الكتاب: الطاقة بالعالم، أداة تنموية أم سلاح استراتيجي.
المؤلف: محمد نجيب بوليف
دار النشر: مطبعة رؤى، سلا
الطبعة الأولى، 2024
عدد الصفحات: 272


تحتاج المكتبة العربية الإسلامية اليوم لدراسات علمية حول الطاقة وتأثيراتها سواء على التنمية أو على التحولات الاستراتيجية التي تجري في العالم، فلم تعد الطاقة اليوم مجرد مصدر لتقوية الموارد المالية بالنسبة للدول المصدرة، ولا أداة للتنمية بالنسبة للتي تستخدمها في تحريك عجلة الاقتصاد وتنمية الاستثمارات، بل أصبحت في الآونة الأخيرة ورقة مهمة في إدارة الصراعات الدولية، وتحسن التموقع في موازين القوى الدولية.



في السابق، انحصرت الإشكاليات المتمحورة على عنصر الطاقة على محورين اثنين، الأول وهو العلاقة مع البيئة، والتأثيرات التي تحديثها حاجة الصناعة إلى الطاقة وما ينتج عن ذلك من استنزاف موارد الطبيعة، وحجم الانبعاث الغازي الذي يتسرب إلى الطبيعة ويضر بها وبالساكنة، والثاني، سؤال الاستدامة، وما إذا كانت مصادر الطاقة التقليدية، ستفي بحاجيات التنمية لمدة أطول، أم أنها مهددة بالانقراض مما يستدعي معه البحث عن وسائل طاقية نظيفة ومتجددة وتتصف بسمة الاستدامة.

لكن اليوم، يبدو أن التحديات الكبرى التي عاشها العالم قبيل السنوات الأربع الماضية، طرحت إشكالات أخرى، ارتبط بعضها، بمحدودية الرهان على الطاقات المتجددة، بسبب عدم توصل العلم بعد إلى ابتكارات في عالم الطاقة تجعل مصادر الطاقة الجديدة تفي بأغراض الصناعة والتنمية بنفس الوتيرة التي تفي بها مصادر الطاقة التقليدية، كما ارتبط بعضها، باضطرابات السوق الطاقية، واستخدام الطاقة أداة في الصراع الدولي، سواء في الحرب، مثل  ما جرى  في الحرب  الروسية على أوكرانيا، أو في تدبير النزاعات، كما جرى بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد ألأوربي على خلفية الحرب الروسية على أوكرانيات، وأيضا مثل ما يجري حاليا من صراع بين الصين والولايات المتحدة ألأمريكية للهيمنة على مصادر الطاقة المتجددة (مناجم الليثيوم على سبيل المثال)

نظرا لحاجة المكتبة العربية إلى دراسات علمية، تحظى بموثوقية أكبر، فإنا نعرض في هذه المراجعة كتابا صدر مؤخرا من باحث متخصص في اقتصاد الطاقة (محمد نجيب بوليف أستاذ التعليم العالي بكلية الاقتصاد بجامعة عبد الملك السعدي بطنجة، ووزير الحكامة والشؤون الاقتصادية سابقا، ثم وزير النقل في حكومتي كل من عبد الإله بنكيران وسعد الدين العثماني) حرص في كتابه "الطاقة بالعالم، أداة تنموية أم سلاح استراتيجي" أن يقدم معطيات وبيانات مدققة (  ضم الكتاب 83 جدولا إحصائيا ورسما بيانيا)، مشفوعة بتحليل معمق لشكل التعاطي الدولي مع قضية الطاقة (تضمن 202 خلاصة فرعية)، ولا ينقضها الاستشراف لمستقبل الصراع حول الطاقة في العالم.

في قصد الكتاب:

قسم الدكتور محمد نجيب بوليف كتابه إلى أربعة أبواب و10 فصول، ووفر للقارئ مرجعا علميا ملخصا، حاول أن يضم مجمل الحيثيات والمعطيات المرتبطة بالواقع الطاقي العالمي، والمتعلقة بالاحتياطيات والإنتاج والاستهلاك والتأثير على البيئة، وذلك حتى يمكن القارئ من معرفة "موقع" الطاقة في المجالات الاستراتيجية والتنموية على الصعيد العالمي. وقد كان القصد المؤلف من هذا العمل العلمي الجواب عن إشكالية "قوة" الطاقة ومكانتها الاستراتيجية، من خلال تفكيك عناصر "قوة الردع" الطاقية، سواء تعلق الأمر بالقيمة المضافة للطاقة في الاقتصاد، أو ارتباطها بالنمو وتأثيرها فيه، أو الكثافة الطاقية، أو تنازع قوة الطاقة وقوة البيئة، وقد ساعده هذتا العمل العلمي على ترتيب مختلف الدول الطاقية الرائدة حسب مختلف مؤشرات "القوة" الاستراتيجية.

وفضلا عن تحليل أثر "القوة" الطاقية في التأثير أو الدفاع عن قضية مبدئية معينة، أو التصدي للخصوم وإخضاعهم للضغوط "الطاقية"، فقد اجتهد الباحث في الباب الرابع من كتابه لتحليل الآخر لقوة الطاقة، واستعمالها ك "سلاح" استراتيجي، وتوقف بهذا الخصوص على نموذجين اثنين: نموذج قديم نسبيا، يتعلق بالشكل الذي استعملت به الدول العربية الطاقة  كسلاح في تدبير الصراع مع الكيان الإسرائيلي (ونموذج الدول العربية خلال حرب 1967 وحرب 1973 وأزمة 1979)، ثم نموذج راهن، يتعلق ب باستعمال روسيا للطاقة في  حربها الحالية بأوكرانيا وتدبير صراعها مع الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي، وتساءل الباحث عن أسباب عدم استعمال الدول العربية لسلاح الطاقة مجددا للجواب على الإبادة الإسرائيلية للشعب الفلسطيني في حربها العدوانية على غزة، ولو لردع العدو وحلفائه؟

