يأتي مشروع كتاب «العنصرية في الخليج: إشكالية السواد -التاريخ -الثقافة الشعبية- الرواية» للباحثة نورة محمد فرج، الذي صدر قبل شهر من الآن عن دار التنوير اللبنانية، استكمالًا لبحوث بدأت بالانتشار في المشهد الثقافي الخليجي، وأبرزها كتاب الباحث الكويتي هشام العوضي، «تاريخ العبيد في الخليج العربي»، وكتاب آخر معني بتمثيلات السود في السينما العربية للباحث البحريني نادر كاظم بعنوان «تمثيلات الآخر».
وإن كان العوضي يقدم كتابه باعتذارية مردها حساسية الموضوع، واعتباره أحد التابوهات في الثقافة الخليجية، إلا أن نورة محمد فرج تقدم كتابها بسؤال مهم وجوهري: «لكن تناول الرواية العربية وخصوصا الخليجية لهذا الموضوع لا يعني القدرة على مناقشته على نحو رسمي أو معلن، ولا على نحو صريح ومرضي عنه، إذ هو موضوع يسبب حرجًا اجتماعيًا.
والسؤال: كيف يمكن لما اعتُبر جزءا من الحياة الممارسة طوال ما يزيد على 1400 سنة أن يغدو موضوعا محرجا؟» وعليه يبدو طريق الكاتبة معبدا خصوصا وأنها تعتمد من بين مراجع الكتاب على كتاب العوضي.
ركز هشام العوضي في «تاريخ العبيد في الخليج العربي» على تتبع الوثائق البريطانية والبحث عن الحكايات الهامشية لزمن مظلم بيع فيه العبيد في الخليج قبل أن يقرر البريطانيون إلغاء هذه الممارسة واجتثاثها، أما نورة فتذهب إلى منطقة الكاتبة الأمريكية السوداء توني موريسون الحاصلة على جائزة نوبل في الأدب في كتابها النقدي الرائع «اللهو في العتمة» الذي تتبع فيه حضور السود في الروايات الأمريكية الحديثة، حتى تلك التي يدعي كتابها أنهم غير عنصريين، وذلك عبر البحث في الأدوار التي يلعبها السود في تلك الروايات، ومدى انسجامها مع المتخيل العام عنهم. رصدت نورة تسعا وعشرين رواية خليجية من بينها سبع روايات عمانية، حضر فيها العبيد وهي: سيدات القمر لجوخة الحارثي، الأشياء ليست في أماكنها لهدى حمد، الشويرة لمحمد الرحبي، دلشاد لبشرى خلفان، دفاتر فارهو لليلى عبد الله، تبكي الأرض يضحك زحل لعبد العزيز الفارسي، والطواف حول الجمر لبدرية الشحي.
وقبل البحث في الروايات الخليجية وتقديمها للسود، تقدم لنا الكاتبة قراءة حول حضورهم في الحكايات الشعبية وألف ليلة وليلة، بعد أن تقرأ لنا من فصل «في أثر الهواء في أخلاق البشر» من مقدمة ابن خلدون الذي اختلف عن المسعودي لا في موقفه من السود فحسب، بل في السبب الذي يسوغ به الرأي نفسه حول حيوانيتهم وتوحشهم، وتتبع الكاتبة حضور السود في مرويات التوراة والسرديات المتخلقة عنها، خصوصًا وأن التوراة شكلت الأرضية التي تأسس عليها ارتباط السود بالعبودية.
«إن تشكّل الظهور الأول لذوي البشرة السوداء ليس ملتبسًا تماما، بل له دلالات صريحة على اللعنة والإقصاء والنفي، وبالطبع، لا تعني سرديات هذا الظهور الأول صدقيتها، ولكنها تشير إلى طبيعة الذهنية العنصرية التي أنتجتها». وتقدم الكاتبة فصلًا من الكتاب في غاية الجمال عن متحف «بيت بن جلمود» في الدوحة عاصمة قطر الذي افتتحته الحكومة القطرية كأحد متاحف منطقة مشيريب عام 2015 لعرض مظاهر الاسترقاق، وكان هذا البيت منزلًا لأحد تجار العبيد في الدوحة، إلا أن الكاتبة تقدم لنا نقدًا ثقافيًا حول هذه التجربة بكل ملابساتها بداية من اسم المتحف وصولًا إلى المحتويات فيه، حتى أن الكتاب يحتوي على الشهادة التي يقدمها المتحف لفاطمة شداد.
