الجزيرة:
2025-01-31@04:24:35 GMT

واجب الجامعات تجاه غزة

تاريخ النشر: 14th, May 2024 GMT

واجب الجامعات تجاه غزة

تُواصل موجات "طوفان الأقصى" اشتدادها يومًا بعد يوم، ويبدو أن كلّ مَن يتجاهلها أو يقف مكتوف الأيدي تجاهها، محكومٌ عليه بالغرق. لقد ذكرنا سابقًا تصريحًا ليحيى السنوار، رئيس حركة حماس في قطاع غزة، لمراسل "بي بي سي" عام 2017، قال فيه: "إن حركةً ستبدأ في غزة ستؤثر على العالم بأسره، بل ستحدث تغييرًا في جميع أنحاء العالم".

وهو تصريح يؤكد عمق الرؤية الإستراتيجية لدى قيادة حماس.

تتعرض غزّة وفلسطين بشكل عام منذ 75 عامًا لكل أنواع الظلم، من قِبل نظام احتلالي غير مسبوق. لكنها في نفس الوقت، تظهر مقاومة لا مثيل لها من حيث الحكمة والجودة، مقارنة بكافة حركات المقاومة الأخرى ضد أنظمة الاحتلال.

فغالبًا ما تنتهي حركات المقاومة ضد الاحتلال في التاريخ إلى التحول لحركات انتقامية. كما ينتهي الأمر بمعظمها إلى تبني جميع ثقافات وقيم وأنماط حياة المحتلين الذين طردوهم، مما يؤدي إلى هزيمتها ذهنيًا أيضًا. يمكن رؤية ذلك في الهند، وفي شمال أفريقيا وأميركا الجنوبية، وفي كل مكان آخر.

وبالتالي فإنّ أحد أكثر النتائج شيوعًا هو أن يصبح المقاومون بمرور الوقت نسخًا مطابقة لأعدائهم. تنبأ علي عزت بيغوفيتش بهذا، في كفاحه ضد حرب الإبادة الجماعية الصربية، وحذر من أنهم إذا لم ينتبهوا، فقد يحدث ذلك لهم أيضًا. وقال قولته التاريخيّة: "لا تخسر الحرب عندما تهزم في ساحة المعركة، بل عندما تصبح شبيهًا بعدوّك."

إنّ اللجوء إلى أساليب العدوّ الوحشية، كقتل الأطفال واغتصاب الأسرى وتعذيبهم ومحاولة الانتقام، عندما تسنح الفرصة، يعدّ هزيمة نكراء، بل إن محاكاة سلوكيات وأسلوب حياة العدوّ الذي تقاتله، يعتبر من أعظم أنواع الخزي والهوان.

الاحتجاجات التي اندلعت في الجامعات الأميركية وانتشرت منها إلى جميع أنحاء العالم تسلط الضوء بشكل متزايد على قضايا تتجاوز مسألة غزة لتشمل أوضاع المجتمع الأميركي

إنّ أجمل ما يميز النضال الفلسطيني عن غيره هو رفضه التام تقليدَ المحتل الصهيوني، فرغم كل ما واجهه أهلّ غزة من ظلم، لم يفقدوا كرامتهم ورؤيتهم الواسعة وفلسفتهم العميقة للحياة، بل قدّموها للعالم بعزّة أكبر.

إنّهم لا يطلبون من العالم مجرّد مدّ يد العون ضد إسرائيل مرتكبة الإبادة الجماعية في غزة، بل يدعون البشرية جمعاء إلى رؤية ومقاومة هذا النظام الإباديّ الكاذب والاستعماري المحتال الذي استعبد العالم بأسره.

فأهل غزة يدعون العالم إلى اليقظة، ورؤية حالهم، واتخاذ التدابير اللازمة لمقاومة النظام الاستعماري الذي تغلغل في أعماقهم. ومن خلال إعلانهم عن "الطوفان" يحذّرون من كارثة وشيكة تزداد حدة يومًا بعد يوم، ويدعون البشرية إلى ركوب سفينة النجاة.

