د. أشرف الشرقاي يكتب: فلسطين.. بين نكبة ونكبة
تاريخ النشر: 14th, May 2024 GMT
ستة وسبعون عاماً رسمية من القتل والتشريد والتدمير ومحاولات الإبادة الجماعية، هى جوهر ما نصفه بالنكبة الفلسطينية. فى تلك الذكرى، ربما يجب علينا أن نتوقف ونطرح على أنفسنا أسئلة، قد تكون أثيرت من قبل ولم نهتم بها، ولكن إجاباتها حاسمة فى تكوين فهمنا للنكبة الفلسطينية أو فى توضيح حجم المؤامرة الدولية التى تعرّض ويتعرّض لها الفلسطينيون، والتى تعتبر فى رأيى حملة متواصلة منذ بدايات القرن العشرين حتى الآن، لم تجد زعيماً يحشد الأمة حوله للتصدى لها.
أول هذه الأسئلة: هل كان الاستيطان اليهودى بدعم أسرة روتشيلد فى الفترة من ١٨٤٠ إلى ١٨٨٠ جزءاً من التّجهيز للنكبة؟ ألا يمكن اعتبار وعد بلفور والانتداب البريطانى على فلسطين جزءاً من التجهيز لهذه النكبة؟ ألم يكن الهدف الصريح لوعد بلفور والانتداب البريطانى هو النكبة؟
لا شك أن الإعداد للنكبة يرجع إلى فترة طويلة سابقة على حرب ١٩٤٨، ولكن حرب ٤٨ شهدت بداية التنفيذ الفعلى للنكبة. مع بداية الانتداب البريطانى على فلسطين سُمح لليهود بإقامة مستوطنات فى مواقع استراتيجية، استعداداً للحرب المنتظرة. تم التركيز على فصل الدول العربية عن فلسطين بحزام من المستوطنات، فأقيمت ١٢ مستوطنة على حدود الأردن، ومثلها على حدود لبنان وثمانى مستوطنات على حدود مصر، وسبع على الحدود السورية. فى مقابل ذلك لم تكن بعض الدول التى شاركت فى الحرب راغبة فى ذلك، ولكنها دُفعت دفعاً للحرب.
أثناء الهدنة تزوّد الجيش الإسرائيلى بالمزيد من السلاح وتوافد إليه متطوعون من أوروبا وأمريكا، بينما طلب الغرب، خاصة مصر من الجامعة العربية -التى شكلت لجنة خصيصاً لهذا الغرض، كان مقرها دمشق، تحت اسم اللجنة العسكرية الفنية- دعم جيوشهم بالسلاح والذخيرة، ولكن مطلبهم قُوبل بالتجاهل، رغم وجود تمويل خُصّص لهذه اللجنة. وكانت النتيجة هى الترويج الإعلامى لأسطورة القوة الإسرائيلية التى هزمت جيوش الدول العربية مجتمعة.
فى هذه المرحلة جرت مذبحة دير ياسين وقُتل فيها ٢٤٠ فلسطينياً وتردّدت أنباؤها فى كل الإذاعات العربية بشكل أثار فزع الفلسطينيين المدنيين ودفع كثيرين منهم للنزوح أمام تقدّم القوات اليهودية، التى قامت بارتكاب الكثير من المذابح الأخرى لفرض الترحيل الجماعى للفلسطينيين وإخلاء أكثر من مائة قرية ومدينة عربية من السكان تماماً.
وها نحن نرى اليوم أخبار المذابح الإسرائيلية ضد الفلسطينيين تعود لتملأ أجهزة الإعلام العربية الكبيرة لتُفزع الفلسطينيين فيرحلون من غزة، تمهيداً لتنفيذ المرحلة الثانية من النّكبة. ونرى أعضاء فى الكونجرس الأمريكى، مثل السيناتور ليندسى جراهام يُصرحون بشكل واضح بما حاولنا إخفاءه على مدار سنوات الصراع من أنهم يدعمون إسرائيل، بل ويدعون إلى مهاجمة غزة بأسلحة ذرية، كما فعلت الولايات المتحدة فى هيروشيما وناجازاكى اليابانيتين، خلال الحرب العالمية الثانية، بل نرى الرئيس الأمريكى يُكرّر تصريحاً له صدر وهو عضو كونجرس، بأنه لو لم تكن إسرائيل موجودة لسعت الولايات المتحدة لخلقها حماية لمصالحها. وها نحن نرى قوات أمريكية وبريطانية وفرنسية وألمانية تشارك فى الحرب أيضاً، إلى جانب إسرائيل وضد غزة، مشاركة فعّالة.
