لجريدة عمان:
2025-03-03@22:48:15 GMT

الذكاء الاصطناعي وتحيّز البيانات

تاريخ النشر: 14th, May 2024 GMT

(1)

تتجه أفكاري في أثناء كتابة هذا المقال للسير في اتجاهين: الأول، التفكير في منظومة الأسئلة الكبرى التي طُرحت في التاريخ المعاصر والفلسفة والتنوير؛ هل انتهت أم ما زال لها أثر؟ والاتجاه الثاني، حول الذكاء الاصطناعي ووظيفته الحيوية في حياتنا اليومية.

ولا أخفي على نفسي أن ما يجري من حرب إبادة لأهلنا في غزة هو الدافع الأول للتفكير في هذين الاتجاهين.

فإذا فكرتُ بالتاريخ؛ فما يكون؟ أما زال حقًا كما يُعرّفه في المُطلق (معجم مصطلحات الثقافة والمجتمع) بأن التاريخ ما يدل في الأساس على رواية الأحداث الماضية؟ وإذا سألتُ عن الذكاء الاصطناعي فما الغاية منه؟ فإذا استطاع الذكاء الاصطناعي تسهيل المعرفة وإيجاد الحلول لمشكلات البشر بتخفيف المخاطر التي تتعرض لها البشرية في مجالات البيئة والصحة والعلوم مثلا، فهل يُمكنه خلق خلية حية نابضة بالمشاعر نحو الطبيعة أو الإنسانية أو التاريخ نفسه؟ خلية جديدة يُسجل لها النشأة الأولى! وليكن السؤال القادم الأشدُّ قتامة: ماذا إذا أبيدت غزة على بكرة أبيها؟ ماذا لو اختفت ودُكت لتستوي بالأرض؟ ماذا إذا لجأت آلة العدو المتغطرّس إلى استعمال السلاح الكيماوي كما يلوّح بذلك وزراء الكيان؟ عندئذ؛ مع وجود الذكاء الاصطناعي ما الذي سَيُحرره للأجيال التي جاءت بعد طوفان الأقصى؟ هل سيهَتم -القائمون المجهولون أو الشركات أو المؤسسات البحثية المجهولة هُويتهم- بكتابة ما يحمي الهُوية الثقافية للتراث الفلسطيني ككل؟

كانت مهمة توثيق التاريخ أو الماضي تقتصر على المؤرخين، وهذا ما تفعله اليوم بعض المؤسسات الثقافية عندما تُسارع إلى تأليف موسوعاتها الخاصة بالحضارة والألفاظ والموسيقى والفنون والأدباء والطعام والملبوسات وغيرها، بغية أرشفتها والحفاظ عليها؛ لكونها (البطاقة المدنية لهُويتها الثقافية) وفي هذا السياق لاحظ (إيريك هُوبزباوم) في كتابه (عصر النهايات القصوى وجيز القرن العشرين الجزء الأول عصر الكارثة) ملاحظة مهمة تقول: «إن تدمير الماضي، أو بالأحرى الآليات الاجتماعية التي تربط التجربة المعاصرة لأحدهم بتجربة أجيال أسبق، هو أحد أبرز الظواهر المُخيفة والمتميزة لأواخر القرن العشرين. فمعظم الأجيال الشابة من رجال ونساء في نهاية هذا القرن تنمو بنوع من الحاضر الدائم المفتقر إلى أية صلة عضوية بالماضي العام للأوقات التي يعيشونها» ونفهم من ذلك كما يقول (إيريك) في الفقرة نفسها «أن المؤرخين ينحصر عملهم في أن يتذكروا ما ينساه الآخرون». تبدو اللفظتان (المُخيفة والمتميزة) لائقتين بالذكاء الاصطناعي؛ فهناك مَن يشجع ويصفق لاستعمالات الذكاء في تنظيم حياة المجتمعات، وبين مَن ينفخ مخاوفه كسم الأفعى.

ومرة أخرى، الأمر الواضح اليوم أن تطور التكنولوجيا ليس له حدود معروفة طالما أن العقل البشري يُفكر ويكتشف ويُجرّب، فلا يقتصر على استهلاكنا اليومي للتطور التقني في وسائط التواصل الافتراضي، أو امتلاك أقوى هاتف خلوي، أو قراءة الكتب، أو تأليف النصوص عبر الجهاز اللوحي، أنه أبعد من ذلك بكثير.

إن مساءلة موضوع علاقة الذكاء الاصطناعي بالهُويات الثقافيّة للبشرية والحفاظ عليها قضية تتصل بالراهن في التحولات السياسية الكبرى والتكتلات الديموغرافية الحاصلة في العالم، في المتغيرات الاقتصادية التي تدفع شعوب البلاد المضطهدة إلى الهجرة، ومغادرة أراضيهم والأماكن التي ترعرعوا فيها، إلى أراض وأوطان بديلة يهدفون من ورائها إلى بناء هويات للاندماج في المجتمعات الجديدة. لا شك أنهم ينتقلون أو يهربون أو يهاجرون ومعهم ذاكرتهم وكلماتهم وأغانيهم، وما يُعزز انتماءهم إلى هُوية ثقافية وحضارة محددة، وسوف يُلاقون صعوبات كثيرة لبناء هُوية جديدة في بلاد تعج بالنزاعات والصراعات الإثنية وبأنواع مختلفة من الضغوط.

