لجريدة عمان:
2024-11-23@19:58:35 GMT

الذكاء الاصطناعي وتحيّز البيانات

تاريخ النشر: 14th, May 2024 GMT

(1)

تتجه أفكاري في أثناء كتابة هذا المقال للسير في اتجاهين: الأول، التفكير في منظومة الأسئلة الكبرى التي طُرحت في التاريخ المعاصر والفلسفة والتنوير؛ هل انتهت أم ما زال لها أثر؟ والاتجاه الثاني، حول الذكاء الاصطناعي ووظيفته الحيوية في حياتنا اليومية.

ولا أخفي على نفسي أن ما يجري من حرب إبادة لأهلنا في غزة هو الدافع الأول للتفكير في هذين الاتجاهين.

فإذا فكرتُ بالتاريخ؛ فما يكون؟ أما زال حقًا كما يُعرّفه في المُطلق (معجم مصطلحات الثقافة والمجتمع) بأن التاريخ ما يدل في الأساس على رواية الأحداث الماضية؟ وإذا سألتُ عن الذكاء الاصطناعي فما الغاية منه؟ فإذا استطاع الذكاء الاصطناعي تسهيل المعرفة وإيجاد الحلول لمشكلات البشر بتخفيف المخاطر التي تتعرض لها البشرية في مجالات البيئة والصحة والعلوم مثلا، فهل يُمكنه خلق خلية حية نابضة بالمشاعر نحو الطبيعة أو الإنسانية أو التاريخ نفسه؟ خلية جديدة يُسجل لها النشأة الأولى! وليكن السؤال القادم الأشدُّ قتامة: ماذا إذا أبيدت غزة على بكرة أبيها؟ ماذا لو اختفت ودُكت لتستوي بالأرض؟ ماذا إذا لجأت آلة العدو المتغطرّس إلى استعمال السلاح الكيماوي كما يلوّح بذلك وزراء الكيان؟ عندئذ؛ مع وجود الذكاء الاصطناعي ما الذي سَيُحرره للأجيال التي جاءت بعد طوفان الأقصى؟ هل سيهَتم -القائمون المجهولون أو الشركات أو المؤسسات البحثية المجهولة هُويتهم- بكتابة ما يحمي الهُوية الثقافية للتراث الفلسطيني ككل؟

كانت مهمة توثيق التاريخ أو الماضي تقتصر على المؤرخين، وهذا ما تفعله اليوم بعض المؤسسات الثقافية عندما تُسارع إلى تأليف موسوعاتها الخاصة بالحضارة والألفاظ والموسيقى والفنون والأدباء والطعام والملبوسات وغيرها، بغية أرشفتها والحفاظ عليها؛ لكونها (البطاقة المدنية لهُويتها الثقافية) وفي هذا السياق لاحظ (إيريك هُوبزباوم) في كتابه (عصر النهايات القصوى وجيز القرن العشرين الجزء الأول عصر الكارثة) ملاحظة مهمة تقول: «إن تدمير الماضي، أو بالأحرى الآليات الاجتماعية التي تربط التجربة المعاصرة لأحدهم بتجربة أجيال أسبق، هو أحد أبرز الظواهر المُخيفة والمتميزة لأواخر القرن العشرين. فمعظم الأجيال الشابة من رجال ونساء في نهاية هذا القرن تنمو بنوع من الحاضر الدائم المفتقر إلى أية صلة عضوية بالماضي العام للأوقات التي يعيشونها» ونفهم من ذلك كما يقول (إيريك) في الفقرة نفسها «أن المؤرخين ينحصر عملهم في أن يتذكروا ما ينساه الآخرون». تبدو اللفظتان (المُخيفة والمتميزة) لائقتين بالذكاء الاصطناعي؛ فهناك مَن يشجع ويصفق لاستعمالات الذكاء في تنظيم حياة المجتمعات، وبين مَن ينفخ مخاوفه كسم الأفعى.