المفارقة التي يسجلها الباحث أن دول العالم التي تبدو كلها محتاجة لاستعمال مصادر متعددة من الطاقة، هي في الآن ذاته، تصير متأثرة بمختلف السياسات العمومية المتخذة من طرف الدول الطاقية الكبرى المؤثرة في هذا المجال.يشير الباحث في مقدمة كتابه إلى واقع الطاقة بالعالم، وآثاره على مختلف الدول والمكونات المرتبطة بحياة الإنسان، ويؤكد بأن معرفة هذا الواقع، يتطلب الإلمام بالعديد من المجالات المختلفة والمتنوعة، كالمجال الطبيعي والجغرافي المرتبط بالموارد الطبيعية من حيث الاحتياطيات والمخزونات، وكذا المجالات المرتبطة بالشق الاقتصادي، سواء منها الإنتاجية أو الاستهلاكية أو الخدماتية، ثم الجانب البيئي، الذي يتناول أثر النظام الطاقي برمته على المتغيرات المناخية ومستويات التلوث.

ولا يقصر الباحث معرفة عالم الطاقة على العناصر السالفة، بل يرى أن من شروط التحقق بمعرفة عالم الطاقة ملامسة ميادين أخرى بعيدة عن المجالين الاقتصادي والتنموي، ومنها تلك المرتبطة بمجال التأثير السياسي والجيو-استراتيجي، عندما تستعمل الطاقة كقوة ضغط وكآلية تأثير في "الصراعات" والتحالفات، في رحالتي الحرب والسلم، أو عندما يستعمل جزء منها في المجالات العسكرية كما هو الحال مثلا بالنسبة للطاقة النووية، مما يعطي للدول المستعملة لها امتيازات كبيرة تجعلها ذات قوة وتأثير في الساحة الدولية.

المفارقة التي يسجلها الباحث أن دول العالم التي تبدو كلها محتاجة لاستعمال مصادر متعددة من الطاقة، هي في الآن ذاته، تصير متأثرة بمختلف السياسات العمومية المتخذة من طرف الدول الطاقية الكبرى المؤثرة في هذا المجال.

ويقدم على هذه المفارقة دليلين اثنين،  الأول مرتبط بتغير الإنتاج، بالنسبة لنوع خاص من الطاقة (كالبترول أو الغاز) في بلد ما (كالمملكة العربية السعودية)، الذي (قد) يكون له أثر على أسعار تلك الطاقة في السوق العالمي، مما سيؤثر على الوضعية التمويلية والمالية لعدد من البلدان التي تستورد هذه المواد الطاقية، والتي يحكم عليها أن تظل في  وضعية "التابع" في المجال الطاقي للسياسات الدولية الطاقية المتغيرة التي تؤطر هذا المجال، تضطرب مؤشراته المالية وتوازناته الماكرو اقتصادية كلما شهدت أسعار هذه المادة الطاقية ارتفاعا على الصعيد العالمي، وأما الثاني، فمرتبط بالتوجهات العالمية الحالية نحو طاقات بديلة يكون لها أثر سلبي منخفض على الانبعاثات الغازية وعلى تلوث البيئة. فقد فرضت السياسات العالمية المتخذة في هذا السياق على مختلف الدول أن تسير على هذا النهج، وهو ما جعل المغرب على سبيل المثال، كباقي دول العالم، يرفع تحديا يسير في هذا الاتجاه، وذلك بالزيادة في مستوى إنتاجه واستهلاكه للطاقات المتجددة في مزيجه الطاقي.

وانطلاقا من هذين المثالين وما ينتجانه من آثار على العلاقات الطاقية البينية، من سيطرة وتبعية، وعلى التطور التنموي العالمي الذي لا يمكن أن يستغني عن الطاقة، تظهر الأهمية الكبرى للطاقة في حياة الناس وتطور المجتمعات. وهو الأمر الذي يفرز تباينا في الاستراتيجيات الطاقية للدول حسب موقعها في سلم "القوة الطاقية". فواقع المنتجين الطاقيين الكبار يختلف تماما عن واقع المستهلكين، كما أن من يمتلك صناعة طاقية متطورة يستطيع الطموح لاستقلالية طاقية أكبر ممن يمتلك المواد الطاقية الخامة فقط وتعوزه القدرات التقنية.

وفي سبيل تفكيك عناصر مختلف الآليات التي تؤسس لهذا الواقع الطاقي العالمي وتعقيداته، انطلق الباحث في كتابه من سؤال محوري، وهو: هل الطاقة أداة تنموية محضة، تستعمل فقط كعامل من عوامل الإنتاج؟ أم أنها تتعدى ذلك للارتباط بمحيطها الجيو ـ استراتيجي عندما يستعملها مالكوها "سلاحا" استراتيجيا للدفاع عن مصالحهم؟

الطاقة أداة للتنمية أم سلاح استراتيجي؟

قسم الباحث كتابه إلى أربعة أبواب، قدم في الأول مختلف التعاريف وطرق القياس اللازم معرفتها للتمكن من القراءة الجيدة للكتاب. فالاطلاع على الواقع الطاقي يتطلب الإلمام بمضمون المفاهيم والمصطلحات المتناولة، لأنه باختلافها تختلف التحاليل والفهم الدقيق للمحتوى. كما أن المعطيات الطاقية تقاس ب "وحدات قياس" متعددة ومختلفة، وذلك حسب الأهداف المرجوة منها وحسب المنظمات والمؤسسات الموفرة لهذه المعطيات.

