إسرائيل تعزل القطاع وتعيد إنتاج مذابحها التاريخية بفرم الفلسطينيين أمام العالم150 ألف شهيد ومصاب ومفقود خلال 8 شهور وعشرات المقابر الجماعية المجهولةالمستوطنون يدنسون «الأقصى» ويرفعون الأعلام فى الباحات ويحاصرون الحرم الإبراهيمى«واشنطن»: «تل أبيب» حشدت قواتها لاجتياح موسع فى رفح.. والرئاسة الفلسطينية تندد!

 

لا جديد فى المشهد الفلسطينى.

.. فقبل 76 عاماً نجحت الحركة الصهيونية فى احتلال الأراضى الفلسطينية من خلال جرائم الإبادة الجماعية، والتهجير القسرى، والتطهير العرقى على أيدى عصابات الهاجاناة.
ودخلت إسرائيل بعد طوفان الأقصى فى السابع من اكتوبر الماضى مرحلة إعادة إنتاج النكبة، على نحو فاق النكبة الأولى عام 1948، من حيث مستويات التدمير والتهجير القسرى والقتل والإبادة الجماعية.
وفيما شهدت النكبة الأولى ارتكاب العصابات الصهيونية أكثر من 70 مجزرة فى مأساة كبرى، أدت إلى استشهاد ما يزيد على 15 ألف فلسطينى، وتشريد مليون فلسطينى من أصل 1,4 مليون كانوا يقيمون فى فلسطين التاريخية الا ان النكبة الثانية فى قطاع غزة حاليا ضربت بكل المقاييس وتجاوزت حد الوصف لكل سجلات الإجرام التاريخية.
وتواصل قوات الإرهاب الصهيونى مجازرها لليوم الـ222 على التوالى وأسفرت حتى الآن عن استشهاد واصابة وفقدان أكثر من 150 ألف فلسطينى ونزوح مليونين آخرين خلال 8 شهور فقط واجتاحت إسرائيل رفح جنوباً وأحرقت خلال الساعات الماضية مدارس ايواء النازحين بمخيم النصيرات وسط القطاع ما اسفر عن ارتقاء المئات من عدة عائلات واصابة آخرين فى ظروف اسعافية كارثية ومستحيلة تحت هدير الغارات المسعورة.
واقتحمت قوات الاحتلال حى الزيتون جنوب مدينة غزة وجرفت ودمرت آبار المياه وشبكات الصرف الصحى بالإضافة إلى عيادة الصبرة، وجرفت السور ودمرت شبكة الطاقة وخزانات المياه وعاودت انسحابها إلى مربع منطقة وسط قصف مدفعى وإطلاق نار متواصل من الآليات الإسرائيلية.
وأغلقت معسكر جباليا شمالاً وحولته لمسلخ كبير للنازحين وبثت جرائمها عبر الهواء ضاربة بالقانون الدولى عرض الحائط فيما هرست دباباتها حقوق الانسان تحت جنازيرها دونما رادع.
وأكد زملاء صحفيون وشهود عيان لـ«الوفد» فى مخيم جباليا وشمال القطاع: استخدام الاحتلال النازحين كدروع بشرية أثناء اقتحامه مراكز الإيواء مع عجز طواقم الإسعاف عن انتشال جثامين الشهداء من شوارع مخيم جباليا جراء استهداف الاحتلال المباشر لهم. واشاروا إلى كثافة الغارات العنيفة بالتزامن مع قصف مدفعى مركز على المنازل،
وأوضحوا أن المقاومة تتصدى للآليات الإسرائيلية التى تحاول التوغل إلى وسط المخيم. وأعلن كل من وزارة الصحة والدفاع المدنى والطب الشرعى فى غزة عن اكتشاف المقبرة الجماعية الثالثة بمجمع الشفاء شمال القطاع والعثور على 80 جثة فى 3 مقابر جماعية أمام قسم الطوارئ وأمام قسم الكلى الصناعية وأمام الساحة الأمامية لمستشفى الجراحة.
أكدوا فى مؤتمر صحفى مشترك انتشال عدد كبير من الجثث من داخل الأقسام وبين مبانى المستشفى، وأكوام الرمال. وأوضحوا أن العدد الأكبر من الجثث من المرضى الذين حرموا من العلاج نتيجة اقتحام المستشفى وقطع الكهرباء مع ملاحظة تمزق الجثث نتيجة دهس آليات الاحتلال للمرضى قبل قتلهم. وأكدوا تعرض بعض الجثث لطلقات رصاص قبل أن تدفن فى المقبرة الجماعية. وبعضها دفنت فى حاويات القمامة وتجمعات القاذورات فى المجمع.