إنّ الاحتجاجات التي اندلعت في الجامعات الأميركية وانتشرت منها إلى جميع أنحاء العالم، تشير إلى أن الدعوة بدأت تجد آذانًا مصغية. وردود فعل الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية على تلك الاحتجاجات – بما في ذلك خطاب نتنياهو الذي جاء بمثابة توجيهات مباشرة إلى الجامعات والشرطة للتدخل – تسلط الضوء بشكل متزايد على قضايا تتجاوز مسألة غزة، لتشمل أوضاع المجتمع الأميركي.

ومن المرجّح أن يتحوّل النقاش سريعًا من التركيز على الدفاع الإنساني عن أطفال غزة، إلى نقاش حول حالة الحريات واستقلالية الجامعات، وحرية التعبير والبحث العلمي، ومستقبل الديمقراطية في أميركا، وأخطار النزْعات الاستعمارية الأميركية، وسياساتها الداخلية والخارجية التي تسيطر عليها إسرائيل. تشير هذه الشرارة المندلعة إلى أن الأمور لن تستمر كما كانت في الماضي، سواء في الولايات المتحدة، أو على الساحة السياسية العالمية، وحتى في الشرق الأوسط.

إن الضغوط الحكومية غير المسبوقة التي تُمارَس على المظاهرات الطلابية الداعمة لفلسطين في الولايات المتحدة، تظهر بوضوح أن هذه المظاهرات قد لامست نقطة ضعف حقيقية. كلما زادت الحكومة من ضغوطها، وكلما قمعت الشرطة بشدة، المظاهراتِ التي تناشد الضمائر ضد إبادة جماعية واضحة، ازدادت قوة الرياح التي تدفع نحو التغيير. عندما تبلغ القوى العظمى ذروة قوتها تبدأ بالتغاضي عن صورتها، وتأتي أفعالها مناقضة لما تقوله دائمًا، فتدقّ بذلك المسامير في نعشها.

وكأن التاريخ يعيد نفسه، إذ يمكننا أن نلاحظ الشبه بين أحداث الجامعات التي أشعلتها غزة وأحداث الثورة الطلابية عام 1986، والتي اندلعت في جميع أنحاء العالم كحركة تمرّد ضد أنظمة "الستار الحديدي" الاشتراكية، وضد الرأسمالية، والأنظمة الشمولية القمعية.

في تركيا، لا يمكننا كذلك إنكار وجود مظاهرات تضامن مع غزة في الجامعات بشكل متزايد، وهي ترسل تحية للمظاهرات الجامعية في جميع أنحاء العالم. ولكن ألا يستحق غياب أي أثر لهذه الحركة العالمية في إدارات الجامعات، اهتمامًا خاصًا، ولا سيما أنها اعتادت أن تحدث ضجة كبيرة بسبب تغيير رئيس جامعة، وترفع على الدوام رايات الحرية الفردية والعلمية والجنسية؟!

في الواقع تجبرنا غزة على إعادة النظر في النظام العالمي بأسره، وسرديات الحرية الفردية، وكل النظريات المتعلقة بالعلاقات الدولية، والفلسفة، وعلم الاجتماع، والتاريخ، وتاريخ الأديان، والشريعة، من منظور جديد تمامًا.

بعبارة أخرى، لا مستقبلَ في عالمنا لأيّة جامعة لا ترى الحقائق التي تكشفها غزة وتسلط عليها الضوء. لذلك لا يمكن للجامعات التي تدرك قيمة ذاتها أن تكون محايدة وتكتفي بمشاهدة ما يجري. فأولئك الذين يبقون محايدين ويكتفون بالمشاهدة، سيفقدون بسرعة الصفات التي تميز الجامعة والجودة التي تتطلبها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات جمیع أنحاء العالم

إقرأ أيضاً:

خلال ساعات.. الصين تكشف عن اختراع مذهل وتبهر العالم وتهز عرش التكنولوجيا الأميركية وتسقط أسهم الذكاء الاصطناعي

مقالات مشابهة تقرير يكشف تفاصيل مرعبة: جوجل تعمّق تعاونها التقني مع الجيش الإسرائيلي في حرب غزة

‏3 أيام مضت

علماء: أنظمة الذكاء الاصطناعي تتجاوز الخط الأحمر وتحذيرات من “التكاثر الذاتي”

‏3 أيام مضت

“أوبن إيه آي” تطلق برنامج ذكاء اصطناعي لتنفيذ المهام عبر الإنترنت

‏3 أيام مضت

إنجاز نووي جديد للصين: “الشمس الاصطناعية” تسجل 100 مليون درجة في 1000 ثانية

‏3 أيام مضت

بسبب الذكاء الاصطناعي.. ماسك وألتمان في مواجهة مفتوحة

‏3 أيام مضت

بعد حظر “تيك توك”.. تطبيق صيني بديل يغزو أمريكا

‏أسبوع واحد مضت

شهدت الأسواق العالمية هزة قوية عقب الإعلان عن إطلاق تطبيق الذكاء الاصطناعي الجديد “ديب سيك” (DeepSeek) التابع لشركة صينية ناشئة تحمل الاسم ذاته. وتمكنت الشركة، التي تتخذ من مدينة هانغتشو مقراً لها، من تحقيق نجاح مذهل خلال الساعات الأولى من إطلاق تطبيقها، مما أدى إلى خسائر ضخمة في أسهم شركات التكنولوجيا الأميركية الكبرى.

شركة ناشئة تهدد عمالقة التكنولوجيا
تأسست “ديب سيك” قبل عامين كمشروع جامعي يهدف إلى تطوير ذكاء اصطناعي عام بمستوى قريب من ذكاء الإنسان، وهو هدف لم تحققه حتى الآن أي من الشركات التكنولوجية الكبرى. تعتمد الشركة نموذجاً فريداً يقلل من استهلاك الذاكرة ويخفض التكاليف التشغيلية بشكل كبير، ما جعل تقنيتها تنافس تطبيقات كبرى مثل “تشات جي بي تي” (ChatGPT) من شركة “أوبن إيه آي” (OpenAI).

تطبيق يجذب الملايين في ساعات
أصبح تطبيق “DeepSeek AI” الأكثر تحميلاً على متجر تطبيقات أبل في بريطانيا وعدة دول أخرى، بفضل تقديمه خدمات ذكاء اصطناعي مجانية كانت تتطلب اشتراكات مالية لدى المنافسين. وأشاد خبراء بقدرته على معالجة المهام المعقدة، مثل الرياضيات والبرمجة، باستخدام قوة حوسبة أقل بكثير.

ردود فعل السوق: خسائر بالمليارات
مع انتشار أخبار التطبيق الجديد، تعرضت أسهم شركات التكنولوجيا الأميركية لضغوط هائلة، حيث تكبدت شركة “إنفيديا” خسائر قياسية تجاوزت ضعفي القيمة السوقية لشركة مثل “كوكاكولا”. كما شهدت شركات كبرى أخرى، مثل “أوبن إيه آي” و”ميتا” و”غوغل”، تراجعاً في أسهمها نتيجة القلق من قدرة “ديب سيك” على تقليص التكاليف وتقديم خدمات منافسة.

رسالة من الصين
ليانغ وينفينغ، مؤسس “ديب سيك” والمدير السابق لصندوق تحوط كمي، صرّح قائلاً: “لقد اعتادت الشركات الصينية لفترة طويلة على تقليد الابتكار الغربي، لكننا الآن نتجه لأن نصبح قادة عالميين في مجال الذكاء الاصطناعي”.

