د. محمود عبدالعال فرّاج هل تساءلت في وقت ما كيف يتحدد سعر صرف عملة دولتك ولماذا تنخفض او ترتفع في بعض الأحيان ولماذا تتسم بعض الدول بثبات سعر صرفها كدول الخليج العربي ولماذا لا تتأثر أسعار صرف عملاتها كما تتأثر العديد من العملات العالمية الأخرى ، وهل تساءلت مفهوم ربط عملة دولتك بعملة اخري ولماذا تلجأ بعض الدول الي ربط عملتها الوطنية بسلة من العملات وليست عملة واحدة ، وهل يمكن الحكم على اقتصاد دولة ما انه قوي او ضعيف اعتمادا على سعر صرف تلك الدولة وهل تساءلت لماذا تعمل بعض الدول كالصين مثلاً الي تخفيض سعر صرف اليوان بالرغم من قوم اقتصادها ، كل تلك الأسئلة تدور حول محور واحد ، نحاول اليوم سبر اسراره والغازه ، الا وهو سعر الصرف ۔ الامر برمته خاضع لقانون الطلب والعرض الذي هو أساس علم الاقتصاد والذي يوضح انه كلما زاد الطلب على سلعة او خدمة ما في ظل ثبات العوامل الآخري فان ذلك يؤدي الي زيادة سعر تلك السلعة او الخدمة والعكس صحيح فكلما قل الطلب مع بقاء الأخرى ثابتة انخفض سعرها والعملات في سوقها الكبير الذي يسمي بسوق الفوركس وهو السوق الذي تتم فيه تجارة العملات الأجنبية يتم التعامل معها بنفس الأسلوب أي ان سعر صرف أي عملة يتحدد بناءً على قوة العرض والطلب في سوق الصرف الذي يسمح للجميع من شركات ومؤسسات وافراد بمبادلة العملات مع بعضها البعض عن طريق البيع والشراء ، فعندما يكون هناك طلب كبير على عملة معينة، فإن سعر تلك العملة يرتفع نسبيًا مقارنة بالعملات الأخرى.

