“لقاءات محلية ودولية”.. هل يجلس نظام البشير على طاولة المفاوضات؟
تاريخ النشر: 14th, May 2024 GMT
مع تصاعد التحركات الرامية إلى إنهاء الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في السودان، برزت أصوات تدعو إلى إشراك نظام الرئيس السابق، عمر البشير، في المفاوضات، بعدما فشلت مبادرات وجولات سابقة، ضمت حصرا طرفي القتال، في وضع حد للحرب التي دخلت عامها الثاني.
ومع تفجُّر الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع في 15 أبريل 2023، نشطت سريعا مبادرة من السعودية، بدعم من الولايات المتحدة، لإنهاء الحرب، لكن لم تفلح تلك التحركات في مسعاها.
ولم تتوقف جهود حل الأزمة السودانية على منبر جدة وحده، إذ أطلقت الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا "إيغاد"، والاتحاد الأفريقي، مبادرة لإنهاء القتال في السودان.
كما استضافت مصر، في يوليو 2023 مؤتمر دول جوار السودان، بمشاركة عدد من الدول والمنظمات، "لبحث سبل إيقاف القتال بين الطرفين"، لكن مع ذلك لم تتمكن تلك المبادرات من إنهاء النزاع، ودخلت الحرب عامها الثاني، بينما توسعت رقعة المعارك.
"ضد الثورة"
يرى القيادي في تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)، كمال بولاد، أن "إشراك النظام السابق في المفاوضات الرامية لإنهاء الحرب، يتقاطع مع قرار الشعب السوداني الذي ثار ضده، ومع أهداف ثورة ديسمبر التي أسقطته".
وقال بولاد لموقع الحرة إن إشراك من وصفهم بـ"الفلول" في المفاوضات "سيكون بمثابة مكافأة لهم على الحرب التي أشعلوها، من أجل القضاء على الثورة، مع أن الصحيح أن تتم محاكمتهم على جرائمهم خلال حكمهم، وعلى إشعالهم الحرب الحالية".
وأشار إلى أن "النظام السابق لا يؤمن بالديمقراطية ولن يكون حريصا عليها، وليس هناك مصلحة للقوى السياسية أو المؤسسة العسكرية في إشراك نظام أسقطته ثورة شعبية، في المفاوضات".
في 11 أبريل 2019 وعلى وقع تظاهرات استمرت لنحو 4 شهور، في الخرطوم وعدد من المدن السودانية، تلا وزير الدفاع السوداني قرارا بعزل البشير.
وتشكلت حكومة انتقالية بالشراكة بين العسكريين والمدنيين، قبل أن يستولي الجيش على السلطة في 25 أكتوبر 2012، ويقوم بحل حكومة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك.
ومع دخول الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، عامها الثاني، تصاعدت الدعوات إلى إشراك النظام السابق في مساعي ومفاوضات إنهاء الحرب.
"الكل يتجسس على الكل".. ماذا وراء تعديل قانون المخابرات السودانية؟
فجّرت تعديلات أجرتها السلطات السودانية على قانون جهاز المخابرات العامة، موجة من الجدل وسط السياسيين والناشطين والخبراء العسكريين، خاصة أن "التعديلات أعادت إلى الجهاز صلاحات سُحبت عنه عقب سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير"، بحسب قانونيين سودانيين.
ويشير أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية، عز الدين المنصور، إلى أن "غياب الإرادة لدى طرفي القتال، وعدم التزامهما بما جرى الاتفاق عليه في منبر جدة بالسعودية، يحتم ضرورة توسيع الأطراف المشاركة في المفاوضات".
وقال المنصور لموقع الحرة، إن "جولات التفاوض السابقة برهنت على أن قادة الجيش لا يملكون الجرأة للمضي في المسار السلمي لحل الأزمة، رغم تأكيداتهم المستمرة بضرورة التفاوض، مما يشير إلى أنهم لا يسيطرون على القرار كليا داخل الجيش".
وأشار أستاذ العلوم السياسية إلى أن "تأثير النظام السابق على مجريات العمل القتالي لا تحتاج إلى براهين، ولا يختلف عليه اثنان، إذ أن الترقي إلى الرتب العليا والمواقع القيادية بالجيش كان حكرا على منسوبي النظام السابق وحدهم".
