حارتا العين والسواد بإزكي تاريخ حافل وسياحة واعدة
تاريخ النشر: 14th, May 2024 GMT
أحمد الصارمي: بيوت الحارة مبنية من الحجارة ولم تندثر على مدى أكثر من نصف قرن -
أسفل سفح امتداد الجبل الأخضر من الجهة الشرقية وبمحاذاة مزارع النخيل وأشجار الأمبا «المانجو» تقع حارتا السواد والعين في قرية إمطي بولاية إزكي صامدة شامخة برغم كل الظروف والحقب الزمنية تحكي للأجيال المتعاقبة تاريخا حافلا موغلا في القدم مليئا بمفردات دقيقة تُبرز إبداع المعماري العماني الذي استطاع قهر الصعاب والتكيّف مع ما يواجهه من عقبات، فحارتا العين والسواد ليستا كسائر الحارات العمانية بل تتميزان بكون منازلهما متراصة ومتشابكة مبنية من الحجارة الصفراء المسطّحة المسماة محليا «الصلاف» وصنّفتها وزارة التراث والسياحة كحارة متفرّدة مبنية بالحجارة؛ ومع توالي الحقب الزمنية بدأت الحياة في الحارتين في الاندثار نتيجة التوسّع العمراني والمدنية التي صاحبت الحقبة الأخيرة إذ بدت البيوت مهجورة إلا فيما ندر.
لم تقف المدنية الحديثة حجر عثرة أمام شباب الحارتين وآلمهم الوضع الذي تسير إليه الحارتان، لذلك خطرت الفكرة لمجموعة من سكّان ومُلّاك البيوت والبساتين بأهمية إعادة الحياة لمساكن وبيوت ومرافق الحارتين ومن هنا انطلقت فكرة إحياء الحارتين تزامنا مع قيام الفنانة التشكيلية مريم الزدجالية بمشروع فني «تخليد اللحظة» حيث شرع الجميع في بلورة الأفكار وإخراجها إلى النور؛ ويرجح عمر السكنى في قرية العين إلى ما يزيد على ألف عام حسب الآثار والشواهد التاريخية ويرجع آخر طابع تاريخي بنيت عليه الحارة إلى عصر اليعاربة لاهتمامهم بتفاصيل العمارة الهندسية والمعمارية.
وقبل أن نقف على المشروع وما يمثله من أهمية وتركيبة الحارة نقف مع مقتطفات من مقال كتبه الدكتور معمّر بن علي التوبي أحد أبناء الحارة إذ يصفها بأنها مزدانة بجمالية فريدة تميّزها عن كثير من الحارات العُمانية الأخرى ألا وهي اصطفاف منازلها المبنية من السقوف «الأحجار» الصفراء والطين بين تلال الجبل من جهة الغرب، وبين مزارع النخيل وماء فلج السواد العابر على جنبات الحارة من جهة الشرق مضيفا: إن حارة العين وليدة قرون قديمة، وأبراجها الشامخة على أعاليها وأعالي «شقيقتها» حارة السواد -الممتدة شمالًا بعد حارة العين- تدل على حقبة قديمة أمكن للبعض أن يقدّرها بحقبة تعود إلى ما قبل الإسلام.
وقال: «حارة العين ودلالة اسمها الذي يتجلّى معناه ولفظه في وصفٍ مُستحق يليق بجمال هذه القرية التاريخية التي ترافق الامتداد الجبلي ذا اللون الذهبي ومزارع النخيل من جهة مقابلة للجبل؛ ليدل هذا الاسم «العين» على صورة جمالية لا تُحصر في مجرد وصفٍ اعتباطيّ للماء الجاري محاذاتها «شرقًاط، النابع من عيون الجبال المحاذية لها، ولكنه ذو معنى له عمقه التاريخي والجمالي؛ فحارة العين تحوي فلج السواد في مقلتها؛ لتُوصف مقرونةً -دون انفصال- بفلج السواد، وكيف ينفصل عنها وهو شريان حياتها؟!»
