يجسد الوضع الذي يعشيه المعلم العراقي خالد (52 عاما) في قضاء سنجار بمحافظة نينوى شمالي العراق الوضع المتردي في القضاء، بينما تتجه الحكومة العراقية إلى إغلاق مخيمات كردستان ما يجبر العديد من سكان سنجار على العودة لمناطقهم في غياب الخدمات.

وأكد خالد وناشطون لموقع "الحرة" صعوبة الوضع الأمني في سنجار، حيث يعقد تصارع قوى وميلشيات مسلحة مسألة عودة النازحين الذين أجبروا على ترك بيوتهم قبل نحو 10 سنوات عندما اجتاح تنظيم "داعش" مناطقهم.

واعتبرت منظمة هيومن رايتس ووتش أن خطط إغلاق مخيمات النازحين في إقليم كردستان بحلول 30 يوليو، وهو الموعد الرسمي الذي أعلنته الحكومة "ستهدد حقوق الكثير من سكان المخيمات، ومن بينهم أهالي منطقة سنجار الشمالية".

وتقول المنظمة إن سنجار لا تزال "غير آمنة وتفتقر إلى الخدمات الاجتماعية اللازمة لضمان الحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية لآلاف النازحين الذين قد يضطرون إلى العودة قريبا". 

الوضع الأمني وتردي الخدمات

على الرغم من الحافز المالي، فإن العديد من النازحين داخليا يترددون في العودة إلى ديارهم بسبب استمرار العنف، ويشير خالد، وهو معلم يعمل لدى الحكومة الاتحادية، إلى أن صراعات بين حزب العمال الكردستاني وقوات الجيش والحشد الشعبي تخلق حالة من عدم الاستقرار.

وتحدث الأب لأربعة أبناء في تصريحاته لموقع "الحرة" عن مناوشات تحدث بين حزب العمال والجيش الوطني، وتساءل: "كيف يعود النازحون في مثل هذا الوضع".

ويلخص عيسى سعدو، الناشط الأيزيدي المقيم في ألمانيا المشكلة في "غياب الجوانب الخدمية والمخلفات الحربية وعدم إعادة إعمار المنطقة، وغياب التعويضات بالإضافة إلى المشاكل السياسية".

ويشير سعدو إلى مشاكل في الإدارة المحلية، وعلى سبيل المثال، ليس هناك قائمقام في قضاء سنجار يدير الأمور الإدارية والخدمية في المنطقة، بسبب الصراع بين حكومة وبغداد وحكومة كردستان ممثلة في الحزب الديمقراطي الكردستاني.

وسنجار، وهي منطقة جبلية في شمال غرب العراق، موطن لخليط من السكان الأكراد والعرب، والأيزيديين وهم أقلية إثنية ودينية يتحدثون الكردية.

وفي أغسطس 2014، اجتاح تنظيم "داعش" جبل سنجار وقتل عناصره أعدادا كبيرة من هذه الأقلية واحتجزوا آلافا من النساء الفتيات واتخذوهن سبايا.

وفيما خطف أكثر من 6400 منهم، أُنقذ حوالي نصفهم أو تمكنوا من الفرار، بينما لايزال مصير الآخرين مجهولا.

وبعد ثلاث سنوات من الاجتياح، أعلن العراق عام 2017 الانتصار على التنظيم الذي ترك خلفه أكثر من 200 مقبرة جماعية يرجح أنها تضم حوالي 12 ألف جثة، وفقا للأمم المتحدة.

6 سنوات على مجزرة سنجار.. شهادة ناجية من استعباد داعش للإيزيديين pic.twitter.com/kQtp23hCPF

— قناة الحرة (@alhurranews) August 4, 2020


وتقول هيومن رايتس ووتش إن 80 في المئة من البنية التحتية و70 في المئة من بلدة سنجار، أكبر مدينة في القضاء، دمر خلال النزاع ضد تنظيم "داعش" بين 2014 و2017. 

ووفقا للمنظمة الدولية للهجرة، لا يزال حوالي 183 ألف شخص من سنجار نازحين، وهذا يشمل 85 في المئة من السكان الأيزيديين في القضاء. 

في الوقت الحالي، تستضيف 65 في المئة من البلدات والمدن في سنجار نصف سكانها الأصليين أو أقل، بينما لم تشهد 13 بلدة أي عودة على الإطلاق منذ 2014.

