الدكتور طارق ليساوي أشرت في ختام مقال “هل تنجح خبرة كسينجر ودبلوماسية “الأبواب الخلفية” في إعادة الوئام للعلاقات الصينية – الأمريكية؟ وما موقع عالمنا العربي والإسلامي من هذا التنافس والصراع الدولي؟” إلى أن تغيير قواعد اللعبة الدولية، قد يخدم عملية التنمية في البلدان النامية و من ضمنها بلدان العالم العربي و الإسلامي، لأن عيوب التنمية التي تعانيها هذه البلدان – في الغالب- هو ميلها أكثر نحو الاستيراد من “الإبرة إلى الصاروخ”، و انخراطها “المفرط” في اتفاقيات التبادل الحر و الاتفاقيات المتعددة الأطراف التي تمت تحث إطار “الغات ” أو “منظمة التجارة العالمية” ، و هو من ضمن العناصر السلبية التي أعاقت عملية التنمية، و جعلت بلداننا مرتبطة أكثر بالخارج و صادراتها في الغالب من المواد الطاقية أو المواد الخام، و هامش السلع ذات القيمة المضافة العالية جد منخفض.
. كان في نيتي إضافة مقال أخر أحلل من خلاله لعبة الشطرنج الدولية و حالة الصراع و الصدام بين القوى الدولية و مدى إمكانية الاستفادة منها عربيا و إسلاميا ، غير أني إطلعت على مقال بجريدة رأي اليوم للدكتور محيي الدين عميمور “الجزائر والمغرب.. لكيلا نبصق على المستقبل” ، و رغم أن المقال يضم كلمات محدودة و موجز جدا ، إلا أن رسالته بليغة جدا و عنوان المقال أبلغ دعوة لتجاوز أفة القطيعة و إضاعة الفرص بين البلدين .. و أتفق مع أستاذي الفاضل بأن العلاقة بين الشعبين عميقة جدا و لا يمكن للخلافات السياسية ضيقة الأفق ، و خرجات بعض الذباب الإلكتروني أو بعض الأبواق في الجانبين و التي إعتادت الإصطياد في الماء العكر ، و لا أستبعد أن هذه الأبواق تحركها أيادي خفية ترغب في تعميق الأزمة بين البلدين الشقيقين و غايتها تقسيم
المنطقة و إعاقة كل فرصة للتقارب و للوحدة بين شعوب المنطقة المغاربية.. لكن رغم هذه الجهود المحمومة إلا أن صلابة و متانة العلاقات بين شعوب المنطقة تتغلب كل مرة على هذه المؤامرات الخفية والدعاية السوداء، والدكتور عميمور أحد الأصوات العاقلة و الحرة و الاستشرافية المعبرة عن حقيقة الشعب الجزائري، كما أن ما يصرح به كاتب هذه الكلمات هو تعبير عن مشاعر و مواقف غالبية الشعب المغربي.. فالخلاف بين البلدين ينبغي إدارته بالحوار و التفاهم و البحث عن حلول وسط …أما تهييج الغوغاء و إطلاق الذباب الإلكتروني ليسب كل طرف الأخر فهذا أمر يضر بمصلحة كلا الجانبين..و يهدم أكثر مما يبني، فمصلحة الشعبين تقتضي تجاوز هذه الخلافات الشكلية، و السعي نحو تطبيع العلاقات بشكل كامل و تغليب جانب التعاون و التكامل بدلا من الخصام و التصادم، و تجاوز الخلافات البينية و لو لحين، و تغليب المصالح الاقتصادية و التجارية على المصالح “الجيواستراتيجة”، فبنظرنا كلا البلدين يسيران نحو الهاوية و مستقبلهما محفوف بكثير من المخاطر .. و الوسيلة للخروج من الأزمات المتتالية في البلدين يقتضي حتما التعاون و التكامل بين
المغرب و الجزائر و عموم البلدان المغاربية، أما أي وصفة أخرى فمجرد تجديف عكس التيار، و أنا أوجه كلامي إلى العقول المتنورة في كلا البلدين ، و التي ينبغي أن تدرك أن سفينة النجاة واحدة و لن تكون إلا بالتكتل الإقليمي و خلق دورة تنمية إقليمية، فلست متحيزا إلى بلدي المغرب و لست متحاملا على الجزائر ، فعندما نرى أن سياسيات النظام المغربي مجانبة للصواب نقول ذلك و لا نخجل من قول كلمة الحق، و قد كنت من الأكاديميين و الإعلاميين المغاربة القلائل الذين أدانوا قرار التطبيع مع الكيان الصهيوني، بل أرى أن إعتراف هذا الكيان بمغربية الصحراء هو إضرار بهذه القضية و تدنيس لها ، لكن حسبنا الله و نعم الوكيل .. و كلامنا هذا لا ينطلق من أساس عاطفي، بل المؤشرات الكمية و النوعية، والتجارب الدولية، تؤكد فعالية التكتلات الإقليمية، ودورها في التنمية الإقتصادية، وايجاد مناطق أمنة وجاذبة للاستثمارات و للكفاءات…فتكتل المغرب العربي أو المغرب الكبير، هو حلم راود الرعيل الأول من رجال المقاومة و التحرير، فهذه البلدان وهي تحت الإحتلال الفرنسي، تشكلت نواة مقاومة شملت بلدان المغرب و الجزائر وتونس، فمعركة الاستقلال والتحرر كانت معركة مغاربية، توحدت فيها جهود المقاومين قادة و شعوبا، غير أن جيل الاستقلال سلك منهجا مغايرا، إذ تم تبني سياسات ذات نزعة وطنية ضيقة الأفق، بل شهدت حروبا و نزاعات حدودية بين المغرب و الجزائر وبلغ النزاع ذروته، ليصبح حربا ساخنة في فترة “حرب الرمال” و انتقل إلى حرب باردة أو بالوكالة بعد 1975، بفعل انفجار قضية الصحراء.. وطيلة الفترة من الاستقلال إلى 1989، شهدت بلدان الإقليم محاولات للوحدة، فكانت الوحدة بين ليبيا وتونس، و ليبيا و المغرب ، لكن هذه المبادرات كانت غير واقعية، وخاضعة للمزاج السياسي، لكن في 1989 بمدينة مراكش أعلن قادة خمس بلدان مغاربية:(المغرب+الجزائر+تونس+ليبيا+موريتانيا) عن ميلاد اتحاد المغرب العربي، غير أن هذه الخطوة ظلت حبرا على ورق و لم تعقبها خطوات فعلية في المجال السياسي و الاقتصادي … ففشل اتحاد المغربي لم يكن نتاج لعدم فعالية الفكرة، وإنما لعدم وجود إرادة سياسية توافقية، تغلب منطق العام على الخاص، و الإقليمي علي الوطني، و الاقتصادي على السياسي، و التنموي على الأمني…لكن فكرة الوحدة المغاربية ناجحة و ذات جدوى من الناحية التقنية و السياسية و الأمنية.. ومن المؤكد، أن طريق الوحدة ليس بالسهل والمتاح، فالمتغيرات الدولية والإقليمية، تفضل التعامل مع البلدان المغاربية بشكل منفرد، أما في حالة التكتل فذلك سيخلق موقف سياسي صلب، و له من أدوات الضغط و التأثير ما يجعله قادر على التعامل مع مختلف البلدان و القوى العظمى دون مركب نقص…لكن تغليب المصالح الوطنية و الإقليمية، على الأحقاد و الخلافات الشخصية، كفيل بتحقيق حلم مغاربي يراود شعوب الإقليم، ولو تحقق، لتغير وجه المنطقة و لأصبحت من أكثر مناطق العالم جذبا للإستثمار و للكفاءات… فإهمال تكتل المغرب العربي فيه مجانبة للصواب، وابتعاد عن أقصر الطرق وأقلها تكلفة وأكثرها نفعا، فمصلحة الشعب المغربي وباقي الشعوب المغاربية تقتضي تفعيل هذا التكتل على اعتبار أن مثل هذه المبادرة السياسية فيها مصلحة ظاهرة لكل شعوب الإقليم، نظرا لتقارب المستوى التنموي بين الأطراف وأيضا في ذلك تأثير مباشر على استقرار المنطقة وتنميتها.. نأمل حقا أن تخرج شعوب المنطقة من هذه الدورة المفرغة ، لكن رغم قتامة الوضع الراهن إلا أني على يقين أن الصراع و التنافس المصطنع بين النظامين بدرجة أولى ، مصيره إلى زوال خاصة و أن الوضع الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي و الحقوقي بلغ دروته في أغلب بلدان المنطقة و أن المنطقة المغاربية و العربية ستشهد لا محالة موجة جديدة من الانتفاضات الشعبية و التي نأمل أن تقود إلى تغيير سياسي حقيقي ينتج إدارة رشيدة معبرة عن إرادة و تطلعات شعوب المنطقة ، و إلى ذلك الحين نأمل من عقلاء الشعبين أن ينشروا دعوات الوحدة و الأخوة و ينبذوا الأصوات الداعية للفتنة و الفرقة ، و حمدا لله أن هذه الأصوات النشاز محدودة عددا و تأثيرا …و أضم صوتي للدكتور عميمور و أؤكد على أن الخلاف بين المغرب و الجزائر تدمير للحاضر و إضرار بالمستقبل ، و مصلحة البلدين الأنية و المستقبلية تتطلب التنازل المتبادل و تبني خطوة شجاعة إلى الأمام لتجاوز الخلافات التي تعيق تطبيع العلاقات و فتح الحدود و إطلاق شرارة التعاون و التكامل و قطع الطريق على المشروع الصهيوني الذي سيضر بمستقبل البلدين و الشعبين معا، و من المؤكد أن من سيتخذ هذه الخطوة الشجاعة سيحظى بتقدير كلا الشعبين … و الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.. إعلامي و أكاديمي متخصص في الاقتصاد الصيني و الشرق آسيوي، أستاذ العلوم السياسية و السياسات العامة..