وبالمثل، عندما يكون هناك طلب منخفض على عملة ما، يمكن أن ينخفض سعرها مقابل العملات الأخرى. لكن ما الذي يؤثر على قوة الطلب والعرض في سوق العملات، في حقيقة الامر ، هناك مجموعة من العوامل التي يمكن اعتبارها بمثابة محددات لقوة الطلب والعرض على عملة ما من اهم تلك العوامل والمحددات قوة اقتصاد الدولة صاحبة تلك العملة ومستوي التضخم فيها ومدي استقرار تلك الدولة سياسيا واقتصاديا بالإضافة الي عنصر في غاية الأهمية والمتمثل بسعر الفائدة الذي بلا ادني شك يؤثر على جاذبية تلك العملة من عدمه بالإضافة الي قوة الدولة المعنية نفوذها السياسي والعسكري بالعالم ، اذن بلا ادني شك هناك أهمية كبري لسعر الصرف للحكم على اقتصاد ما باعتباره واحدا من المقاييس الهامة التي تعكس قوة اقتصاد تلك الدولة من عدمه ولكنه بلا ادني شك ليس المؤشر الوحيد للحكم على قوة الاقتصاد ، الحقيقة ان هناك عديد من العوامل التي من خلالها يمكننا تقييم اقتصاد دولة معينة من حيث القوة والضعف۔  ومن اهم تلك العوامل ، مدي الاستقرار الاقتصادي والتنمية بالإضافة الي جاذبية الاستثمار في تلك الدول من خلال القوانين واللوائح المنظمة لأعمال الاستثمار فيها وحجم صادرات ووارداتها وكذلك الاستقرار السياسي والاجتماعي في تلك الدولة ، هذه العوامل كلها او بعضها تؤثر في سعر الصرف او تتأثر به ، اذن  قوة اقتصاد دولة ما تعتمد على عدة محددات ومؤشرات، والتي تشمل على سبيل المثال معدل النمو الاقتصادي وكذلك الناتج المحلي الإجمالي الذي يتمثل في اجمالي انتاج الدولة من السلع والخدمات خلال فترة محددة غالباً ما تكون فترة السنة ، كما ان حجم التجارة الخارجية والتبادل التجاري للدولة يعكس قوة قطاعاتها الاقتصادية وقدرتها على التنافس في الأسواق العالمية اضف الي ذلك ان إدارة الميزانية العامة للدولة بفاعلية تدل على استدامة الاقتصاد وقوته. تحقيق التوازن في الميزانية أو الحصول على فائض يعزز الثقة في الاقتصاد، ايضاً معدل التضخم ومؤشرات البطالة يؤثران على قدرة العملة على الشراء ويمكن أن يؤثرا على الثقة في الاقتصاد. هذه محددات قوة اقتصاد دولة ما، وقد تختلف أهميتها وتأثيرها باختلاف الظروف والسياق الاقتصادي لكل دولة. تتفاعل هذه المحددات والعوامل مع بعضها البعض لتقييم وتحديد مدى صحة وقوة الاقتصاد في دولة ما، اذن سعر الصرف ليس العامل الوحيد الذي يحدد قوة اقتصاد دولة ما. قد يتبادر الي ذهن البعض ان كان الامر كذلك واذا كان سوق العملات العالمي هو الذي يحدد أسعار صرف العملات في كل العالم فلماذا نسمع بين الحين والآخر ان دولة ما ربطت عملتها بالدولار الأمريكي او باليورو او بسلة من العملات وما هو الهدف من ذلك الامر ان كان سوق العملات يعمل بناء على قوة قانون الطلب والعرض كما أسلفنا في صورته البسيطة۔ الحقيقة ، ان موضوع سعر الصرف والسياسات النقدية لا يخلو من التعقيدات ويحتاج الي مزيد من التوضيح ۔ ارتباط العملات بالدولار الأمريكي كمثال رائج في العالم يعني ان تلك الدولة المعنية بربط عملتها تهدف الي  تثبيت قيمة عملتها الوطنية بقيمة معينة من الدولار الأمريكي من خلال سعر صرف ثابت كما هو الحال في معظم دول الخليج العربي ما عدا دولة الكويت التي ارتأت في السنوات الأخيرة التحول من هذه السياسة الي ربط الدينار الكويتي بسلة من العملات من ضمنها الدولار الأمريكي بهدف تحقيق مزيد من الاستقرار والثبات في سعر صرف عملتها الوطنية ،  يمكن أن يتم ذلك عندما تتخذ الحكومة قرارًا رسميًا بتحديد سعر صرف ثابت بين عملتها والدولار الأمريكي، عادة ما يكون اجراء ربط العملة الوطنية بعملة عالمية كالدولار او اليورو بهدف تحقيق الاستقرار الاقتصادي وتسهيل التجارة الدولية، وتحقيق الاستقرار المالي وخفض مؤشرات التضخم نظراً لاستقرار الدولار الأمريكي كعملة عالمية في المدي القريب او المتوسط وعدم