ومرة أخرى، الأمر الواضح اليوم أن تطور التكنولوجيا ليس له حدود معروفة طالما أن العقل البشري يُفكر ويكتشف ويُجرّب، فلا يقتصر على استهلاكنا اليومي للتطور التقني في وسائط التواصل الافتراضي، أو امتلاك أقوى هاتف خلوي، أو قراءة الكتب، أو تأليف النصوص عبر الجهاز اللوحي، أنه أبعد من ذلك بكثير.

إن مساءلة موضوع علاقة الذكاء الاصطناعي بالهُويات الثقافيّة للبشرية والحفاظ عليها قضية تتصل بالراهن في التحولات السياسية الكبرى والتكتلات الديموغرافية الحاصلة في العالم، في المتغيرات الاقتصادية التي تدفع شعوب البلاد المضطهدة إلى الهجرة، ومغادرة أراضيهم والأماكن التي ترعرعوا فيها، إلى أراض وأوطان بديلة يهدفون من ورائها إلى بناء هويات للاندماج في المجتمعات الجديدة. لا شك أنهم ينتقلون أو يهربون أو يهاجرون ومعهم ذاكرتهم وكلماتهم وأغانيهم، وما يُعزز انتماءهم إلى هُوية ثقافية وحضارة محددة، وسوف يُلاقون صعوبات كثيرة لبناء هُوية جديدة في بلاد تعج بالنزاعات والصراعات الإثنية وبأنواع مختلفة من الضغوط.

في هذا السياق، يؤكد الدكتور أنس عضيبات في مقالته المنشورة بجريدة الرأي الأردنية المعنونة: (الحفاظ على الثقافة من خلال الذكاء الاصطناعي)، أن العلاقة ما بين الذكاء الاصطناعي والثقافة علاقة ديناميكية، ويمكن أن ينجح استثمار ذلك في عدة طرق منها: «الترميم الرقمي، وإحياء اللغات المهددة بالانقراض، وقدرة الخوارزميات في معالجة كميات هائلة من البيانات للكشف عن الاكتشافات الأثرية، وتوثيق التراث الثقافي، والحفظ ضد تغير المناخ، وتعزيز إمكانية الوصول لذوي الإعاقة عبر تمكين الذكاء الاصطناعي من تقديم أوصاف صوتية للأعمال الفنية وغيرها)، أما أهم التحديات، فتتصل بالاعتبارات الأخلاقية، ويتمظهر ذلك حسب رأيه في «المخاوف المتعلقة بخصوصية البيانات، والتحّيز في الخوارزميات، وخطر تقليل المشاركة البشرية في جهود الحفاظ على الثقافة».

(2)

وعطفا على التحيّز في الذكاء الاصطناعي، يقول الباحثان ناظم حسن رشيد، ومي ابلحد أفرام في بحثهما المنشور في مجلة (Journal of Contemporary Business and Economic Studies Vol. (60) No. (1) (2023) بعنوان (تدقيق التحيز في الذكاء الاصطناعي في ضوء إطار عمل تدقيق الذكاء الاصطناعي لمعهد المدققين الداخليين (IIA)- دراسة نظرية تحليلية) التالي: «القضية الرئيسة هي أن التحيّز نادرا ما يكون واضحًا. البيانات جميعها متحيزة. هذه حقيقة قد يكون التحيز متعمدا. قد يكون لا مفر منه بسبب الطريقة التي يتم بها إجراء القياسات، ولكن هذا لا يعني أنه يجب علينا تقدير الخطأ...»

والسؤال الذي يطرح، طالما أن المخاطر موجودة وحاصلة، وأمامنا النموذج الحي المتمثل في حرب الإبادة ضد غزة منذ ما يقرب المائتي يوما، وتاريخيا فإن احتلال فلسطين بدأ في (1948م) فكيف يسعنا أن نفهم قياس خوارزميات الذكاء الاصطناعي في جوانب كالثقافة والإنسان والمجتمع؟