وأعلنت منظمة هيومن رايتس ووتش أن إسرائيل شنت 8 ضربات على الأقل على قوافل ومبانٍ لعمال إغاثة فى غزة منذ أكتوبر الماضى.
وأوضحت ان سلطات الاحتلال لم توجه تحذيرات مسبقة لأى من منظمات الإغاثة قبل شنها الهجمات وتستخدم التجويع أسلوب حرب فى غزة وتمنع عمدا إيصال المياه والغذاء والوقود والمساعدات الإنسانية.
وأعلنت الولايات المتحدة أن إسرائيل حشدت ما يكفى من القوات على أطراف رفح جنوبى قطاع غزة، للمضى قدماً فى اجتياح واسع للمدينة خلال أيام، ووصف اثنان من كبار المسئولين الأمريكيين كانا غير متأكدين مما إذا كانت إسرائيل قد اتخذت قراراً نهائياً بشن هجوم كبير على رفح، الخطوة إن تمت بـ«تحد مباشر للرئيس جو بايدن».
وحذر أحد المسئولين من أن إسرائيل لم تقترب بعد من اتخاذ الاستعدادات الكافية، بما فى ذلك بناء البنية التحتية المتعلقة بالغذاء والنظافة والمأوى، قبل احتمال إجلاء أكثر من مليون من سكان غزة الذين يقيمون حالياً فى رفح. وأعلن المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبوردينة، إن الإدارة الأمريكية هى الوحيدة القادرة على منع القوات الإسرائيلية من اجتياح رفح، محملاً واشنطن المسئولية حال اجتياح جنوب قطاع غزة. وحذر أبوردينة من التداعيات الخطيرة للحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين، وقال ان النتائج سيكون لها تأثير على المنطقة والعالم أجمع.
واعتبر الإصرار على اجتياح رفح سيكون خطأ كبيرا ستتحمل الإدارة الأمريكية المسئولية عنه لأنها الوحيدة القادرة على وقفه.
وقال «لولا قيام واشنطن بتوفير الدعم المالى والعسكرى لإسرائيل، ومنع إدانته فى المحافل الدولية، لما تجرأ على الاستمرار فى الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطينى سواء فى القطاع أوفى الضفة المحتلة».
وندد باستمرار احتلال المعابر خاصة معبر رفح البرى، ومنع تدفق المساعدات وخروج المرضى والمصابين للعلاج، وشدد على انها جرائم حرب يعاقب عليها القانون الدولى وانتهاك خطير لقرارات الشرعية الدولية وأكد ضرورة تحرك واشنطن وعدم الاكتفاء بالبيانات والإدانات، والعمل على وقف الحرب فوراً والسماح بدخول المساعدات الإنسانية ووقف تهجير الفلسطينيين خاصة من مدينة رفح.
واقتحم مئات المستعمرين باحات المسجد الأقصى المبارك من جهة باب المغاربة، بحماية شرطة الاحتلال وأدوا طقوساً تلمودية عنصرية، ونفذوا جولات استفزازية فى باحاته، ورفعوا علم الاحتلال عند قبة الصخرة. فيما اضاء آخرون سور الحرم الابراهيمى بالعلم الصهيونى وحاصروا محيطه.
وشددت شرطة الاحتلال إجراءاتها العسكرية، حيث أعاقت حركة المصلين، ودققت فى بطاقاتهم الشخصية. وكانت منظمات جماعات الهيكل المزعوم المتطرفة، دعت منذ أيام لاقتحامات واسعة للمسجد الأقصى، ورفع علم دولة الاحتلال فى باحاته.
وأغلق الاحتلال باب الأسباط ومنع المصلين من دخول المسجد الأقصى المبارك. وتجمع عشرات المصلين أمام باب الأسباط بعد منعهم من الدخول إلى المسجد الأقصى، حيث اضطروا إلى أداء الصلاة خارج المسجد.
كما شددت قوات الاحتلال إجراءاتها فى محيط أبواب البلدة القديمة، وأغلقت باب العمود فترة من الوقت، واعتدت على أحد المارة بالضرب. كما أغلقت عدداً من شوارع مدينة القدس أمام المارة والسيارات لتسهيل اقتحام المتطرفين للبلدة القديمة والوصول إلى حائط البراق.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الحركة الصهيونية مدينة غزة فى غزة