تحركه بشكل مفاجئ صعودا وهبوطا مما يسهم في تحقيق نوع من الاستقرار المالي والاقتصادي لتلك الدول وبالشكل الذي يمكن المستثمرين ورجال الاعمال والشركات والمؤسسات من عمل خطط عمل متوسطة وطويلة المدي دون تغييرات تذكر في المدي المنظور ، اضف الي ذلك ان دول الخليج باعتبارها دول منتجة ومصدرة للنفط والغاز ومن اكبر الدول التي لديها احتياطات مرتفعة منهما ،  وان العديد من عقود النفط والغاز تتم بالدولار الأمريكي بالتالي، ربط العملات بالدولار يساهم في تسهيل التعاملات المالية المرتبطة بصادرات النفط والمشتقات البترولية، كما ان ربط العملات بالدولار الأمريكي  يعتبر واحدًا من الوسائل لحماية قيمة العملة من التقلبات السريعة والتغيرات الاقتصادية، بالإضافة الي انه يعمل على تسهيل التجارة الدولية والتعاملات المالية الأخرى مع بقية دول العالم باعتبار ان الدولار الأمريكي هو العملة المتفق عليها لإجراء تلك التعاملات بالشكل الذي يسهل من عملية التبادل والتسعير وما الي ذلك من الأمور الاخرى التي تضفي مزيد من الاستقرار المالي على مستوي تجارة العالم ۔ اذن لماذا خرجت دولة الكويت من هذا الاجماع الخليجي وربطت الدينار بسلة من العملات العالمية، لعلنا اجبنا في وقت سابق ان ذلك الاجراء كان بهدف تحقيق مزيد من الاستقرار في أسعار صرف الدينار الكويتي من وجهة نظر صانع السياسة النقدية بدولة الكويت، ولعل من اهم العوامل التي تساعد في تحقيق ذلك الاستقرار هو ان ربط الدينار بمجموعة من العملات  يساهم بضبط سعر صرف الدينار الكويتي  بناءً على تطورات الأسواق العالمية للعملات المدرجة في تلك السلة وانه من  بين الأسباب المحتملة لربط العملة بسلة من العملات بالإضافة الي ما سبق ذكره سابقاً من تحقيق الاستقرار الاقتصادي والمالي وخفض مؤشرات التضخم ، انه في حال ربط العملة الوطنية كما هو الحال بالكويت بسلة من العملات قد يسهم هذا التنويع في الحد من التأثيرات السلبية لتقلبات سعر صف عملة واحدة كالدولار الأمريكي عند التعاملات المالية والتجارية بالتالي ان ثبات سعر صرف عملات دول الخليج يشير إلى سياسة النظام النقدي الذي يحافظ على قيمة العملة الوطنية مقابل سعر ثابت محدد أمام العملات الأخرى، بما في ذلك الدولار الأمريكي، او امام العملات العالمية الأخرى ومع ذلك، يجب أن يتم مراعاة أن هذه السياسة قد تواجه بعض التحديات، بما في ذلك تأثير التغيرات الاقتصادية والسياسية في الأسواق العالمية على القيمة الحقيقية للعملة وتأثيراتها على الاقتصاد المحلي. قد تكون هناك حاجة لتحديث هذه السياسة أو التحكم في التغيرات المستقبلية لتحقيق التوازن بين الاستقرار والتحول الاقتصادي. ان كان الهدف من ربط دول الخليج لعملاتها امام الدولار الأمريكي او امام سلة من العملات العالمية تحقيق ثبات نسبي في أسعار صرف عملاتها ، فلماذا تلجأ دول اخري كالصين مثلاً الي تخفيض سعر صرف عملتها اما الدولار ، الحقيقة ان الهدف الاوضح لذلك هو تحسين تنافسيتها الاقتصادية وتعزيز صادراتها وهو ما يطلق عليه اصطلاحاً حرب العملات وهو مصطلح يُستخدم لوصف المنافسة بين الدول لتخفيض قيمة عملتها مقابل عملات أخرى وتتم هذه المنافسة عن طريق التدخل في سوق الصرف الأجنبي من قِبَل الدولة المعنية أو البنك المركزي لتخفيض قيمة عملتها مثل خفض سعر الفائدة، زيادة كمية العملة المتداولة، أو تخفيض سعر الصرف. والهدف من كل ذلك جعل العملة أكثر تنافسية على المستوى الدولي، مما يجعل الصادرات أرخص سعرًا وتجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية. يعتبر هذا النوع من المنافسة أمرًا محفوفًا بالمخاطر، حيث يمكن أن يؤدي إلى تصاعد التوترات التجارية بين الدول وتداعيات اقتصادية سلبية. وبالإضافة إلى ذلك، قد تتجاوز حرب العملات تأثيرها على الاقتصادات الوطنية وتؤثر على الاقتصاد العالمي بشكل عام.

المصدر: رأي اليوم

كلمات دلالية: بالدولار الأمریکی الدولار الأمریکی من الاستقرار تلک الدولة دول الخلیج سعر الصرف تلک الدول أسعار صرف مزید من سعر صرف یمکن أن على قوة فی سوق

إقرأ أيضاً:

إعلان أنقرة لإنهاء التوتر بين الصومال وإثيوبيا في 5 أسئلة

من العاصمة التركية وبحضور الرئيس رجب طيب أردوغان، أعلن كل من الصومال وإثيوبيا يوم 11 ديسمبر/كانون الأول الجاري توقيع "إعلان أنقرة" الذي مثّل خلاصة جهود الوساطة التركية المستمرة منذ أشهر، التي تشكل المحاولة الدبلوماسية الأنجح حتى الآن لتفكيك إحدى العقد المستعصية في القرن الأفريقي المضطرب.

وبالنظر إلى التداعيات الإقليمية للأزمة، فإن هذا يستدعي التساؤل حول الأطراف الرابحة والخاسرة من هذه الخطوة، وهل نحن على عتبات إغلاق نهائي لهذا الملف أم أن الواقع أكثر تعقيدا.

ويبرز تداخل العوامل الداخلية والخارجية في أول تحد يواجهه الاتفاق، إذ اتهمت وزارة الخارجية الصومالية يوم 23 ديسمبر/كانون الأول قوات إثيوبية بمهاجمة قواعد عسكرية صومالية في ولاية جوبالاند، وهو ما أنكرته أديس أبابا متهمة "أطرافا ثالثة" بالسعي لعرقلة تطبيع العلاقات بين البلدين.

لكن اجتماعا بين وزيري الدولة للشؤون الخارجية في البلدين تم عقده أمس الثلاثاء 24 ديسمبر/كانون الأول في أديس أبابا أكد التزام الطرفين بتعزيز الحوار وتطوير العلاقات بينهما، بالاستناد إلى إعلان أنقرة وفي إطار تنفيذ بنوده.

 

وفي ظل هذه الأجواء، تُطرح عديد من الأسئلة المرتبطة بدوافع كل من مقديشو وأديس أبابا وراء توقيع هذه الوثيقة.  

على ماذا ينص الإعلان؟

"اتفاق تاريخي" هكذا وصف أردوغان الوثيقة التي توصل إليها كل من الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، وذلك في مؤتمر صحفي مشترك في العاصمة التركية أنقرة، مضيفا أنه "خطوة أولى نحو بداية جديدة مبنية على السلام والتعاون" بين مقديشو وأديس أبابا.

إعلان

مثلت هذه الخطوة نقلة مفاجئة بعد التعثر الذي انتهت إليه جولة التفاوض غير المباشر الأخيرة في أغسطس/آب الماضي، مما استدعى تأجيل الجولة الثالثة التي كان من المفترض عقدها في سبتمبر/أيلول.

وحسب نص الاتفاق الذي نشرته وزارة الخارجية التركية، فقد أكد كل من الطرفين احترامه سيادة ووحدة أراضي الآخر، مع التخلي عن "الخلافات في الرأي والقضايا الخلافية، والمضي قدما بشكل تعاوني لتحقيق الرخاء المشترك".

كما اتّفق البلدان أيضا على العمل باتجاه إقرار إبرام اتفاقيات تجارية وثنائية من شأنها أن تضمن لإثيوبيا وصولا إلى البحر "موثوقا به وآمنا ومستداما تحت السلطة السيادية لجمهورية الصومال الفدرالية" بما يحقق المنفعة المتبادلة.

وقرر الزعيمان البدء بمفاوضات فنية لتحقيق هذه الغاية قبل نهاية فبراير/شباط بهدف الوصول إلى اتفاق خلال 4 أشهر "من خلال الحوار" وبدعم من تركيا "عند الحاجة".

لقي هذا الاتفاق ترحيبا واسعا من أطراف دولية كالأمم المتحدة والولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي، ومن مؤسسات قارية كالاتحاد الأفريقي والإيغاد.