وتناول في الباب الثاني المعطيات الرقمية والإحصائيات الهامة حول الواقع الطاقي، سواء تعلق الأمر بالاحتياطيات الطاقية، أو بإنتاج مختلف مصادر وأنواع الطاقة من طرف مختلف الدول، أو بالاستهلاك، أو بالتكلفة. وقد اجتهد في الباب الثالث (الشق (التحليلي الاستنتاجي) في تقديم خلاصات مركزية حول الواقع الطاقي، تركزت على وزن وقوة الدول طاقيا، وكذا ارتباط النمو بالتوفر على مصادر الطاقة، والتأثير العالمي المتاح حسب الكثافة الطاقية الإنتاجية والاستهلاكية، وتنازع "قوة البيئة" و "قوة" الطاقة، إضافة إلى وضع ترتيب طاقي عالمي لمختلف الدول الرائدة لفهم مستوى تأثيرها على الاستراتيجيات التنموية والسياسية العالمية.  أما الباب الرابع، وهو زبدة الكتاب وثمرته، فخصصه الباحث للوجه الآخر لـ "قوة" الطاقة، أي الطاقة كسلاح استراتيجي بدل كونها "أداة تنموية" فقط، إذ اختار أن يناقش نموذجين اثنين الأول له علاقة بالعرب والثاني له علاقة بروسيا كما سبقت الإشارة.

ثمرة الكتاب وخلاصاته:

يتميز الكتاب بسهولة ضبط خلاصاته، فقد حرص الباحث على تمييز الخلاصات الكبرى عن الخلاصات الفرعية، ويمكن أن نذكر منها ثمان خلاصات مركزية:

الأولى ـ وتتعلق بالنظرية الاقتصادية التي تؤكد أن الناتج المحلي الإجمالي يعتمد بشكل كبير على الطاقة، لكن تطور الإنتاج الطاقي والناتج الاقتصادي يبين أن هذا الناتج كان أكثر دينامية، وأن مساهمة الناتج الطاقي فيه كانت إيجابية ومن المدخلات الرئيسية المساعدة على النمو. لكن هذ التأثير لم يرق للمستوى المطلوب ما دام أنه بقي في حدود دنيا قياسا لمدخلات النمو الأخرى غير الطاقية، وخاصة بعد التراجع المعتبر للكثافة الطاقية، التي تؤشر على اقتناع العالم بضرورة التقليص من حجم الطاقة المستهلكة للحصول على وحدة من الناتج الخام. والنتيجة هي أن وتيرة النمو والإنتاج الاقتصادي كانت أسرع من وتيرة الاستهلاك الطاقي، مما يجعلنا نؤكد أن التأثير الرئيسي يعود لكل من الاستيراد والاستهلاك الطاقي.

الثانية ـ يسجل الباحث اعتمادا على المعطيات التي اعتمد عليها أنه على رأس قائمة الدول الرائدة والمؤثرة طاقيا الدولتان الكبيرتان اقتصاديا، الصين والولايات المتحدة الأمريكية، لكنه يشير إلى أن مسار وقوة كل منهما سيكون مختلفا في المستقبل. فإذا كانت وتيرة التحولات الطاقية في الصين تشير إلى التقدم السريع وتسير في اتجاه تصاعدي كبير، فهناك في المقابل تباطؤ في النمو أو تراجع بالنسبة لبعض أنواع الطاقة في حالة الولايات الأمريكية، مما يفيد أن الريادة الاقتصادية الأمريكية أصبحت مهددة في الأفق المنظور، وستتفوق الصين على الولايات الأمريكية خلال السنوات القليلة المقبلة، لتحتل بذلك المرتبة الأولى عالميا. وهذا الأمر لا شك سيكون له كبير الأثر على التحولات الجيو ـ استراتيجية الطاقية والعامة.

الثالثة ـ ينتهي الباحث إلى أن هذه التحولات الاستراتيجية سيكون لها عدة سلبيات، منها انتقال الصين من بلد مصدر عام 1990 إلى أول بلد مستورد عالميا، يشتري ربع احتياجاته الاستهلاكية رغم الارتفاع الكبير في إنتاجه، مما يجعل قوته الطاقية "رهينة في ربع منها للخارج، مما يفقده جزءا من استقلاليته الطاقية، ومنها ما يخص النموذج الطاقي "الكلاسيكي" الخاص الذي تعرفه جل الدول الأوروبية المتقدمة، التي "شاخ" اقتصادها ووصل لمستوى من "مراوحة المكان"، جعلها تتراجع في ترتيب النمو العالمي. 

ومن سمات هذا النموذج الأساسية: انخفاض الإنتاج، انخفاض الاستهلاك، ارتفاع الاستيراد، الارتهان أكثر للخارج، الانتقال الطاقي... وهو ما يؤكد على أنه استنفذ قدراته التنموية وأصبحت طريقة استعماله للطاقة غير كافية للرفع من النمو ومستوى عيش الساكنة، ومنها أيضا ما يتعلق بنموذج ثالث قوة طاقية عالمية، روسيا، المتميز بقدرته على الرفع من وتيرة الإنتاج، مقابل تراجع الاستهلاك، مما يدفع روسيا للتوجه بفوائضها نحو التصدير لتحتل المرتبة الأولى عالميا في هذا المجال، ولعل وضعيتها هذه هي التي تتيح لها ضبط جزء كبير من السوق الطاقية العالمية والتأثير في المستوردين منها، وبالتالي إمكانية استعمال الطاقة ك "سلاح" استراتيجي.