إقرأ أيضاً:

طوفان الأقصى.. بيرل هاربر الفلسطينية التي فجّرت شرق المتوسط

أحسب أن حماس كانت تدرك أنها قامت في 7 أكتوبر ـ  تشرين الأول 2023 بعملية عسكرية غير مسبوقة، لكنها ربما لم تكن تملك تقديرا دقيقا لحجم وأثر عملية "طوفان الأقصى" ولعلها فوجئت بمفاعيلها على الأقل، الأمر الذي حملني على وصفها بـ " دوسة في بيت نمل". ولعل أفضل وسيلة لقياسها حجما وتأثيرا تكمن في مقارنتها بعمليات سابقة أدت إلى حروب شاملة.

سقط في اليوم الأول من العملية وفق الإحصاء الإسرائيلي 1200 قتيل و3400 جريح وأسر 251 إسرائيليا بين مدني وعسكري. بالمقابل تشير الأرقام الرسمية إلى أن إسرائيل خسرت في اجتياحها للبنان (1982 ـ 1985) 654 جنديا و3887 جريحا وفقدت أربعة جنود ووقع في الأسر 12 جنديا. وتفصح الأرقام المعلنة لحرب أكتوبر ـ تشرين الأول عام 1973 أن عدد القتلى الإسرائيليين بلغ 2600 قتيل و136 أسيرا لدى مصر و28 أسيرا لدى سوريا. وأسفرت حرب حزيران ـ يونيو عام 1967 بين العرب وإسرائيل عن سقوط 983 قتيلا عسكريا و20 مدنيا و15 أسيرا. وسقط في حرب السويس عام 1956 حوالي 172 جنديا إسرائيليا وأسيرا واحدا. وفي الحرب الأكبر عام 1948 سقط 6373 جنديا ومدنيا.

"بيرل هاربر" فلسطيني

وإذا أردنا الذهاب إلى مكان أبعد في هذه المقارنة، نجد أن الضربة اليابانية الصاعقة في ميناء "بيرل هاربر"، القاعدة البحرية الأمريكية الواقعة في جزر هواي في 7 ديسمبر ـ كانون الأول عام 1941 والتي دفعت أمريكا للاشتراك في الحرب العالمية الثانية، قد أدت إلى سقوط 2403 جنود وجرح 1178 جنديا. هذه الخسائر لا تتجاوز خسائر إسرائيل بكثير على الرغم من الفوارق الهائلة بين إحجام الأطراف المعنية والمعدات العسكرية والمواقع الاستراتيجية.

تفيد هذه المقارنة بأن حجم العملية والخسائر التي خلفتها ما كان متوقعا وهو بمثابة إعلان حرب شاملة تستدرج بالضرورة حلفاء الطرفين وتتجاوز غزة ولبنان. فهل كانت حماس تراهن على إشعال حرب شاملة عبر استدراج محور الممانعة من دون تنسيق مسبق أم أن المحور لم يدرك هو أيضا أثر وحجم العملية التي وصلته النية الفلسطينية بوقوعها من دون تحديد ساعة الصفر؟

لقد انهارت في 7 أكتوبر ـ تشرين الأول أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر، في ساعات قليلة، أمام أعين المقاتلين الذين فوجئوا حقا بما أتت أيديهم. والواضح أنهم كانوا يحسبون انتصارا أقل في معارك أصعب وخسائر أكثر وردود فعل إسرائيلية أسرع.هذا السؤال ما زال بحاجة إلى إجابة لم تصدر بعد عن أي من أطراف "محور الممانعة". بانتظار الإجابة الرسمية من المعنيين، أرجح أن المحور فوجئ كما فوجئت حماس بنتائج العملية من دون أن يكون مستعدا للانخراط فيها انخراطا شاملا وتاما وليس عبر إسناد بصواريخ ومسيرات على أهميتها. نعم لقد كان "طوفان الأقصى" مؤثرا إلى الحد الذي يفوق كل تصور مسبق لدى جميع أطراف الحرب.