أردوغان أعلن أن كلا من الصومال وإثيوبيا وقعا يوم 11 ديسمبر/كانون الأول الجاري على "إعلان أنقرة" (رويترز) لماذا وقعت إثيوبيا على الاتفاق؟

تستند الموافقة الإثيوبية على توقيع الاتفاق إلى مجموعة من الدوافع الإستراتيجية، إذ يمهد هذا الاتفاق الأرضية أمام أديس أبابا لـ"وصول آمن ومستدام إلى البحر ومنه"، وهو هدف إستراتيجي أكد آبي أحمد أهميته باعتباره "مسألة وجودية" بالنسبة لبلاده.

من الناحية الاقتصادية، سيؤدي نجاح هذا الاتفاق في بلوغ مراميه النهائية إلى تخليص إثيوبيا من الارتهان لميناء جيبوتي الذي يمثل المنفذ لقرابة 90% من صادراتها ووارداتها، مما سيخفف من تكاليف النقل المرتفعة التي تحملتها إثيوبيا، والتي بلغت في بعض السنوات مليوني دولار يوميا أو ما يوازي 16% من قيمة تجارتها الخارجية، بالإضافة إلى معالجة شكاوى أديس أبابا من الرسوم المرتفعة المفروضة حاليا البالغة قرابة ملياري دولار سنويا.

إعلان

يساهم الاتفاق في خفض التوتر الإقليمي متيحا لأديس أبابا التفرغ لمواجهة التحديات الداخلية متعددة الأوجه، حيث ترزح البلاد تحت التداعيات الاقتصادية المروعة لحرب تيغراي، إلى جانب الصعوبات الكبيرة في بسط الأمن في عديد من الأقاليم، نتيجة تصاعد نشاط الجماعات المسلحة المتمردة وعلى رأسها فانو في إقليم أمهرة.

على المستوى الجيوسياسي، يعكس التفاهم مع الصومال رغبة أديس أبابا في إضعاف تحالف مقديشو مع القاهرة وأسمرا، الذي شكل تحديا كبيرا لسياستها الإقليمية، كما أن هذا الاتفاق قد يفتح الباب لتلافي تداعيات الأزمة الحالية على مستوى التعاون الأمني مع الصومال والذي تضرر بشدة من خلال إصرار مقديشو على خروج القوات الإثيوبية من البلاد.

دوليا، يُسهم الاتفاق في تحسين صورة إثيوبيا على الساحة العالمية، إذ يساعد نجاح "عملية أنقرة" في تهدئة الانتقادات التي تعرضت لها أديس أبابا بعد توقيعها مذكرة تفاهم مع إقليم أرض الصومال الانفصالي، ويبرزها بوصفها طرفا راغبا في الحلول الدبلوماسية.

لماذا وافق الصومال على توقيع الاتفاق؟

تتمثل محفزات الصومال للموافقة على إعلان أنقرة في عدة اعتبارات إستراتيجية وسياسية، يأتي في مقدمتها سعي مقديشو إلى استباق أي تداعيات محتملة لتغير السياسة الأميركية تجاه ملف أرض الصومال، لا سيما في ظل الدعم العلني لبعض المسؤولين عن الملفات الأفريقية في ولاية ترامب الأولى لاتخاذ هذه الخطوة، مما يُعقّد الأوضاع الإقليمية ويُسرّع فرص إثيوبيا للوصول إلى اتفاق مباشر مع الإقليم الانفصالي.

على المستوى الداخلي، يواجه الرئيس الصومالي تحديات سياسية وأمنية عديدة وصلت حد الاشتباك المسلح مع قوات ولاية جوبالاند، وهكذا يوفر التفاهم مع إثيوبيا فرصة للاستفادة من نفوذها على أطراف صومالية متعددة، كما يمكنه من التركيز بشكل أكبر على مواجهة المشكلات الداخلية المتفاقمة.

إعلان

ويهدف الاتفاق إلى منع إثيوبيا من الدخول في اتفاقيات منفصلة مع أرض الصومال عبر تأمين وصول بحري مستدام وآمن لها. كما تضمنت نصوص الإعلان اعتراف إثيوبيا بوحدة وسلامة وسيادة الأراضي الصومالية، وهو ما يعتبره بعض المحللين تأكيدا ضمنيا لموقف الحكومة الصومالية ضد أي تحركات انفصالية.

