شاهد المقال التالي من صحافة السعودية عن معارك عنيفة في الخرطوم والنيابة تأمر بإعادة اتباع البشير إلى السجن، فيما تتواصل المعارك في الخرطوم وأم درمان، أمرت نيابة السودان، اليوم الثلاثاء ، بضبط قيادات سابقة بنظام عمر البشير خرجوا من السجن عقب مواجهات الجيش .،بحسب ما نشر صحيفة عكاظ، تستمر تغطيتنا حيث نتابع معكم تفاصيل ومعلومات معارك عنيفة في الخرطوم.

. والنيابة تأمر بإعادة اتباع البشير إلى السجن، حيث يهتم الكثير بهذا الموضوع والان إلى التفاصيل فتابعونا.

معارك عنيفة في الخرطوم.. والنيابة تأمر بإعادة اتباع...
فيما تتواصل المعارك في الخرطوم وأم درمان، أمرت نيابة السودان، اليوم (الثلاثاء)، بضبط قيادات سابقة بنظام عمر البشير خرجوا من السجن عقب مواجهات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.

وذكرت وسائل إعلامية أن الأوامر صدرت بالقبض على قيادات نظام البشير الهاربين من السجن أبرزهم علي عثمان محمد طه وأحمد هارون.

وقصف الجيش السوداني تمركزات للدعم السريع جنوب وشرق العاصمة الخرطوم، اليوم، فيما وقعت اشتباكات عنيفة بين الطرفين بمحيط المدينة الرياضية، جنوب العاصمة.

وذكر شهود عيان أن قذائف مدفعية متوسطة وبعيدة المدى سقطت على أهداف تابعة لقوات الدعم السريع في أحياء أركويت والفردوس والرياض شرقي العاصمة، ودوت أصوات إطلاق نار بأسلحة ثقيلة شمالي العاصمة، في وقت واصل فيه طيران الاستطلاع الحربي طلعاته الجوية في أنحاء متفرقة.

وذكر الشهود أن هناك أصوات إطلاق نار كثيف شمالي مدينة أم روابة في ولاية شمال كردفان غربى السودان وسط انتشار مكثف للجيش السوداني في المنطقة، ودعت لجان المقاومة في أم روابة المواطنين القاطنين في مدخل المدينة لاتخاذ الحيطة والحذر.

وكان الجيش السوداني أعلن تحييد قواته الخاص لعدد من القناصين واشتبكت مع الدعم السريع بمناطق جبرة وأبو آدم وكبري الدباسين جنوب الخرطوم.

من جهة أخرى، أعلنت نقابة أطباء السودان مقتل 28 طبيبا منذ اندلاع المواجهات، وهناك عدة مفقودين. جاء ذلك في الوقت الذي أكد وزير الصحة السوداني هيثم إبراهيم، أن نحو 30 مستشفى فقط من أصل 130، لا تزال تعمل في ولاية الخرطوم وسط ظروف معقدة وصعوبات كبيرة.

وقال إبراهيم في تصريحات لوكالة أنباء العالم العربي إن أكثر الولايات التي تأثرت في الحرب، هي الخرطوم ودارفور، مضيفاً: «ولاية الخرطوم تأثرت صحياً بشكل مباشر وكبير».

34.83.0.115



اقرأ على الموقع الرسمي


وفي نهاية المقال نود ان نشير الى ان هذه هي تفاصيل معارك عنيفة في الخرطوم.. والنيابة تأمر بإعادة اتباع البشير إلى السجن وتم نقلها من صحيفة عكاظ نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكامله .

علما ان فريق التحرير في صحافة العرب بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر او الموضوع من مصدره الاساسي.

المصدر: صحافة العرب

كلمات دلالية: الجيش ايجي بست موعد عاجل الدولار الامريكي اليوم اسعار الذهب اسعار النفط مباريات اليوم جدول ترتيب حالة الطقس معارک عنیفة فی الخرطوم

إقرأ أيضاً:

الخرطوم في قلب الحرب: عامان على انهيار مركز السلطة في سودان ما بعد الاستعمار

د. مريم محمد عبدالله وقيع الله

1. مقدمة
بعد عامين على اندلاع الحرب في الخرطوم، تجلّت الأزمة السودانية في أقسى صورها، بانفجار العنف من مركز الدولة، كاشفًا عن التناقضات البنيوية المتراكمة تحت سطح استقرار هش. لم تكن الحرب مفاجئة في سياق دولة تأسست على التسلط والإقصاء، بل كانت ذروتها المنطقية، حيث انفجرت التوترات التاريخية والاجتماعية والسياسية في قلب المدينة التي لطالما كانت مرآة للسلطة ومسرحًا لعنفها الرمزي والمادي. فمنذ الاستقلال، مثّلت الخرطوم تجسيدًا لدولة ما بعد الاستعمار التي احتكرت فيها النخب السلطة، ورسّخت التمييز عبر سياسات تخطيط وتنمية عمقت التهميش حتي داخل المدينة نفسها. فبينما تمتعت نخب معينة بالامتيازات، ظلت الفئات المهمشة محاصرة في أحياء الفقر ومعرّضة للعنف.
ورغم هذه البنية المشوهة، شكّل الحراك الثوري لحظة مقاومة كشفت عن وعي جمعي ضد التمييز، لكنه لم يصمد أمام التناقضات البنيوية التي مهّدت لانفجار الصراع المسلح في الخرطوم. فالحرب لم تكن مجرد صراع جنرالات، بل لحظة انكشاف شامل لأزمة الدولة، حيث تحوّلت الخرطوم إلى رمز لانهيار مشروعها، وفضاء يُعاد فيه تعريف من يستحق الحياة ومن يُترك للعنف. لذلك، لا يمكن إنهاء الحرب دون تفكيك بنيات السلطة والعنف، وإعادة بناء الدولة على أسس العدالة والمواطنة الكاملة.
2. تشظي المدينة: الحرب وانفجار الهامش في قلب الخرطوم
اندلاع الحرب بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في الخرطوم شكّل نقطة تحوّل كشفت هشاشة البنية الاجتماعية والاقتصادية للمدينة، مع تباين واضح في أنماط الاستجابة بين الطبقات. فبينما تمكّن سكان الأحياء الوسطى، ومعظمهم من الطبقتين الوسطى والعليا، من مغادرة المدينة مبكرًا رغم المخاطر، لم تكن المغادرة متاحة للفئات الأكثر هشاشة، لا سيما سكان الأطراف من النازحين داخليًا، الذين مكّنتهم خبراتهم السابقة في التعامل مع العنف والإقصاء من التكيّف نسبيًا رغم المعاناة. هذا التفاوت يعكس فجوة طبقية حادّة ويفضح الأسس البنيوية غير العادلة التي بُنيت عليها المدينة، حيث يتحوّل الموقع الجغرافي والدخل والخلفية التاريخية إلى عوامل حاسمة في فرص النجاة.
تفكك مؤسسات الدولة أدى إلى فوضى شاملة، زادها خطورة فتح السجون في الأسبوع الأول من الحرب، ما أتاح لعصابات "تسعة طويلة" و"الشفّشافة" الانخراط في موجات نهب وسلب واسعة. و"الشفّشافة" هي مجموعات مسلحة من دارفور قاتلت إلى جانب الدعم السريع، الذي سيطر على معظم احياء المدينة منذ الأسابيع الأولى. وأسفرت الفوضى عن مقتل الآلاف وترك جثثهم في الشوارع، إلى جانب انتهاكات جسيمة شملت نهب الممتلكات العامة والخاصة، والعنف الجنسي بحق النساء، في ظل تقديرات تفيد بأن الأرقام الحقيقية أعلى بكثير.1