في هذا السياق، يؤكد الدكتور أنس عضيبات في مقالته المنشورة بجريدة الرأي الأردنية المعنونة: (الحفاظ على الثقافة من خلال الذكاء الاصطناعي)، أن العلاقة ما بين الذكاء الاصطناعي والثقافة علاقة ديناميكية، ويمكن أن ينجح استثمار ذلك في عدة طرق منها: «الترميم الرقمي، وإحياء اللغات المهددة بالانقراض، وقدرة الخوارزميات في معالجة كميات هائلة من البيانات للكشف عن الاكتشافات الأثرية، وتوثيق التراث الثقافي، والحفظ ضد تغير المناخ، وتعزيز إمكانية الوصول لذوي الإعاقة عبر تمكين الذكاء الاصطناعي من تقديم أوصاف صوتية للأعمال الفنية وغيرها)، أما أهم التحديات، فتتصل بالاعتبارات الأخلاقية، ويتمظهر ذلك حسب رأيه في «المخاوف المتعلقة بخصوصية البيانات، والتحّيز في الخوارزميات، وخطر تقليل المشاركة البشرية في جهود الحفاظ على الثقافة».

(2)

وعطفا على التحيّز في الذكاء الاصطناعي، يقول الباحثان ناظم حسن رشيد، ومي ابلحد أفرام في بحثهما المنشور في مجلة (Journal of Contemporary Business and Economic Studies Vol. (60) No. (1) (2023) بعنوان (تدقيق التحيز في الذكاء الاصطناعي في ضوء إطار عمل تدقيق الذكاء الاصطناعي لمعهد المدققين الداخليين (IIA)- دراسة نظرية تحليلية) التالي: «القضية الرئيسة هي أن التحيّز نادرا ما يكون واضحًا. البيانات جميعها متحيزة. هذه حقيقة قد يكون التحيز متعمدا. قد يكون لا مفر منه بسبب الطريقة التي يتم بها إجراء القياسات، ولكن هذا لا يعني أنه يجب علينا تقدير الخطأ...»

والسؤال الذي يطرح، طالما أن المخاطر موجودة وحاصلة، وأمامنا النموذج الحي المتمثل في حرب الإبادة ضد غزة منذ ما يقرب المائتي يوما، وتاريخيا فإن احتلال فلسطين بدأ في (1948م) فكيف يسعنا أن نفهم قياس خوارزميات الذكاء الاصطناعي في جوانب كالثقافة والإنسان والمجتمع؟

إن كل ما يحصل اليوم في غزة، وتتناقله قنوات الأخبار، يشير إلى أن تراث فلسطين مهدد بالاندثار والامحاء، فيظهر دور العاملين في الذكاء الاصطناعي ونسألهم: ماذا ستنتخب خوارزميات الذكاء الاصطناعي من تراث مادي أو غير مادي من ذاكرة فلسطين المحتلة ككل؟ من تراث أسماء الآباء والأمهات والشيوخ والأشبال والأطفال والشهداء؟ ومن تراث طواقم الأطباء والممرضين، ومن تراث حفظة القرآن وعلماء المساجد، ومن تراث الصحفيين والمعذبين جميعهم، ومن تراث الذين دفعوا مبالغ عالية جدا للخروج من المعبر؟ ما السلوك الذكي الذي ستقدمه الآلة بعد تعبئة أجهزة الحواسيب بالبيانات؟ أين ستتدخل السياسية والمصالح الاقتصادية والتحيزات العنصرية والدينية في الموضوع؟

إن واقع الذكاء الاصطناعي يُثبت انتصاره في تطبيق فرض وسائل السيطرة والمنع والحجب، وظهر ذلك بكثرة بعد السابع من أكتوبر 2023م، حيث حُجبت الكثير من الحسابات الشخصية التي دعمت قضية فلسطين بنشر الصور والأفلام والتغريدات ومقاطعة البضائع الداعمة للكيان، كما منعت حسابات بعض المشتركين في التطبيقات الافتراضية من الظهور لدى المتعاملين مع بعضهم ضمن مجموعات، وأرسلت رسائل تهديد من مالكي هذه التطبيقات لمستخدميها المشاغبين (لا يختلف سلوك مالكي التقنية دعاة الديمقراطيين عن سلوك الجهات الأمنية عندما تستدعي أصحاب الرأي لمناقشة موضوع ما)، وتساوت في ذلك وسائل التواصل الافتراضي جميعها، وبلا استثناء!

