إلا أنه أوضح أن بعض السياسات الداخلية أيضا تساهم في الحد من قدرة بعض الشركات على الاستثمار داخل البلاد، وهذا يفاقم التحديات التي يواجهها القطاع.
وفيما يتعلق بتأثير تعطيل المؤسسات، أكد سعيديان أن هذا الإجراء لا يمثل حلا جذريا للأزمة، بل يعد مسكّنا مؤقتا، مشيرا إلى أن تداعياته تمتد إلى الناتج المحلي الإجمالي على المدى المتوسط.
وأوضح أن قطع الغاز عن محطات الكهرباء يؤدي إلى تعطيل المصانع، وهذا يؤثر سلبا على الإنتاج الصناعي، مشيرا إلى أن هذا النقص الإنتاجي في الشتاء قد ينعكس في انخفاض قدرة المصانع على العمل بكامل طاقتها خلال فصل الصيف، وهو ما يؤثر على معدلات النمو الاقتصادي في البلاد.
إعلان