إن كل ما يحصل اليوم في غزة، وتتناقله قنوات الأخبار، يشير إلى أن تراث فلسطين مهدد بالاندثار والامحاء، فيظهر دور العاملين في الذكاء الاصطناعي ونسألهم: ماذا ستنتخب خوارزميات الذكاء الاصطناعي من تراث مادي أو غير مادي من ذاكرة فلسطين المحتلة ككل؟ من تراث أسماء الآباء والأمهات والشيوخ والأشبال والأطفال والشهداء؟ ومن تراث طواقم الأطباء والممرضين، ومن تراث حفظة القرآن وعلماء المساجد، ومن تراث الصحفيين والمعذبين جميعهم، ومن تراث الذين دفعوا مبالغ عالية جدا للخروج من المعبر؟ ما السلوك الذكي الذي ستقدمه الآلة بعد تعبئة أجهزة الحواسيب بالبيانات؟ أين ستتدخل السياسية والمصالح الاقتصادية والتحيزات العنصرية والدينية في الموضوع؟

إن واقع الذكاء الاصطناعي يُثبت انتصاره في تطبيق فرض وسائل السيطرة والمنع والحجب، وظهر ذلك بكثرة بعد السابع من أكتوبر 2023م، حيث حُجبت الكثير من الحسابات الشخصية التي دعمت قضية فلسطين بنشر الصور والأفلام والتغريدات ومقاطعة البضائع الداعمة للكيان، كما منعت حسابات بعض المشتركين في التطبيقات الافتراضية من الظهور لدى المتعاملين مع بعضهم ضمن مجموعات، وأرسلت رسائل تهديد من مالكي هذه التطبيقات لمستخدميها المشاغبين (لا يختلف سلوك مالكي التقنية دعاة الديمقراطيين عن سلوك الجهات الأمنية عندما تستدعي أصحاب الرأي لمناقشة موضوع ما)، وتساوت في ذلك وسائل التواصل الافتراضي جميعها، وبلا استثناء!

واللافت للانتباه هو التناقض الحاصل في طموحات مفهوم الذكاء الاصطناعي! هل يرغب العالم عبر التكنولوجيا المتطورة جعل العالم كله آلات تنجز كل شيء ابتداء من الإنسان الآلي (الروبوت) بشكل لانهائي له؟ إننا نفهم ونقدّر أن الذكاء الاصطناعي «كما لخصه (جون مكارثي- واضع هذا المصطلح سنة 1955) بأنه علم وهندسة صنع آلات ذكية»، وإذا كان القصد منه إحلال الآلة مكان البشر، فإنّ المصدر الأول لاكتشاف الآلة هو الدماغ البشري، وعند إحلال الآلة مكان البشر، سيختفي هؤلاء (البشريون) ولا ندري إلى أين سيذهبون أو يختفون؟ فكيف تكون الآلة نفسها هي وسيلة الدراسة نفسها، وهي المستقبل وهي الصراع؟ الظاهر أن الآلة ستظل وحدها تصارع آلة أخرى لتتفوق عليها! فما الغاية من هذا كله إن لم يكن الهدف هو الطمأنينة والأمن والسلام للبشر؟

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی من تراث

إقرأ أيضاً:

الذكاء الاصطناعي في خدمة العملاء.. هل يتخطّى التفاعل البشري؟

تعتبر التجارة جزءا أساسيا من تاريخ الإنسانية، وقصة تمتد جذورها عبر العصور، إذ يعود أول ظهور للتجارة لمسافات طويلة إلى حوالي 3 آلاف سنة قبل الميلاد، وهو ما مهّد الطريق لظهور مفهوم العميل وتقديم الخدمات له. لكن لم تكتب البداية الرسمية لـ"خدمة العملاء" بشكلها الحالي إلا في وقت لاحق.

في الواقع، شهدت ستينيات القرن الـ18، بعد الثورة الصناعية، ولادة أول فرق دعم العملاء، لتبدأ بعد ذلك مرحلة جديدة في تطور الخدمة التي نعرفها اليوم.

إن العودة إلى هذه الحقبة التاريخية تكشف لنا كيف تطورت هذه الصناعة بمرور الزمن، وأثرها الكبير على الطريقة التي نتعامل بها مع العملاء في عصرنا الحاضر.