وبعد نحو 10 سنوات من اجتياح "داعش"، لاتزال سنجار غير آمنة وتفتقر إلى الخدمات. ووفقا لوزارة الداخلية في حكومة إقليم كردستان، تستضيف المخيمات الـ23 المنتشرة في الإقليم حاليا حوالي 157 ألف شخص، كثيرون منهم من سنجار.

وقالت سارة صنبر، الباحثة المتخصصة بالملف العراقي في هيومن رايتس ووتش إن "العديد من السنجاريين يعيشون في المخيمات منذ 2014، ويستحقون العودة إلى ديارهم، لكن هذه العودة يجب أن تكون آمنة وطوعيّة.

ولتشجيع العودة، أعلنت وزارة الهجرة والمهجرين عن حزمة من المساعدات والحوافز للعائدين، منها مبلغ يُدفع مرة واحدة بقيمة 4 ملايين دينار عراقي (حوالي 3 آلاف دولار) لكل أسرة، وبعض الوظائف الحكومية، وفوائد الضمان الاجتماعي، وقروض للمؤسسات التجارية الصغرى بدون فوائد.

وأعلن المتحدث باسم الوزارة، علي عباس، لوكالة الأنباء العراقية (واع) إن "الدعم سيتوقف عن مخيمات النازحين بعد تاريخ 30 يوليو، حيث سيكون التوجه إلى العائلات العائدة، كما ستتوقف المنحة بعد هذا التاريخ".

وأكدت الحكومة العراقية مجدا، الاثنين، موقفها من إغلاق المخيمات بحلول نهاية يوليو، إذ أشار المتحدث باسم وزارة الهجرة والمهجرين، علي عباس جهانكير، إلى استمرار عمل وزارته على تجهيز المخيمات بالمساعدات وعدم وجود أي خلل بذلك.

وقال جهانكير في تصريح تابعته "الغد برس"، إن "المساعدات توزع بين الأسر القاطنة في المخيمات بشكل مكثف".

وأضاف أن "إغلاق مخيمات النزوح بموعدها المحدد المقبل يعد من أهم الخطوات التي تنفذها الوزارة بالوقت الحالي".

ووجدت هيومن رايتس ووتش في تقرير أصدرته في 2023 أن العوائق الرئيسية أمام عودة السنجاريين هي "تقاعس الحكومة عن تقديم تعويضات عن فقدان ممتلكاتهم وسبل عيشهم، وتأخر إعادة الإعمار، والوضع الأمني غير المستقر، وانعدام العدالة والمحاسبة عن الجرائم والانتهاكات التي ارتُكبت بحقهم.

ومن جانبه، يقول خالد، الذي تحدث مع موقع "الحرة" إن "المخيمات تعاني من الاكتظاظ وهناك جيل جديد نشأ هناك خلال 10 سنوات من النزوح، لكن العودة ليست البديل".

ويشر خالد إلى تردي الخدمات في المنطقة، قائلا إن "عملية الإعمار في القضاء متوقفة تقريبا. بعض العائدين يدخلون أبناءهم مدارس خاصة بهم، وهؤلاء يعملون بوظائف خدمية مساندة للجيش أو الحشد أو حزب العمال الكردستاني".

ويوضح أن الوظائف أو الأعمال التجارية أو الزراعية قليلة جدا.

وفي 2 مايو، قال موظف في مديرية التعليم في نينوى لهيومن رايتس ووتش إنه أعيد بناء أربعة من أصل 24 مدرسة تضررت أو دُمرت أثناء العمليات العسكرية، وستفتح مجددا قريبا، لكنه قال إن 86 مدرسة فقط تعمل الآن من أصل 206 كانت موجودة قبل 2014.

وقال الآباء والأمهات الذين قابلتهم المنظمة إنهم يدفعون 5 آلاف دينار عراقي (حوالي 3.82 دولار) لكل طفل في كل فصل دراسي حتى تتمكن المدارس من انتداب معلمين، في بلد يفرض فيه التعليم العام المجاني.

وقال الموظف: "أخبرت رئيس الوزراء أثناء زيارته الأخيرة أننا بحاجة إلى بناء 100 مدرسة على الأقل في حال عودة المهجرين، لأن هناك 100 مدرسة في المخيمات".

وقال مدير "مستشفى سنجار العام" دلشاد علي لهيومن رايتس ووتش في 4 أبريل إن المستشفى لا يزال متضرّرا ومهجورا، ولا يزال الطاقم الطبي يعمل في موقع كان مخصصا للاستخدام المؤقت.