وأعتقد أن أهمية كتاب نورة محمد فرج تكمن في أنه يتجاوز كتاب العوضي في القراءات النقدية والتعليقات التي تقدمها الكاتبة حول الظاهرة التي تدرسها، إذ اكتفى العوضي برصد المعلومات في كتابه -مع أهميتها طبعًا- لكنني افتقدت وبشكل خاص التحليلات والقراءات التي جاءت نورة لسدها عبر هذا الكتاب، حتى في تعليقاتها على ما ورد في الوثائق البريطانية وقراءته في ظل الأدبيات التي تعنى بالموضوعات التي ترتبط بالاسترقاق.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی الخلیج العبید فی السود فی
إقرأ أيضاً:
السرديّةُ الصهيونية ودحضُها في كتاب عِـرقٌ متوهّم لشلومو زَند
شلومو زند باحث وأكاديمي ومؤرّخ متميّز في خلفيته وتكوينه كما في إنتاجاته وطروحاته، لذلك فصوته مُقدّر مسموع؛ هو يهوديّ أوّلا، وهذا أمر مهمّ ومركزي في علاقته بكل ما سيأتي من عناصر التّميّز.
ولد في النّمسا من أبوين بولنديين نجيا من المحرقة النازية، وعاش معهما زمن الصّبا في معسكر النّاجين، وفيما بعد، ومن منطلق فكري، رفضا بشدّة أن يستفيدا من التّعويض الذي خصّصته ألمانيا لليهود النّاجين، وقد انتقل معهما إلى يافا عام 1948م حين احتلت، رغم أنّهما كانا معاديان للإمبريالية وبخلفية ماركسية، وفي هذا تعارض واضح بين النّظر والممارسة ! ومن مدرسة يافا طرد، ولم يعد إلى الدّراسة إلا بعد اجتيازه فترة الخدمة العسكرية الإجبارية.انتسب مبكّرا لحركة مناوئة للصهيونية.
ومن جامعة تل أبيب انتقل إلى جامعة باريس للتّعمّق في تخصّصه بعد أن رفض منحة من الحزب الشيوعي الإسرائيلي للالتحاق ببولونيا لدراسة السّينما، وما هي سوى إلا سنوات قليلة حتى غدا أستاذا بباريس بعد حصوله على الدّكتوراه. هو ناشط ومنفتح على المثقفين الفلسطينيين وهمومهم الحقوقية والقومية والهوّيّاتية. كان صديقا للشّاعر محمود درويش، وقد أثمرت هذه الصّداقة قصيدة "جندي يحلم بالزّنبقة البيضاء"، وفيها يصوّر درويش حيرة شلومو "بين البقاء في إسرائيل وبين مغادرتها" وما يستتبع هذه الحيرة من مواقف.
هو اليوم مؤرّخ مشهور في كبريات الجامعات العالمية، وكتبه مطلوبة لدى كلّ مثقفي العالم، ومن أشهرها: اختراع الشّعب اليهودي، وكيف لم أعد يهوديا، واختراع أرض إسرائيل، وعرق متوهّم: تاريخ موجز لكراهية اليهود، وهو آخر إنتاجاته؛ إذ صدر بالعبرية عام 2020م، ثمّ نُقل إلى العربية عام 2024م بترجمة احترافية تعاون عليها كلّ من يحيى عبد الله وأميرة عمارة، ونشرتها دار مدارات التي تجتهد في الحفاظ على سمعة بنتها بهدوء. الكتاب يقع في 181 صفحة من القطع المتوسّطة، وهو في أصله مجموعة من المقالات المحرّرة ذات نسق ومنهجية أصيلين يليقان بمؤرّخ بقيمة شلومو الأكاديمية وتميّزه العلمي.
