من 1948 إلى 2024.. فلسطين بين «نكبتين».. والأخيرة أشد وأخطر
تاريخ النشر: 14th, May 2024 GMT
76 عاماً مرّت على «نكبة فلسطين»، الحدث الأكثر قسوة على الشعوب العربية فى التاريخ الحديث، حين تم إجبار أكثر من مليون فلسطينى على الرحيل عن أراضيهم وبلدانهم ووطنهم، بعد طرد غالبيتهم من المناطق التى سيطرت عليها العصابات الصهيونية، إما بالترهيب وإما بقوة السلاح، إذ نزح نحو 280 ألف فلسطينى إلى الضفة الغربية من نهر الأردن، بينما عبر 70 ألف فلسطينى إلى الضفة الشرقية لنهر الأردن، وغادر نحو 190 ألف فلسطينى إلى قطاع غزة، فيما لجأ أكثر من 200 ألف آخرين إلى عدد من البلدان العربية.
ووفقاً للموسوعة التفاعلية للقضية الفلسطينية، فقد جرت أكبر عملية تطهير عرقى عرفتها البشرية فى التاريخ، على 4 مراحل، بدأت المرحلة الأولى فى عام 1947، أى قبل عام من النكبة، حين صدر قرار من الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين، فى 29 نوفمبر 1947، لتبدأ العصابات الصهيونية «الهاجاناه» و«الإرجون» فى تنفيذ عمليات إجرامية عشوائية، ضد سكان البلدات والقرى الفلسطينية، بغرض ترويعهم وإجبارهم على مغادرة أراضيهم ومنازلهم، أما المرحلة الثانية فكانت بداية من 10 مارس 1948، إذ بدأت خطة التطهير التى عُرفت باسم «الخطة د»، أو «الخطة دالت»، حسب التسمية العبرية.
بدأت المرحلة الثالثة من خطة التطهير العرقى للفلسطينيين والاستيلاء على الأراضى العربية فى شهر مايو 1948، بعد أيام من إعلان قيام دولة إسرائيلية، وقبل بدء سريان الهدنة الثانية فى 18 يونيو من العام نفسه، حيث تمكنت العصابات الصهيونية وقوات الاحتلال من الاستيلاء على المزيد من البلدات والمدن الفلسطينية، فيما جاءت المرحلة الرابعة بين أكتوبر 1948 ومطلع سنة 1949، ومع نهاية «حرب 1948»، تبين أن قوات الاحتلال قامت بهدم أكثر من 400 قرية فلسطينية، بعد تفريغها من سكانها، كما بلغ عدد الشهداء الفلسطينيين الذين أقدمت العصابات الصهيونية على قتلهم، أكثر من 13 ألف شهيد، حتى تمكّن الاحتلال الإسرائيلى من فرض سيطرته على أكثر من 77% من مساحة فلسطين تحت الانتداب البريطانى، بعد تهجير ما يقرب من 90% من سكانها العرب الأصليين، ليبدأ الاحتلال فى تقطيع أوصال البلدات الفلسطينية، واستئصال الطابع العربى عن الجزء الأكبر منها. بعد انتهاء «نكبة 1948»، والإعلان عن قيام دولة الاحتلال الإسرائيلى، فى 15 مايو، وقعت معظم المناطق الفلسطينية تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلية، باستثناء بعض المناطق التى بقيت محتفظة بهويتها الفلسطينية، إذ أطلق عليها مصطلح الضفة الغربية، وقطاع غزة، والقدس الشرقية، فى إشارة إلى الأماكن المقدّسة بالمدينة، كما كان لتلك النكبة آثارها الاجتماعية على المجتمع الفلسطينى، حيث أدّت إلى تمزيقه وتقطيع أوصاله، وفى عام 1967، سيطرت قوات الاحتلال الإسرائيلى على الضفة الغربية وعلى مدينة القدس، إثر انسحاب القوات الأردنية وعودتها إلى شرق نهر الأردن، كما عملت على تقليص حدودها مع الأردن، وعمل الاحتلال الإسرائيلى على نهب الكثير من ثروات الضفة الغربية، لاسيما الموارد المائية، وباشر عمليات تهويد بمدينة القدس بطريقة مخطّطة وممنهجة.