ستتضح أبعاد الصورة أكثر عندما ننظر إلى حجم القوى التي احتشدت أو أخذت تحتشد للاشتراك في هذه الحرب. فقد أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية في 8 أكتوبر ـ تشرين الأول عن إرسال حاملة الطائرات جيرالد فورد وهي الأحدث والأهم في العالم، إلى شرق المتوسط وتلتها حاملة الطائرات داويت أيزنهاور. وأرسلت من بعد إلى البحر الأحمر حاملة الطائرات هاري ترومان ومن ثم تلتها شقيقتها فينزون، وأرسلت جنبا إلى جنب حاملة طائرات مروحية وسفنا وغواصات وفرقاطات حربية.

استنفار 55 قاعدة عسكرية أمريكية

هذا الحشد العسكري الأمريكي كان قياسيا، ذلك أن واشنطن تحتفظ بـ 11 حاملة طائرات، أرسلت أقل من نصفها بقليل للرد على عملية "طوفان الأقصى" أضف إلى ذلك إرسال دعم لوجستي بشري في سياق استنفار القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة، والبالغ عددها 55 قاعدة أكبرها قاعدة العيديد في قطر التي تضم 13 ألف جنديا.

وفي السياق أرسلت بريطانيا سفنا حربية ومشاة بحرية وطائرات استطلاع وقتال إلى شرق المتوسط ولم تبرح الطائرات البريطانية سماء غزة والمنطقة. من جهتها بادرت فرنسا والاتحاد الأوروبي إلى تشكيل قوة بحرية لحماية السفن التجارية الأوروبية في البحر الأحمر وشاركت في إسقاط المسيرات الإيرانية التي أطلقت على إسرائيل في 13 نيسان ـ أبريل عام 2024.

تعكس هذه الأرقام تقديرا أمريكيًا وأوروبيًا عاليا للخطر الداهم الذي يهدد الدولة العبرية وتصميما على حمايتها ورفع معنويات سكانها التي تراجعت إلى الحد الأقصى بعد هجوم أكتوبر، خصوصا بعد أن بدا الجيش الإسرائيلي في حالة ارتباك وعجز عن استعادة زمام المبادرة رغم مرور ساعات طويلة على بدء "الطوفان".

 إن ذهاب العملية إلى أبعد مما تتصوره أو تتوقعه حماس والمحور يمكن ملاحظته من خلال ردود فعل أطرافه، لكن قبل ذلك لا بد من ذكر بعض آثارها على الأرض. فقد وصل مقاتلو حماس إلى عمق 25 كلم في طوفانهم وتحديدا إلى مستوطنة أوفاكيم ، مروا بمستوطنات على بعد 10 كلم في سديروت و5 كلم في نتيفوت و5 كلم في مهرجان روعيم الذي انتشرت صور الهاربين منه على وسائل التواصل الاجتماعي بطريقة مروعة لم تشهد إسرائيل ما يشبهها في كل حروبها مع العرب، منذ تأسيس دولتها عام 1948 في فلسطين المحتلة.