تتحمّل قوات الدعم السريع مسؤولية قانونية وأخلاقية عن هذه الانتهاكات، سواء عبر تورّط عناصرها المباشر أو غض الطرف عنها. وتوثّق شهادات حالات طرد مدنيين وابتزازهم للكشف عن خصوم مفترضين، ما أدى إلى اعتقالات وتعذيب على خلفية شبهات بالتعاون مع الجيش. في المقابل، شارك بعض سكان الأحياء الطرفية في نهب مراكز تجارية كبرى مثل مول "عفراء"، في فعل انتقامي جماعي يُعبّر عن "شرعنة الفوضى" كآلية مشوّهة لإعادة التوزيع الاجتماعي، وسط غياب سلطة الدولة. لاحقًا، استُهدفت هذه المناطق بغارات جوية من الجيش بذريعة دعمها للدعم السريع، ما عمّق معاناة سكانها. من تبقوا في المدينة عاشوا ظروفًا إنسانية كارثية، وسط غياب الخدمات الأساسية، وظهرت مبادرات مجتمعية تعرف بـ"التكايا"، تقودها لجان الطوارئ الشبابية لتوفير الغذاء والدواء، رغم محدودية الدعم وضرورة التنسيق مع الدعم السريع للسماح لهم بالحركة2.
تفاقمت أوضاع النازحين لاحقًا بعد تمدد الحرب إلى ولايات مثل الجزيرة وسنار والنيل الأبيض، مما أدى إلى موجات نزوح متكررة أو عودة إلى القرى الأصلية رغم ضعف البنية التحتية هناك. وقد عبّرت شهادات، لا سيما من نساء نازحات، عن معاناة مركّبة جمعت بين النزوح، الحرب، والكوارث الطبيعية، كما في مناطق شمال السودان المتضررة من السيول3. وعلى الجانب الآخر من الحدود، تباينت أوضاع المهجّرين: فبينما استطاع البعض الاستقرار بدعم ذاتي أو من مجتمعات المغتربين، واجه آخرون ظروفًا بالغة القسوة، دفعت بعضهم للعودة رغم استمرار المخاطر.
عودة الجيش إلى الخرطوم: إعادة إنتاج العنف باسم "التحرير"
مع نهاية عام 2024، أطلق الجيش السوداني هجومًا مضادًا لاستعادة المناطق التي خسرها، معتمدًا على تحالف عسكري ضمّ الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا، وكتائب الإسلاميين، والمجموعات التعبوية، إضافة إلى قوات "كيكل" المنشقة عن الدعم السريع. وحقق هذا التحالف تقدمًا ملموسًا في ولايات الجزيرة وسنار والنيل الأبيض، وانتهى باستعادة السيطرة على الخرطوم، عقب انسحاب الدعم السريع إلى أم درمان4.
لكن هذا "الانتصار" لم يجلب الاستقرار، بل دشّن فصلًا جديدًا من التوترات الاجتماعية والمناطقية. عاد بعض النازحين من الطبقة الوسطى والعليا إلى أحيائهم، بينما واجه سكان الأطراف الذين بقوا أثناء الحصار موجة جديدة من الإقصاء والعنف. ومع دخول القوات النظامية، تم توثيق انتهاكات جسيمة ارتكبتها الميليشيات الإسلامية المتحالفة مع الجيش، خاصة "كتيبة البراء بن مالك"، التي نفذت إعدامات ميدانية وتعذيبًا بحق شباب اتُهموا بالتعاون مع الدعم السريع.
أبرز المجازر وقعت في 30 سبتمبر 2024 بالحلفايا، حيث أُعدم 120 شابًا من متطوعي التكايا دون محاكمات أو أدلة5. وامتدت الانتهاكات إلى الحاج يوسف وغيرها، مستهدفة مدنيين بناءً على خلفياتهم الإثنية أو المناطقية، خاصة من غرب السودان، جبال النوبة، الأنقسنا، جنوب السودان. وبعد استعادة القصر الجمهوري في مارس 2025، تصاعد العنف في الأحياء الطرفية، لا سيما غير الرسمية، حيث وقعت حالات إعدام وذبح عكست نزعة انتقامية منظمة تستهدف على أساس العرق والجغرافيا6. المفارقة أن بعض الضحايا ينتمون إلى إثنيات تشكّل عماد بعض الفصائل المتحالفة مع الجيش، ما يهدد بتفكك هذا التحالف الهش.
في الفضاء الرقمي، ظهرت دعوات لهدم الأحياء غير الرسمية تحت غطاء "إعادة تخطيط المدينة"، لكن دوافعها الحقيقية عنصرية، تستهدف سكان هذه المناطق من دارفور، جبال النوبة، والنيل الأزرق، وهي مناطق عانت من الحروب لعقود. وتستدعي هذه المشاهد إلى الأذهان أحداث 2005 بعد وفاة جون قرنق، و2008 عقب دخول العدل والمساواة للخرطوم، حيث وُجهت الاعتداءات على أساس الهوية7، رغم أن القوات لم تستهدف المدنيين. تكرار هذه الأنماط يؤكد أن العنف الحالي ليس مجرد رد فعل، بل نتيجة لمظالم تاريخية تراكمت في ظل سلطة مركزية ترفض الاعتراف بالتنوع.