واللافت للانتباه هو التناقض الحاصل في طموحات مفهوم الذكاء الاصطناعي! هل يرغب العالم عبر التكنولوجيا المتطورة جعل العالم كله آلات تنجز كل شيء ابتداء من الإنسان الآلي (الروبوت) بشكل لانهائي له؟ إننا نفهم ونقدّر أن الذكاء الاصطناعي «كما لخصه (جون مكارثي- واضع هذا المصطلح سنة 1955) بأنه علم وهندسة صنع آلات ذكية»، وإذا كان القصد منه إحلال الآلة مكان البشر، فإنّ المصدر الأول لاكتشاف الآلة هو الدماغ البشري، وعند إحلال الآلة مكان البشر، سيختفي هؤلاء (البشريون) ولا ندري إلى أين سيذهبون أو يختفون؟ فكيف تكون الآلة نفسها هي وسيلة الدراسة نفسها، وهي المستقبل وهي الصراع؟ الظاهر أن الآلة ستظل وحدها تصارع آلة أخرى لتتفوق عليها! فما الغاية من هذا كله إن لم يكن الهدف هو الطمأنينة والأمن والسلام للبشر؟

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی من تراث

إقرأ أيضاً:

منصة "إي باي" تستخدم الذكاء الاصطناعي لتسهيل خدماتها

أعلنت شركة التجارة الإلكترونية "إي باي" عن تحديث منصتها لمساعدة المشترين في العثور على البضائع التي يمكن شحنها إليهم بسرعة، بالإضافة إلى السلع المتاحة للبيع في مناطق إقامتهم، وذلك بفضل تحسين بطاقات "البحث عن سلعة" وزيادة استخدام الذكاء الاصطناعي.

ولتسهيل تحديد السلع ذات التوصيل السريع، أصبحت بطاقات البحث عن السلع تعرض تقديرات زمن التسليم لجميع السلع التي تتمتع بخدمة الشحن السريع.

كما أضافت المنصة مرشحاً جديداً  باسم "الشحن والاستلام"، مما يتيح للعملاء تحديد العناصر التي يمكن شحنها إليهم سريعاً أو المتوفرة للاستلام المحلي.
كما طرحت "إي باي" تحديثاً لبطاقات السلع، يوضح للمشترين المحتملين المدة المتوقعة لوصول الطلب إليهم بناءً على موقع السلعة. 

أوضحت "إي باي" أنه نظراً للطبيعة العالمية واللامركزية لشبكة البائعين لديها، كان من الصعب في السابق تقديم تقديرات دقيقة لزمن الشحن والتسليم.

 ومع ذلك، استثمرت الشركة في تقنيات الذكاء الاصطناعي لمعالجة هذا التحدي، وذلك من خلال تحليل عدة عوامل، منها قرب العميل من موقع السلعة، وخدمة الشحن المختارة، وسجل شحن البائع، ومزامنة البيانات في الوقت الفعلي.

ونتيجةً لذلك، أصبحت المنصة أكثر قدرة على تقديم تقديرات زمن تسليم دقيقة، مما يُحسن تجربة المستخدم بشكل كبير.

نسخة محسنة ومزودة بالذكاء الاصطناعي.. أمازون تطلق "أليكسا بلس" - موقع 24أطلقت شركة التكنولوجيا والتجارة الإلكترونية الأمريكية أمازون دوت كوم المساعد الصوتي الرقمي "أليكسا بلس" وهو نسخة محسنة من المساعد الرقمي أليكسا، ومزودة بالذكاء الاصطناعي التوليدي.

بالإضافة إلى التحديثات السابقة، قدمت "إي باي" شارة جديدة باسم "أفضل خدمة" في ألمانيا، بهدف مساعدة العملاء على تحديد البضائع التي تلبي معايير الجودة العالية بسهولة. على سبيل المثال، قد يتم عرض الشارة على السلع التي تتميز بشحن سريع وإرجاع مجاني، بالإضافة إلي بائعين موثوق بهم.

وفي منشور على الإنترنت، قال "إي باي"، إن هذه التحديثات تمثل تقدماً كبيراً في جهودنا لتوفير تجربة تسوق سلسة وفعالة.

وأضافت الشركة أنها تتطلع إلى تعزيز تنافسيتها مع منصات التجارة الإلكترونية الأخرى مثل أمازون وإيستي، من خلال تحسين تجربة المستخدم، وجذب المزيد من العملاء، وتسهيل التصفح والتنقل عبر منصتها.

مقالات مشابهة

  • الذكاء الاصطناعي يقود ثورة في الأسواق.. فرص استثمارية واعدة بمبلغ 200 دولار
  • «إي باي» تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتسريع عمليات الشراء والشحن
  • حَوكمة الذكاء الاصطناعي: بين الابتكار والمسؤولية
  • أبوظبي.. أول برنامج بكالوريوس في مجال الذكاء الاصطناعي
  • هل يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يكون طوق النجاة للمحتاجين؟
  • الجزائر في طليعة تبني الذكاء الاصطناعي في إفريقيا
  • سامسونج تطلق Galaxy A56 مع دعم ميزات الذكاء الاصطناعي
  • منصة "إي باي" تستخدم الذكاء الاصطناعي لتسهيل خدماتها
  • يدعم مميزات الذكاء الاصطناعي.. مواصفات وسعر هاتف iPhone 16e الاقتصادي
  • الذكاء الاصطناعي يجيب على أصعب سؤال في رمضان