وأضاف "الآن تقاتل كتيبة البراء بن مالك إلى جانب الجيش، وهي كتيبة تابعة للنظام السابق، وهذا وحده كفيل بضرورة إشراكهم في المفاوضات، بوصفهم طرف مقاتل، أو مؤثر في القتال والقرار العسكري".
ووقع الجيش وقوات الدعم السريع في 11 مايو 2023، اتفاقا في مدينة جدة، برعاية من السعودية والولايات المتحدة، ينص على "حماية المدنيين، وحماية كافة المرافق الخاصة والعامة والامتناع عن استخدامها لأغراض عسكرية".
وبعد اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، ظهرت تشكيلات مسلحة تقاتل إلى جانب الجيش، مثل كتيبة "البراء بن مالك" التي يقودها المصباح أبو زيد.
وأثير جدل واسع بشأن تلك الكتيبة، إذ يربط سياسيون وناشطون بينها وبين نظام الرئيس السابق عمر البشير، بينما تقول قوات الدعم السريع إن "الكتيبة من أذرع الحركة الإسلامية، المصنفة كمرجعية دينية لنظام البشير".
ويشير أبو زيد في صفحته على موقع فيسبوك إلى أن عناصر "البراء بن مالك": "تلقوا تدريبهم بواسطة الجيش السوداني، وفي ظل دستوره وقانونه".
في المقابل استبعد المحلل السياسي، الجميل الفاضل، أن توافق القوى الثورية والسياسية على إشراك النظام السابق في المفاوضات، "بخاصة بعد جريمة الحرب التي تأذى منها السودانيون".
وقال الفاضل لموقع الحرة إن "وجود النظام السابق على طاولة المفاوضات يعد بمثابة جائزة له على الجرائم المتراكمة التي اقترفها ضد الشعب السوداني".
ولفت المحلل السياسي إلى أن "الحديث عن إشراك النظام السباق في المفاوضات من منطلقات أنه يملك كتيبة تقاتل على الأرض، أو أن قادته يؤثرون على قرار الجيش، حديث حالم، يجافي المنطق، لأن الشعب السوداني لن يقبل عودة النظام السابق، تحت أي ظرف من الظروف".
لقاءات ومباحثات
الأصوات التي تنادي بإشراك النظام السابق في المفاوضات، يبدو أنها ليست محصورة على بعض الأكاديميين وبعض القوى السياسية، إذ نشرت وسائل إعلام سودانية معلومات عن لقاءات جرت بين لجنة تابعة للاتحاد الأفريقي وبين ممثلين للنظام السابق.
وكان الناطق باسم تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)، بكري الجاك، كشف عن لقاء جمع ممثلين للنظام السابق مع لجنة بالاتحاد الأفريقي في بورتسودان والقاهرة.
وقال الجاك في مقابلة مع "راديو دبنقا" إن الاتحاد الأوروبي أيضا التقى ممثلين للنظام السابق في العاصمة المصرية، القاهرة.
وهنا يشير بولاد إلى أن "ممثلي الاتحاد الأفريقي أو الاتحاد الأوروبي يمكن أن يجلسوا مع ممثلين للنظام السابق، لكن لا يمكن أن يتم فرض النظام السابق على الشعب السوداني أو القوى الثورية التي أسقطته".
ولفت إلى أن "إيقاف الحرب واستعادة مسار التحول المدني الديمقراطي يتم بقرار من الشعب السوداني وقوى ثورة ديسمبر، ولن يقبل السودانيون بقرارات تتقاطع مع موقفهم الرافض للنظام السابق".
وأضاف: "الحديث عن ضرورة التفاوض مع عناصر النظام السابق لأنهم مؤثرون في القرار العسكري يصب في خطتهم الساعية للعودة إلى السلطة، ولا يصب في مصلحة الشعب السوداني أو القوى المدنية والسياسية التي تهدف لاستعادة التحول الديمقراطي".
هل انقلب الجيش السوداني على "البراء بن مالك"؟
مع تصاعد المعارك في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، ظهرت تشكيلات مسلحة تقاتل إلى جانب الطرفين، في تطور ميداني، صنفه مختصون ضمن أسباب إطالة عمر الحرب التي دخلت عامها الثاني.