وفى السابع من أكتوبر من عام 2023 الماضى، شنّت الفصائل الفلسطينية عملية «طوفان الأقصى»، على عدد من مستعمرات الاحتلال الإسرائيلى القريبة من قطاع غزة، مما أدى إلى شنّ الاحتلال الإسرائيلى عدوانه المستمر على قطاع غزة، الذى أسفر حتى الآن عن استشهاد أكثر من 35 ألف مواطن فلسطينى، ونحو 80 ألف جريح، معظمهم من النساء والأطفال.
وفى محاولة للمقارنة بين «النكبتين»، يستعيد المؤرخ والباحث الفلسطينى عبدالقادر ياسين، ذكريات ووقائع النكبة الأولى، مشيراً إلى أن الصهاينة حين خاضوا «حرب 48» كانوا يحاصرون المدن والبلدات الفلسطينية والقرى على شكل «حدوة حصان»، بحيث يتركون جانباً مفتوحاً يسمح بخروج الأهالى والسكان العرب من بلدانهم، أما الآن فالأمر مختلف تماماً، حيث يقوم الاحتلال الإسرائيلى بسحق الشعب الفلسطينى بالدبابات والطائرات، التى تقتلهم بعشرات الآلاف.
وبينما يؤكد المؤرخ الفلسطينى أن «التاريخ لا يعيد نفسه»، فإنه يعتبر أن «النكبة الحالية أشد وأخطر»، وتتمثل خطورتها فى أن الاحتلال الإسرائيلى، فى النكبة الأولى، كان يريد الأرض دون السكان، أما الآن فيريد إبادة السكان والاستيلاء على الأرض، لأن السكان ظلوا موجودين بعد النكبة الأولى، وظلوا يمثّلون مشكلة بالنسبة للاحتلال، ولسان حال الصهاينة الآن يقول: «دعونا نفنيهم أو نُرحلهم ونأخذ الأرض ونُصفى القضية»، وإزاء ذلك، لا يرى المؤرخ والباحث الفلسطينى ضوءاً فى نهاية النفق يسمح بحل الوضع الراهن، إلا «صمود الشعب العربى الفلسطينى، وهو المعول عليه وعلى مقاومته الباسلة»، إلى جانب تعاطف الرأى العام العالمى، خاصة فى دول الغرب، الذى انتفض الكثيرون فيه تعاطفاً مع الشعب الفلسطينى، دون أى منطقة أخرى من العالم، حسب قوله.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: فلسطين غزة الاحتلال النكبة إسرائيل الاحتلال الإسرائیلى العصابات الصهیونیة الضفة الغربیة أکثر من
إقرأ أيضاً:
عزون.. قرية العز والصلابة في فلسطين يقسمها جدار الفصل العنصري
قرية استمدت اسمها من العز والصلابة وكثرة الأشجار المثمرة، اسم عربي كنعاني قديم يشير إلى أنها بلدة ضاربة بجذورها في التاريخ.
عزون، قرية العز، هي قرية فلسطينية حالية، تقع شرقي مدينة قلقيلية وعلى مسافة 9 كم منها.
تبلغ المساحة الإجمالية لبلدة عزون نحو 24 آلف دونم، وتقع على الطريق الواصل بين مدينتي نابلس وقلقيلية، وهي أيضا تقع على الطريق الممتد بين مدينتي قلقيلية وطولكرم، ويصلها بمدينة رام الله طريق معبد يمتد جنوبا، وفي العهد العثماني كان الطريق الذي يربط بين مدينتي نابلس ويافا يمر عبر وادي عزون، فيما كانت في عهد الحكم الأردني طريقا عسكريا.