شهدت هذه الخدمة تطورا ملحوظا منذ ظهور فرق الدعم الأولى في الثورة الصناعية، مرورا بابتكار الهاتف ومراكز الاتصال، ووصولا إلى الإنترنت والذكاء الاصطناعي الذي يعيد تشكيل هذا المجال اليوم.

ما تجربة عملاء الذكاء الاصطناعي؟

تشير منصة "سرفي سبارو" (SurveySparrow) لإنشاء الدراسات الاستقصائية واستطلاعات الرأي والاستمارات، والمتخصصة في تحسين خدمة العملاء، إلى أن تجربة العملاء للذكاء الاصطناعي تتضمن تسخير قوة تقنيات الذكاء الاصطناعي لزيادة تفاعلات العملاء، وتبسيط العمليات التجارية، وتعزيز رضا العميل بشكل عام.

تتراوح التقنيات المستخدمة في هذا النهج من خوارزميات التعلم الآلي إلى معالجة اللغة الطبيعية "إن إل بي" (NLP)، والتحليلات التنبؤية، وحتى أتمتة العمليات الروبوتية.

وفي دراسة حديثة لها، قالت شركة "ماكنزي" (Mckinsey)، وهي شركة استشارات إستراتيجية دوليّة في نيويورك، إن الذكاء الاصطناعي يستخدم للمشاركة الاستباقية والفعالة، والتعرف على النيات التنبؤية، وتحسين قنوات الخدمة الذاتية على مستويات أعلى.

وتشير الدراسة إلى أن الشركات الأكثر تقدما، خاصة في القطاعات الرقمية المحليّة، تتجه نحو هذه المستويات الأعلى من تكامل الذكاء الاصطناعي.

في سياق متصل، يناقش العامل البشري في الخدمة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، مؤكدا أن تشغيلها لا يعني الأتمتة فقط، ويسلط الضوء على  كيف يمكن للذكاء الاصطناعي مساعدة الموظفين في الوقت الفعلي لتقديم نتائج عالية الجودة، وتوقع احتياجات العملاء حتى قبل الاتصال بهم.

الذكاء الاصطناعي يمكنه مساعدة الموظفين في الوقت الفعلي لتقديم نتائج عالية الجودة (بيكسلز) التحديات التي واجهتها خدمة العملاء التقليدية قبل ثورة الذكاء الاصطناعي

هل تساءلت يوما عما يحدث بعد أن يسمع العميل هذا الطلب: "على مقياس من صفر إلى 10، ما مدى رضاك عن تجربة خدمة العملاء الخاصة بك؟".

الإجابة هي أنه عندما يحصل العملاء على رسالة نصية أو بريد إلكتروني، فإن الرقم الذي يضغطون عليه يوفر البيانات، ولكن هذه البيانات ربما لا تمنح صانعي القرار أي سياق لما جعل التجربة مذهلة أو مروّعة.

هل كان "صفر" بسبب تجربة سلبيّة مع ممثل مركز الاتصال، أو مجرد إحباط عام من شخص لديه كثير من الأمور الإدارية المزعجة في قائمته؟ هل كانت "10" استجابة مهذبة بشكل انعكاسي، أم حدث سيئ في أثناء تجربة خدمة العملاء؟

أحيانا، يمكن أن يضيف مربع التعليقات بعض القيمة، ولكن فقط إذا تمت إدارته بذكاء وتم تنفيذ التعليقات. وحتى في أفضل السيناريوهات، توفر الاستطلاعات فقط عينة صغيرة لا تمثل جميع التجارب، وهو ما يجعل من المستحيل الحصول على منظور شامل لرضا العملاء بشكل عام.

في السياق نفسه، تتضمن خدمة العملاء التقليدية عادة تواصل العملاء مع الدعم بعد مواجهة مشكلة، وغالبا ما ينتظرون على الخط، أو ينتقلون عبر أنظمة آلية معقدة قبل أن يتحدثوا أخيرا مع وكيل.