"معاداة السامية" مصطلح استحدث في النصف الثاني من القرن التاسع عشر في ذروة التصنيف البيولوجي على أساس العرق، وهي في نظر الكاتب "لا تعبّر عن جفوة معرفية حاسمة في تاريخ العداء لليهود، وإنما على مرحلة مهمة جديدة فيها"، وعلى هذا الأساس الكاتب يفضّل استعمال تعبير"كراهية اليهود" عوضا عن "معاداة السّامية"في البداية يعترف شلومو، في ديباجة كتابه المعنونة بـ"ملحوظات حول الكتابة الذّاتية"، بـ"أنّ استرجاع التّاريخ لا يمكن أن يكون إجراء موضوعيا"، لأنّ "كلّ كاتب للتاريخ مقيّد بروح العصر وبطبيعة المكان اللذين يحيا فيهما، وإذا كان منصفا فإنّه يتوجّب عليه أن يكتشف بقدر المستطاع الشحنات الذاتية التي تُرجّحُ موقفه من التّاريخ وتصوغه"، ومن ثمّ "فإنّ كلّ محاولة للتّظاهر بالتّجرّد من شأنها أن تكون نفاقا". ومن جملة أهم تحيّزاته التي لا يمكنه التّجرّد منها "عشقه اللغة العبرية" فبها فقط "يستطيع التّدقيق في أمور دون أن يندم"، كما أكّد، وبها "يحلم، ويفكّر، ويكتب". وبهذا يكون شلومو قد دشّن الاستهلال الصّحيح في منهجية بحثه.
وفي هذه الملحوظات، التي سجّلها في سبع صفحات يوضّح أموار كثيرة جديرة بالتّوقف عندها لأنّها أساسية في فهم تفاصيل الكتاب، يمكن تلخيصها في بضعة نقاط:
ـ نفور الكاتب من جور الأغلبية التي تفرض قوانينها على أقلية صغيرة ومهددة؛ وقد عاش اليهود ـ كما يشير ـ أنواعا شتى من "التغريب" و"الآخرية" ، ومن ثمّ "اضطروا لأن يعوا دائما وضعهم الخاص"؛
ـ الذصرانية هي التي صاغت تاريخيا طبيعة الأقلية اليهودية وسلوكها؛ فاليهودية ـ على هذا الأساس ـ "نتاج النظرة المؤسسة والمعادية من جانب الحضارة النّصرانية"؛
ـ العيش وسط جيران معادون دينيا، كما حدث في التجربة اليهودية، أنتج هويّة مغلقة وجامدة ومتوجّسة ومتعنّتة ومتحصّنة عقديا، رفضت استيعاب مستجدات الثقافة وإغواءاتها، وصدّت كل من حاول التّقرّب؛
ـ العداء تجاه اليهود لم يكن متماثلا في كلّ العصور، وشدّة النّفور اختلفت حسب الأماكن؛ ففي الحضارة الإسلامية وُجد تعاليا وليس كرها، سواء في التّشريع أو على مستوى الحياة اليومية؛
ـ "معاداة السامية" مصطلح استحدث في النصف الثاني من القرن التاسع عشر في ذروة التصنيف البيولوجي على أساس العرق، وهي في نظر الكاتب "لا تعبّر عن جفوة معرفية حاسمة في تاريخ العداء لليهود، وإنما على مرحلة مهمة جديدة فيها"، وعلى هذا الأساس الكاتب يفضّل استعمال تعبير"كراهية اليهود" عوضا عن "معاداة السّامية"؛
ـ ليست كراهية اليهود ـ أو رُهاب الأجانب بشكل عام ـ مرضا، رغم أنّ هذا الأخير متأصّل في السلوك الإنساني، وإنّما حالة، قد تزداد قوّتها حسب السّياقات الإيديولوجية وباقي الملابسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية؛
يختم شلومو "ملحوظاته" الدّقيقة بالسؤالين المهمين التاليين: "إلى أي مدى كانت الصهيونية، التي نشأت ردّ فعل على محنة الكراهية العصرية لليهود، مرآة لها؟" بمعنى من المعاني: "بأيّ قدر ورثت، عبر عمليّة دياليكتيكية معقدة، ركيزة أيديولوجية ميّزت مضطهدي اليهود منذ الأزل؟" وبسبب ذلك ـ وهذا هو السؤال التساؤل الثاني ـ إلى أيّ مدى ـ أيضا ـ ليست إسرائيل دولة ديمقراطية عصرية، وهل يمكن اعتبارها دولة إثنوـ دينية، وحتى إثنوـ بيولوجية؟
في آخر ورقة من الكتاب يسجّل الباحث ملحوظة يقول فيها بأنّه "لم يتعرّض لكراهية اليهود في الحضارة الإسلامية إلا قليلا بسبب قلّة الخبرة في هذا المجال". وهو اعتراف وتواضع يرفع من قيمته العلمية، طبعا إذا أحسنّا الظّن به، ولم نستخدم معه "منهجية الشّكّ"، لأنّنا على يقين بأنّ أية مقارنة يمكن أن يضعها بين حضور اليهود هنا وحضورهم هناك، كانت ستزيد من تسويد صورة الحضارة الغربية ـ التي ينتسب إليها ـ أثناء تعامل مع "الآخر" اليهودي. ألم يعترف هو نفسه بأن "الشحنات الذاتية التي ترجح موقف المؤرّخ من التاريخ وتصوغه" لا يمكنها أن تختفي بشكلّ تام مهما اقترب من "الموضوعية" ! وإذا احتفظنا بحسن ظنّنا فنرى ضرورة أن يخرج على النّاس بجزء ثان لكتابه يعالج هذا الذي قال عنه بأنّه "قليل الخبرة فيه".
