مع تصاعد التحركات الرامية إلى إنهاء الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في السودان، برزت أصوات تدعو إلى إشراك نظام الرئيس السابق، عمر البشير، في المفاوضات، بعدما فشلت مبادرات وجولات سابقة، ضمت حصرا طرفي القتال، في وضع حد للحرب التي دخلت عامها الثاني.

ومع تفجُّر الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع في 15 أبريل 2023، نشطت سريعا مبادرة من السعودية، بدعم من الولايات المتحدة، لإنهاء الحرب، لكن لم تفلح تلك التحركات في مسعاها.



ولم تتوقف جهود حل الأزمة السودانية على منبر جدة وحده، إذ أطلقت الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا "إيغاد"، والاتحاد الأفريقي، مبادرة لإنهاء القتال في السودان.

كما استضافت مصر، في يوليو 2023 مؤتمر دول جوار السودان، بمشاركة عدد من الدول والمنظمات، "لبحث سبل إيقاف القتال بين الطرفين"، لكن مع ذلك لم تتمكن تلك المبادرات من إنهاء النزاع، ودخلت الحرب عامها الثاني، بينما توسعت رقعة المعارك.

"ضد الثورة"
يرى القيادي في تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)، كمال بولاد، أن "إشراك النظام السابق في المفاوضات الرامية لإنهاء الحرب، يتقاطع مع قرار الشعب السوداني الذي ثار ضده، ومع أهداف ثورة ديسمبر التي أسقطته".

وقال بولاد لموقع الحرة إن إشراك من وصفهم بـ"الفلول" في المفاوضات "سيكون بمثابة مكافأة لهم على الحرب التي أشعلوها، من أجل القضاء على الثورة، مع أن الصحيح أن تتم محاكمتهم على جرائمهم خلال حكمهم، وعلى إشعالهم الحرب الحالية".

وأشار إلى أن "النظام السابق لا يؤمن بالديمقراطية ولن يكون حريصا عليها، وليس هناك مصلحة للقوى السياسية أو المؤسسة العسكرية في إشراك نظام أسقطته ثورة شعبية، في المفاوضات".

في 11 أبريل 2019 وعلى وقع تظاهرات استمرت لنحو 4 شهور، في الخرطوم وعدد من المدن السودانية، تلا وزير الدفاع السوداني قرارا بعزل البشير.

وتشكلت حكومة انتقالية بالشراكة بين العسكريين والمدنيين، قبل أن يستولي الجيش على السلطة في 25 أكتوبر 2012، ويقوم بحل حكومة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك.

ومع دخول الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، عامها الثاني، تصاعدت الدعوات إلى إشراك النظام السابق في مساعي ومفاوضات إنهاء الحرب.

"الكل يتجسس على الكل".. ماذا وراء تعديل قانون المخابرات السودانية؟
فجّرت تعديلات أجرتها السلطات السودانية على قانون جهاز المخابرات العامة، موجة من الجدل وسط السياسيين والناشطين والخبراء العسكريين، خاصة أن "التعديلات أعادت إلى الجهاز صلاحات سُحبت عنه عقب سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير"، بحسب قانونيين سودانيين.
ويشير أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية، عز الدين المنصور، إلى أن "غياب الإرادة لدى طرفي القتال، وعدم التزامهما بما جرى الاتفاق عليه في منبر جدة بالسعودية، يحتم ضرورة توسيع الأطراف المشاركة في المفاوضات".

وقال المنصور لموقع الحرة، إن "جولات التفاوض السابقة برهنت على أن قادة الجيش لا يملكون الجرأة للمضي في المسار السلمي لحل الأزمة، رغم تأكيداتهم المستمرة بضرورة التفاوض، مما يشير إلى أنهم لا يسيطرون على القرار كليا داخل الجيش".

وأشار أستاذ العلوم السياسية إلى أن "تأثير النظام السابق على مجريات العمل القتالي لا تحتاج إلى براهين، ولا يختلف عليه اثنان، إذ أن الترقي إلى الرتب العليا والمواقع القيادية بالجيش كان حكرا على منسوبي النظام السابق وحدهم".