تتوسط عزون مجموعة من القرى التي يزيد عددها على العشرين قرية وهي: صير وجيوس وكفر جمال وكفر عبوش ووكفر زيباد وكفر صور وكفر ثلث وسنيريا ومسحة والزاوية وبديا، النبي إلياس وعسلة وعزبة الطبيب، كفر لاقف وجينصافوط والفندق وأماتين وحجة وباقة الحطب وكفر قدوم وجيت وفرعطة وصرة.
وبحسب مجلس بلدي عزون فإن سبب تسمية القرية بهذا الاسم يعود لكلمة عين العز وذلك نسبة إلى كثرة الأشجار المثمرة المنتشرة فيها، وهو الاسم الذي كانت تعرف به القرية قديما وحرف الاسم من عزين إلى عزون.
مستوطنة أقيمت على أراضي قرية عزون الزراعية.
وهناك رأي يقول بأن اسم عزون جاء من الأصل الآرامي عز يعز بمعنى صلب وأشتد مراسه، فهو عزيز وهذه صفة أهلها، وهذا الرأي قد يكون الأصح.
وقدر عدد سكان قرية عزون عام 1922 بنحو 700 نسمة، ارتفع عددهم في إحصائيات عام 1931 إلى 994 نسمة، وفي عام 1945 بلغ 1190 نسمة. أما في عام 1961 فقد ارتفع إلى 2096 نسمة، وفي عام 1997 وصل عدد سكان القرية إلى 5871 نسمة، وفي عام 2017 بلغ 9189 نسمة، وفي أخر إحصاء عام 2024 بلغ 10699 نسمة.
ويعتمد اقتصاد البلدة على عائدات مجموعة من الأنشطة الاقتصادية منها الزراعة وتربية الماشية والطيور، ومن ثم الوظائف الحكومية، ونسبة من أبناء القرية الذين يعملون في الأراضي المحتلة عام 1948، إلى جانب عائدات ممارسة أنشطة أخرى في قطاع الخدمات والصناعة والتجارة.
لبلدة عزون تاريخ طويل ثبت من الحفريات الموجودة في البلدة القديمة بمنطقة المسجد القديم أنها كنعانية التأسيس، ووجدت آثار يونانية ورومانية، أما البلدة الحالية فقد تم تأسيسها بعد معركة حطين عام 1187، وهي تتبع محافظة قلقيلية وقبل ذلك كانت تتبع قضاء طولكرم، وفي العهد التركي كانت تتبع قضاء سلفيت وفي العهد المملوكي كانت آخر قرية من قضاء القدس شمالا.
وعرفت بشكل بارز بعد معركة وادي عزون التاريخية أثناء حملة نابليون وبعد احتلاله ليافا حيث اتجه نحو عكا وأرسل سرية من جيشه بقيادة دوماس إلى وادي عزون الواقع جنوبا، وقتل دوماس على يد عابد المريحة من أهالي عزون وانهزم الجيش، وأشعلوا النار في الأحراج فأحاطت بهم من كل جانب ففروا مذعورين إلى يافا حيث صب نابليون جام غضبه عليها وقتل أهلها وكانت المعركة الفاصلة التي ردت نابليون عن فلسطين فيما بعد.
وقد سمي جبل نابلس بجبل النار نسبة إلى معركة عزون التي خلدها الشاعر إبراهيم طوقان في قصيدة له .
وقد شاركت عزون بأبنائها في جميع ثورات فلسطين، فقد قام أبناء عزون بالمشاركة الفعلية في الثورة وقدموا الشهداء في سبيل فلسطين، وقد حدثت معركة وادي عزون أثناء الإضراب العام في فلسطين عام 1936 وشاركت فيها الطائرات والدبابات والجنود الإنجليز .
وخلال الانتفاضتين الأولى عام 1987 والثانية عام 2001 قدمت عزون عدد من الشهداء وقامت قوات الاحتلال بإغلاق مدخل البلدة الشرقي نهائيا من ناحية نابلس وحولت الشارع الرئيسي والشريان الحيوي إلى خارج البلدة، الأمر الذي أدى إلى اختناق عزون اقتصاديا ناهيك عن مصادرة الكثير من أراضيها لبناء الشارع الجديد حولها وإحاطتها بجدار الفصل العنصري.