مصرع التكنولوجيا الرقمية

لقد استفاد مقاتلو حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى من عنصر المفاجأة، ليحققوا إصابات قاتلة في صفوف الإسرائيليين أكثر بكثير مما كانوا يتوقعون. فقد سيطروا على مقر قيادة فرقة غزة (رعيم) بسهولة كبيرة، وخرقوا الجدران الإلكترونية والإسمنتية من دون صعوبات تذكر، واستخدموا الطائرات المسيرة في التشويش وتدمير أبراج المراقبة، والطائرات الشراعية (جيلدرز) لنقل مقاتلين إلى مواقع القتال بسرعة كبيرة، وشنت قواتهم البحرية هجمات ناجحة بواسطة قوارب مطاطية في قاعدة (زيكيم) البحرية,

بدأت هذه الهجمات المنسقة بإطلاقات صاروخية كثيفة، الساعة السادسة والنصف صباحا بالتوقيت المحلي، واستمرت أياما طويلة حتى تمكنت إسرائيل من القضاء على الوحدات العسكرية المتسللة وذلك من دون أن تصاب حماس بخسائر كبيرة بحسب مصادرها. في حين أكدت إسرائيل والولايات المتحدة سقوط 1000 شهيد فلسطيني في داخل الأراضي الإسرائيلية.

إن وصول "طوفان الأقصى" إلى عمق 25 كلم يعني أن المقاتلين أصبحوا في منتصف الطريق بين غزة والضفة الغربية حيث تقدر المسافة بين 50 إلى 70 كلم وصاروا على بعد 200 كلم من الحدود اللبنانية، وتفيد المعلومات التي نشرتها إسرائيل حول المقاتلين الذين أسروا أو استشهدوا، أنهم كانوا يحتفظون بتموين وذخيرة تكفي أياما عديدة ما يعني أنهم كانوا يراهنون على طول العملية بانتظار تطورات لاحقة.

لقد نوقشت خلال الحرب إحدى الفرضيات التي تقول إن حماس كانت تنتظر تحركا من مقاتلي الضفة الغربية لإكمال الهجوم الوافد من غزة، والذي لو استمر كان يمكن أن يشكل جسرا قتاليا من غزة إلى الضفة الغربية، هذا الجسر كان يمكن أن يتسع ويكتسب أهمية عسكرية فائقة لو نفذ حزب الله هجوما مرغوبا باتجاه الجليل ومنه إلى حيفا. ويؤكد على صلاحية هذه الفرضية اللواء الإسرائيلي المتقاعد إسحق بن بريك الذي يرى بأن إسرائيل ما كان بوسعها القتال على جبهتين. وراجت توقعات أخرى في الدولة العبرية من أن الحزب كان بوسعه الوصول إلى حيفا من دون صعوبات كبيرة مستفيدا من عنصر المباغتة في اليوم الأول للعملية.

هجوم لم يأت من الضفة وآخر من الجليل

هل كان محور الممانعة يتحرك وفق خطة مرسومة سلفا على أن تبدأ بعملية "طوفان الأقصى" وتستكمل بهجوم حزب الله على الجليل وصولا إلى حيفا وإلى ما بعد وفق ما كان يردد الأمين العام الراحل للحزب السيد حسن نصر الله؟ أو على الأقل هل كانت حماس تتمنى أن يتحرك هذا السيناريو، وهل استدرجت المحور إلى هذا المكان؟ بعض الأنباء غير المؤكدة تفيد أن حماس أبلغت أطراف المحور في لقاء تم في بيروت في آب ـ أغسطس عام 2023 نيتها شن عملية عسكرية كبيرة ضد إسرائيل تسمح لها بتغيير قواعد الاشتباك، لكننا ما زلنا بحاجة إلى تأكيد رسمي لم يصدر بعد عن أطراف المحور حول هذا الجانب.

يذهب أصحاب منطق المؤامرة إلى مدى أبعد، إذ يرون أن اغتيال رئيسي أخلى الساحة لانتخاب رئيس جديد يريد المصالحة مع أمريكا حليفة وحامية إسرائيل في الشرق الأوسط. في كل الحالات لا نملك أدلة من شأنها تكذيب التقرير الإيراني الرسمي حول ظروف مقتل رئيسي، وفيه تأكيد قاطع بأن سقوط مروحية الرئيس الإيراني تم بسبب الظروف الجوية السيئة، أضف إلى ذلك أن إيران كانت تستعد للتفاوض مع الولايات المتحدة حول الملف النووي قبل العملية، ما يعني أنها ما كانت في وارد خوض حرب مع إسرائيل حليفة واشنطن الأهم في المنطقة قبل "طوفان الأقصى".وتفيد أنباء أخرى أن إيران كانت على علم بتفاصيل العملية، وقد انعكس ذلك في تصريح شهير للرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي، الذي وصف العملية بـ "زلزال" ستهتز له أركان إسرائيل. وينسب إلى رئيسي تصميمه على دعم المقاومة الفلسطينية في غزة ولبنان بكل الوسائل التي تتيح هزيمة إسرائيل، بل يتهم أصحاب نظرية المؤامرة إسرائيل باغتيال رئيسي بعد زيارته لأذربيجان بواسطة "بايجر" مفخخ ويربطون موقع الاغتيال بوجود مكتب ناشط للموساد في العاصمة الآذرية "باكو".