وأضاف "الآن تقاتل كتيبة البراء بن مالك إلى جانب الجيش، وهي كتيبة تابعة للنظام السابق، وهذا وحده كفيل بضرورة إشراكهم في المفاوضات، بوصفهم طرف مقاتل، أو مؤثر في القتال والقرار العسكري".

ووقع الجيش وقوات الدعم السريع في 11 مايو 2023، اتفاقا في مدينة جدة، برعاية من السعودية والولايات المتحدة، ينص على "حماية المدنيين، وحماية كافة المرافق الخاصة والعامة والامتناع عن استخدامها لأغراض عسكرية".

وبعد اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، ظهرت تشكيلات مسلحة تقاتل إلى جانب الجيش، مثل كتيبة "البراء بن مالك" التي يقودها المصباح أبو زيد.

وأثير جدل واسع بشأن تلك الكتيبة، إذ يربط سياسيون وناشطون بينها وبين نظام الرئيس السابق عمر البشير، بينما تقول قوات الدعم السريع إن "الكتيبة من أذرع الحركة الإسلامية، المصنفة كمرجعية دينية لنظام البشير".

ويشير أبو زيد في صفحته على موقع فيسبوك إلى أن عناصر "البراء بن مالك": "تلقوا تدريبهم بواسطة الجيش السوداني، وفي ظل دستوره وقانونه".

في المقابل استبعد المحلل السياسي، الجميل الفاضل، أن توافق القوى الثورية والسياسية على إشراك النظام السابق في المفاوضات، "بخاصة بعد جريمة الحرب التي تأذى منها السودانيون".

وقال الفاضل لموقع الحرة إن "وجود النظام السابق على طاولة المفاوضات يعد بمثابة جائزة له على الجرائم المتراكمة التي اقترفها ضد الشعب السوداني".

ولفت المحلل السياسي إلى أن "الحديث عن إشراك النظام السباق في المفاوضات من منطلقات أنه يملك كتيبة تقاتل على الأرض، أو أن قادته يؤثرون على قرار الجيش، حديث حالم، يجافي المنطق، لأن الشعب السوداني لن يقبل عودة النظام السابق، تحت أي ظرف من الظروف".

لقاءات ومباحثات
الأصوات التي تنادي بإشراك النظام السابق في المفاوضات، يبدو أنها ليست محصورة على بعض الأكاديميين وبعض القوى السياسية، إذ نشرت وسائل إعلام سودانية معلومات عن لقاءات جرت بين لجنة تابعة للاتحاد الأفريقي وبين ممثلين للنظام السابق.

وكان الناطق باسم تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)، بكري الجاك، كشف عن لقاء جمع ممثلين للنظام السابق مع لجنة بالاتحاد الأفريقي في بورتسودان والقاهرة.

وقال الجاك في مقابلة مع "راديو دبنقا" إن الاتحاد الأوروبي أيضا التقى ممثلين للنظام السابق في العاصمة المصرية، القاهرة.

وهنا يشير بولاد إلى أن "ممثلي الاتحاد الأفريقي أو الاتحاد الأوروبي يمكن أن يجلسوا مع ممثلين للنظام السابق، لكن لا يمكن أن يتم فرض النظام السابق على الشعب السوداني أو القوى الثورية التي أسقطته".

ولفت إلى أن "إيقاف الحرب واستعادة مسار التحول المدني الديمقراطي يتم بقرار من الشعب السوداني وقوى ثورة ديسمبر، ولن يقبل السودانيون بقرارات تتقاطع مع موقفهم الرافض للنظام السابق".

وأضاف: "الحديث عن ضرورة التفاوض مع عناصر النظام السابق لأنهم مؤثرون في القرار العسكري يصب في خطتهم الساعية للعودة إلى السلطة، ولا يصب في مصلحة الشعب السوداني أو القوى المدنية والسياسية التي تهدف لاستعادة التحول الديمقراطي".

هل انقلب الجيش السوداني على "البراء بن مالك"؟
مع تصاعد المعارك في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، ظهرت تشكيلات مسلحة تقاتل إلى جانب الطرفين، في تطور ميداني، صنفه مختصون ضمن أسباب إطالة عمر الحرب التي دخلت عامها الثاني.
وفي المقابل، يقول المنصور إن "النظام السابق لن يقبل بأي اتفاق يقود إلى إقصائه من مرحلة ما بعد وقف الحرب، وسيعمل على تخريب الفترة الانتقالية المرتقبة، من خلال آلته العسكرية والأمنية، ولذلك من مصلحة السودانيين إشراكه في التفاوض".