أما في ما يخص الجانب العسكري، فإن الجمود الذي واجهته الوساطات السابقة بين البلدين رفع احتمالات الصدام المباشر، وهو خيار لن تفضله مقديشو، حيث يرجح الباحث الصومالي الشافعي أبتدون -في مقال له- أن القاهرة لم تقدم ضمانات كافية للصومال إذا نشبت حرب مع إثيوبيا، كما أن أوضاع قواته المسلحة لا تسمح بخوض مواجهة مسلحة كهذه، وهو ما يعزز الحاجة إلى مسار دبلوماسي لتجنب التصعيد.

من الرابحون والخاسرون من هذا الاتفاق؟

حقق الإعلان مكاسب جوهرية لكل من مقديشو وأديس أبابا، إذ استطاعت الأولى انتزاع اعتراف إثيوبي باحترام سيادة ووحدة الأراضي الصومالية، في حين ربحت إثيوبيا اتفاقا على ممر بحري آمن ومستدام لتجارتها عبر الصومال.

خارج طرفي الأزمة المباشرين، تأتي تركيا على رأس الرابحين من هذا المسار الدبلوماسي لحل الأزمة بين الصومال وإثيوبيا، إذ يشير تقييم منشور على موقع جيوبوليتكال مونيتور إلى أن هذا الاتفاق يمثل تأكيدا واضحا على نفوذ أنقرة المتزايد في القرن الأفريقي.

كما أن نجاح الوساطة سيمنح أنقرة على الساحة الدولية سمعة بوصفها شريكا عمليا وموثوقا وقادرا على التوسط في بعض أكثر البؤر الجيوسياسية حساسية وتحديا في العالم.

اقتصاديا، يؤهل الاتفاق تركيا لجني فوائد طويلة الأجل، فالشركات التركية مستعدة الآن للمشاركة في مشاريع البنية التحتية الكبرى المرتبطة بالاتفاق، بما في ذلك بناء وتطوير الموانئ وشبكات النقل وغيرها من المرافق المرتبطة بالتجارة، مستفيدة من أن الأوضاع الاقتصادية في كلا البلدين لا تتيح لهما الاضطلاع بتولي مسؤولية إنشاء هذه البنى بشكل منفرد.

على الضفة الأخرى، تبدو جيبوتي أحد الخاسرين من هذا الاتفاق الذي قد يمهد الطريق لتحول إثيوبيا نحو استخدام الموانئ الصومالية في جزء كبير من تجارتها الخارجية، حيث توفر الحركة التجارية الإثيوبية موردا لخزينة جيبوتي يتراوح بين 1.5 مليار إلى ملياري دولار سنويا كأحد أكبر المداخيل الحكومية.

إعلان

بجانب جيبوتي، يصف موقع جيوبوليتكال مونيتور التطور الأخير بأنه "خسارة إستراتيجية لمصر"، إذ كانت القاهرة تأمل من خلال التحالف مع الصومال في الحد من قدرة إثيوبيا على توسيع نطاقها الإقليمي، في حين يؤدي نجاح الوساطة التركية إلى حصول إثيوبيا على منفذ بحري بما يعزز من موقفها في القرن الأفريقي، ويزيد من جهة أخرى من نفوذ تركيا في المنطقة الحساسة للمصالح المصرية.

على الضفة نفسها، يقف إقليم أرض الصومال الذي تراجعت احتمالات توصله إلى اتفاق مع إثيوبيا يفضي إلى الاعتراف به دولة مستقلة مقابل حصولها على ميناء وقاعدة عسكرية على شواطئه.

بين الرابح والخاسر، تقف حركة الشباب المجاهدين حيث ترجح بعض التحليلات أن خلو الاتفاق من النص صراحة على انسحاب إثيوبيا من مذكرة التفاهم مع إقليم أرض الصومال، الذي كرره المسؤولون الحكوميون ليكون شرطا للتصالح مع إثيوبيا، سيؤثر بالسلب على شرعية الحكومة الفدرالية في مقديشو، مما سيصب في مصلحة الحركة في ترويج سرديتها وتوسيع عمليات التجنيد مستغلة الموقف الشعبي من إثيوبيا.