ويذهب أصحاب منطق المؤامرة إلى مدى أبعد، إذ يرون أن اغتيال رئيسي أخلى الساحة لانتخاب رئيس جديد يريد المصالحة مع أمريكا حليفة وحامية إسرائيل في الشرق الأوسط. في كل الحالات لا نملك أدلة من شأنها تكذيب التقرير الإيراني الرسمي حول ظروف مقتل رئيسي، وفيه تأكيد قاطع بأن سقوط مروحية الرئيس الإيراني تم بسبب الظروف الجوية السيئة، أضف إلى ذلك أن إيران كانت تستعد للتفاوض مع الولايات المتحدة حول الملف النووي قبل العملية، ما يعني أنها ما كانت في وارد خوض حرب مع إسرائيل حليفة واشنطن الأهم في المنطقة قبل "طوفان الأقصى".

كائنا ما كان حال ونوع التواصل بين أطراف محور الممانعة قبل هجوم السابع من أكتوبر فإن ردود الفعل الغربية والدولية على هذه العملية كانت كلها تنم عن خوف على الكيان الصهيوني، وعن شعور بالخطر على مصيره. بعبارة أخرى كانت الولايات المتحدة تعرف أن إسرائيل غير قادرة على خوض القتال على أكثر من جبهة وأنها تحتاج إلى حماية ومشاركة في الحرب، ودعم لوجستي متواصل ومفتوح. ولعل انتشار القوات الأمريكية في المنطقة بالطريقة التي أشرنا إليها للتو يفصح عن هذا الشعور بالخطر المصيري على الكيان الإسرائيلي.

لقد انهارت في 7 أكتوبر ـ تشرين الأول أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر، في ساعات قليلة، أمام أعين المقاتلين الذين فوجئوا حقا بما أتت أيديهم. والواضح أنهم كانوا يحسبون انتصارا أقل في معارك أصعب وخسائر أكثر وردود فعل إسرائيلية أسرع. ولعلهم ذهبوا بتوقعاتهم بعيدا في رهان متأخر، على أن يشترك معهم المحور بكافة أطرافه في معركة "زلزلت الكيان الصهيوني" على ما قال رئيس إيران الراحل. لكن التمني في لحظة نصر استثنائية لم يكن متناسبا مع حسابات حماس نفسها ومع حسابات المحور عموما. ذلك أن حربا تسعى إلى توجيه ضربة قاضية لإسرائيل ستؤدي بالضرورة إلى حرب مع الولايات المتحدة والغرب الذي دمر العراق وأفغانستان خلال شهور قليلة، ويمكنه بوسائله الحربية أن يدمر إيران وأن يتحمل مخاطر حرب إقليمية مفتوحة، أو حرب عالمية دفاعا ليس فقط عن إسرائيل وإنما أيضا عن جغرافية العالم السياسية التي رسمها ويتحكم بمساراتها.

طوفان الأهداف

ما من شك في أن حماس كانت تتمنى أو تتوقع ولربما عملت ما بوسعها لحمل أطراف المحور على الاشتراك في حرب طوفان الأقصى بكامل القدرات المتاحة، لكنها كانت تعتمد في المقام الأول على قدراتها الذاتية، وهذا ما لاحظناه من خلال شبكة الأنفاق السرية الضخمة لحماية بناها التحتية.