تصاعد التشظي الاجتماعي وخطابات التحريض العنصري ينذر بانزلاق السودان نحو سيناريو مشابه لرواندا 1994،8 حيث تحوّل النزاع السياسي إلى إبادة جماعية، ما لم تُتخذ خطوات عاجلة لوقف العنف، وبناء دولة مدنية قائمة على العدالة والتعددية والمحاسبة.
3. الدولة، الهيمنة، والعنف: الخرطوم بوصفها مرآة لأزمة ما بعد الاستعمار
تمثل الدولة السودانية نموذجًا معقدًا لكيان سياسي تشكّل في أعقاب الاستعمار، حيث تأسست على أنقاض النظام الاستعماري البريطاني–المصري، وورثت بنيته العنيفة ومركزيته الإقصائية. وبهذا المعنى، لم تكن الدولة مشروعًا للتحرر أو العدالة الاجتماعية، بل شكّلت امتدادًا لمنظومة الهيمنة الاستعمارية، أعادت إنتاج التراتبيات التي رسّخها الاستعمار، لا سيما في تمركز السلطة بالعاصمة وتهميش الأطراف.
ينطلق هذا التحليل من فرضية أساسية مفادها أن الدولة السودانية، منذ نشأتها، قامت على أسس الهيمنة والاستغلال والتهميش، وهي بنية مترسخة في تكوينها المؤسساتي والبنيوي، وبلغت ذروتها خلال حكم النظام العسكري–الإسلامي (1989–2019). في هذا السياق، تكتسب مقاربات ما بعد الاستعمار أهمية تحليلية بالغة؛ فكما يشير أشيل مبيمبي، فإن الدولة ما بعد الاستعمارية لا تخرج من منطق الاستعمار بل تعيد إنتاجه بأدواتها السلطوية9، بينما يرى فرانز فانون أن البرجوازية الوطنية غالبًا ما تتحوّل إلى أداة لنهب الدولة وترسيخ الاستبداد بدلًا من تفكيكه10.
في الحالة السودانية، ساهم التعدد العرقي والإثني في تعميق البنية السلطوية، من خلال فرض سياسات تعريب وأسلمة قسرية11، أدّت إلى تصعيد النزاعات بين المركز والأطراف، وخصوصًا خلال العقود الاربعة الأخيرة. ولا يمكن فهم الديناميات الحالية في الخرطوم دون استحضار طبيعتها كعاصمة صُممت في إطار استعماري مركزي، ثم أُعيد إنتاج هذا النموذج لاحقًا على يد الأنظمة الاستبدادية ما بعد الاستعمار، التي لم تسعَ لتفكيكه بل رسّخته12. وقد فاقمت موجات النزوح الداخلي الناتجة عن الحروب الاهلية والكوارث البيئية التفاوتات الطبقية والجغرافية، وحوّلت الخرطوم إلى مرآة حية لعلاقة المركز–الهامش.
غير أن المفارقة الأبرز في الحرب الحالية تكمن في تحوّل الخرطوم نفسها إلى ميدان للصراع، ليس فقط كساحة معركة، بل كرمز للسلطة السيادية. فالجيش النظامي يمثّل الامتداد التاريخي للدولة المركزية، في حين تنحدر قوات الدعم السريع من هوامش البلاد، لكنها سرعان ما تمركزت في قلب السلطة. وهكذا أضحت الحرب مواجهة على المركز ذاته، بأدواته الرمزية والعسكرية، في محاولة لإعادة تعريف من "يملك المدينة"، وبالتالي من يملك الدولة13.
اكتسب الصراع في السودان بعدًا إثنيًا–مناطقيًا خطيرًا، إذ استخدم قادة الجيش، بدعم من رموز النظام البائد، خطابًا يشيطن الدعم السريع بوصفه قوة "مرتزقة" تسعى لتغيير التركيبة السكانية لصالح "غير الأصيلين"14. في المقابل، تبنّت قيادة الدعم السريع خطاب "نصرة المهمّشين" ورفض "دولة 1956" كنموذج مهيمن عليه من نخبة المركز15. وسعى حميدتي إلى توسيع تحالفاته مع قوى الهامش، خاصة الحركات الموقعة على اتفاق جوبا، التي رغم خطابها المناهض للجيش، عادت لاحقًا لمساندته، مثل قوات مالك عقار، جبريل إبراهيم، ومني أركو، والاخير فك الحياد بعد تمدد الدعم السريع في دارفور16.