المصدر: رأي اليوم
كلمات دلالية:
المغرب و الجزائر
بین المغرب
إقرأ أيضاً:
غالاغر يؤكد أن السلام يتطلب بناء منظومة ترتكز إلى العدالة والمحبة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
في إطار الاحتفال بيوبيل العسكريين شارك أمين سر دولة الفاتيكان للعلاقات مع الدول والمنظمات الدولية رئيس الأساقفة بول ريتشارد غالاغر في مؤتمر عُقد في المعهد الفرنسي مركز القديس لويس في روما حول موضوع "عسكريون من أجل تحقيق السلام".
وألقى مداخلة أكد فيها أن الحرب اليوم لا تقتصر على استخدام القوة، لافتا إلى أن السلام يتطلب بناء منظومة ترتكز إلى العدالة والمحبة.
شدد المسؤول الفاتيكاني على أن شجاعة السلام لا تقتصر على البحث عن وقف إطلاق النار أو عن تبني إجراءات من شأنها أن تحمي السكان المدنيين وحسب لأن هذا الأمر يتطلب التدخل قبل اندلاع العنف، ويقتضي أيضا نبذ كل منطق يجرد الشخص من إنسانيته، وكل ما من شأنه أن يولّد صراعات، إذ لا بد أن يتم العمل من أجل بناء التضامن والأخوة، متسلحين بالعزم على تخطي كل عدائية. كما ينبغي أن نعمل مع شعوب الأرض من أجل بلوغ مصالحة حقيقة ودائمة، لاسيما في هذا السياق الدولي المعقد الذي نشهده اليوم.
بعدها عاد بالذاكرة إلى الثامن من يونيو من العام ٢٠١٤، عندما التقى البابا فرنسيس في الحدائق الفاتيكانية بالرئيسين الإسرائيلي والفلسطيني، وتحدث الحبر الأعظم آنذاك عن شجاعة صنع السلام. هذا ثم انتقل غالاغر إلى الحديث عن الواقع العسكري الذي تبدل اليوم، وأضاف أن السلام لم يعد اليوم من المسلمات خصوصا في وقت تنمو فيه الشكوك حيال قدرة المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية على الحفاظ على ثقة الشعوب.
بعدها شاء المسؤول الفاتيكاني أن يسلط الضوء على تعاليم البابوات السابقين، منذ المجمع الفاتيكاني الثاني، التي أكدت على أن الإنسان يعيش في وهم عندما يعتقد أن السلام هو مجرد غياب الحروب والصراعات المسلحة، خصوصا وأن الحرب اليوم لا تقتصر فقط على استخدام القوة. ورأى سيادته أن الصراعات الراهنة اليوم متعددة الأبعاد وهي تتطلب مقاربة متكاملة للقضايا الأمنية، ما يشمل الأمن الغذائي والبيئي والصحي والاقتصادي، وكلها مسائل لا بد أن تؤخذ في عين الاعتبار. ومن هذا المنطلق ينبغي أن يُبنى نظام يرتكز إلى العدالة والمحبة، ويكون أيضا ثمرة التضامن وحماية بيتنا المشترك وتعزيز الخير العام.
في سياق حديثه عن الصراعات المسلحة قال غالاغر إن العالم يشهد حروبًا تقليدية، بالإضافة إلى العديد من الحروب التي تُخاض بالإنابة، فضلا عن الحروب الأهلية وتلك الهجينة، والصراعات المجمدة وتلك التي أُرجأت، وهناك حروب باتت تتحول إلى صراعات عابرة للحدود. وأكد أن الوضع الجيوسياسي يكون أحيانًا كثيرة معقدًا جدًا ومستقطبًا ويصبح البحث عن حلول أمرًا صعبًا للغاية.
وتوقف بعدها عند استخدام أنواع جديدة من الأسلحة، لافتا إلى أن العديد من الدول تملك أسلحة للدمار الشامل وتستخدم أيضا الذكاء الاصطناعي. وقال إن هذه التكنولوجيات والأنظمة المتطورة تسمح بضرب الأهداف دون أي تدخل مباشر من قبل الإنسان، وهي مسألة تحمل أبعادًا خلقية هامة.
ختامًا عاد المطران غالاغر ليذكر بأن كرامة الإنسان والمبادئ الخلقية هي ركيزة مجتمعاتنا البشرية، وهي تجمع بين الأشخاص بغض النظر عن الاختلافات السياسية والثقافية والدينية، والتقيد بها يتطلب شجاعة، وهو شرط أساسي لبناء السلام ولقيام نظام دولي متناغم.