وهذه أحد القيود التي تجعل هذه الطريقة التقليدية مليئة بعدم الكفاءة، وتثير إحباط كل من العملاء والشركات. وتتمثل أبرز المشاكل التي يواجهها العملاء بشكل متكرر في:

أوقات الانتظار الطويلة، سواء عند الانتظار على الهاتف، أو عند التنقل في أنظمة الرد الآلي. طلبات المعلومات المتكررة، حيث يتعين على العميل تقديم التفاصيل نفسها عدة مرات. نقلات متعددة بين الوكلاء أو الأقسام قبل الوصول إلى حلّ. نقص في تناسق الخدمة، الأمر الذي يؤدي إلى نتائج متباينة اعتمادا على الوكيل أو النظام المعني. كيف يحدث الذكاء الاصطناعي ثورة في خدمة العملاء؟ أفضل 10 إستراتيجيات

على الرغم من أن اعتماد الذكاء الاصطناعي في مجال خدمة العملاء لا يزال في مراحله الأولى، فإنه بات من الواضح أنه يشكل ملامح مستقبل هذه الصناعة بشكل ملموس.

ويشير تقرير شركة ماكنزي إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساهم بمبلغ ملحوظ قدره 25.6 تريليون دولار في الاقتصاد العالمي.

وقد رفعت وتيرة الابتكار التكنولوجي توقعات العملاء بشكل كبير، ويطالب الناس اليوم بخدمة سلسة، ومخصصة، وفعالة.

وقال أنوراغ دينغرا نائب الرئيس الأول ومدير عام قسم التعاون في  شركة سيسكو الأميركية المتخصصة في مجال تكنولوجيا المعلومات لموقع فوربس: "يتيح لنا الذكاء الاصطناعي الانتقال من الخدمة التفاعلية إلى تقديم حلول أكثر استباقية، مما يساعد العملاء على حل المشكلات البسيطة تلقائيا، ويمكّن الوكلاء البشريين من التركيز على التفاعلات ذات القيمة العالية حيث يكون التعاطف وحل المشكلات أمرين أساسيين".

إليكم أفضل 10 طرق من منصة سرفي سبارو يمكن للذكاء الاصطناعي من خلالها إعادة تشكيل خدمة العملاء:

التوصيات الشخصية: يستخدم الذكاء الاصطناعي خوارزميات التعلّم الآلي، لتحليل سلوكيات العملاء واهتماماتهم، وتفضيلاتهم السابقة، حيث يمكنه تحديد الأنماط، مثل تفضيل المنتج، أو سلوك الشراء، واستخدام هذه المعلومات للتوصية بالمنتجات أو الخدمات.
على سبيل المثال، إذا اشترى العميل بشكل متكرر أنواعا معيّنة من الكتب، يمكن لنظام الذكاء الاصطناعي أن يوصي بكتبٍ مماثلة قد يرغب فيها. هذا لا يحسّن تجربة التسوّق للعميل فحسب، بل يزيد أيضا من عمليّات تحويل المبيعات. روبوتات الدّردشة والمساعدة الافتراضية: أصبحت أتمتة خدمة العملاء بالذكاء الاصطناعي شائعة بشكل متزايد. مثلا تستضيف منصة "سرفي سبارو" روبوتات دردشة مذهلة للذكاء الاصطناعي، واستطلاعات مدعومة به، مما يساعد الشركات على جمع تجربة العملاء وتعليقاتهم بسلاسة، إذ تستطيع هذه الدردشات المدعومة بالذكاء الاصطناعي الإجابة عن استفسارات العملاء، وحلّ المشكلات البسيطة، وتقديم المعلومات على الفور في أي وقت من اليوم، ويمكن برمجتها للإجابة على الأسئلة المتكررة، ومعالجة الطلبات، وحتى تقديم توصيات مخصصة للمنتجات.
من جهة أخرى، يمكن لروبوتات الدردشة التعامل مع كميّات كبيرة من الاستفسارات دون تدخل بشريّ، مما يضمن التعامل مع استفسارات العملاء بسرعة وكفاءة. خدمة العملاء التقليدية تتضمن عادة تواصل العملاء مع الدعم بعد مواجهة مشكلة (شترستوك) هذا هو السبب في أنه يعتبر أحد أهم الأمثلة على تجربة عملاء الذكاء الاصطناعي. مساعدات الصوت ومعالجة اللغة الطبيعية: تزداد شعبيّة المساعدات الصوتيّة مثل "سيري" (Siri)، و"ألكسا" (Alexa)، ومساعدة "غوغل" (Google Assistant) المدعومة بأصوات الذكاء الاصطناعي المتقدمة.
إذ تستفيد من قدرات معالجة اللغة الطبيعية "إن إل بي" للذكاء الاصطناعي لفهم الأوامر المنطوقة والاستجابة لها، إذ يمكن لمساعدي الصوت الإجابة عن الأسئلة، وإجراء الطلبات، والتحكم في الأجهزة الأخرى، وتقديم المساعدة الشخصيّة بناءً على تاريخ المستخدم وتفضيلاته. خدمة العملاء التنبؤية: بفضل قدرته على تحليل كميات كبيرة من البيانات، يمكن للذكاء الاصطناعي التنبؤ بسلوك العملاء في المستقبل.
على سبيل المثال، قد يتنبأ بأن العميل من المحتمل أن يواجه مشكلة بناء على أنماط استخدامه. ويمكن للشركة بعد ذلك التواصل بشكل استباقي مع العميل باستخدام حلّ، أو تقديم دعم إضافي، وهو ما يعزز تجربة العميل مع العلامة التجاريّة. تحليلات النص المتقدمة: يمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي فرز كميات هائلة من بيانات العملاء، واكتشاف الأنماط والرؤى التي قد يفوتها البشر.
ولكن على الرغم من أن هذه الخوارزميات تسهل توقع الاحتياجات المستقبلية، وتعزيز تجارب العملاء، فإن هناك قلقا بشأن المخاطر المحتملة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي المولد.
إذ تشمل هذه المخاطر قضايا مثل التحيّزات غير المقصودة في البيانات، وانتهاكات الخصوصيّة، وإمكانية الحصول على مخرجات مضللة أو تلاعبيّة قد تؤثر على عمليّات اتخاذ القرار.
من أجل هذا، فإن المراقبة الدقيقة والاعتبارات الأخلاقية ضرورية لاستغلال فوائد تحليلات الذكاء الاصطناعي مع التخفيف من هذه المخاطر. تحليل المشاعر: يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل النصوص من مراجعات العملاء، والبريد الإلكتروني، ومنشورات الوسائط الاجتماعية، ومصادر أخرى لتحديد المشاعر وراء الكلمات.
وهو ما يساعد الشركات في فهم كيفيّة شعور العملاء تجاه منتجاتها، أو خدماتها، وتحديد مجالات التحسين. التخصيص في الوقت الفعلي: يمكن للذكاء الاصطناعي تعديل تجربة المستخدم في الوقت الفعلي، وفقا لإجراءات العميل.
على سبيل المثال، إذا كان العميل يتصفّح أنواعا معيّنة من المنتجات على موقع ويب، يمكن للذكاء الاصطناعي تعديل محتوى الموقع لتسليط الضوء على منتجات مماثلة، مما يخلق تجربة تسوّق مخصصة للغاية. تجربة سلسة عبر القنوات المتعددة: يمكن للذكاء الاصطناعي دمج البيانات من مصادر متنوعة، بما في ذلك القنوات الإلكترونية، والمتاجر، والهواتف المحمولة، ووسائل التواصل الاجتماعي.
هذه الميزة تضمن تجربة سلسة للعملاء، الذين يمكنهم الانتقال بين القنوات ومتابعة رحلتهم دون انقطاع. تجزئة العملاء: يحلل الذكاء الاصطناعي بيانات العملاء لإنشاء شرائح مفصلة بناء على التركيبة السكانية، والسلوكيات، والتفضيلات، الأمر الذي يساعد الشركات على تقديم تجارب مخصصة وتحسين النتائج، ويمكنها من تقديم حملات تسويقية موجهة للغاية وتحسين أهمية رسائلها. إدارة علاقات العملاء "سي آر إم" (CRM) التي تعمل بالذكاء الاصطناعي: يمكن للذكاء الاصطناعي في تجربة خدمة العملاء أن يعزز بشكل كبير أنظمة إدارة علاقات العملاء من خلال أتمتة مهام مثل إدخال البيانات، وتصنيف العملاء المحتملين، وتذكيرات المتابعة. أيضا يمكنه أن يوفر رؤى ذكيّة، مثل التنبؤ بأكثر العملاء المحتملين الذين من المرجح أن يتحولوا إلى عملاء فعليين، ممّا يُمكِّن فِرقَ المبيعات من تركيز جهودها بشكل أكثر فعالية.  أمثلة على تجربة العملاء في الذكاء الاصطناعي