تعمّق الصراع في السودان مع تورّط بعض النخب المدنية، بمن فيهم من شاركوا في ثورة ديسمبر، في التحيّز لأطراف النزاع بدوافع أيديولوجية أو إثنية، عبر الإعلام أو المشاركة العسكرية17. تحوّلت الخرطوم من رمز للتعايش السياسي إلى مسرح لإعادة إنتاج الهيمنة السلطوية من المركز، مما أدى إلى دمار عمراني ورمزي واجتماعي للعاصمة، باعتبارها محور وحدة الدولة، في ظل غياب مسارات ديمقراطية وتفويض شعبي حقيقي.
من هذا المنظور، لا يمكن اختزال هذه الحرب، رغم مآسيها الإنسانية، في صراع بين جنرالات، بل هي لحظة انفجار بنيوي لأزمة كامنة منذ الاستقلال. إذ تأسست الدولة السودانية على منظومة عنف تم شرعنتها من خلال مصطلحات مثل الوطنية والمصلحة العامة والدين. لذا، فإن فهم الصراع الحالي لا بد أن يتجاوز مجرد رصد وإدانة ما أصاب الأفراد والجماعات من أذى، رغم أهمية ذلك، ليعكف على تفكيك البنية السياسية والفكرية التي أنتجت هذا الصراع، والعمل على معالجة الأسباب الجذرية الكامنة وراءه18.
4. إشكالية الدولة السودانية: بين أمل التغيير، وعائق الانقسام، ومآلات الحرب
منذ الاستقلال، أعادت النخب السياسية السودانية إنتاج نمط السيطرة على الدولة المركزية الحديثة، التي ورثت بنيتها عن الاستعمار البريطاني–المصري. وقد أخفقت النخب الشمالية في أول اختبار وطني بالتنصّل من منح الجنوب حكمًا فيدراليًا، ما أدى إلى أول حرب أهلية عشية الاستقلال19. كما رُفضت مطالب مماثلة من دارفور وجبال النوبة وشرق السودان، فيما احتُكرت السلطة عبر الخرطوم. وتواصلت الانقلابات العسكرية التي حافظت على بنية الدولة الاستعمارية، ما أسفر عن انفصال الجنوب20، واتساع الحروب الأهلية، ووصولها مؤخرا إلى الخرطوم. ورغم الانتفاضات الشعبية المتكررة التي نحت ثلاث مرات في اسقاط انظمة ديكتاورية، الا النخبة السياسية فشلت في بناء دولة مستقرة قائمة على المواطنة والعدالة 21.
مثّلت ثورة ديسمبر 2018 لحظة تحول تاريخي في السودان، إذ فجّرت حراكًا جماهيريًا واسعًا قاده الشباب والنساء وسكان الهامش، وأدى إلى إسقاط نظام البشير. أفضت الثورة إلى تأسيس "تحالف قوى الحرية والتغيير"، الذي جمع قوى مدنية وتنظيمات مسلحة، ما أنعش الآمال ببناء دولة ديمقراطية عادلة. لكن سرعان ما بدأت التصدعات تضرب هذا التحالف نتيجة فشله في بلورة مشروع وطني جامع، وزادت هشاشة الشراكة مع المكون العسكري في إطار الوثيقة الدستورية من تعقيد المشهد. وبلغ هذا التوتر ذروته بانقلاب 25 أكتوبر 2021، الذي أعاد تمكين قوى النظام السابق،22 لكنه فجّر في المقابل صراعًا داخليًا بين مكونات المنظومة العسكرية. وقد تشكلت هذه القوى من القوات المسلحة ذات الخلفية الإسلامية، وقوات الدعم السريع القادمة من هامش الهامش، إضافة إلى الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا. ومع تمركز هذه الأطراف جميعًا في الخرطوم، أصبحت العاصمة تترقب انفجارًا مؤجلًا، تحقق بالفعل باندلاع الحرب المفتوحة في 15 أبريل 2023، على خلفية الخلاف حول الاتفاق الإطاري23.