وفي المقابل، يقول المنصور إن "النظام السابق لن يقبل بأي اتفاق يقود إلى إقصائه من مرحلة ما بعد وقف الحرب، وسيعمل على تخريب الفترة الانتقالية المرتقبة، من خلال آلته العسكرية والأمنية، ولذلك من مصلحة السودانيين إشراكه في التفاوض".
ولفت إلى أن "هناك جهات فاعلة محليا وإقليميا ودوليا تطرح فكرة إشراك النظام السابق في التفاوض، وبعضها جلس فعليا مع ممثلين له، لبحث المقترح".
وأضاف "يمكن أن تكون مشاركته محصورة بترتيبات إيقاف الحرب، على أن يتم الاتفاق على إدارة الفترة الانتقالية بواسطة حكومة تكنوقراط مستقلين، تعمل على تهيئة البلاد للانتخابات".
وكان نائب القائد العام للجيش، شمس الدين كباشي، أجرى مفاوضات غير معلنة مع نائب قائد قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو المعروف بـ"حميدتي"، في العاصمة البحرينية، المنامة، في يناير الماضي، لكن المفاوضات توقفت عقب تسريب معلومات عنها.
وسارعت قوى الحرية والتغيير، وهي تحالف سياسي أدار الفترة الانتقالية عقب سقوط نظام البشير، إلى اتهام عناصر النظام "بتدبير حملة انتقادات وتخوين ممنهجة ضد كباشي، لقطع الطريق على مساعيه لإتمام التفاوض مع الدعم السريع"، بينما ينفي قادة بالنظام السابق التهمة.
من جانبه يلفت الفاضل إلى أن "النظام السابق ظل يعمل، منذ إطاحته في 2019، على الالتفاف على ثورة ديسمبر، لكي يكون جزءا من الفترة الانتقالية، ولكي يعود إلى السلطة".
وأضاف أن "الحرب تم إطلاقها للقضاء على ثورة ديسمبر، ولإحداث تسوية تضمن وجودا للنظام السابق، ولا أظن أن القوى الثورية ستقبل بأي تسوية تعيد النظام السابق".
وتابع قائلا "أي صيغة لإعادة النظام السابق الذي تورط في جرائم وانتهاك ستُقابل بالرفض من قطاعات واسعة من السودانيين، ولن يستطيع أحد أن يفرض على الشعب السوداني ما لا يريده".
وأودت الحرب في السودان بحياة 13 ألف شخص على الأقل، وفق تقديرات "مشروع بيانات مواقع النزاعات المسلحة وأحداثها" (أكليد).
كما تسببت في نزوح ولجوء حوالي 8 ملايين شخص، وهي "أكبر أزمة نازحين في العالم"، وفق الأمم المتحدة.
ويعاني ما يقرب من 18 مليون شخص في أنحاء السودان، الذي يبلغ عدد سكانه 48 مليون نسمة، من "الجوع الحاد".
كما يواجه أكثر من 5 ملايين شخص مستويات طارئة من الجوع في المناطق الأكثر تضررا من الصراع، بحسب وكالات الأمم المتحدة العاملة في المجال الإنساني.
الحرة / خاص - واشنطن
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: بین الجیش وقوات الدعم السریع الفترة الانتقالیة الشعب السودانی البراء بن مالک فی المفاوضات عامها الثانی ثورة دیسمبر فی السودان إلى أن
إقرأ أيضاً:
الحرب تحرم آلاف الطلاب السودانيين من امتحانات “الثانوية” .. تنطلق السبت المقبل في مناطق سيطرة الجيش وفي مصر
أعلنت الحكومة السودانية، التي تتخذ من مدينة بورتسودان مقراً مؤقتاً لها، عن عزمها عقد امتحانات الشهادة الثانوية، في 28 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، لأول مرة منذ اندلاع الحرب في منتصف أبريل (نيسان) 2023. ويجلس للامتحانات أكثر من 343 ألف طالب وطالبة، في المناطق التي يسيطر عليها الجيش السوداني (الولايات الشمالية والشرقية) ومصر، يمثلون 67 في المائة من الطلاب عموماً.