يضمّ الكتاب أربعَ عشْرةَ مقالة تحت العناوين التالية: كبح التّهوّد ـ "شعب عرق" مشتّت أم جماعات دينية؟ ـ بداية العلاقات اليهودية ـ النّصرانية في أوربا ـ غرباء في الإنسانية: من إراسموس إلى فولتير ـ ثورة، انعتاق، وقومية ـ اليهود بين الرأسمالية والاشتراكية ـ تصنيف عرقي، دمقرطة وهجرة ـ قضيّة درايفوس وولادة الصّهيونية ـ إبادة "شعب العرق" اليهودي ـ انبعاث "شعب العرق" اليهودي ـ من هو اليهودي؟ من بصمات الأصابع حتى الحمض النووي ـ حرب 1967 ـ هل انحسرت الكراهية التقليدية لليهود؟ ـ معاداة الصهيونية؛ هل هي معاداة جديدة للسامية؟
وهذه العناوين المركّزة والقاصدة، بما تحمله من قضايا وإشكاليات، كافية لإقناع القارئ بأنّه أمام كتاب يحمل طروحات جديدة تستحق الانتباه وتستحقّ الدّعاية والتّرويج بين المهتمّين، طبعا بعد تفكيكها وتمحيصها.
يعترف الكاتب بأنّه ينتمي "لشعب يضطهد شعبا آخر"، وهذا ـ ربّما ـ هو ما جعله قلقا بين أن يبقى في "إسرائيل" أو يغادرها إلى مكان آخر، ثم يعترف أيضا بنسبية فهمه لظاهرة كراهية اليهود والأسباب التي أدّت إلى بقائها طيلة فترة طويلة جدا من الزّمن، مادام أنّ "تفكيك الذّرّة أسهل من تفكيك الأهواء" كما أشار بحق ألبرت أيشتاين..
صدّر شلومو كل مقالة من هذه المقالات بعبارة أو فقرة اختارها بعناية جعلها مفتاحا لما يودّ أن يحرّر القول فيها خلال الصّفحات الموالية؛ فنجده يستدعي نُكتة ييديشية من القرن الماضي، وريمون أرون؛ عالم الاجتماع والفيلسوف الفرنسي، وأحد النّقّاد اللاذعين للمجتمع الغربي وسلوكه خلال الحرب الباردة، والحاخام شمعون بن لاكيش، الذي كان يعتبر المتهوّد أحبّ إلى الرّب من أولئك الذين وقفوا على جبل سيناء لاعتبارات روحانية يذكرها، ورينان، وكافكا، والأب جريكور، وميشيل فوكو الذي انتبه إلى أنّ الشّق الأعظم من الاشتراكيين، قبل قضية درايفوس، كانوا عنصريين في أساسهم، وجان جيريدو، وإيميل زولا المدافع الأوّل عن درايفوس، وجورج أورويل، وقد ألمح إلى أنّ اليهود الصهاينة يبدون له في المجمل معادين للسامية بصورة عكسية! ورافائيل فالك، صاحب المحاضرة الشهيرة "الصهيونية وبيولوجية اليهود"، وموشيه ديّان وقد أعلن وهو منتشي بالانتصار عشية 7 يونيو 67 "أنّنا عدنا إلى أقدس أماكننا، عدنا كيلا نفترق عنها أبدا"، دون أن ينسى هتلر، إذ استدعى مقولة له يشير فيها إلى أنّ "اليهود شعب ذو سمات عرقية خاصة". وقد ختم هذه المختارات ـ كما بدأها ـ بنكتة يهودية تقول بأنّ "المعادي للسّامية اليوم هو شخص يكرهُه اليهود".