إذا ما استبعدنا خطة شاملة لخوض حرب مفتوحة ضد إسرائيل وحلفائها من خلال عملية "طوفان الأقصى" فإن تقديرنا لأهداف العملية يمكن حصره في الخطوط العريضة التالية:

1 ـ الحؤول دون تصفية القضية الفلسطينية عبر الخط الإبراهيمي أي التطبيع مجانا من دون تنازلات.

2 ـ تغيير قواعد الاشتباك مع إسرائيل على غرار القواعد التي كانت قد استقرت في لبنان قبل الطوفان. معلوم أن إسرائيل ما كانت قادرة قبل الطوفان على اقتلاع خيمتين نصبها الحزب في أرض حدودية متنازع عليها.

3 ـ فك الحصار المستمر على غزة منذ العام 2007 وإعادة إعمارها.

4 ـ تعظيم حضور حماس في المشهد السياسي الفلسطيني والإقليمي.

5 ـ استعراض قوة حماس والفصائل المقاتلة برا وبحرا وجوا وهي المرة الأولى التي يتمكن خلالها فصيل فلسطيني من تشكيل قوة بهذا القدر من التنوع في مساحة صغيرة لا تصل إلى 400 كلم مربع.
 
6 ـ تهميش السلطة الفلسطينية الرسمية التي اختارت التفاوض لاسترجاع ما يمكن استرجاعه من أرض فلسطين بعد خسارتها الحرب وخروجها من لبنان عام 1982.

7 ـ ضرب أسطورة الجدران المعلوماتية والتكنولوجية الرقمية التي أحاطت بغزة وصورت على أنها غير قابلة للاختراق.

8 ـ استباق التطبيع السعودي الإسرائيلي والتهدئة اللبنانية الإسرائيلية.

9 ـ إخراج المسجد الأقصى من دائرة الاعتداء الدوري وإرساء معادلة جديدة لحمايته.

10 ـ طي صفحة الشعور الفلسطيني بالإحباط جراء الطرق المقفلة لحل القضية الفلسطينية وإظهار إسرائيل ك "بيت العنكبوت" وهو تعبير اشاعه السيد حسن نصرالله بعد انتصار العام 2000.

11 ـ إبرام صفقة لتحرير آلاف السجناء الفلسطينيين.

12 ـ اختبار فعالية حلف الساحات والممانعة.

13 ـ اختيار توقيت 7 أكتوبر لإحياء ذكرى الانتصار العربي في حرب أكتوبر ـ تشرين الأول عام 1973 التي وصفت بأنها آخر الحروب العربية.

14 ــ إعادة طرح القضية الفلسطينية على المجتمع الدولي وإخراجها من المسار الإبراهيمي أو على الأقل فتح مسار آخر أمامها يمنح الفلسطينيين حقوقا أكثر وأملا بمستقبل أفضل.

هل تحققت هذه الأهداف أو هل يمكن أن تتحقق وماذا عن نهاية الحرب؟ أسئلة سأجيب عنها في المقال التالي.  

*باحث في أكاديمية باريس للجيوبوليتيك

مقالات مشابهة

  • ماذا يعني حصول إسرائيل على تأجيل قضية الإبادة الجماعية 6 أشهر؟
  • الأمم المتحدة تدين منع إسرائيل دخول المساعدات إلى غزة منذ 50 يوما
  • حماس: غزة تواجه كارثة إنسانية غير مسبوقة بعد 50 يوما من إغلاق المعابر
  • الأمم المتحدة: (إسرائيل) تمنع دخول المساعدات لغزة منذ 50 يوماً
  • الأمم المتحدة: إسرائيل تمنع دخول المساعدات لغزة منذ 50 يوما
  • طوفان الأقصى.. بيرل هاربر الفلسطينية التي فجّرت شرق المتوسط
  • عشرات الشهداء في غزة خلال ساعات
  • إسرائيل تكرر سيناريو الضفة..(البلاد) تدق ناقوس الخطر.. غزة تحت سكين الاحتلال.. تقسيمٌ واستيطان
  • محاكمة صورية.. أمنستي: الإدانات الجماعية بتونس لمعارضين لحظة خطيرة
  • التعاون الإسلامي تطالب المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته تجاه وقف الإبادة الجماعية في غزة