وقد أصدرت الحركة بيانا رفضت فيه الاتفاق، وأكدت أن إثيوبيا "تسعى إلى الهيمنة على الصومال".

في المقابل، يشير تقدير موقف -نُشر على مركز مقديشو للبحوث والدراسات- إلى أن الاتفاق قد يمهد الطريق لتغيير موقف الصومال من الوجود العسكري الإثيوبي في الصومال، ما سيؤدي إلى زيادة الضغوط على الحركة مع تصاعد التنسيق الأمني بين مقديشو وأديس أبابا.

هل فكك الاتفاق العقدة بين مقديشو وأديس أبابا؟

رغم أن الاتفاق ساهم في رفع منسوب الآمال بتخفيض التوتر في هذه المنطقة الهشة، فإنه في المقابل ترك عديدا من الأسئلة الجوهرية من دون إجابة، وعلى رأسها الغموض المرتبط بمصير مذكرة التفاهم الإثيوبية مع أرض الصومال، مع خلو الوثيقة من النص الصريح على موقف إثيوبي واضح من الانسحاب، وهو ما قد يترك لأديس أبابا مجالا للضغط والمناورة من جهة، وخطة بديلة في حال فشل الوصول إلى اتفاق نهائي مع مقديشو من جهة أخرى.

إعلان

معهد دراسات الحرب نشر تحليلا مطولا أشار فيه إلى أن صعوبات تكتنف وصول إثيوبيا "الآمن" إلى البحر الأحمر عبر الصومال، حيث إن الموانئ المرشحة لاستخدامها من قبل إثيوبيا تمتلك حركة الشباب شبكات ابتزاز فيها، كما أنها تتمتع بقدر كبير من السيطرة على الطرق المؤدية من الحدود الإثيوبية إلى تلك الموانئ، وهو من شأنه أن يخلق تحديات أمنية كبيرة تواجه نقل البضائع الإثيوبية.

بجانب ما سبق، فإن ما تضمنه الإعلان يمثل خطوطا عريضة صيغت بلغة فضفاضة، انعكست عدم وضوح في الشروط المحددة لترتيبات وصول إثيوبيا إلى الموانئ الصومالية، ما من شأنه أن يخلق نقاط اشتعال محتملة إذا تباينت التوقعات خلال العملية التفاوضية على التفاصيل الفنية "حيث يكمن الشيطان"، حسب القول المعروف.

تجاوز هذه التعقيدات يتطلب بناء للثقة وتعاونا مستداما بين الطرفين المعنيين، وهو ما قد يتعثر تحت ضغط الأوضاع الداخلية والتدخلات الخارجية، في منطقة متقلبة تتغير فيها التحالفات بشكل سريع ومتكرر، مما يجعل من هذا الاتفاق خطوة مهمة نحو دبلوماسية السلام، في حين أن الغموض الذي يكتنفه والقضايا التي لم يتم حلها تؤكد في الوقت نفسه هشاشة هذا السلام.

مقالات مشابهة

  • إعلان أنقرة لإنهاء التوتر بين الصومال وإثيوبيا في 5 أسئلة
  • أسعار صرف العملات الأجنبية في صنعاء وعدن
  • بعد الانخفاض التاريخي لليرة التركية.. اسعار العملة مقابل الدولار واليورو اليوم الاربعاء 25 ديسمبر
  • الاقتصاد العالمي والدولار: هيمنة العملة وتأثيرها على مستقبل الأسواق
  • مصير «الريال السعودي» مع التوقعات بالإقبال على العمرة
  • رقص «السماح» أم رقص «الثوَّار»؟
  • هل يؤثر القصف الأمريكي الذي استهدف صنعاء على قدرات أنصار الله؟
  • تبديل العملة يتسبب في ارتفاع المواد الاستهلاكية بالسودان
  • تعرف على أسعار صرف العملات اليوم في عدن وصنعاء
  • مسعد وجّه أسئلة الى المرشحين للرئاسة