الرهان على الخلافات الإسرائيلية سفهٌ وحقيقتها وهمٌ
تاريخ النشر: 14th, May 2024 GMT
في ظلال #طوفان_الأقصى “66”
الرهان على #الخلافات_الإسرائيلية سفهٌ وحقيقتها وهمٌ
بقلم د. مصطفى يوسف #اللداوي
ينشغل كثيرٌ من المتابعين للعدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة، خاصةً أولئك الذين يتمنون نهاية الحرب، ويتطلعون إلى كل الأسباب والعوامل التي من الممكن أن تساعد في الوصول إلى هذا الهدف، الذي بدا في الأيام القليلة الماضية أنه يبتعد ويصعب، ويتعثر ويتعقد، بالخلافات الداخلية والتناقضات البينية الإسرائيلية، ويسلطون الضوء عليها ويضخمونها ويعلقون آمالاً كبيرةً عليها، على أمل إنهاء الحرب، وفرض هدنةٍ طويلةٍ يقبل بها رئيس حكومة العدو وأركان حربه، تمكن الفلسطينيين من استعادة حياتهم الطبيعية في قطاع غزة، والخلاص من كابوس الحرب المرعب الذي دمر حياتهم، وقضى على أحلامهم، وحرمهم أبنائهم وأحبابهم ومن فلذات أكبادهم.
قد تبدو الخلافات الإسرائيلية الداخلية لصالح الفلسطينيين، وأنها تخدم قضيتهم وتساعد في الضغط على نتنياهو للقبول بشروط الهدنة والموافقة عليها، إذ الأصوات المعارضة للحرب والعمليات العسكرية ضد قطاع غزة وسكانه كثيرة، وبعضها عالٍ ولافتٌ، وهي متنوعة ومختلفة، ولا تقتصر على القطاعات العسكرية والأمنية التي لا ترى أفقاً لعملياتها، ولا تظن أنها مجديةٌ وفعالة، وأنها قادرة على تحقيق أهدافها والوصول إلى غاياتها، بقدر ما أصبحت عبثية عدمية خشبية لا مستقبل لها ولا رجاء منها، ولا هدف تحققه ولا غاية تصل إليها إلا القتل والتدمير والخراب، والغرق أكثر في وحول غزة التي لا يبدو أن الخروج منها سهلٌ دون خسائر كبيرة وأضرارٍ بليغةٍ، في الصورة والسمعة، وفي الاقتصاد والاستقرار، وحياة الجنود ووحدة الجيش وتماسكه، ومستقبل الكيان وعلاقاته مع أمريكا والغرب ودول الإقليم والجوار.
وهي تبدو أكثر وضوحاً بين الأحزاب والأقطاب السياسية، التي يحكم علاقاتها التنافس والصراعات السياسية، والأحقاد الشخصية والمصالح الذاتية، وهي التي بدأت وانتظمت منذ اليوم الأول الذي شكل فيه بنيامين نتنياهو حكومته اليمينية المتطرفة، التي قامت على ائتلافٍ يضم أكثر الأحزاب الدينية اليمينية الإسرائيلية تطرفاً وتشدداً، حيث نظمت المسيرات وانتشرت المظاهرات، وعمت مختلف المدن الإسرائيلية، تطالب بإسقاط حكومة نتنياهو، ومواصلة التحقيق معه وتقديمه إلى المحاكمة، ومنعه من ممارسة الحكم والمنافسة عليه، وتدعو إلى انتخاباتٍ برلمانية مبكرة، قد تفضي إلى تغيير تركيبة الكنيست، مما سيقود إلى تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة، بدون مشاركة الأحزاب اليمينية المتطرفة.
وهناك مظاهرات ذوي الجنود الأسرى وعائلات القتلى، الذين يصرون على وقف الحرب وإنهاء العمليات الحربية، تمهيداً للتوصل إلى صفقة تبادل أسرى تعيد أسراهم أحياءً لا أمواتاً، وتنقذ حياة من بقي من جنودهم يقاتل في قطاع غزة، وهي مظاهراتٌ صاخبة وتكاد تكون دائمة، وهي متنقلة ومتنوعة، وعندها فعالياتٌ كثيرة وأشكال للتعبير عن مواقفها مختلفة، وهي مصرة وعنيدة ولا يبدو أنها ستهدأ قبل أن تضمن عودة أبنائها واستنقاذ حياة الآخرين المعرضين للخطر والقتل في قطاع غزة، إلا أن نتنياهو يصر على قتل حلمهم ووأد أملهم والتضحية بحياة أبنائهم.
وإلى جانبهم يصطف عددٌ كبير من الاستراتيجيين الإسرائيليين، وكبار الباحثين وقدامى الضباط الأمنيين والعسكرين السابقين، الذين يستشعرون عظم الأخطار التي تحدق بكيانهم، والهاوية التي قد تسقط فيها حكومتهم، والحائط المسدود الذي تندفع إليه بكل قوةٍ وبغير وعيٍ أو حكمةٍ، ويتهمونها ورئيسها أن تجربتهم ضحلة وخبرتهم قليلة، وأن قدرتهم على التعامل مع الأخطار محدودة، ولا يحسنون تقدير المرحلة، ولا يحرصون على صورة كيانهم وسمعة جيشهم، بقدر ما يحرص رئيس الحكومة على مصالحه الشخصية ومكتسباته الذاتية، التي يتقدمها حلم خلاصه من المحكمة ونجاته من السجن والعقوبة.
يظن البعض أن هذه الخلافات حقيقة وجادة، وأنها صادقة ومسؤولة، وأنها قد تصدع الكيان الصهيوني وتضعفه، وأنها قد تعصف به وبوحدته، وقد تدفع حكومته نحو العقلانية والاعتدال، وتبعدهها عن التهور والجنون الذي تمضي في طريقه بعمىً وعنادٍ، أو أنها ستؤدي إلى سقوط الحكومة وانهيار أركانها وتمزق عرى ائتلافها، أو التأثير على علاقاتها وتخلي الحلفاء عنها، الذين تضررت مصالحهم بسببها، واضطربت بلادهم وسادت المظاهرات جامعاتها، وغدا نتيجةً لسياساتها الاستقرار العالمي مهدداً ما بقيت الحرب واستمر العدوان، مما قد يدفع بعض دول العالم للمطالبة بالضغط على حكومة نتنياهو لخفض التصعيد أو وقف الحرب، وإلا فإن المنطقة كلها قد تذهب إلى ما هو أسوأ وأخطر.
الحقيقة التي يجب ألا تغيب عن أذهاننا وألا تطغى على عقولنا أو تعمي عيوننا، أن هذه المعارضات والتظاهرات والاحتجاجات ليست لصالحنا، وهي ليست غاضبة من أجلنا، ولا تطالب بوقف العدوان علينا، بل هي معارضة لأجل مصالحهم، وتظاهرات لخدمة أهدافهم، وهم قد يختلفون مع بعضهم ظاهرياً، وقد ترتفع أصواتهم ضد بعضهم شكلياً، تحقيقاً لديمقراطيةٍ زائفة وحقوقٍ محفوظةٍ كاذبةٍ.
لكنهم يجمعون علينا ويجتمعون ضدنا، ويصرون على مواصلة الحرب علينا، والإصرار على استئصال المقاومة وتفكيكها، ونزع سلاحها وقتل رجالها، ولو أن حكومة نتنياهو سقطت، فإن الحكومة القادمة أياً كان رئيسها وشكل ائتلافها وأطراف تحالفها، فإنها ستواصل العدوان، وستستمر في الحرب، فهم أبناء ملةٍ واحدةٍ وجبلةٍ معقدة، يحملون ذات الطباع السيئة ونفس الأخلاق العفنة، لا فرق بينهم وإن اختلفوا، ولا خيرية فيهم أو أفضلية بينهم وإن ادعوا.
بيروت في 14/5/2024
moustafa.leddawi@gmail.com
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: طوفان الأقصى الخلافات الإسرائيلية قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
الإمارات تجدد رفض تهجير الفلسطينيين وتطالب بوقف الانتهاكات الإسرائيلية
ترأس خليفة شاهين المرر، وزير دولة، وفد الإمارات المشارك في الاجتماع الاستثنائي لمجلس وزراء الخارجية لمنظمة التعاون الإسلامي، في دورته العشرين بشأن الوضع في غزة، والذي عقد، أمس الجمعة، في جدة.
وفي هذا الاجتماع الاستثنائي، الذي حضره عدد كبير من وزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاسلامي، ألقى المرر كلمة الإمارات، والتي أكدت على أنّ هذا الاجتماع الاستثنائي يُعقد في لحظة مفصلية وبالغة الأهمية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، يتعين فيه اتخاذ قرارات حاسمة لمواجهة تحديات صعبة تهدد القضية الفلسطينية، واستقرار المنطقة وأمنها.
وقال خليفة شاهين المرر في الكلمة إنّ "الأوضاع الحالية تتطلب المزيد من التنسيق والتعاون بين دول المنظمة باتباع مسار مختلف يغلّب الحلول السياسية والسلمية للصراع، بدلا من المواجهة والدمار، فليس مقبولاً العودة إلى الوضع الذي كان سائداً في قطاع غزة قبل السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023".
وفي ضوء ما شهده قطاع غزة والأرض الفلسطينية منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، ومع استمرار العنف والهجمات الاسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، عبّرت الكلمة عن إدانة واستنكار الإمارات لتلك الأعمال، ومطالبة المجتمع الدولي بالاضطلاع بمسؤولياته تجاه وقف الانتهاكات الاسرائيلية المتواصلة.
كما أكد المرر على رفض الإمارات القاطع لجميع المحاولات الرامية إلى تهجير الفلسطينيين قسراً من أراضيهم، الأمر الذي يؤدي لمزيد من عدم الاستقرار والتوتر في المنطقة.
وشدد على أن الحلول المؤقتة لغزة مصيرها الفشل، وأنه يتوجب الدفع بعملية تؤمّن حلاً مسؤولاً ومستداماً ليس فقط لمستقبل قطاع غزة بل للصراع الفلسطيني الاسرائيلي يوفر أفقاً سياسياً على أساس حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة تعيش بأمن وسلام جنباً إلى جنب مع إسرائيل، وبما يؤدي إلى حل مستدام يوفر الاستقرار والازدهار للمنطقة ويحقق تطلعات الشعب الفلسطيني الشقيق، مؤكداً أنه لن يكون متاحاً العمل على إعادة إعمار قطاع غزة دون وجود أفق سياسي يؤمن حلاً مستداماً للصراع الفلسطيني الاسرائيلي، فلا تهجير الفلسطينيين من أرضهم مقبولاً، ولا مقبولا بقاء قطاع غزة دون سلطة وطنية فلسطينية شرعية كفوءة ومسؤولة وقادرة على حصر السلاح بيدها، وعلى توفير الأمن والاستقرار وسيادة القانون.
وأكد المرر أن "الإمارات لن تدخر جهداً في استمرار الدعم الإنساني والاغاثي للفلسطينيين، وأن عملية "الفارس الشهم 3" مستمرة ومتواصلة لتوفير المستلزمات المنقذة للحياة في قطاع غزة، وبكل الطرق الممكنة البرية والبحرية والجوية".