ولفت إلى أن "هناك جهات فاعلة محليا وإقليميا ودوليا تطرح فكرة إشراك النظام السابق في التفاوض، وبعضها جلس فعليا مع ممثلين له، لبحث المقترح".

وأضاف "يمكن أن تكون مشاركته محصورة بترتيبات إيقاف الحرب، على أن يتم الاتفاق على إدارة الفترة الانتقالية بواسطة حكومة تكنوقراط مستقلين، تعمل على تهيئة البلاد للانتخابات".

وكان نائب القائد العام للجيش، شمس الدين كباشي، أجرى مفاوضات غير معلنة مع نائب قائد قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو المعروف بـ"حميدتي"، في العاصمة البحرينية، المنامة، في يناير الماضي، لكن المفاوضات توقفت عقب تسريب معلومات عنها.

وسارعت قوى الحرية والتغيير، وهي تحالف سياسي أدار الفترة الانتقالية عقب سقوط نظام البشير، إلى اتهام عناصر النظام "بتدبير حملة انتقادات وتخوين ممنهجة ضد كباشي، لقطع الطريق على مساعيه لإتمام التفاوض مع الدعم السريع"، بينما ينفي قادة بالنظام السابق التهمة.

من جانبه يلفت الفاضل إلى أن "النظام السابق ظل يعمل، منذ إطاحته في 2019، على الالتفاف على ثورة ديسمبر، لكي يكون جزءا من الفترة الانتقالية، ولكي يعود إلى السلطة".

وأضاف أن "الحرب تم إطلاقها للقضاء على ثورة ديسمبر، ولإحداث تسوية تضمن وجودا للنظام السابق، ولا أظن أن القوى الثورية ستقبل بأي تسوية تعيد النظام السابق".

وتابع قائلا "أي صيغة لإعادة النظام السابق الذي تورط في جرائم وانتهاك ستُقابل بالرفض من قطاعات واسعة من السودانيين، ولن يستطيع أحد أن يفرض على الشعب السوداني ما لا يريده".

وأودت الحرب في السودان بحياة 13 ألف شخص على الأقل، وفق تقديرات "مشروع بيانات مواقع النزاعات المسلحة وأحداثها" (أكليد).

كما تسببت في نزوح ولجوء حوالي 8 ملايين شخص، وهي "أكبر أزمة نازحين في العالم"، وفق الأمم المتحدة.

ويعاني ما يقرب من 18 مليون شخص في أنحاء السودان، الذي يبلغ عدد سكانه 48 مليون نسمة، من "الجوع الحاد".

كما يواجه أكثر من 5 ملايين شخص مستويات طارئة من الجوع في المناطق الأكثر تضررا من الصراع، بحسب وكالات الأمم المتحدة العاملة في المجال الإنساني.

الحرة / خاص - واشنطن  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: بین الجیش وقوات الدعم السریع الفترة الانتقالیة الشعب السودانی البراء بن مالک فی المفاوضات عامها الثانی ثورة دیسمبر فی السودان إلى أن

إقرأ أيضاً:

الاستثمار العالمي على طاولة “قمة الأولوية” في ميامي.. السعودية تعزز مستقبل اقتصاد الفضاء

