فيلم مدينة الكويكب.. رحلة إلى عقل العبقري ويس أندرسون
تاريخ النشر: 1st, August 2023 GMT
لأفلام المخرج الأميركي ويس أندرسون سحرها الخاص؛ فهي قادرة على اجتذاب كل من الجمهور والنجوم على حد سواء. وعلى إعلان كل فيلم من أفلامه تظهر وجوه وأسماء مشاهير لدرجة يصعب حصرها، وقد يجتمع هؤلاء كلهم معا في عمل واحد، وقد يقبل ممثلان من وزن توم هانكس ومارغو روبي الظهور في لقطة أو اثنتين فقط.
وفي إحدى لقاءاته قال النجم إدوارد نورتون إنه حصل مقابل دوره في إحدى أفلام أندرسون على 4200 دولار فقط، بينما حصل مقابل أدائه شخصية "هالك" مع مارفل على أضعاف مضاعفة لهذا الرقم، ولكن احتفاءه بفيلمه قليل الميزانية لا يمكن أن يقارن بشعوره تجاه أفلامه التجارية الأخرى.
جاء العرض الأول لفيلم "مدينة الكويكب" في مهرجان "كان" السينمائي، لينافس على السعفة الذهبية. ورغم خسارته المسابقة، فإنه فاز بإعجاب النقاد، ومعدل 74% على موقع "روتن توماتوز" (Rotten Tomatoes) وإشادة بأداء الممثلين، وبالطابع البصري المميز لأندرسون.
يأخذنا المخرج في رحلة صناعة عمل فني، بذات الشغف الذي قدمه من قبله الكثير من المخرجين الذين نقلوا قصص صناعة الأفلام، من فيدريكو فيلليني وجان لوك غودار ويوسف شاهين، ولكن في "مدينة الكويكب" يجمع أندرسون بين جزء من ماضيه، وكواليس صناعة الأعمال الفنية، بالإضافة إلى نقد سياسي لأميركا ما بعد الحرب العالمية الثانية التي تربى فيها.
ويبدأ الفيلم بمذيع تلفزيوني يقدم مسرحية مصورة خصيصا للتلفاز، فينقسم السرد منذ هذه النقطة إلى جزأين، أحدهما كواليس صناعة المسرحية، واختار له أندرسون اللونين الأسود والأبيض، بينما المسرحية نفسها تم تصويرها بالألوان الفاقعة التي اشتهر بها المخرج. هذا الازدواج ليس الغرض منه فقط التفرقة البسيطة بين العالم المسرحي وكواليسه، لكن أيضا التناقض بين عالم صانع العمل وصنيعته نفسها، فهو يعيش في عالم باهت يفتقد الحياة، ويقدم فنا متألقا بالشخصيات الحيوية، التي تحمل صوته الخاص وأفكاره المعقدة.
في إحدى المشاهد يتسلل بطل المسرحية من الكواليس إلى المخرج، ويسأله عن دوافع شخصيته الدرامية، فهو لا يفهم لماذا يفعل هذه الأشياء أمام الكاميرات، فيجيبه المخرج بأنه يشاركه نفس حيرته. وفي مشهد آخر لا يعلم المؤلف كيف يطور المشهد الذي يكتبه، فيساعده الممثلون.
وينقل أندرسون الضجة الثائرة في عقل المبدع، التي حاول من قبله الإيطالي فيدريكو فيلليني تقديمها في واحد من أشهر أفلامه "ثمانية ونصف"، ومخاوف مبدع غير قادر على التحكم في شخصياته أو إبداعه، فيتحكم الأخير به.
وتدور أحداث المسرحية في مدينة صحراوية أميركية صغيرة، أهم ما حدث فيها منذ إنشائها سقوط كويكب صغير، يجتمع حوله مجموعة من طلبة المدارس المتفوقين خلال مسابقة للعباقرة، يحضرها الآباء والأمهات بطبيعة الحال، وبشكل مفاجئ تهبط مركبة فضائية بها كائن يسرق المذنب ويترك الجميع مدهوشين، ليكتشفوا بعد دقائق أنهم أصبحوا أسرى لإقامة إجبارية يفرضها الجيش الأميركي حتى اكتشاف حقيقة ما حدث بالضبط.
أميركا.. الخوف والقلقفيلم "مدينة الكويكب" يعكس واقع أميركا بعد الحرب العالمية الثانية، عندما سادت أجواء القلق والخوف من "الآخر"، والذي يتسع فيشمل الكتلة الشرقية والاتحاد السوفياتي، وحتى الهوس بغزو من الكائنات الفضائية، بالإضافة إلى التجارب النووية التي جرى الكثير منها في صحراء "نيفادا" التي تقع فيها الأحداث، وتسلط أسطورة الجيش الأميركي الذي لا يُهزم على الأذهان.
وتم إغلاق مدينة الكويكب على الشخصيات، وتركها المخرج تتفاعل مع بعضها البعض، ليُظهر كل منها وجهها الحقيقي الذي يعكس صورة لشخصيات أخرى من المجتمع الأميركي بتعدده العرقي والثقافي. وعبر السخرية والكوميديا السوداء، يثير أندرسون أسئلة يجب على المشاهد أن يجيب عنها بنفسه، مثل هل كل "آخر" يجب اعتباره عدوا؟ وهل تلك النسخة من أميركا بالفعل انتهت بسقوط الاتحاد السوفياتي، أم تمت إعادة إنتاجها مع تغيير فقط لون ودين وطبيعة الآخر؟
وتأتي نهاية هذا الحصار على يد كل من المصور الصحفي، والمراهقين العباقرة، ليعطي المخرج تلميحا لرأيه في الواقع الخيالي الذي صنعه، والذي فيه يتحرك الجيش الأميركي بمنتهى القوة، ولكنها قوة ساذجة يسهل التلاعب بها على يد شباب تجازوا بالكاد مرحلة الطفولة.
ويتناول فيلم "مدينة الكويكب" مواضيع أندرسون الأكثر تفضيلا وتكرارا في أفلامه، مثل الأسرة والأبوة والحزن والحب، حيث ينصب التركيز بشكل أساسي على "أوجي ستينبيك" ونجله "وودرو" العبقري الصغير، الذي يأتي مع والده وأخواته الصغيرات لحضور المسابقة بعد وفاة الأم، وينضم إليهم الجد الذي يقدم شخصيته النجم توم هانكس.
وتعاني هذه الأسرة من صدمة كبيرة بغياب العنصر الأمومي، وفي ظل كل هذه الأحداث يبحث كل منهم عن بعضٍ من العزاء؛ الأب مع جارته في الفندق وصديقته الممثلة "ميدج" وتقدم دورها سكارليت جوهانسون، والمراهق مع أصدقائه العباقرة، والجد بين الحفيدات.
قدم فيلم "مدينة الكويكب" مجموعة رائعة من الممثلين والنجوم المبدعين، بالإضافة إلى الأسلوبية المميزة التي نتوقعها من أندرسون بناء على أعماله السابقة التي تجعل من كل لقطة لوحة تحتاج إلى تمعن جماليتها بحد ذاتها، لتشي ببعض من أسرار الفيلم. ويسلط العمل الكوميدي الممتزج بالمأساة بشكل متناغم؛ الضوء على كيفية تشكيل هوياتنا لمن حولنا، بكوننا أشخاصا، وبصفتنا مرآة للمجتمع.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
"وحش لندن".. قاطع أجساد النساء الذي ظهر قبل جاك السفاح
كانت نساء لندن ترفضن كثيراً مغادرة المنزل بمفردهن، بينما يتجول في شوارع المدينة رجل مجنون، يلاحق ضحاياه الإناث ويقطع ويشوه أجسامهن، وعرض رجال أثرياء مكافآت نقدية ضخمة لمن يعثر عليه، وأصبحت دوريات الحراسة تجول ليل نهار، وفشلت الشرطة لعامين في القبض عليه.
كان هذا قبل 100 عام من ظهور جاك السفاح الشهير.
وعرف الرجل باسم "وحش لندن"، وهو مجرم متسلسل تاريخي، غير أن كثيرين لم يسمعوا عنه من قبل، وقد أرعب العاصمة البريطانية، وفق ما روت "دايلي ميل".
ووحش لندن، وهو مختل عقلي، كان له أكثر من 50 ضحية معروفة، منهن 6 في يوم واحد، وكان يهاجم النساء خارج المنازل في الأحياء والمتنزهات، مدفوعاً بما قيل إنه انحراف جنسي يسعى لتمزيق جلد المرأة.
وتم الكشف عن قصته من قبل المؤرخ الأكاديمي والهواة الدكتور جان بوندسون، الذي وجد ملصقًا عنه كمطلوب، وتاريخ الملصق يعود لـ 200 عام في سجلات المكتبة البريطانية، ثم درس بعناية الوثائق والصحف والرسوم الكاريكاتورية وسجلات المحكمة ليحكي قصة الوحش لأول مرة.
وعلى مدار عامين، من 1788 إلى 1790، قام وحش لندن بجرح النساء عبر الأرداف أو البطن أو الوجه بسكين أو مسمار أو مشرط، وكان يقترب دائماً من ضحيته من الخلف حتى لا يظهر وجهه، قبل أن يقطع هدفه بسكين حاد، و قيل إنه كان يصرف انتباه الضحية بالصراخ: "هل هذا أنت؟".
وطُعنت بعض النساء بمسامير حادة في نهاية الركبة، وكان معروفًا أيضاً بحمله باقة زهور، ويخفي في وسطها مسماراً، يستخدمه لطعن المرأة في وجهها وأنفها.
ومع انتشار الذعر، قامت بعض النساء بخياطة أواني الحساء تحت فساتينهن لحماية أنفسهن، فيما قامت النساء الثريات في المجتمع بصنع تنانير معدنية.
واستهدف الجاني الملقب بالوحش، الشابات المرتديات ملابس أنيقة.
اختراق الجلد
وأثارت جرائمه الذعر بطريقة لم تشهدها البلاد مرة أخرى إلا عندما ضرب جاك السفاح في لندن عام 1888.
ومرة أخرى عندما قتل سفاح يوركشاير 13 شخصاً بين عامي 1975 و1980 في جميع أنحاء شمال إنجلترا، وكان دافع وحش لندن هو الوخز.
وبعد قرن من الزمان، كان لدى جاك السفاح نفس الانحراف وأصبح السمة المميزة لجرائم القتل التي ارتكبها.
وكتب الدكتور جان بوندسون عنه في كتابه "وحش لندن: الرعب في الشوارع"، ورغم أن بائع الزهور وراقص الباليه الويلزي رينويك ويليامز تم اعتقاله ومحاكمته في النهاية، إلا أن الشكوك لا تزال قائمة حول ما إذا كان هو الوحش الحقيقي، أو في الواقع، ما إذا كان هناك واحد أو أكثر من المقلدين.
وقال الدكتور بوندسون: "كانت طريقة عمل وحش لندن هي الاقتراب من ضحيته من الخلف، وكان يتحدث إليهم أحياناً بلغة مسيئة أو يصرخ أوه، هل هذا أنت؟، مثل بعض الأشرار المسرحيين، ثم يقطع في الفخذين أو الأرداف، وهاجم بعض الضحايا باستخدام مسمار بارز من ركبته، وهاجم الوحش النساء في منطقة مايفير وسانت جيمس في لندن، وكذلك بالقرب من قصر باكنغهام اليوم، حول غرين بارك".
وكانت النساء في حالة ذعر، واتبعن طرقاً غير عادية لحماية أنفسهن، فاشترت سيدات لندن الميسورات "أردافًا من الفلين" لربطها أسفل تنانيرهن أو حتى ارتدين تنانير نحاسية، لكن السيدات الأقل ثراءً اضطررن إلى استخدام وعاء طبخ بدلاً من ذلك، و قال الدكتور بوندسون: "وعلى الرغم من تعرض بعض الضحايا للانتهاك، كانت هناك نساء تظاهرن بالهجمات من أجل الشهرة وأسباب أخرى، نظرا لأنه كان يُعتقد أنه يقطع النساء الصغيرات الجميلات الأنيقات فقط، فقد قامت العديد من النساء بتزوير هجمات الوحش لجعل الناس يعتقدون أنهن ما زلن جذابات".
وأضاف: "كان هناك أيضًا احتمال وجود أكثر من وحش واحد".
وحين قبض على الوحش أخيراً، قيل إنه راقص باليه ويلزي يكره النساء وقد تم فصله من دوره في ويست إند.
راقص الباليه
وفي الأشهر التي سبقت القبض على الوحش، اجتاحت الهستيريا العاصمة، ونشرت الصحف ملصقات تصور جرائمه الدنيئة وتم وضع مكافأة قدرها 100 جنيه إسترليني (7700 جنيه إسترليني بأسعار اليوم) على رأسه، و قام صائدو الجوائز بضرب الرجال الأبرياء الذين أثاروا الشكوك، وتكهن البعض بأن الوحش كان نبيلاً مجنوناً عازماً على تشويه كل امرأة جميلة في العاصمة، أو حتى كائنًا خارقًا للطبيعة يمكنه أن يجعل نفسه غير مرئي للتهرب من الاكتشاف.
و أخيراً، في 13 يونيو 1790، تم القبض على المشتبه به، باسم راينويك ويليامز، 23 عاماً، من مسرح لارتكابه سرقة وتم التعرف عليه على أنه الوحش من قبل الضحية آن بورتر في جرين بارك، وسط لندن.
وكاد أن يُشنق على يد حشد.
وقد حوكم ويليامز وأدين بجنحه في محكمة أولد بيلي، لكن حُكم عليه بالسجن لمدة ست سنوات في سجن نيوجيت، وما حدث له بعد إطلاق سراحه لا يزال لغزاً.
وكشف الدكتور بوندسون عن شكوك جدية حول ما إذا كان ويليامز مسؤولاً بالفعل عن كل الجرائم القذرة، وقال إن الشرطة ربما أجبرت الضحايا على التعرف عليه، وبينما كان ويليامز شخصية "غير مرغوب فيها"، فإنه يعتقد أنه ربما استُخدم ككبش فداء للجرائم في محاولة لإنهاء الذعر في الشوارع.
وبعد إجراء بحث متعمق، قال الدكتور بوندسون إنه من المرجح أن تكون هذه الجرائم قد ارتكبها مجموعة من المجرمين الذين تورطوا في أول جريمة "تقليد" معروفة.