الدول الكبرى العشر الأولى تستحوذ على مجمل الانبعاثات الغازية العامة والفردية، وفي الآن ذاته تطالب العالم الثالث ـ وهو الأقل تلويثا ـ بالتقليص من انبعاثاته (الإنتاجية والاستهلاكية، وبالتالي من نموه)، وهو ما من شأنه أن يغذي الإحساس بالغبن إلى ارتفاع حدة "الصدامات" و "الخلافات"، التي سيكون حجمها رهينا بمدى قدرة الدول المنتجة (النامية) على التحرر من تبعيتها السياسية والجيو-استراتيجية للغرب.الرابعة ـ وتخص تركيز القطاع الطاقي العالمي، فقد خلص الكتاب إلى أن عشر دول رائدة تتحكم في مختلف مكونات السوق العالمية، سواء من حيث الاحتياطيات أو الإنتاج أو الاستهلاك أو التلوث، وهو ما يعني أن لها اليد العليا في المجال الطاقي، ويمكنها الاستفادة من قوتها هاته للتمكين لاستراتيجياتها المختلفة. ونظرا لأهمية الهيدروكربونات (تمثل حوالي 55% من السوق الطاقية) في التحول من أداة تنموية إلى "سلاح" استراتيجي، فعدد الدول المؤثرة سيتقلص إلى ستة، حيث تكتسب قوتها في المجال الجيو ـ استراتيجي من خلال ارتباطها بالتكتلات الاقتصادية والسياسية.

وفي هذا الصدد سدل الباحث نوعا من التوازن بين محور الغرب (المتضمن لأمريكا وكندا، ثم السعودية بمنطق آخر)، ومحور الشرق (المتضمن لروسيا والصين وإيران)، مما يجعل التقاطب جد حاد بينهما. لكن، اعتبارا لكون القوى الطاقية الكبرى تسعى دائما للحفاظ على التوازن الطاقي العالمي، فالمحوران مضطران للتفاهم المبدئي، إما مباشرة أو بطريقة غير مباشرة، من خلال استراتيجية مقبولة للهيدروكربونات لا تضر بمصالح هذه البلدان، عوض الانتقال لمرحلة الاستقواء بالطاقة ك "سلاح" استراتيجي.

الخامسة ـ وتتعلق بمجال السياسة الغازية العالمية، حيث ينتهي الباحث بهذا الصدد إلى أن محور روسيا وإيران والصين سيبقى محورا رئيسيا في تحديدها، متفوقا على المحور الغربي. بينما يبقى المحور العربي في مستويات دنيا من التأثير، نظرا لكون الدول الأربع الكبرى تمثل حصة أقل من ثلثي الحصة الروسية وحوالي 43% من حصة الولايات الأمريكية، رغم كون الاحتياطات الغازية للدول العربية والإسلامية المنخرطة في "أوبيك" تناهز حوالي 35% من الاحتياطيات العالمية. ويسجل الباحث باستغراب أن هذه القدرة الطاقية الهائلة والمخزون الاستراتيجي الكبير، لا يجدان لهما صدى معتبرا على صعيد النمو الاقتصادي لهذه الدول، كما لم يمكنهم من التحكم الكامل في مجمل قطاع الهيدروكربونات لأنهم لا يمتلكون شقه النهائي المرتبط بالمواد المكررة والغاز النهائي للاستعمال، رغم تملكهم للطاقة الخام في المنبع.   وبالتالي لا يمكن أن يكون لهذه الدول قوة وقدرة على توجيه السوق العالمية، إلا بالقدر المرتبط بقوة الإنتاج الخام.

السادسة ـ رغم أن الدول الطاقية الكبرى المنتجة لم تكن لديها نية واضحة لاستعمال "سلاح" النفط والغاز لتقوية نفوذها واقتصادها، وتعاطت واقعيا مع آليات السوق ومتغيرات العرض والطلب والبنيات التحتية اللوجستيكية، فقد بادرت روسيا من جهة، وبعض الدول العربية والإسلامية من جهة ثانية، إلى حظر النفط والغاز على جزء من الغرب خلال فترات، مما يدل على أنها كانت تمتلك "الشجاعة" و "القرار" للذود عن بعض المبادئ الأساسية والقضايا المحورية المرتبطة بوحدة البلد أو وحدة الأمة، ولم تتخوف من ردود أفعال الدول الغربية.

السابعة ـ أدت استراتيجية حظر النفط والغاز العربي والروسي إلى بروز أثر فوري على الاقتصاد، على جميع المستويات، بحيث تباطأت نسب النمو، وارتفع التضخم وزادت البطالة في البلدان الغربية، كما زادت نسب العجز التجاري عندهم، مما رفع من عجز الميزانية وحجم المديونية، وساهم في تراجع الاستقلالية الطاقية لعديد من الدول. لكن الوجه الآخر لهذه الاستراتيجية هو أنها أدت إلى تسريع تغيير الاستراتيجية الطاقية لدى الدول الغربية، التي تيقنت أن عليها ألا تبقى رهينة للنفط العربي والغاز الروسي "الرخيص"، والذي قد يستعمل ك "سلاح" ضدها.

الثامنة ـ اعتبارا لكون كل دولة كبرى منتجة أو مستهلكة للبترول والغاز لها استراتيجيتها للاستفادة من وضعية السوق ومن المحيط الجيو استراتيجي، فإن القاعدة المعتمدة في استعمال "سلاح" الطاقة هي: "لا صداقات دائمة، ولا عداوات قارة". ففي الحالة العربية، ساهم عدم التوافق التام والشامل بشأن قرار حظر البترول على الغرب، وكذا العدول عنه بسرعة دون تحقيق أهدافه السياسية والمبدئية التي دفعت لتبنيه، في جعل سلاح النفط مجرد رد فعل "عاطفي" ضروري في تلك الظروف العصيبة التي مرت بها الأمة العربية، وبأن دول "أوبك" العربية لم تستفد من مركزية المنظمة ومكانتها الطاقية في فرض أجندتها على الغرب، وبقي سلاحها النفطي خاضعا للممارسات السياسية التوافقية والانخراط في استراتيجيات الغرب، عوض أن يدخل في باب إعداد القوة. ويفسر الباحث بهذا العامل سبب عدم استعمال الدول العربية لسلاح الطاقة لردع الكيان الصهيوني عن البادرة الجماعية في غزة، يرى الباحث أن قرارا من هذا الشأن، كان سيزيد في الفاتورة الطاقية لبعض الدول الغربية المستوردة الداعمة للكيان الغاصب، حوالي 300 مليون دولار يوميا، وأن يرفع الأسعار بحوالي 30% في الأسواق العالمية على المدى المتوسط.