البلاد – متابعات
أكدت صاحبة السمو الملكي الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان بن عبدالعزيز سفيرة خادم الحرمين الشريفين لدى الولايات المتحدة الأمريكية، أهمية الاستثمار والنمو المالي، متطرقةً إلى أهمية الاستثمارات الموجهة نحو تحقيق هدف في بناء عالم أكثر إنصافًا ومرونة واستدامة.
جاء ذلك في كلمتها خلال قمة الأولوية، في ميامي ، التي افتتحها رئيس اللجنة التنفيذية لمؤسسة “مبادرة مستقبل الاستثمار” ريتشارد أتياس، تحت عنوان “الاستثمار بهدف” وجمعت كبار القادة والمستثمرين وصناع السياسات في العالم لمعالجة التحديات والفرص الملحة التي تشكّل الاقتصاد العالمي، متناولًا ما يواجهه العالم من التحديات المترابطة في النمو الاقتصادي والمرونة وتغير المناخ والتكنولوجيات الناشئة والتحولات الجيوسياسية، متطرقًا إلى كيفية توجيه رأس المال ليكون قوة من أجل الخير.
خارطة الاستثمار
وفي كلمته خلال “قمة الأولوية” أكد وزير الاستثمار المهندس خالد الفالح، أن السعودية تعدّ إحدى أكثر عشر وجهات جاذبة للاستثمار والمستثمرين حول العالم، ما يدل على تضاعف ثقة المجتمع الدولي بشأن الاستثمارات في المملكة ، وهناك الكثير من المؤشرات التي يجب تسليط الضوء عليها، أبرزها ارتفاع عدد المستثمرين الأجانب في المملكة من أقل من 8 آلاف مستثمر إلى 40 ألف مستثمر حاليا منذ بدء رؤية 2030.
وأضاف أن 25 % من الاستثمارات الأجنبية المباشرة الموجودة في المملكة جاءت من الولايات المتحدة، مشيرا إلى أن الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة تبلغ حالياً أكثر من 750 مليار دولار.
في السياق قال وزير المالية محمد الجدعان إن الاقتصاد السعودي بشكل عام ينمو بشكل متميز ومستدام ومستقر بشكل مطمئن جداً، وبدأ يأخذ شكلاً واضحاً في التنوع يحوي في طياته مجموعة كبيرة من القطاعات الجديدة والواعدة ، بحسب تصريح لـ”الشرق بلومبيرج” على هامش قمة الأولوية.
وأضاف أنه من المتوقع في 2025 استمرار النمو غير النفطي بنفس الوتيرة أو أعلى منها قليلاً”، مستشهداً بتقديرات وزارة الاقتصاد بنمو الناتج المحلي غير النفطي بأكثر من 4.4 %.
ولفت إلى أن “صوت المملكة يعلو على الساحة الدولية ، وأن دورها الفاعل سياسياً واقتصادياً أصبح أكثر وضوحاً على مدار السنوات العشر الماضية.
اقتصاد الفضاء
من جهته ، سلط الرئيس التنفيذي لوكالة الفضاء السعودية الدكتور محمد بن سعود التميمي، خلال القمة ، الضوء على أهمية اقتصاد الفضاء في تشكيل مستقبل التنمية العالمية واستشراف الفرص الاستثمارية في هذا القطاع الواعد، مشيرًا إلى دوره المتنامي في تحفيز الابتكار وتعزيز الاستدامة الاقتصادية.
وتواصل وكالة الفضاء السعودية جهودها لتعزيز التعاون الدولي في قطاع الفضاء، واستكشاف الفرص الاستثمارية التي تدعم النمو الاقتصادي، إلى جانب تطوير الكفاءات الوطنية، ودعم البحث والتطوير، وتبني الابتكارات التقنية التي تسهم في تعزيز مكانة المملكة في هذا القطاع على المستوى العالمي.

مقالات مشابهة

  • الجيش السوداني يستعيد مدينة القطينة من مليشيا الدعم السريع
  • الجيش السوداني يقصف مواقع الدعم السريع في أم درمان
  • الاستثمار العالمي على طاولة “قمة الأولوية” في ميامي.. السعودية تعزز مستقبل اقتصاد الفضاء
  • ما هي الدروس التي استخلصها الجيش الفرنسي بعد ثلاث سنوات من الحرب في أوكرانيا؟
  • قوى سياسية توجه دعوة الى الجيش السوداني والدعم السريع والمؤتمر الشعبي يوضح مشاركة علي الحاج في اجتماعات بنيروبي
  • وزير “البيئة” يعقد لقاءات ثنائية مع نظيريه الأردني والمصري
  • نصيحة لوجه الله للجنرال البرهان وكل عاقل في صفوف الجيش السوداني من غير عضوية الحركة الاسلامية
  • الجيش السوداني يضيق الخناق على مقار الدعم السريع ويحكم سيطرته على كافوري في الخرطوم بحري
  • «الشيوعي السوداني» يدعو لمناهضة محاولات إضفاء شرعية لأطراف الحرب
  • الجيش السوداني يعلن تقدمه إلى وسط الخرطوم من الناحية الجنوبية ‎