بعد أن فهمنا تجربة العملاء بالذكاء الاصطناعي، نلقي نظرة على كيفية استفادة بعض العلامات التجارية الشهيرة من الذكاء الاصطناعي لتحسين تجربة العملاء:

نظام توصيات المنتج من "أمازون": أحدثت شركة "أمازون" ثورة في التسوق في التجارة الإلكترونية من خلال نظام توصيات المنتج المدفوع بالذكاء الاصطناعي.
إذ يقدم توصيات خاصة بالمنتج من خلال تحليل سلوك العملاء الفردي، وسجل الشراء، والعناصر الموجودة في عربة التسوق، وما يشتريه العملاء الآخرون. هذا التخصيص يحسن تجربة التسوق للعميل، ويزيد من مبيعات أمازون. التحليلات التنبؤية من "ستاربكس": تستخدم شركة "ستاربكس" الذكاء الاصطناعي لتعزيز تجربة عملائها عن طريق أداة تسمّى "ديب برو" (Deep Brew)، حيث يستخدم التعلم الآلي والتحليلات التنبؤية لتخصيص الرسائل التسويقية، وزيادة الولاء، وإدارة المخزون على مستوى المتجر.
على سبيل المثال، يمكن لنظام "ديب برو" اقتراح عناصر القائمة بناء على طلبات العميل السابقة، والموقع، والطقس، والوقت من اليوم، من بين عوامل أخرى. تطبيق "سيفورا" (Sephora) للفنان الافتراضي: تستخدم "سيفورا" وهي شركة تجزئة رائدة في مجال مستحضرات التجميل، الذكاء الاصطناعي لتحسين تجربة عملائها من خلال تطبيق "فيرتشوال آرتيست آب" (Virtual Artist App).
ويستخدم هذا التطبيق الواقع المعزز "إيه آر" (AR) للسماح للعملاء بتجربة منتجات تجميل مختلفة، حيث يقوم بمسح وجه العميل، ويتيح له كيف تبدو المنتجات المختلفة على بشرته.
ويساعد هذا التطبيق العملاء على اتخاذ قرارات شراء أكثر استنارة، ويضيف عنصرا ممتعا وتفاعليّا للتسوق عبر الإنترنت.

تظهر هذه الأمثلة أنه سواء كانت التجارة الإلكترونية، أو الأطعمة والمشروبات، أو صناعة مستحضرات التجميل، يمكن للذكاء الاصطناعي تعزيز تجربة العملاء بشكل كبير عبر مختلف القطاعات.

من المقرر أن يلعب الذكاء الاصطناعي دورا أكبر في تجربة العملاء مع اقترابنا من المستقبل (شترستوك) مستقبل الذكاء الاصطناعي.. ماذا ينتظر خدمة العملاء؟

حسب ما أشارت له منصة سرفي سبارو، من المقرر أن يلعب الذكاء الاصطناعي دورا أكبر في تجربة العملاء مع اقترابنا من المستقبل. ومع تطور التكنولوجيا يمكننا أن نتوقع تشكل عديد من الاتجاهات الرئيسية.