أسئلة تفتح مسارات جديدة للبحث

مع أن الباحث نجح في أن يمسك بتلابيب موضوعه وأن يقدم كافة البيانات والتحليلات فضلا عن الاستشرافات التي تخص تحول موضوع الطاقة من مجرد أداة تنمية إلى سلاج استراتيجي في إدارة الصراع أو تحسين التموقع في موازين القوى الحالية، فإنه في المقابل، تجاوز هذا الإشكال ليفتح مسارات جديدة في البحث، عبر طرح أسئلة جديدة، يتعلق بعضها بمدة تأثر قوة ومكانة الغرب جراء التحول الاستراتيجي المرتبط بتراجع إنتاجه الطاقي واعتماده على الاستيراد، وبالتالي "رهن" اقتصاده للخارج؟ أم أن قدراته التفاوضية في السوق الطاقية العالمية، بحكم أنه زبون كبير للدول المنتجة للطاقة، ستجعله مؤثرا على هذه الدول؟ وأيضا، بمدى استدامة الوضع الاستراتيجي الطاقي الأوروبي؟ وخاصة في ظل التبعية لأمريكا. وهل التوجه نحو الحليف الأمريكي سيساعد على الرفع من الاستقلالية الطاقية الأوروبية؟ أم أنه سيحوله فقط من استقلالية تجاه روسيا (والآخرين) إلى تبعية لأمريكا؟ كما طرح الباحث سؤالا مركزيا ثالثا، يتعلق بمدى قبول الغرب أن تبقى للطاقة الأحفورية الأهمية الكبرى التي لها الآن؟ وماذا لو امتلك الغرب هذه الطاقة والقوة الناجمة عنها (سلميا أو عنوة بقوة السلاح)، هل كان سيتجه نحو الطاقات البديلة؟ وهل سيكون لذلك أثر على التحالفات الاستراتيجية المستقبلية للسيطرة أكثر على هذه الموارد الطاقية؟

كما طرح الباب سؤالا رابعا، يتعلق باستعمال سلاح الطاقة من طرف الغرب تحت ذريعة الحفاظ على البيئة والتقليص من التلوث، وإلحاحه ودفعه إلى تخفيض الاستهلاك الطاقي، الفردي والعام، وهل له نفع يعود على البلدان النامية؟ أم أن بلوغ الدول الغربية لذروة رفاهية مواطنيها يدفعها للحفاظ عليها مقابل حرمان البلدان النامية من ذلك؟

ويختم الباحث بسؤال آخر، يتعلق بإمكانية أن يجيب العالم على تحدي التنازع بين "قوة الطاقة" و "قوة البيئة" في المستقبل؟ فالدول الكبرى العشر الأولى تستحوذ على مجمل الانبعاثات الغازية العامة والفردية، وفي الآن ذاته تطالب العالم الثالث ـ وهو الأقل تلويثا ـ بالتقليص من انبعاثاته (الإنتاجية والاستهلاكية، وبالتالي من نموه)، وهو ما من شأنه أن يغذي الإحساس بالغبن إلى ارتفاع حدة "الصدامات" و "الخلافات"، التي سيكون حجمها رهينا بمدى قدرة الدول المنتجة (النامية) على التحرر من تبعيتها السياسية والجيو-استراتيجية للغرب.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الكتاب النشر المغرب العرض المغرب كتاب عرض نشر كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة سلاح استراتیجی الدول العربیة الدول الغربیة مصادر الطاقة مختلف الدول هذا المجال الطاقة فی فی المجال الطاقة ک إلى أن وهو ما فی هذا من طرف

إقرأ أيضاً:

وزير الخارجية مؤكداً في الجمعية العامة سياسة وجهود المملكة: تعزيز التعاون للأمن والسلم العالمي والتنمية المستدامة للأجيال

نيويورك – واس

أكد صاحب السمو الأمير فيصل بن فرحان بن عبدالله وزير الخارجية ، أن المملكة العربية السعودية حرصت منذ مشاركتها في تأسيس هذه المنظمة، على بذل كل جهد ممكن في سبيل ترجمة ميثاق الأمم المتحدة إلى واقع ملموس، عبر ترسيخ احترام القانون الدولي، وحفظ الأمن والسلم الدوليين، ودعم قنوات العمل الدولي متعدد الأطراف في جميع المجالات.

وقال في كلمة المملكة التي القاها بالجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها التاسعة والسبعين بمدينة نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية، إن المملكة شاركت بفاعلية في صياغة ميثاق المستقبل الذي اعتمده قادة العالم هذا الأسبوع، حيث تعد المملكة “الميثاق” و “قمة المستقبل” فرصة لإعادة تأكيد المبادئ المشتركة، وتعزيز التعاون لمواجهة التحديات، وتحقيق الأمن والسلم، ودعم التنمية المستدامة للأجيال القادمة، وتحرص المملكة على تفعيل دور المؤسسات المالية الدولية لضمان استمرار التعافي الاقتصادي والحد من المخاطر.