ويتحدّث شقيقه محمود بن علي التوبي قائلا: «تضم الحارة الكثير من المآثر فبدايتها في مدخل الحارة مع صباح العين الذي يبرز على يساره مباشرة «بيت العين» الملتصق ببرج النخاتية أو برج المقبض، ويقابله في الأعلى برج بن سالم وتتواصل المفردات التاريخية بصباح الصارم وعلى يمنيه مسجد الصارم الذي يقابل مجالس الحارة العامة ثم صباح الإمام وصباح السيادي وصباح العارض الذي يعد مدخلا لحارة السواد من الجهة الجنوبية وكل صباح من هذه الصباحات مرتبط ببرج مراقبة وسور يحمي الحارة فهناك الكثير من الأبراج منها برج رأس الفلج والأساودة وبن سالم والسرح والمسجد وخراب باروت وبها مجموعة من المساجد كمسجد بني شبيب والصارم والسيادي وسالم بن حمد وبرج السرح وبالحارتين ثلاثة مجالس عامّة أو ما يسمى بالسبلة وهي سبلة الصارم الصيفية وسبلة الشوامس الشتوية وسبلة السواد ويخترق الحارتين فلج السواد بغزارة مياهه المتدفّقة ليروي البساتين ويتم في كثير من الحالات وقت الخصب توجيه الفلج إلى الوادي لتغذية الآبار الجوفية «يسمى محليا كسر أو رغد الفلج» وذلك لاكتفاء المزارعين من المياه حيث يمتهن السكان الزراعة وتربية الماشية إضافة إلى التجارة وصناعة الأسلحة واحتياجاتها ودباغة الجلود والبناء». مشيرا إلى أن الحارة أنجبت الكثير من العلماء والأدباء ورجال العلم والدين منهم الشيخ محمد بن مسعود الصارمي أحد أهم قادة الدولة اليعربية في عهد الإمام سلطان بن سيف اليعربي، والشيخ علي بن حمد التوبي صاحب بيت العين والشيخ سعود بن علي بن حمد التوبي الذي كان أحد قادة الإمام العادل محمد بن عبدالله الخليلي والشيخ الأديب سعيد بن رهين الخنجري، وفيها أيضا أحفاد الشيخ عامر بن محمد الشامسي الذي كان واليًا لمنح فترة دولة اليعاربة. وعن فكرة ترميم الحارة وعودتها إلى سالف عهدها يقول أحمد بن زاهر الصارمي: «إن الفكرة بدأت في عام 2019 تزامنا مع مشروع للفنانة التشكيلية مريم الزدجالية وقد اختمرت فكرة لدى الشباب بأهمية ترميم الحارة تدريجيا وإعادة تاريخها ودورها الريادي فبدأنا بترميم الأماكن العامة كالمجالس والمساجد والصباحات ومدارس القرآن وكان هناك تضافر من الجميع ومساهمات من أهل الخير وملّاك المساكن والبساتين فبدأت الحياة تدبّ في الحارة وبدأ البعض يكتب عنها وعن تفاصيل جمالها مما شحذ همم الكثيرين وبدأت الأفكار في التبلور تدريجيا من أجل استغلال الحارة سياحيا وتجاريا الأمر الذي يعود بالنفع والفائدة على الأهالي».
نقطة تحوّل فارقة
وأضاف: «شهد شهر مارس عام 2021 نقطة تحول فارقة في المشروع وذلك بعد قيام السيدة الجليلة -حفظها الله- بزيارة القرية والوقوف على مآثرها والتعرّف على جهود الشباب فكانت هذه الزيارة بمثابة فاتحة خير للقريتين حيث توالت زيارات أصحاب المحتوى الإعلامي الذين أسهموا في إبراز مقوّمات الحارتين ثم الزيادة المطردة في أعداد السائحين والزائرين من داخل وخارج سلطنة عمان؛ فكانت الخطوة التالية وهي بدء ترميم المنازل الخاصة حيث تم عرض الموضوع على الملّاك وبدأ البعض في الترميم وهناك مجموعة من البيوت تم تجهيزها وفي صدد البدء في إصدار تراخيص استغلالها وتجهيزها سياحيا ومن بينها بيت الصارم وبين اللمباة، كما تم افتتاح أول مشروع تجاري بالحارة وهو عبارة عن كافيه استمد اسمه من قربه من الفلج الذي يخترقه لذلك تمت تسميه «فلج كافيه» وهو أسهم كذلك في زيادة الزائرين إضافة إلى وجود عددٍ من المحلات التجارية التي استفادت بشكل مباشر من زيادة الزائرين وهناك الكثير من الأفكار التي بصدد دراستها حيث نستفيد بصورة دائمة من الزائرين وملاحظاتهم ومقترحاتهم وهناك الكثير من الأفكار لتنفيذها كتنظيم الفعاليات الدورية بالتنسيق مع الفرق الرياضية الأهلية بنادي إزكي وكذلك إصدار كتيّب تعريفي وتوثيق المباني وعمل خارطة إلكترونية للقرية بها نبذة تعريفية عن كل معلم من خلال رمز استجابة سريع «QR» وافتتاح مطعم تراثي عصري». واختتم الصارمي حديثه ببعض المعضلات التي يلتمس من الجهات ذات الاختصاص الوقوف معهم لحلها ومن بينها صعوبة إصدار التصاريح سواء للترميم أو للاستغلال التجاري وكذلك عدم توفّر الحجارة بأسعار مناسبة وخطوط الكهرباء ذات الأعمدة حيث قمنا بمخاطبة شركة نماء لتغييرها إلى كابل أرضي نظرا لمرور الخطوط الحالية في أسطح المنازل وأعلى الممرات وكذلك استغلال موقع الفلج بصورة أفضل.