في ما يلي، نعرض لكم بعض الآفاق المثيرة للذكاء الاصطناعي في إحداث ثورة في خدمة العملاء:

الذكاء الاصطناعي العاطفي: يستعد الذكاء الاصطناعي لتجاوز مجرد التعرف على النص والصوت، إذ يبدو أن المستقبل يحمل وعدا للذكاء الاصطناعي العاطفي، الذي يمكنه أن يفهم ويستجيب للمشاعر الإنسانية التي يتم التعبير عنها عبر إشارات الوجه، أو نبرات الصوت.
تخيل خدمة عملاء تفهم ما تقوله وكيف تشعر! سيمهد هذا الطريق لتجارب العملاء المتعاطفة حقا. تجارب الذكاء الاصطناعي الغامرة: مع التقدم في تقنيات الواقع المعزز والواقع الافتراضي، يمكن للذكاء الاصطناعي توفير تجارب عملاء غامرة.
تخيل تجربة الملابس على الصورة الرمزية الرقمية الخاصة بك في بيئة واقع افتراضي قبل الشراء، أو استخدام الواقع المعزز لمعرفة كيف ستبدو قطعة أثاث في غرفتك.
إن دمج الذكاء الاصطناعي مع تقنيات الواقع المعزز والافتراضي سيعيد طريقة تعريف تفاعل العملاء مع الأعمال التجارية. الشبكات العصبيّة والتعلم العميق: ستمكن الأنظمة المتقدمة للذكاء الاصطناعي من تقديم تجارب عملاء فائقة الذكاء، حيث ستتمكن من فهم البيانات غير المهيكلة مثل نشاط العميل على مواقع التواصل الاجتماعي، لتقديم تجارب على مستوى آخر من التخصيص. أخلاقيات وشفافية الذكاء الاصطناعي: عندما يصبح الذكاء الاصطناعي أكثر تعقيدا ، سيكون التركيز المتزايد على جعله أخلاقيا وشفافا.
إذ يجب أن يفهم العملاء بشكل أفضل كيفية معالجة الذكاء الاصطناعي لبياناتهم لاتخاذ القرار، وهو ما يؤدي إلى زيادة الثقة في تجارب العملاء المدعومة بالذكاء الاصطناعي. الذكاء الاصطناعي المستقل: سيتولى الذكاء الاصطناعي دورا أكثر استقلالية في إدارة تجربة العملاء، حيث سيقوم بدعم الوكلاء البشريين، والعمل كوكيل مستقل، مما يتيح له اتخاذ القرارات وتنفيذ الإجراءات التي تحسن رحلة العميل.

بشكل عام، مستقبل الذكاء الاصطناعي في خدمة العملاء لا يقتصر على جعل العمليّات أسرع وأكثر كفاءة، بل يتعلق بخلق تفاعلات فريدة، وغامرة، وذكية عاطفيا، تحترم فردية العميل واستقلاليته.

بمعنى أدق، يتعلق المستقبل بجعل الذكاء الاصطناعي جزءا لا يتجزأ من النظام البيئي للأعمال، حيث يفهم ويستبق احتياجات العملاء وقيمهم، ويحترمهم ويتعاطف معهم.

أمام هذه التطورات المثيرة، هل تعتقد أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يتفوق بالفعل على التفاعل البشري في تقديم تجربة عملاء مثالية؟ أم أن لمسة الإنسان، خاصة العاطفية، ستظل العنصر الذي لا غنى عنه؟

مقالات مشابهة

  • أول معلمة بتقنية الذكاء الاصطناعي تبدأ مهامها في تركيا
  • تصنيف حيوية الذكاء الاصطناعي.. دولة عزبية ضمن الأوائل عالميا
  • الذكاء الاصطناعي في خدمة العملاء.. هل يتخطّى التفاعل البشري؟
  • أدوات جوجل الجديدة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي لجعل حياتك أسهل
  • استخدام الذكاء الاصطناعي في ميكنة قصر العيني
  • جامعة دبي تستضيف مؤتمر الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء
  • مستقبل التعليم في عصر التكنولوجيا.. الذكاء الاصطناعي واستخدام البيانات الضخمة
  • بيل غيتس يلقي محاضرة عن الذكاء الاصطناعي
  • الذكاء الاصطناعي يساعد في الحفاظ على الحشرات
  • الذكاء الاصطناعي يهدد شركات الأزياء