وأعرب سموه عن بالغ الشكر والتقدير لمعالي الأمين العام للأمم المتحدة السيد أنطونيو غوتيريش على جهوده الدؤوبة في تحقيق مبادئ ميثاق الأمم المتحدة وأهدافها ، مضيفا بأن عالمنا اليوم يشهد العديد من الأزمات التي تفاقمت بسبب الاكتفاء بإدارة تلك الأزمات دون إيجاد حلول عملية لمعالجتها، ويعود ذلك إلى تراخي الجهود الدولية الفاعلة، والانتقائية في تطبيق القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وقد أسفر ذلك عن توسع دائرة العنف والصراعات، وتهديد مبادئ الشرعية الدولية، وذلك يحتم علينا الالتزام بالمبادئ والأسس التي وضعها ميثاق الأمم المتحدة، والعمل المشترك والجاد للتركيز على الحلول السلمية طويلة الأمد التي تضمن حماية المدنيين، وتنهي القتال والحروب، وتوفر الأمن والنماء إقليميًا ودوليًا، وفي ظل التوترات القائمة بين الدول، تأخذ المملكة بنهج النأي عن الاستقطاب السياسي في المجتمع الدولي، وتسعى لتعزيز الحوار والتفاهم والتقارب بين الدول بما يعزز الأمن والسلام العالمي.

جهود المملكة
وقال سموه : تجدد المملكة رفضها وإدانتها لجميع الجرائم الإسرائيلية الشنيعة المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني الشقيق، وانطلاقًا من رفضنا القاطع لهذا الواقع المرير، وضرورة التحرك لإنهائه، استضافت المملكة القمة العربية والإسلامية المشتركة غير العادية في الرياض، بتاريخ 11 نوفمبر 2023م بحضور قادة دول وحكومات الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، وصدرت عن القمة قرارات تمثل إرادة الشعوب العربية والإسلامية جميعًا، ودعت إلى حقن الدماء وإيصال المساعدات دون قيود، وتحقيق مطالب الشعب الفلسطيني الشقيق المشروعة باستعادة أراضيه المحتلة وإقامة دولته المستقلة.

وترأست المملكة اللجنة الوزارية التي كلفتها القمة العربية والإسلامية المشتركة غير العادية بالقيام بزيارات لعدد من الدول؛ من أجل دعوة المجتمع الدولي إلى الاضطلاع بمسؤولياته، ووقف العدوان الإسرائيلي وحماية المدنيين.
ومن هذا المنطلق؛ ترحب المملكة بتبني الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 10 مايو 2024م، قرارًا يتضمن أن دولة فلسطين مؤهلة للعضوية الكاملة في الأمم المتحدة، كما ترحب بالقرار الإيجابي الذي اتخذته كل من مملكة النرويج، ومملكة إسبانيا، وجمهورية إيرلندا، وجمهورية سلوفينيا، وجمهورية أرمينيا باعترافهم بدولة فلسطين الشقيقة، وتدعو بقية الدول إلى المضي قدما بالاعتراف الثنائي، واستشعارا بمسؤوليتنا المشتركة للتحرك الجاد في سبيل تجسيد الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة، فقد أعلنت المملكة مع شركائها أعضاء اللجنة الوزارية العربية – الإسلامية المشتركة، ومملكة النرويج، والاتحاد الأوروبي، عن إطلاق التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين، وندعو الجميع إلى الانضمام لهذا التحالف.

موقف ثابت
وحول الدعم الإنساني السعودي الرائد للشعب الفلسطيني ، أوضح سمو الأمير فيصل بن فرحان ، أن المملكة قدمت أكثر من (5) مليارات دولار أمريكي من المساعدات للشعب الفلسطيني الشقيق، ومنذ بداية الأزمة الراهنة في قطاع غزة، قدمت المملكة من خلال مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية مساعدات إغاثية وإنسانية تقارب (185) مليون دولار أمريكي، وتم التوقيع على اتفاقيات مع عدد من المنظمات الأممية والدولية الإنسانية لتنفيذ مشاريع إنسانية، بمبلغ يزيد على (106) ملايين دولار أمريكي، وسوف تستمر المملكة في دعم وكالة (الأونروا) لتمكينها من تقديم خدماتها الإغاثية وتوفير الغذاء والدواء والاحتياجات الإنسانية للأشقاء اللاجئين الفلسطينيين، حيث بلغ إجمالي دعم المملكة لوكالة الأونروا ما يزيد على (مليار) دولار أمريكي.
وأعرب سموه عن ترحيب المملكة بالرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية بشأن سياسات وممارسات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتأكيدها عدم قانونية الوجود الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ (57) عامًا، وتؤكد المملكة ضرورة القيام بخطوات عملية وذات مصداقية للوصول إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية مبني على قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، بما يكفل حق الشعب الفلسطيني الشقيق في إقامة دولته المستقلة على حدود عام 1967م وعاصمتها القدس الشرقية.

أمن المنطقة
وشدد الأمير فيصل بن فرحان أن غياب المساءلة والعقاب رغم استمرار الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، يشجعها على التصعيد الذي لن يحقق الأمن والاستقرار لأي طرف، وينذر بعواقب خطيرة، وتوسيع رقعة العنف والحروب، والمزيد من التهديد لأمن المنطقة واستقرارها ، وتؤكد المملكة على ضرورة الحفاظ على استقرار لبنان، واحترام سيادته، بما يتوافق مع القانون الدولي، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وهي تنضم إلى الجهود الدولية الهادفة إلى ترسيخ وقف فوري لإطلاق النار بما يتيح المجال للتوصل إلى تسوية دبلوماسية مستدامة. كما ندعو جميع الأطراف للتحلي بالحكمة وأقصى درجات ضبط النفس لتجنيب المنطقة وشعوبها مخاطر الحروب ومآسيها.
وأضاف :لقد اتخذت المملكة خطوات واضحة للدفع نحو التهدئة والتنمية على الصعيد الإقليمي، حيث تم الاتفاق مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين على أساس احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، واحترام ميثاقي الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي، بما ينعكس إيجابًا على ترسيخ الأمن والاستقرار، ودفع عجلة التنمية والازدهار الإقليمي، ونتطلع إلى تعاونها مع المجتمع الدولي فيما يخص البرنامج النووي والصواريخ الباليستية، كما استأنفت المملكة علاقاتها الدبلوماسية مع الجمهورية العربية السورية؛ لتعزيز التعاون والتنسيق بين البلدين الشقيقين بشأن القضايا المشتركة، إيمانا من المملكة بأن حل الأزمة السورية سيسهم في تنمية واستقرار المنطقة، مع تأكيد أهمية الحفاظ على وحدة سوريا وأمنها واستقرارها وسلامة أراضيها، بما يحقق الخير لشعبها الشقيق.