الفارق الوحيد الذى ظهر فى هذه المرحلة من الحرب هو مواقع التواصل الاجتماعى التى نقلت إلى العالم ما يحدث على الأرض فعلياً لتتحرّك شعوب العالم لتعترض على الإبادة الجماعية وتحرّك دعوى ضدها فى المحكمة الدولية، وهو المتغيّر الوحيد الذى لم تحسب الدول المشاركة فى النكبة حسابه. ورغم أن أغلب وسائل التواصل الاجتماعى تعاونت فى المجمل مع حرب الإبادة، بل أسهم بعضها عملياً فيها، إلا أن الحقيقة وصلت إلى العالم بشكل أو بآخر. ربما لا يكون اليوم كالأمس. وربما نشهد قريباً بداية نهاية المؤامرة الاستعمارية وتراجع الحملة الأخيرة، وعودة المنطقة بين النهر والبحر دولة واحدة يتعايش فيها أبناء كل الديانات دون تمييز عرقى أو فصل عنصرى أو حملات إبادة.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: فلسطين غزة الاحتلال النكبة إسرائيل
إقرأ أيضاً:
الأمم المتحدة : العدو الصهيوني خلف دمارًا في غزة لم نشهد مثله منذ الحرب العالمية الثانية
يمانيون../ قال مقرر الأمم المتحدة المعني بالحق في السكن بالاكريشنان راجاجوبال، إن الكيان الصهيوني بارتكابه إبادة جماعية في غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، خلف دماراً في القطاع لم نشهد مثله منذ الحرب العالمية الثانية.
وأضاف راجاجوبال في تصريح صحفي، اليوم الخميس، إلى أن الدمار في قطاع غزة “غير مسبوق من حيث نطاقه ووحشيته وتأثيره الهائل على الفلسطينيين الذين يعيشون هناك”.
ولفت إلى تدمير العدو الصهيوني أكثر من 80% من المنازل في غزة بالكامل، و”هو ما لا يشبه ما حدث عندما جرى تدمير مدينة دريسدن الألمانية”.
وأوضح أن فلسطينيي غزة يواجهون تحديات ضخمة، مثل إنقاذ الأشياء الثمينة بين الأنقاض، وإزالة الحطام وإعادة بناء حياتهم.
وأكد أن “الأولوية في غزة الآن هي تقديم المساعدات الإنسانية حتى يتمكن الناس من العيش عند عودتهم”، وشدد على الحاجة الملحة للوصول إلى المأوى في غزة.
وذكر أنه عقب إقامة الفلسطينيين بغزة خيامهم ومنازلهم بفضل المساعدات، يجب وضع خطط إعادة الإعمار موضع التنفيذ.
وشدد على ضرورة إزالة الركام في غزة أولا، في ظل خطورة وجود ذخائر غير منفجرة.
وقال المقرر الأممي إن “ما حدث في غزة هو إبادة جماعية حقيقية لأنه يخلق ظروفا تجعل الحياة مستحيلة وتجعل غزة غير صالحة للسكن”.
وأضاف: “إذا جعلت منطقة أو مكانا غير صالح للسكن للأشخاص الذين يعيشون فيه، فهذا في الواقع عمل من أعمال الإبادة الجماعية”.
وشدد على أن وجود اتفاق لوقف إطلاق النار “لا يعني أن الإبادة الجماعية قد توقفت”.
وأردف: “الإبادة الجماعية تستمر طالما أن غزة غير صالحة للعيش لشعبها، وطالما أن هناك ظروفا قد تؤدي إلى القضاء على الشعب الفلسطيني بالكامل أو جزء منه” .