من جهته تحدّث محمد بن عبدالله التوبي من مقهى « فلج كافيه» عن المشروع بقوله: إنه جاء لمواكبة التطوير في الحارة وليجد الزائر مكانا للراحة والتقاط الأنفاس والتمتع بمشروبات متنوعة وبعض الوجبات الخفيفة حيث بدأ المشروع بعد تنامي أعداد الزائرين وانطلقت الأعمال في شهر أكتوبر 2022 وانطلق المشروع في مارس عام 2023 -ولله الحمد- المشروع ناجح واستطعنا التغلّب على التحدّيات والصعوبات إذ شكّل إضافة كبيرة للحركة السياحية بالقرية كونه محاذيا لفلج السواد حيث يجد الزائر المكان المثالي للراحة بعد انتهاء زيارته؛ كما يتميّز المقهى بتقديم مجموعة من المشروبات الساخنة والباردة وفق رغبة الزائر.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الکثیر من
إقرأ أيضاً:
تبون يصدّق على أكبر موازنة في تاريخ الجزائر
وقّع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون اليوم الأحد على قانون المالية للعام الجديد الذي أقر أكبر موازنة في تاريخ البلاد، إيذانا بدخولها حيز التنفيذ اعتبارا من الأول من يناير/كانون الثاني المقبل.
وقالت الرئاسة الجزائرية إن مراسم التوقيع أجريت في قصر المرادية بحضور أعضاء الطاقم الحكومي الجديد.
وصدّق المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة (غرفتا البرلمان الجزائري) في 16 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري على مشروع الموازنة العامة للبلاد للعام 2025 بالإجماع.
وتتوقع موازنة الجزائر 2025:
عجزا تاريخيا ومستوى إنفاق هو الأعلى في تاريخ البلاد. خلو الموازنة من رسوم وضرائب جديدة. إعفاءات ضريبية وجمركية عديدة لسلع ومنتجات مستوردة من الخارج، في إطار سعي الحكومة إلى الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين. تفاصيل موازنة الجزائر للعام 2025أقر قانون المالية موازنة هي الأكبر في تاريخ الجزائر بإجمالي نفقات يفوق 16 ألفا و700 مليار دينار (128 مليار دولار)، صعودا من 112 مليار دولار في عام 2024، وهو ما يمثل زيادة في الإنفاق بنحو 10% مقارنة بالعام الماضي.
وتشير توقعات وزارة المالية إلى أن إيرادات البلاد ستبلغ في العام الجديد 8523 مليار دينار (64 مليار دولار) بارتفاع 4.5% مقارنة بإيرادات السنة الجارية، وزيادة في صادرات النفط والغاز بنسبة 1.9%.
وجرى إعداد الميزانية العامة للدولة بناء على سعر مرجعي لبرميل النفط يقدر بـ70 دولارا، وذلك على مدى السنوات الثلاث المقبلة.
ويتوقع المشروع تفاقم عجز موازنة الجزائر في السنة المقبلة، ليصل إلى 8271 مليار دينار (62 مليار دولار) أو ما يعادل 19.8% من الناتج الداخلي الإجمالي، صعودا من 43 مليارا في عام 2024.
ويعاني اقتصاد الجزائر تبعية مفرطة لإيرادات النفط والغاز، إذ تمثل نحو 90% من مداخيل البلاد من النقد الأجنبي.
ومن المتوقع أن يصل النمو الاقتصادي -حسب الوثيقة ذاتها- إلى 4.5% في 2025 و2026، و3.7% في 2027، وهو التراجع الذي بررته الحكومة بـ"الانخفاض المتوقع في نمو قطاع المحروقات".