وكانت «قوات الدعم السريع» التي تسيطر على مناطق واسعة في ولايات دارفور وكردفان والخرطوم والجزيرة ومناطق أخرى، رفضت عقد الامتحانات، ووصفت الخطوة بأنها تأتي ضمن سياسات مدروسة تهدف إلى تقسيم البلاد، وحرمان عشرات الآلاف من الطلاب في مناطق القتال. كما رفضت تشاد إقامة الامتحانات على أراضيها باعتبارهم لاجئين.
اكتمال الترتيبات
وأعلن وزير التعليم المكلف، أحمد خليفة، في مؤتمر صحافي بمدينة بورتسودان، العاصمة الإدارية المؤقتة للبلاد، اكتمال الترتيبات كافة، مشيراً إلى أنها المرة الأولى التي يتم فيها تغيير المواقيت الزمنية للامتحانات، إذ تقرر عقد الجلسات في الساعة الثانية والنصف ظهراً بتوقيت البلاد، بدلاً من الثامنة صباحاً، تقديراً لظروف الطلاب الذين يجلسون في مصر وعددهم أكثر من 27 ألف طالب وطالبة في 25 مركزاً، من جملة 49 ألف طالب وطالبة يجلسون للامتحانات من خارج السودان. وقال إن الحكومة المصرية ذكرت أنها لا تستطيع عقد الامتحانات في الفترة الصباحية.
وأشار الوزير إلى أنه تم تجهيز مركزين للطوارئ في مدينتي عطبرة والدامر (شمال البلاد)، يمكن أن يلتحق بهما الطلاب قبل 24 ساعة من بداية الامتحانات. وأكد أن جميع الترتيبات الأمنية مطمئنة لعقد الامتحانات، وأضاف: «لدينا خطط بديلة في حال حدث أمر طارئ... لكن المخاوف والتهديدات قليلة».
وأوضح أيضاً أن الامتحانات ستقام في 12 ولاية نزح إليها 120724 طالباً وطالبة من الولايات غير الآمنة، رافضاً الاتهامات الموجهة لهم بأن تنظيم الامتحانات في ظل هذه الظروف يحرم آلاف الطلاب في مناطق القتال من فرصة الجلوس للامتحانات.
تشاد ترفض
وقال الوزير: «لم نظلم الطلاب في إقليم دارفور أو غيره... هناك 35 في المائة من الطلاب الممتحنين وافدون. وزاد عدد الطلاب النازحين بنسبة 100 في المائة في ولايتي القضارف ونهر النيل». وأضاف: «استطعنا تلبية رغبة 67 في المائة من الطلاب الذين سجلوا للامتحانات قبل الحرب».
وقال خليفة إن الحكومة التشادية لا تزال متمسكة بعدم إقامة امتحانات الشهادة السودانية على أراضيها، بحجة أنهم لاجئون وعليهم دراسة المنهج التشادي، ما يحرم 13 ألف طالب وطالبة، مؤكداً جاهزية الوزارة لإرسال الامتحانات حال وافقت دولة تشاد.
وكشف وزير التربية والتعليم في السودان عن إكمال الأجهزة الأمنية لكل الترتيبات الأمنية اللازمة لعقد الامتحانات، موضحاً أن هناك لجاناً أمنية على مستوى عالٍ من الخبرة والدراية أنجزت عملها بأفضل ما يكون.
وذكر أن أوراق الامتحانات تمت طباعتها داخل السودان بجودة عالية وبأجهزة حديثة ومتقدمة في وقت وجيز لم يتجاوز 15 يوماً.
وفقاً للجنة المعلمين السودانيين (نقابة مستقلة)، فإن أكثر من 60 في المائة من الطلاب المؤهلين للجلوس للامتحانات سيحرمون منها، وعلى وجه الخصوص في دارفور وكردفان الكبرى، وأجزاء من العاصمة الخرطوم والجزيرة ومناطق أخرى تعاني من انعدام الأمن.
وتشير إحصائيات منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (اليونيسيف) إلى أن استمرار الحرب منع 12 مليوناً من الطلاب السودانيين في مراحل دراسية مختلفة من مواصلة التعليم.
الشرق الأوسط: