فؤاد البطاينة في الأردن نظام يتحمل مسؤولية تاريخية تختلف بعمقها كثيراً عن مسؤولية الأنظمة العربية الأخرى المتصالحة أو المتعاونة مع كيان الاحتلال والمعزولة قراراتها عن إرادة شعوبها. وذلك لاختلاف النظرة الصهيونية للأردن من حيث طبيعة الأطماع في الجغرافيا الأردنية المتماهية مع مثيلتها في الجغرافيا الفلسطينية من ناحية، ومن حيث الأسباب والشروط التي في إطارها أنشأ الإنتداب البريطاني هذه الدولة كدولة وظيفية واختار قيادتها كنظام وظيفي من ناحية أخرى.

فالأردن مستهدف ككيان سياسي أردني عربي، وكوطن مُدعى به وكدولة يعتبرونها وديعة لدى النظام الذي فشل خلال قرن من الحكم في الانفلات من العقال والعباءة الصهيو- استعمارية. ومن هنا فالنظام الأردني هو الأكثر تعرضاً لتدخلات أمريكية واسرائيلية تقوم على أسس مختلفة وطلبات مباشرة لتنفيذ سياسات داخلية وخارجية على خلفية رهن إرادته وتهيئة الظروف على الأرض لبسط النفوذ الصهيوني على هذا الوطن. طلبات كلها تتعارض مع مبدأ الحفاظ على سلامة استقلالية القرار الأردني وعروبة هذه الأرض ومع مبدأ السيادة الوطنية ومع المصالح الوطنية الأردنية من اقتصادية وسياسية وعسكرية وأمنية وثقافية بشكل جلي وفاضح، والسعي لإفهام الأردنيين بأن هذا الوطن ليس وطنهم وهذه الدولة هم فيها لاجئون. لذلك فالشعب الأردني هو الشعب الوحيد الذي يتماهى مع الشعب الفلسطيني من حيث استهداف هويته السياسية الوطنية الأردنية، والأكثر استهدافاً بالتهميش والإفقار ونزع حقوق المواطنة وعلى رأسها الحقوق السياسية، ومؤسساته هي الأكثر صورية. وباختصار إن هامش حرية القرار للنظام الأردني لا يسمح له بما يسمح لأي نظام عربي مطبع ومتعاون، وأمريكا هي التي تحدد له طبيعة علاقاته مع الدول الشقيقية والصديقة، وما يجب عليه اتخاذه من سياسات وقرارات. وعليه فإني لا أشخص الحالة الأردنية بممارسات النظام وقوانينه ولا بمعاناة المواطنين، بل بوجود قضية أردنية لا تختلف عن القضية الفلسطينية، وبوجود أزمة فهم نخبوية وشعبية لها. ومستعصية تتعمق مع كل ردة فعل سطحية لممارسة من ممارسات النظام على خطورتها، ومع كل خطاب شعبي غير سياسي يقارع الأعراض. وبهذا الوصف كما أراه فإن الأزمة الحقيقية التي يعوم الشرق أردنيين فيها هي أزمة وجود سياسي وطني نابعة من أزمة وطن وأزمة هوية تطغى على كل الأزمات الأخرى وتمسخها. وبالمختصر هي أزمة أردن أو لا أردن. فهذه الدولة تشكلت عام 1921 لتلغي وطناً وشعباً. والرد أن هذا الوطن باق ما دام هناك أردني واحد يتنفس، ولن نكون ذكور النحل ولا صناع مشانق لأنفسنا ووطننا. أما استعصاء الحالة الأردنية على الحل وتطورها للأسوأ والأعقد، فيعود الى طبيعة تعامل طرفيها معها ومع بعضهما وأقصد النظام والشعب بناشطيه. وأعْزي سلوك النظام إلى سلوك الشعب بنسبة عالية. ففي الأردن الأحزاب والناشطون ظاهرة سياسية صوتية شعبوية وغير مستعدون لدفع أي ثمن لما يدَّعون الكفاح من أجله. شعب يدير بمثقفيه وأحزابه وناشطيه صراعا انتقائيا ومزاجياً وبالقطعة مع نظامهم من دون أي استراتيجية وطنية أو مأسسة لعمل جبهوي. ولم ينجح في واحدة. وهوما أسهم في دفع وتشجيع النظام لتراكمات سلبية كبيرة، وفي الأردن نظام كغيره من الأنظمة العربية التي لا فضل لشعوبها عليها في وصولها للسلطة، ويستحوذ على تفكيره المال والجباية والمصالح الضيقة وجاه السلطة حتى لو كانت بكنف عدو محتل. وفي المحصلة وجد مصلحته في تسليم مقدراته ومقدرات الدولة السياسية بيد أمريكا تحت ضغط الإبتزاز الذي أوقع نفسه فيه مُتشجعاً ومدفوعاً بفشل وصبيانية ونفاق وجبن معارضات الشعب وأصواته التي يهزأ الصدى منها. لا نريد الفوضى في بلدنا ولا إيذاء عصفور فيه أو لبنة بناء. نريد تحالف الوعي لإنقاذ دولتنا ووطننا. لقد قامت الأحزاب الاردنية مؤخراً وائتلفت وأصدرت البيانات وأججت الشارع وخاطبت مجلس النواب ثم طالبت بمقابلة الملك وكله بسبب قيام النظام بتنشيط أو تعظيم قانون الجرائم الإلكترونية بالغرامات المالية المبالغ بها. لا أدرى كيف هبطت عليهم العزيمة، أهو الخوف من تكميم الأفواه والتضييق على حرية الكلام المذاب في الهواء كبضاعة أساسية لا تتعداها الاحزاب والمعارضات والناشطين، ومنتوجها هو الشعبوية؟ أم هو الخوف على المال؟ أم لإثبات وجودهم لحجز أمكنة لهم في المرحلة الحزبية والإنتخابية القادمة؟ لا نريد كل هذا، نريد وطناً حرا وإنساناً كريما ومصان الكرامة. فنحن لم نألف مثل هذا الحشد الاحتجاجي لدى قيام النظام بتمرير فظائع بحق الوطن والدولة والشعب بتجاهل مطبق للسيادة والدستور من خلال قوانين واتفاقيات. وأخرها حين أبرم النظام اتفاقية عسكرية مع أمريكا وفرضها على الشعب متجاوزا النواب والحكومة، ومنح بموجبها الاردن قواعد عسكرية بالجملة وخدماتها للأمريكان، وأباح تدفق الحافلات وحمولاتها تحت عنوان عسكر أمريكان عبر الحدود لداخل الأردن دون شرط أو قيد أو تحقق من هوياتهم أو تفتيش حمولاتهم ليشكلوا أوسع باب لاختراق ناعم للأراضي الأردنية من قبل مجاميع صهيونية مع حماية قانونية تامة لهم. ولم يرعوي النظام أو يعتبر مما قام به حين منح في عشرينيات القرن الماضي أراضي شاسعة من الباقورة للصهيونية فيما عرف بمشروع روتنبرغ والذي على أساسه ما زال يتمسك الاحتلال بأراضي الباقورة لليوم.بل مرر الشعب وأحزابه ومعارضاته ضربات عميقة الجرح والتأثير باتفاقيات حساسة ابرمها النظام، وقوانين سنها وشرعها تلف رقبة الأردن والأردنيين بحبال صهيونية في مختلف المجالات ولم نشهد ضجيجاً أو تدارسا حزبياً جماعيا أو نقابيا أو لمعارضات، وسادت بدلا من ذلك بيانات النقد والاستنكار المنفردة. ولم يرعو النظام ولم تتطور المعارضة. فقانون الجرائم الالكترونية جاء مقترنا من ناحية بأخطر قانون يمكن أن تتخذه دولة مستهدفة بترابها الوطني كالأردن وهو قانون معدل لقانون االملكية العقاريى يسمح لرئيس الحكومة بتمليك أراضي خزينة الدولة لأجانب من أفراد وشركات والمقصود هنا الصهيونية. و من ناحية أخرى لا أستبعد بأن قانون تغليظ عقوبات الجرائم الاكترونية جاء كخطوة قمعية استباقية لنوايا تتعلق بتعليمات او قوانين قادمة تخص الشذوذ الجنسي وشواذه ليسهل تمريرها في إطار إشغال ناس الوطن بسيل من قوانين الجباية. النظام الأردني اليوم منزوع عن أي دور في المنطقة سوى دور تسليم الأردن كوديعة بالطريقة التي تختصر الكثير من تجربة ومعاناة وكلفة الصهيونية في مواجهتها مع الشعب الفلسطيني في كل مراحل الغزو الصهيوني لفلسطين، وتحقق الكثير من الانجازات الصهيونية المجانية في الأردن. ليتبلور النظام الأردني الى مجرد سلطة أمنية في عمان موازية للسلطة الأمنية في رام الله ومكملة لها في مرحلة ما ً. المعارضة الأردنية بأحزابها ونقاباتها وشخصياتها الوطنية مُطالبة بخلع ثوب معارضة المناسبات وردود الفعل العابرة والتقدم نحو قراءة متعمقة لسياسة النظام ونهجه وللحالة الأردنية لتحديد الهدف وترتيب الأولويات والإرتقاء لمرحلة المأسسة ومحاكاة طبيعة الحالة الأردنية المرتبطة والمتحدة بالحالة الفلسطينية الإستعمارية – الإحتلالية، بالولادة والنشأة والتكاملية والمصير، نحو العمل السياسي الجبهوي بشعب منكوب واحد. وهذا كفيل بصحوة النظام على وجود شعب لا يُمكن القفز عنه وعن وطنه. كاتب وباحث عربي اردني

المصدر: رأي اليوم

كلمات دلالية: فی الأردن من ناحیة

إقرأ أيضاً:

لوموند: كيف أثر السيسي على الدور الذي كانت تلعبه مصر في القضية الفلسطينية؟

نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريرًا سلطت خلاله الضوء عن مدى استفادة النظام المصري من إطالة أمد الصراع في غزة، العامل الذي يجعله يتراخى في البحث عن سبل حله.

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن الطبيعة العسكرية العميقة للنظام المصري ظلت قائمة منذ سنة 1952، عند إطاحة جمال عبد الناصر والضباط الأحرار بالملكية البرلمانية.

وأضافت الصحيفة أن هذه الهيمنة العسكرية استمرت في عهد خلفاء ناصر، أنور السادات ثم حسني مبارك، قبل أن تهتز خلال الاضطرابات الثورية بين سنتي 2011 و2013.

وأنهى الانقلاب العسكري الذي نفذه عبد الفتاح السيسي الفترة الانتقالية وأعاد ترسيخ أسس النظام العسكري الذي تقوم خلاله الدائرة الرئاسية بتوزيع الامتيازات بين الجنرالات، سواء كانوا في الخدمة الفعلية أو "متقاعدين" يشغلون مناصب في القطاع الخاص. في المقابل، تتولى أجهزة المخابرات فرض رقابة شديدة على البلاد والشعب، مع هيمنة جهاز المخابرات العامة، الكيان العسكري المكلف بتنفيذ عمليات داخل مصر وخارجها.

"إيجار" غزة
وأوضحت الصحيفة أنه بمجرد عودته إلى البيت الأبيض؛ قرر دونالد ترامب تعليق جميع أشكال المساعدات الخارجية، باستثناء الدعم المقدم لإسرائيل وكذلك لمصر. ويعود الفضل في استثناء نظام السيسي من القرار إلى بند في معاهدة السلام الموقعة سنة 1979 بين إسرائيل ومصر تحت إشراف الولايات المتحدة يقضي بمنح دعم عسكري سنوي لإسرائيل يناهز حجمه ملياري دولار وثلثي هذا المبلغ لمصر.


وطيلة أكثر من أربعة عقود من الزمن، ظل الجنرالات المصريون يعتبرون أن هذا المبلغ حق مكتسب لهم رافضين تخصيص حتى جزء منه إلى تنمية البلاد. وغالبًا ما يُعاد استثمار هذا المبلغ في شراء المعدات الأمريكية، مما يتيح للقاهرة الحصول على دعم الصناعيين المعنيين في واشنطن الذي يشكلون "مجموعة ضغط".

وتشيد مجموعة الضغط هذه بمساهمة نظام السيسي في الحصار الذي فرضته إسرائيل على قطاع غزة منذ سيطرة حماس عليه في حزيران/ يونيو بعد فوزها في الانتخابات2007. مع استمرار تراجع نفوذ بلاده في الأزمات الإقليمية، من ليبيا والسودان إلى اليمن تزداد العائدات التي يجنيها السيسي من استمرار الحرب في غزة.

ولهذا السبب يبالغ نظام السيسي بشأن أهمية المفاوضات المفترض تنظيمها في القاهرة، سواء بين إسرائيل وحماس أو بين الفصائل الفلسطينية. إن الحوار الفلسطيني الداخلي بشأن تسليم السلطة التي تتقلدها حماس إلى غزة متوقف منذ ستة عشر شهراً، دون الوصول إلى أي صيغة قابلة للتطبيق. في المقابل، المحادثات الجادة الوحيدة بشأن الهدنة في غزة، والتي ترتب عنها إعلان الهدنة الحالية، كانت تحت إشراف قطر.

