صالح الحارثي *

نُرحِّب بزيارة معالي أنطونيو غوتيرش الأمين العام لمنظمة الامم المتحدة، في زياراته المتتابعة لسلطنة عُمان، باحثا عن الحلول ومفاتيح السلام لمعضلات المنطقة، فلقد جاءها من قبل مرات عديدة ولقي مبتغاه وقد نجح.

فعُمان -ولا نزكي أنفسنا- لديها من الخبرة التراكمية والمعرفة العميقة والنظرة الفاحصة والمقدرة على حلحلة مشكلات المنطقة، ما يجعلها قِبلة للذين ينشدون السلام في العالم.

يأتينا اليوم هذا الرجل الشجاع، الذي لم يخشَ هجمة الغرب عن قول الحق، فوقف كالطود العظيم وهو يقول: "إن الشعب الفلسطيني يخضع لاحتلال خانق على مدى 56 عاماً". مشيراً إلى أن "هجوم حماس لم يأت من فراغ"، ومعربا عن قلقه حول "الانتهاكات الواضحة للقانون الدولي الإنساني في غزة"، منتقدا بذلك السياسات الغربية بشكل عام، والعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة على وجه الخصوص، ومُوجِّها رسالة غير مسبوقة إلى مجلس الأمن الدولي بشأن هذه الحرب، ومُحذِّرا من مغبَّة انهيار النظام العام العالمي وتداعياته على العالم، ولافتا انتباهه إلى أن ذلك قد يُهدد السلم والأمن الدوليين".

يأتينا هذا الرجل الأمين المخلص الذي سبق وقال: "إن الموت والدمار والتشريد والجوع والخسارة والحزن في غزة على مدى الأيام المائة والعشرين الماضية، نَدْبَة على إنسانيتنا وضميرنا المشتركين".

يأتينا ليسمع منا الكلام ذاته الذي قاله من قبل معالي السيد بدر بن حمد بن حمود وزير الخارجية: "إنَّ الأجيال القادمة ستنظر بدهشة واشمئزاز إلى الخيانة التي يتعرَّض لها أهل غزة، وأنَّ كل الدول ملتزمة التزامًا قانونيًّا وأخلاقيًّا باحترام القانون الدولي، وأنَّ فشلها في القيام بذلك بمثابة تهديد خطير للسلام والاستقرار".

عُمان كما عرفها العالم المتحضِّر بيت الحكمة، والحكمة ضالة "الدبلوماسي"، وغوتيرش دبلوماسي مُحنَّك ومستمع جيد، وما ستقوله له الدبلوماسية العُمانية بلا شك سيخدم الأمن والسلم الدوليين، وسيجنِّب المنطقة ويلات الحروب والصراعات التي لا طائل منها سوى الدم والدمار.

القضية الفلسطينية هي سيدة الموقف الآن، وهي مفتاح الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وقد بدت الآن أكثر وضوحا عن ذي قبل، للذين لم يكونوا يؤمنون بذلك.

فالفلسطينيون أصحاب حق مشروع، وهو الاعتراف بدولتهم المستقلة على حدود ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية، وما عدا ذلك فهو مزيد من المعاناة والحروب وعدم الاستقرار في المنطقة، وانعكاسات ذلك على العالم الذي عايش الغطرسة الإسرائيلية بسبب الدعم العسكري الأمريكي-الغربي اللا محدود، ومن بينه استخدام الولايات المتحدة الأمريكية حق النقض "الفيتو" ضد الاعتراف بدولة فلسطين.

يأتينا هذا الرجل وفي جُعبته الكثير من القضايا، ناشدًا صوت العقل الذي سيجده هنا في مسقط. ويأتينا كذلك ومعه الملف القديم المتجدِّد بعد الملف الفلسطيني، وهو ملف إصلاح الأمم المتحدة ومراجعة آليات العمل فيها، ومن بينه: إعادة النظر في طريقة عمل مجلس الأمن الدولي ليكون أكثر عدالة وأكثر حرصا على حفظ وصون الأمن والسلم الدوليين، وأكثر بُعدا عن ازدواج المعايير، وأكثر شفافية في تناول قضايا دول العالم الثالث والدول النامية، وهو أمرٌ يستوجب من المجتمع الدولي كذلك العمل معًا هذه المرة بجدية أكبر وتعاون أوسع وأوثق لإصلاح هذا الخلل العميق في هذه المنظمة الدولية العجوز.