تداعيات على المدى البعيد
بينما تواجه الشركات الأميركية ضغوطاً لإعادة تقييم استثماراتها، استفادت شركات مثل “أبل” من هذا التحول، وسط توقعات بأن النموذج الجديد قد يغير قواعد اللعبة في سوق الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، يبقى التساؤل مطروحاً: هل ستتمكن الشركات الأميركية من الرد على هذا التحدي الصيني في الوقت المناسب؟

ذات صلة

الوسومchat gpt DeepSeek الذكاء الاصطناعي الصين تطبيق ديب سيك الصيني ديب سيك

السابق هل تُنهي بطاريات الألمنيوم عصر الليثيوم؟ ابتكار جديد يُعيد تشكيل مستقبل تخزين الطاقةاترك تعليقاً إلغاء الرد

يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.

آخر الأخبار خلال ساعات.. الصين تكشف عن اختراع مذهل وتبهر العالم وتهز عرش التكنولوجيا الأميركية وتسقط أسهم الذكاء الاصطناعي ‏دقيقة واحدة مضت هل تُنهي بطاريات الألمنيوم عصر الليثيوم؟ ابتكار جديد يُعيد تشكيل مستقبل تخزين الطاقة ‏ساعة واحدة مضت خطوة بخطوة.. كيف تقرأ رسائل واتساب المحذوفة على Android وiOS؟ ‏يومين مضت دولة عربية تضغط للدفع بالسعودية نحو التصعيد باليمن.. ما هو السبب؟؟ ‏يومين مضت عاجل وردنا الان: شاهد أول صورة لضبط قاتل المعلمة نسرين بعد فراره من عدن إلى صنعاء ‏يومين مضت الخضيري يكشف حقيقة الأساس العلمي لفوائد خلط التين بزيت الزيتون ‏يومين مضت بشرى سارة لمستخدمي ثريدز.. ميتا تكشف بدء الإعلانات على المنصة مع ميزات جديدة ‏3 أيام مضت تقرير يكشف تفاصيل مرعبة: جوجل تعمّق تعاونها التقني مع الجيش الإسرائيلي في حرب غزة ‏3 أيام مضت سامسونج تُعلن أسعار هواتف Galaxy S25 وS25 Ultra في الأسواق العربية ‏3 أيام مضت عطور بريطانية فاخرة تُصنع من الصرف الصحي.. مفارقة غريبة ‏3 أيام مضت اكتشاف قمم عملاقة مدفونة تحت الأرض تفوق ارتفاع إيفرست بـ100 مرة ‏3 أيام مضت “واتساب” يطلق ميزة ثورية للمحادثات المقفلة.. طريقة تفعيلها ‏3 أيام مضت © حقوق النشر 2025، جميع الحقوق محفوظة   |   لموقع الميدان اليمني

مقالات مشابهة

  • الصحفيين والإعلاميين: خلال لقاء محافظ الدقهلية كلنا خلف الرئيس في جميع القرارات السياسية التي تحافظ على الأمن القومي
  • معهد الجزيرة للإعلام يطلق برنامج ماجستير مع واحدة من أعرق الجامعات البريطانية
  • السياحة الجيولوجية في الإمارات تستقطب الباحثين والزوار من مختلف أنحاء العالم
  • أسرة هندية ثرية تختار مراكش لإقامة حفل زفاف ابنها
  • بعد تعليق التمويل .. مصر تحسم مصير طلاب المنح الأميركية
  • «عبدالعاطي»: «المراجعة الدورية» جميع دول العالم الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان تخضع لها|فيديو
  • الثورة الرأسمالية التي تحتاجها إفريقيا
  • خلال ساعات.. الصين تكشف عن اختراع مذهل وتبهر العالم وتهز عرش التكنولوجيا الأميركية وتسقط أسهم الذكاء الاصطناعي
  • كارثة محتملة.. تحرك أكبر جبل جليدي في العالم نحو هذه الجزيرة| ما القصة؟
  • إدارة ترامب تستهدف عشرات من موظفي الوكالة الأميركية للتنمية الدولية