يطرح الكتاب أسئلة كثيرة، ولكنّ أهمهما هي: هل اليهود عرق خالص؟ وما الأسس التي انبنت عليها كراهية اليهود، خاصة في أوربا؟ وهل يمكن اعتبار معاداة الصهيونيّة ومناهضة سلوك إسرائيل تجاه الفلسطينيين كراهية لليهود ومعاداة للساميّة؟
ينطلق سلومو بشجاعة الرّائد، وهو يحمل معه عدّته المنهجية التي يُلحّ على "موضوعيتها" دون ـ كما سبق الذّكر ـ أن يدّعي خلوّها من تحيّزات قد تكون غاية في الخفاء متشعّبة الاختلاط ـ في حدّها الأدنى ـ باللّغة، انطلق وهو يعي أن الطّريق الذي يسلكه والنّتائج التي سيخلص إليها ستجلب عليه استنكارا وغضبا من قبل جهات كثيرة في "إسرائيل" ومؤسسات صهيونية ويهودية متنفّذة في العالم، لينبش في أصول كراهية الأوربيين لليهود، سواء على المستوى المؤسسات الرسمية؛ من كنيسة، وأنظمة ملكية وإقطاعية، وجمهورية لاحقا، وكذا على مستوى المفكّرين والمثقّفين وأهل الرّأي من مختلف الخلفيات والاتجاهات، ناهيك بالمستوى الشّعبي، وقد أرجع الكاتب أسباب هذه الكراهية ـ كما يلخّص القولَ مترجم الكتاب ـ "إلى أسباب عقدية، تتعلّق بإيمان الأوربيين النّصارى بأنّ اليهود هم قتلة يسوع النّاصري، وأسباب تتعلّق بطبيعة الشّخصية اليهودية ذاتها"؛ فهي شخصية مستغلّة للآخر غير اليهودي، متعالية عليه.
ويبقى أهم ما يمنح الكتاب قيمته تفنيده لبعض ما وسمه المفكّر الفرنسي روجيه غارودي بـ"الأساطير المؤسسة للصّهيونية"، مثل: "نفي اليهود من فلسطين على يد الرومان"، و"نقاء العرق اليهودي"، وتفريقه الحدّي بين ثُلاثيّة كره اليهود ومعاداة الصهيونية ومناهضة الممارسات الوحشية لإسرائيل ضد الفلسطينيين وانتهاجها نظام فصل عنصري شبيه بالذي كان سائدا في جنوب إفريقيا، ثمّ تأكيده أن كراهية اليهود في أوربا انحسر بشكل كبير لتعوّضه كراهية الإسلام والمسلمين. وسبب هذا "التعويض" واضح لديه؛ "فمن الصّعب ـ كما يقول ـ إنكار حقيقة أنّ كارهي الإسلام من الأوربيين يرونَ في دولة إسرائيل حصنا متقدّما للعالم"اليهودي المسيحي" الذي يقف بكلّ قوّة في مواجهة المدّ الإسلامي".
يختم الكاتب مقالاته بما يشبه جلدا للذّات، ولو بصيغة مخفّفة، فيعترف بأنّه ينتمي "لشعب يضطهد شعبا آخر"، وهذا ـ ربّما ـ هو ما جعله قلقا بين أن يبقى في "إسرائيل" أو يغادرها إلى مكان آخر، ثم يعترف أيضا بنسبية فهمه لظاهرة كراهية اليهود والأسباب التي أدّت إلى بقائها طيلة فترة طويلة جدا من الزّمن، مادام أنّ "تفكيك الذّرّة أسهل من تفكيك الأهواء" كما أشار بحق ألبرت أيشتاين.
*كاتب من المغرب