نقول للسيد غوتيرش: أهلا وسهلا بك في بلد الأمانة والأمن والسلام، فلن تسمع مِنَّا غير الصِّدق، ولن نقول لك غير الحقيقة، ولن تَرَى مِنَّا غير ذات المبادئ، ولو زُرتنا بعد ألف عام.

** سفير سابق

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

حسام زكي يستقبل وكيل السكرتير العام للأمم المتحدة للشئون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ

استقبل السفير حسام زكي الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، اليوم الأحد ٩ فبراير، السيد توم فليتشر وكيل السكرتير العام للأمم المتحدة للشئون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ (أوتشا)، وذلك في ضوء قيام السيد فليتشر بزيارة للمنطقة للاطلاع على الوضع الحالي والتحديات التي تواجه عمليات الإغاثة في فلسطين.

وفي هذا الإطار، جرت مناقشة الأوضاع الإنسانية في فلسطين ولبنان وسوريا والسودان في ظل التطورات الخطيرة وغير المسبوقة بعد أكثر من عام على العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة، وما تتعرض له هذه الدول من أزمات وكوارث تستدعي تكثيف جهود الإغاثة والمساعدة من أجل استجابة أكثر فعالية للاحتياجات الإنسانية، حيث ثمّن زكي الجهود المقدرة التي تبذلها الأوتشا وغيرها من وكالات الأمم المتحدة في هذا الصدد، مؤكداً على أهمية العمل الجماعي وتضافر الجهود من أجل تقديم الدعم اللازم لتلك الدول، وصياغة خطة استجابة شاملة للتخفيف من التداعيات الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية التي تواجهها.

كما استعرض السيد فليتشر الوضع في غزة ولبنان وسوريا والسودان، وذلك في ضوء زياراته والمشاورات التي قام بها في تلك الدول، موضحاً أن هناك ما يقرب من 25 مليون شخص في السودان بحاجة إلى مساعدات إنسانية، وذلك نتيجة تصاعد النزاع ومحدودية الوصول الإنساني، فضلاً عما شهده قطاع غزة من دمار لكافة القطاعات وخاصة القطاع الصحي، وأهمية الوقوف على الاحتياجات الملحة للقطاع وأهمية تدخل المنظمات الأممية المعنية للإغاثة والمساعدات الإنسانية.

وقد تمت الإشارة إلى خطة العمل الموقعة بين الجانبين للفترة من 2025 إلى 2027، وذلك تفعيلاً لمذكرة التفاهم الموقعة عام 2010، وما تتضمنه من تنظيم أنشطة وفعاليات مشتركة، كما وافق مجلس وزراء الصحة العرب بتاريخ 12/12/2024 على مشاركة الأوتشا في اجتماعات المجلس بصفة مراقب.

مقالات مشابهة

  • غوتيريش يحذر من استئناف القتال في قطاع غزة
  • بأي ثمن.. نداء عاجل من الأمين العام للأمم المتحدة إلي حماس وترامب
  • الأمين العام للأمم المتحدة: يجب تجنب استئناف العمليات القتالية في غزة بأي ثمن
  • وكيل الأمين العام للأمم المتحدة: ضرورة حماية الإغاثيين ووقف معاناة المدنيين
  • وكيل الأمين العام للأمم المتحدة عن زيارته لغزة: الأطفال الأكثر تضررًا
  • وكيل الأمين العام للأمم المتحدة: الأطفال في غزة الأكثر تضررا
  • وكيل الأمين العام للأمم المتحدة عن زيارته لغزة: الأطفال الأكثر تضررا
  • وكيل الأمين العام للأمم المتحدة: ما رأيته بمستشفى الشفاء في غزة «فيلم سينمائي»
  • حسام زكي يستقبل وكيل السكرتير العام للأمم المتحدة للشئون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ
  • حسام زكي يستقبل وكيل السكرتير العام للأمم المتحدة للشئون الإنسانية ومنسق الإغاثة