احتلت قرية عزون كما قرى ومدن الضفة الغربية خلال عدوان الخامس من حزيران/ يونيو عام 1967، ومع توقيع "اتفاق أوسلو" عام 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة الاحتلال وقعت المساحة الأكبر من أراضي قرية عزون في المنطقة (C) ما مساحته 7130 دونم من أراضيها أما باقي المساحة فهي ضمن المنطقة(B) .
يوجد على أراضي بلدة عزون 3 مستعمرات، ومن الصعوبة تحديد مجموع المساحات التي صادرتها تلك المستعمرات من البلدة وتلك المستعمرات موزعة على أكثر من قرية وبلدة، وهذه المستعمرات هي: معالية شمرون تأسست عام 1980، وغنات شمرون تأسست عام 1985، وكرني شمرون تأسست عام 1978.
وفي عام 1996 تأسس مجلس قروي عزون الذي يدير شؤون قرية عزون وقريتي عسلة وعزبة الطبيب، وكانت قرية عزون من قرى قضاء طولكرم، وعندما تم تنصيف قلقيلية كمركز محافظة ألحقت قرية عزون بها إداريا.
وقامت سلطات الاحتلال بسرقة ما يزيد عن 70% من أراضي القرية الزراعية لبناء جدار الفصل العنصري بالقرية عام 2003 . وصادر الاحتلال حوالي 5000 دونم من الأراضي الخصبة المزروعة بالدفيئات والزيتون، إضافة إلى 800 دونم حولها إلى مستوطنة أورانيت المجاورة للبلدة.
وعزل الاحتلال خلف الجدار أيضا بئرا ارتوازية كانت المزود الأكبر للقرية بالماء وحولتها لصالح سكان المستوطنة المجاورة للقرية، حيث تقع محافظة قلقيلية على الحوض المائي الغربي الذي يحوي ما نسبته 52% من حجم المياه في الضفة الغربية.
أحد شوارع بلدة عزون.
ويواجه سكان قرية عزون مصاعب كبيرة في جني محاصيلهم الزراعية من زيتون وحمضيات ولوزيات.
الجدار قسم القرية إلى قسمين، أحدهما يضم أراضي زراعية وآبارا ارتوازية وبيارات ودفيئات، والآخر يضم منازل المواطنين وبعض الأراضي غير الصالحة للزراعة.
ويجد السكان أنفسهم تحت رحمة سلطات الاحتلال التي لا تسمح بفتح بوابة الجدار الفاصل سوى ساعات قليلة في النهار لدخول الفلاحين إلى مزارعهم الموجودة وراءه، وبتصاريح تعطى بعد فحص أمني.
بالطبع عزون ومنذ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والضفة الغربية بعد أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، تعاني من اقتحامات الاحتلال المتكررة ومن إطلاق النار العشوائي على المنازل وعمليات الاعتقال والقتل الميداني لشبان القرية الذين يجدون أنفسهم أمام خيار واحد وهو مقاومة هذا المحتل المنفلت من عقله عقاله.
المصادر
ـ مصطفى الدباغ، "بلادنا فلسطين"، دار الهدى،1991.
ـ "دليل قرية عزون ويضم تجمعي عسل وعزبة الطبيب"، معهد الأبحاث التطبيقية- أريج، القدس، 2013.
ـ "عزون ـ قضاء قلقيلية"، موسوعة القرى الفلسطينية.
ـ "بلدة عزون"، موقع فلسطين في الذاكرة، 9/3/2008.
ـ وضاح عيد، "عزون عتمه..القرية الفلسطينية التي قسمها الجدار"، الجزيرة نت، 11/1/2007.
ـ عيسى السفري، كتاب "فلسطين العربية بين الانتداب والصهيونية"..