أرباح كبيرة
وذكرت الصحيفة أن عدم فاعلية أجهزة الدولة المصرية على الرغم من الكفاءات والخبرات التي تمتلكها هو نتيجة تطبيق قرارات سياسية على أعلى مستوى. في الواقع، تسمح الأزمة الفلسطينية بإحياء المشهد الدبلوماسي والإعلامي في القاهرة، التي تراجع دورها بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة.


بالإضافة إلى ذلك، يوفر الحصار المفروض على غزة فرصًا متعددة للمخابرات العسكرية وعميلها إبراهيم العرجاني، الزعيم البدوي الذي لم يكتفِ فقط بتجنيد ميليشيا كبيرة لدعم الجيش المصري في سيناء، بل يسيطر فعليًا على عمليات الدخول والخروج من قطاع غزة عبر معبر رفح.

وبينت الصحيفة أنه حتى حدوث الهجوم الإسرائيلي على رفح في آيار/مايو 2024، والذي نتج عنه غلق المعبر المصري؛ تمت مطالبة كل فلسطيني يرغب في الفرار من الحرب بدفع مبالغ تصل إلى آلاف الدولارات.  بالإضافة إلى ذلك، فرض العرجاني ومجموعته على الشاحنات المتجهة نحو غزة، دفع ضرائب تناهز عشرات الملايين من الدولارات شهريًا. إلى جانب ذلك، تم إنشاء شركة أمنية باسم "الأقصى"، مكلفة بحماية الشاحنات داخل قطاع غزة، بتكلفة باهظة.

وأوردت الصحيفة أن الهدنة السارية في غزة منذ 19 كانون الثاني/ يناير أدت إلى إعادة الفتح الجزئي لمعبر رفح، مما أعاد تنشيط شبكات التهريب التابعة لإبراهيم العرجاني، حيث تم فرض رسوم تصل إلى عشرين ألف دولار على كل شاحنة تجارية.

وبفضل العلاقة التي تجمعه مع محمود السيسي، نجل الرئيس ونائب رئيس جهاز المخابرات العسكرية أصبح العرجاني شخصية فوق القانون. بالإضافة إلى ذلك، تتكفل شركته "الأقصى" بتوفير المرتزقة المكلّفين بمراقبة عمليات العبور بين شمال وجنوب قطاع غزة.

وتحرص المخابرات المصرية على عدم التواجد فعليًا داخل قطاع غزة خدمة لمصالحها، بحيث يستفيد نظام السيسي من استمرار تدهور الوضع في غزة، عن طريق مواصلة ابتزاز المدنيين الذين يحاولون المغادرة وفرض الرسوم على الشاحنات التي تدخل القطاع.


وفي ختام التقرير نوهت الصحيفة بأن فهم الدوافع العميقة لسياسة النظام المصري في غزة أمر ضروري لتقييم مدى قدرته على التصدي لـ"رؤية" دونالد ترامب، التي تقوم على تهجير سكان قطاع غزة وتحويله إلى "ريفييرا الشرق الأوسط".

مقالات مشابهة

  • مصر تستضيف القمة العربية غير العادية لمناقشة تطورات القضية الفلسطينية
  • لوموند: كيف أثر السيسي على الدور الذي كانت تلعبه مصر في القضية الفلسطينية؟
  • مباحثات «مصرية-أردنية» حول القمة العربية الطارئة والقضية الفلسطينية
  • فتح: إسرائيل تواصل تنفيذ مخططات التهجير ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية
  • أحمد موسى: القضية الفلسطينية هي قضية العرب الأولى.. وأتمنى خروج القمة العربية بقرارات واضحة ومحددة
  • متى شهدت جوائز الأوسكار دعم القضية الفلسطينية وانتقاد الاحتلال الإسرائيلي؟
  • إخلاء سبيل سوزى الأردنية وقرار بالاستعلام عن قضية جديدة للاتجار بالبشر
  • باحث: القضية الفلسطينية تتجه إلى منطقة ضبابية
  • "فتح": الحكومة الإسرائيلية الحالية "حكومة حرب" تهدف لتصفية القضية الفلسطينية
  • فتح: الحكومة الإسرائيلية الحالية «حكومة حرب» تهدف لتصفية القضية الفلسطينية