اليمن والسودان
وقال سموه : إن المملكة حريصة على عودة السلام إلى اليمن الشقيق، وتدعم جميع الجهود الرامية إلى حل الأزمة ورفع المعاناة الإنسانية عن الشعب اليمني الشقيق، والدفع نحو الوصول إلى حلول سياسية لإعادة الأمن والاستقرار إلى اليمن والمنطقة ، كما تجدد المملكة دعوتها إلى التحلي بالحكمة وتجنب التصعيد، وتعزيز الجهود المشتركة للمحافظة على أمن واستقرار منطقة البحر الأحمر التي تعد حرية الملاحة البحرية فيها مطلبًا دوليًا يمس مصالح العالم أجمع.
وفي الشأن السوداني، تؤكد المملكة مواقفها الثابتة بشأن الحفاظ على أمن السودان وسلامته واستقراره، وتماسك الدولة ومؤسساتها ومنع انهيارها، ومساندته في مواجهة تطورات وتداعيات الأزمة الحالية، وقد استضافت المملكة محادثات السلام السودانية في محافظة جدة؛ لتأكيد ضرورة التهدئة، ووقف العمليات العسكرية، وإيصال المساعدات الإنسانية والإغاثية، ويجري العمل على استئناف محادثات جدة 3 لهذا الغرض.
كما تؤكد المملكة حرصها على أمن واستقرار أفغانستان ووحدة أراضيه، وأنه لا يمكن أن تعيش أفغانستان بمعزل عن محيطها الإقليمي والدولي، خاصة في ظل الخطر الذي يشكله بقاء الجماعات الإرهابية في أفغانستان، ونؤكد أهمية الحد من تدهور الأوضاع الإنسانية والأمنية والاقتصادية، الذي يمنح الفرصة للجماعات والميليشيات المتطرفة لتعزيز وجودها في أفغانستان، ونؤكد أن الاستقرار الاقتصادي والتنموي لا يتحقق إلا في بيئة يسودها استقرار سياسي واجتماعي.

الأزمة الروسية – الأوكرانية
وأضاف سمو وزير الخارجية : فيما يخص الأزمة الروسية – الأوكرانية؛ تجدد المملكة دعوتها إلى إنهاء الأزمة، والحد من آثارها وانعكاساتها السلبية على أمن العالم واستقراره، وقد بذل صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء – حفظه الله – مساعيه الحميدة للإفراج عن عدد من الأسرى من جنسيات مختلفة، واستضافت المملكة في العام الماضي اجتماعًا لمستشاري الأمن الوطني وممثلين لما يزيد على (40) دولة ومنظمة دولية، وتؤكد المملكة ضرورة بذل جميع الجهود الممكنة في سبيل إنهاء الأزمة، وحل الخلافات سلميًا، واحترام مبادئ القانون الدولي، والسعي لحفظ أمن ومصالح الجميع، كما تؤكد المملكة استعدادها للاستمرار في بذل جهود الوساطة بين طرفي الأزمة.

تطلعات الأجيال
إن المملكة من واقع رؤيتها 2030 تهدف إلى تلبية تطلعات الأجيال المقبلة، وتمكين المرأة والشباب، وتنمية الإبداع والابتكار، وترسيخ قيم التسامح، ومد جسور التواصل مع العالم، وتهدف من خلال نهجها التنموي إلى تحقيق نهضة شاملة ومستدامة، تركز على الإنسان، بما يحفظ حقوقه، ويعزز كرامته، ويلبي تطلعاته.

أمن الطاقة
وبالنسبة لأمن الطاقة أكد سمو وزير الخارجية أن المملكة تلتزم في مجال الطاقة بتحقيق التوازن بين ثلاث ركائز هي: أمن الطاقة، وتوفير الطاقة ميسورة التكاليف للجميع، والحد من آثار التغير المناخي، وتحرص المملكة على استقرار أسواق النفط العالمية وموثوقيتها واستدامتها، وتلبية الاحتياجات بما يعزز توفر الطاقة وسهولة الوصول إليها وأمن وسلامة الإمدادات، لضمان اقتصاد عالمي مزدهر، يعود بالنفع على المنتجين والمستهلكين، وتلتزم المملكة بالإسهام في الحد من آثار التغير المناخي، وذلك من خلال تبني نهج شمولي في تحولات الطاقة مبني على أساس منطقي ومنظم وعادل، بحيث يتم تحقيق أهداف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، واتفاقية باريس عبر الاستفادة من جميع التقنيات التي تسهم في معالجة انبعاثات الاحتباس الحراري من جميع المصادر، بما فيها البترول والغاز اللذان سيستمران جزءًا محوريًا من مزيج الطاقة العالمي لعقود آتية.
وأضاف : فضلا عن امتلاك المملكة للتقنيات التي مكنتها من أن تكون من أقل الدول في مؤشر كثافة انبعاثات الكربون والميثان في عمليات البترول والغاز، فإنها تواصل تطوير منتجات طاقة أخرى منخفضة الانبعاثات، وفي هذا الصدد؛ تعمل المملكة على بناء مجمع لالتقاط الكربون ونقله وتخزينه في مدينة الجبيل الصناعية بطاقة التقاط وتخزين تصل إلى (9) ملايين طن سنويًا من ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2027م، وبطاقة قصوى تصل إلى (44) مليون طن سنويًا بحلول عام 2035م.

المناخ والمياه
وفي الشأن المناخي ، أوضح الأمير فيصل بن فرحان أن المملكة تدعم أهداف التنمية المستدامة، والتعاون الدولي لمواجهة تحديات التغير المناخي، وأعلنت المملكة في القمة السعودية – الأفريقية في الرياض، عن تخصيص ما يقارب (50) مليار دولار أمريكي لدعم هذه الجهود، وأطلقت عدة مبادرات رائدة تعتمد على نهج الاقتصاد الدائري للكربون، مثل: مبادرة السعودية الخضراء، ومبادرة الشرق الأوسط الأخضر، بالإضافة إلى الاستثمار في أفضل تقنيات خفض الكثافة الكربونية، وزيادة مصادر الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة الأمثل لإنتاج الكهرباء، وإنتاج الهيدروجين النظيف، وهي عازمة على أن تكون منتجًا ومصدرًا رئيسًا لهما في العالم، كما تدعم المملكة مشاريع متعددة تهتم بترشيد الاستهلاك ورفع كفاءة الطاقة، والمحافظة على الحياة الفطرية، واستدامة الثروة المائية والحياة البحرية.
ومن هذا المنطلق؛ استضافت المملكة اليوم العالمي للبيئة عام 2024م، التابع لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، وسوف تستضيف مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (COP16) نهاية هذا العام؛ لتؤكد التزامها بحماية البيئة، ومقاومة ومكافحة الجفاف والتصحر، وتسلمت المملكة ملف استضافة المنتدى العالمي الحادي عشر للمياه 2027م، وفي هذا الصدد؛ أشير إلى إعلان صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء – حفظه الله – عن تأسيس المنظمة العالمية للمياه في سبتمبر من العام الماضي، التي تهدف إلى تطوير وتكامل جهود الدول والمنظمات لمعالجة تحديات المياه بشكل شمولي.

النووي والإرهاب
إن المملكة حريصة على العمل نحو الوصول إلى عالم خال من الأسلحة النووية، وشرق أوسط مستقر، ومن هذا المنطلق، تشدد المملكة على ضرورة التزام جميع الدول بالمحافظة على منظومة منع الانتشار، مع الحفاظ على حق الدول في الاستخدام السلمي للطاقة النووية.
وتساند المملكة الجهود المبذولة للتصدي للتنظيمات الإرهابية، ونؤكد أهمية تعزيز العمل المشترك، ومواصلة التنسيق بين الشركاء الدوليين لمواجهة التهديد الذي تشكله هذه الجماعات على بلداننا وشعوبنا، ونشدد على ضرورة بذل المزيد من الجهود للحد من تأثير الحملات الدعائية التي تطلقها الجماعات الإرهابية، ونؤكد أهمية مواصلة العمل الدولي للتصدي لتمويل الإرهاب، وضرورة تبادل المعلومات المتعلقة بهذا الشأن.

استشراف المستقبل
لقد حظيت المملكة بثقة المجتمع الدولي من خلال اختيارها لاستضافة معرض إكسبو الدولي 2030 تحت شعار “حقبة التغيير: المضي قدما بكوكبنا نحو استشراف المستقبل”، لتحقيق فكرة المعرض المتمثلة باستشراف مستقبل الكوكب والتطورات التقنية المفيدة، مع التركيز على أهداف التنمية المستدامة، ويمثل المعرض فرصة لتعزيز العمل في المشاريع ذات التأثير العالمي، والتعاون لإيجاد حلول عالمية من خلال الابتكار والاستدامة والشمولية؛ التزاما منا تجاه البلدان النامية، وتعرب المملكة عن شكرها وتقديرها للدول التي دعمت استضافتها لهذا الحدث العالمي.
ختامًا، نتطلع إلى أن تسهم جهودنا في إيصال رسالتنا وقيمنا ومبادئنا للعالم، في جو يسوده الاحترام والشراكة لبناء مستقبل أفضل للبشرية جمعاء.
حضر إلقاء كلمة المملكة، صاحبة السمو الملكي الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان بن عبدالعزيز سفيرة خادم الحرمين الشريفين لدى الولايات المتحدة الأمريكية، ووكيل وزارة الخارجية للشؤون الدولية المتعددة والمشرف العام على وكالة الوزارة لشؤون الدبلوماسية العامة الدكتور عبدالرحمن الرسي، ومندوب المملكة الدائم لدى الأمم المتحدة في نيويورك السفير الدكتور عبدالعزيز الواصل، والسفير هيثم المالكي، ومدير عام مكتب سمو وزير الخارجية عبدالرحمن الداود.

مقالات مشابهة

  • نائب حسن نصر الله يكشف أسماء القيادات التي كانت مع الأخير ولقيت مصرعها بعملية الاغتيال بضاحية بيروت الجنوبية
  • وزير الخارجية مؤكداً في الجمعية العامة سياسة وجهود المملكة: تعزيز التعاون للأمن والسلم العالمي والتنمية المستدامة للأجيال
  • كتاب يوثق مسيرة معرض الرياض للكتاب خلال 45 عامًا
  • السيسي: سنكون من أوائل الدول التي تعالج المياه بأحدث وسائل التكنولوجيا
  • الكاتب الأمريكي الشهير “والتر إيزاكسون”: السعودية تشهد ثورة تنموية في ابتكارات الطاقة المتجددة
  • هذه الدول الخليجية تريد أن تصبح قوى عظمى في الذكاء الاصطناعي.. ما هي؟
  • أهداف الطاقة المتجددة في أفريقيا تواجه صعوبات رغم مضاعفة الاستثمارات (تقرير)
  • أستاذ هندسة بترول: وضع بروتوكول لترشيد استهلاك الطاقة في دول الاتحاد الأوروبي
  • ما الآثار التي سيتركها اغتيال نصر الله على الدول والأحلاف؟
  • «مجلس محمد بن زايد» يستضيف محاضرة «التكنولوجيا الخضراء الطريق نحو مستقبل مستدام»