سعت القوى السياسية للعب دور الوسيط لإنهاء الحرب، لكنها فشلت في بلورة موقف موحّد رغم رفض معظمها لاستخدام العنف. فقد عمّق الانقسام بين "قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي" وتيار "الجذريين" (الحزب الشيوعي وحلفاؤه) عجز القوى المدنية عن تشكيل جبهة موحّدة ذات تأثير24. في هذا السياق، برز تحالف "تقدّم" كمبادرة مدنية جديدة، وتمكن في يناير 2024 من التوصل إلى اتفاق مبدئي مع قوات الدعم السريع لوقف إطلاق النار25. غير أن الجيش رفض التوقيع، واتهم التحالف بالانحياز للدعم السريع والسعي لتبييض سجلها، ما عمّق الانقسام المدني وأضعف فرص التفاوض.
في مرحلة لاحقة، برزت انقسامات داخل تحالف "تقدّم" بين تيارين رئيسيين: الأول، تقوده مجموعة "تأسيس"، يدعو إلى تشكيل حكومة مدنية موازية في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع، مستندًا إلى غياب الدولة المركزية كفرصة لإعادة بناء السلطة على أسس جديدة؛ بينما تبنّى التيار الثاني، ممثَّلًا في مجموعة "صمود"، موقف الحياد، مركّزًا على الدفع نحو تسوية سياسية شاملة، رغم تعنّت قيادة الجيش، المدعومة من الإسلاميين، ورفضها أي حل خارج بنيتها المهيمنة26.
ضمت مجموعة "تأسيس" قيادات من حزب الأمة القومي، والحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل)، وحركات مسلّحة موقعة على اتفاق جوبا، إضافةً إلى شخصيات مدنية مستقلة وقيادات سابقة في تجمع المهنيين. وسعت لبناء تحالف سياسي–عسكري واسع، استقطبت من خلاله الحركة الشعبية لتحرير السودان–شمال (جناح الحلو)، وقوات الدعم السريع، وقيادات أهلية من دارفور وكردفان والنيل الأزرق وشرق السودان. تُوّج هذا المسار بتوقيع "ميثاق التأسيس"،27 الذي دعا إلى القطيعة مع الدولة المركزية الإقصائية، واعتماد "الوحدة الطوعية"، والاعتراف بالتنوع، وترسيخ الديمقراطية والعلمانية، واللامركزية، والمساواة بين الجنسين، مع إعداد دستور انتقالي تمهيدًا لدستور دائم.
على الرغم من الطموحات التي حملها "ميثاق التأسيس" لتجسيد شعارات ثورة ديسمبر المتمثلة في "الحرية، السلام، والعدالة"، فقد قوبل برفض واسع من بعض مكوّنات النخبة السياسية، بسبب مشاركة قوات الدعم السريع في بلورته، بالنظر إلى سجلّها في ارتكاب الانتهاكات الجسيمة، من دارفور إلى مجزرة القيادة العامة في 2019. غير أن هذا الرفض يغضّ الطرف عن تضمّن الميثاق بندًا صريحًا بشأن العدالة التاريخية لضحايا الحروب والانتهاكات، ويتجاهل الدور البنيوي الذي لعبه الجيش، باعتباره الطرف الأكثر تورطًا في كافة حروب ما بعد الاستعمار، ومنشئ الدعم السريع ذاته، كأداة لخدمة استراتيجيات القمع والتثبيت السلطوي28. وإلى اليوم، يواصل الجيش تشكيل ميليشيات مناطقية وأيديولوجية يتجاوز عددها العشرين، بما يكرّس نمط الحكم عبر العنف والتفكيك الأهلي.
هذا التركيز الحصري على الدعم السريع، دون تفكيك البنية التي أنتجته، يُظهر مقاربة تجزيئية تحكمها حسابات فئوية وأخلاقية انتقائية. وهو ما يحجب التحليل البنيوي الأعمق لطبيعة الدولة السودانية الحديثة، التي وصفها فرانز فانون بأنها "امتداد للاستعمار في جلد محلي"29، فيما يرى أشيل مبمبي أنها تقوم على "النيكروبوليتكس"30؛ أي إدارة الحياة والموت عبر العنف الرمزي والمادي. في هذا السياق، يغدو استدعاء الدعم السريع أو إدانته خارج إطار تفكيك الدولة السلطوية المركزية، نوعًا من الإنكار السياسي الذي يساهم في إعادة إنتاج نفس منطق السيطرة والإقصاء الذي فجّر الأزمة من الأساس.
ورغم فداحة الكلفة الإنسانية للحرب، فإن التحولات الجارية في المشهد السياسي والاصطفافات الإقليمية تفتح نافذة نادرة لإعادة التفكير في مشروع الدولة. ويمكن للميثاق، إذا حظي بدعم شعبي وإرادة جماعية، أن يشكّل أداة ضغط لتفكيك ارتباط الجيش بالتيار الإسلامي، الذي يواصل تعطيل مسارات التفاوض. غير أن التباينات الحادة حول الميثاق تكشف عمق الأزمة البنيوية داخل النخبة السياسية، خاصة في الخرطوم والمركز النيلي، وعجزها عن تجاوز مصالحها الضيقة نحو مشروع وطني جامع.
في ظل هذا العجز، قد يتحوّل السودان إلى ساحة مفتوحة لتنافس القوى الإقليمية والدولية، التي تسعى لإعادة تشكيل المجال الجغرافي والسياسي للبلاد بما يتوافق مع مصالحها الاستراتيجية. ويجري ذلك ضمن سياق أقرب إلى "الاستعمار الجديد" (Neo-colonialism)، حيث تُستثمر الحرب كأداة لإعادة هندسة الخرائط الجيوسياسية، في ظل هشاشة السيادة الوطنية وتفكك مؤسسات الدولة31. في هذا الإطار، يُنظر إلى السودان كاحتياطي استراتيجي للموارد الطبيعية، من المياه والأراضي الزراعية والثروات المعدنية، إلى موقعه الجغرافي الحيوي.
إذن، يتّضح أن إخفاق مشروع بناء الدولة الوطنية في السودان هو إخفاق بنيوي مركّب: يتمثّل أولًا في العجز عن إنتاج مركز سياسي ديمقراطي قادر على تمثيل التعدد الإثني والجغرافي؛ وثانيًا في الفشل في تفكيك البنية السلطوية التي ورثتها الدولة من الحقبة الاستعمارية. وقد أدّت هذه الأزمة إلى تفجّر الحروب الأهلية، التي بلغت ذروتها في الحرب الحالية، التي حولت الخرطوم، بوصفها مركزًا تاريخيًا للسلطة، من رمز لوحدة الدولة إلى مرآة لانهيارها، ومن تجسيد لمشروع الدولة الوطنية إلى تعبير عن أزمتها البنيوية المتفاقمة.
5. خاتمة
تُجسّد أزمة بناء الدولة في السودان امتدادًا تاريخيًا لمسار طويل من الهيمنة والتهميش، حيث تنازعت النخب السياسية السيطرة على الدولة المركزية التي ورثتها عن الاستعمار، دون أن تتمكّن من إعادة إنتاجها على أسس ديمقراطية. مثّلت ثورة ديسمبر 2018 لحظة مفصلية في هذا السياق، لكنها سرعان ما اصطدمت بتعقيدات المرحلة الانتقالية، والانقسامات العميقة بين القوى المدنية والعسكرية، ما مهّد الطريق لانقلاب 2021، وتفاقم الأوضاع إلى الحرب الشاملة.
يُظهر هذا المسار فشلًا مزدوجًا للنخب السياسية: في بناء مركز ديمقراطي قادر على تمثيل التعدد الإثني والجغرافي، وفي تفكيك البنية السلطوية الموروثة من الاستعمار. الحرب الدائرة في الخرطوم ليست مجرد مواجهة عسكرية، بل تعبير عن أزمة بنيوية عميقة تكشف هشاشة المشروع الوطني وتفاقم الانقسامات المجتمعية.
ورغم التحديات الجسيمة، لا تزال هناك فرصة لصياغة مشروع وطني جديد يقوم على مبدأ "الوحدة الطوعية"، ويؤسس لنظام ديمقراطي عادل يضمن الحقوق والمساواة لكافة السودانيين. غير أن ذلك يتطلّب حوارًا وطنيًا شاملًا وفاعلًا، يضع حدًا للحرب ويمهّد الطريق لصياغة دستور يعكس تطلعات الشعب. أما إذا تعذّر هذا المسار، فإن البلاد مهدّدة بالانزلاق نحو حرب مزمنة، تُجهز على ما تبقّى من نسيجها الاجتماعي، وتحوّلها إلى ساحة مفتوحة لصراعات القوى الإقليمية والدولية.

المراجع
 ACLED (April 14, 2023) Sudan: Political Process to Form a Transitional Civilian Government and Shifting Disorder Trends, https://acleddata.com/2023/04/14/sudan-situation-update-april-2023-political-process-to-form-a-transitional-civilian-government-and-the-shift-in-disorder-trends/ (Footnotes No. 23)
 Alarabiya (Aug. 2005) 42 قتيلا في أحداث الشغب بالخرطوم في أعقاب مقتل قرنق https://www.alarabiya.net/articles/2005%2F08%2F02%2F15510(Footnotes No. 7)
 Alarabiya (May, 2008) الخرطوم تعلن مقتل كبير مساعدي زعيم المتمردين غرب أم درمان https://www.alarabiya.net/articles/2008%2F05%2F11%2F49669 (Footnotes No. 7)
 Alrakoba (3 Oct. 2024) مذبحة الحركة الإسلامية بالحلفايا .. من يحمي المدنيين في السودان من قوات الجيش؟https://www.alrakoba.net (Footnotes No. 5)
 Asharq Al-Awsat (Feb. 2025) اتهامات أممية للجيش السوداني بقتل مدنيين على أساس عرقي وجهوي https://aawsat.com (Footnotes No. 6)
 BBC (3 Mar. 2025) السودان: ماذا بعد إعادة الجيش السيطرة على مناطق حيوية في الخرطوم؟ https://www.bbc.com/arabic/articles/c05mr942p3vo (Footnotes No. 4)
 Duffield, M. (2007). Development, security and unending war: Governing the world of peoples. Polity Press (Footnotes No. 31).
 Frantz Fanon (1986) The Wretched of the Earth (Penguin Modern Classics) معذبو الأرض، ترجمة سامي الدروبي، دار الفارابي، الطبعة الثالثة، 2004 (Footnotes No. 10/ 18/ 29)
 Ismail, Abakr Adam (2013) جدلية المركز والهامش قراءة جديدة في دفاتر الصراع في السودان ((Footnotes No. 11/ 18)
 Khalid, M. (1993). Sudanese Elites and Addiction to Failure (in Arabic). Cairo: Al Ameen For Printing & Publishing. (Footnotes No. 21)
 Khalid, M. (2010). War and peace in Sudan: A tale of two countries, . Milton park: Routledge (Footnotes No. 19/ 20)
 Lefebvre, H. (1991). The Production of Space. Oxford: Blackwell (Footnotes No. 13)
 Mbembe, A. (2021) Necropolitics, https://www.jddavispoet.com/book-reviews/necropolitics-achille-mbembe (Footnotes No. 9 / 30)
 Sikainga, Ahmad Alawad (2002) City of Steel and Fire: A Social History of Atbara, Sudan’s Railway Town, 1906–1984. James Currey (Footnotes No. 12)
 Straus, Scott. (2006). The Order of Genocide: Race, Power, and War in Rwanda. Cornell University Press (Footnotes No. 8)
 Sudan Tribune (Jan/ 2022) (الحرية والتغيير) تأسف لموقف الحزب الشيوعي المناوئ لوحدة قوى الثورة https://sudantribune.net/article254669/ (Footnotes No. 24)
 Sudan Tribune (Jan/ 2024) «إعلان أديس» بين تقدم والدعم السريع ينص على اطلاق أسرى وفتح ممرات انسانية https://sudantribune.net/article280903/ (Footnotes No. 25)
 Sudantribune (2اغسطس 2024) سيول جارفة تعزل عدة مناطق في شمال السودان وتحذيرات من أمطار قياسية https://sudantribune.net/article289015// (Footnotes No. 3)
 UNHCR (2023) Sudan Situation - UNHCR External Update #2 - 25 April 2023, https://reliefweb.int/report/sudan/sudan-situation-unhcr-external-update-2-25-april-2023 (Footnotes No. 1)
 Wagialla, Mariam (Oct. 2023), بين التشبث بالسلطة والوحشية: إلى أين يتجه السودان؟ نشر اولا بالالمانية https://sudanile.com (Footnotes No. 16/ 17/26 )
 Wagialla, Mariam (Oct. 2023),نشر اولا بالالمانية بين التشبث بالسلطة والوحشية: إلى أين يتجه السودان؟ https://sudanile.com (Footnotes No. 14/ 15/ 22)
 YouTube (2024) لقاء خاص مع شيخ الامين عمر الامين .. المنبر الثقافي بجنوب كاليفورنيا https://www.youtube.com/watch?v=wHlrHJF4DZQ (Footnotes No. 2)

marfa_1998@hotmail.com

   

مقالات مشابهة

  • الخرطوم في قلب الحرب: عامان على انهيار مركز السلطة في سودان ما بعد الاستعمار
  • سفير قطر في السودان يرفع علم بلاده في مقر السفارة بالخرطوم تمهيدا لاستئناف عملها
  • قائد عسكري للجزيرة نت: معركة تحرير الخرطوم نقطة تحول مفصلية بالمشهد السوداني
  • اشتباكات عنيفة بين الجيش السوداني و”الدعم السريع”
  • بعد عامين من الحرب .. تفاصيل سيطرة الجيش السوداني على الخرطوم؟
  • قائد في الجيش السوداني يكشف عن حجم خسائر الدعم السريع في معارك غرب أم درمان
  • بوابة الخرطوم الغربية في قبضة الجيش السوداني
  • مناوي: الخرطوم كانت محاصرة والآن هي حرة .. الجزيرة كانت محاصرة والآن هي حرة
  • دولة محطمة.. الحرب في السودان تدخل عامها الثالث
  • عاجل| مقتل 8 من ميليشيا الدعم السريع في مواجهات عنيفة مع الجيش السوداني