وتشرف منظمة "سلسة الأمل" غير الحكومية على بناء توسعة تضم 27 سريرا في الموقع المؤقت "لمنحنا مزيدا من القدرة، وقد انتهت من ذلك تقريبا. لكن ذلك ليس كافيا، خاصة إذا عاد مزيد من الناس".

وفي تصريحات لموقع "الحرة"، أكدت النائبة الأيزيدية السابقة في البرلمان العراقي، خالدة خليل، إنه "لا يوجد أي شخص لا يريد العودة إلى وطنه، لكن أين يهذب هؤلاء؟ إلى ملاجئ مثلا؟".

وتشير النائبة السابقة إلى أن الجهات المسلحة مثل حزب العمال الكردستاني والفصائل الخارجة عن القانون التي لا تعمل بأمر القائد العام للقوات المسلحة تعيق عملية الإعمار. 

وتتهم خليل الحكومة بعدم الجدية في تطبيق اتفاقية سنجار التي تنص على إخراج الجهات المسلحة وإعمار سنجار وعودة النازحين طوعيا. 

وأعلنت الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان العراق، في 2020، توصلهما لاتفاق حول إدارة مدينة سنجار، وصفه الطرفان بـ"التاريخي،" وذلك بعد سنوات من الخلاف الذي حال دون عودة عشرات آلاف النازحين.

واتفق الجانبان حينها على إدارة سنجار من النواحي الإدارية والأمنية والخدمية بشكل مشترك، وعلى أن توكل مهمة الترتيبات الأمنية للشرطة الاتحادية بالتعاون مع إقليم كردستان، وإدارة الخدمات أيضا بالتعاون بين الطرفين.

وصفه الطرفان بـ"التاريخي".. أبرز بنود اتفاق بغداد وأربيل حول سنجار توصلت بغداد وأربيل، الجمعة، إلى اتفاق حول سنجار وصفه الطرفان بالتاريخي ويمكنهما من إدارة شؤون المنطقة إداريا وأمنيا وخدميا، بشكل مشترك، وذلك بعد سنوات من الخلاف الذي حال دون عودة عشرات آلاف النازحين الى ديارهم بعد ما شردوا منها من قبل داعش.

وتؤكد النائبة السابقة لموقع "الحرة" أنه لا يجب إجبار النازحين على العودة: "القوانين الدولية لا تسمح بإجبار أي أحد على العودة. هذه العودة يجب أن تكون طوعية. يجب أن يكون الإنسان حرا في اختيار المكان الذي يعيش فيه".

وتشير الباحثة المختصة بشؤون الأقليات، سانتا عيسى، أيضا في تصريحات لموقع "الحرة" أن سبب المشاكل التي تعاني منها سنجار هي "صراع القوى المسيطرة" خاصة قوى الحشد الشعبي وقوى البيشمركة، وهذا الصراع موجود حتى من قبل ظهور "داعش".

وتتساءل الباحثة المقيمة في أوروبا والتي عملت مع مراكز اللجوء ولديها علاقات وثيقة بأفراد الأقلية الأيزيدية: "أين يهذب العائدون؟ هذا الوضع يدفعهم للهجرة للخارج وهذا أيضا أمر غير متاح. لذلك لا توجد لديهم خيارات".

وتقول عيسى إن "المشاريع في العراق تتأخر بسب صراعات القوى. توجد مشاريع نظريا لكن فعليا لا تنفذ".

ويعتبر الناشط سعدو أن هناك انخفاضا في العنف بعد مجيء الحشد الشعبي مع وجود الشرطة الاتحادية والمحلية، منذ سبع سنوات، ويؤكد أن المشكلة الأساسة تتمثل في الصراعات السياسية ونقص الخدمات.

واتفق المراقبون الذين تحدث معهم موقع "الحرة" على مخاوف من عودة تنظيم "داعش" إلى هذه المناطق مرة أخرى.

ويشير سعدو بشكل خاص إلى مخاوفه من عودة العائلات من مخيم الهول، وأغلبهم يسكنون في محافظة نينوى والمناطق القريبة من سنجار، وهو ما قد يسبب مشاكل أمنية في المنطقة.

وتخشى عيسى أيضا من عودة عناصر "داعش" مرة أخرى، وتشير إلى أن المخيمات باتت بؤرة للتشدد بالفعل.

ويقول سعدو إن الحكومة لم تتخذ خطوات واضحة وجدية تجاه معاقبة عناصر "داعش"، ويعتقد أن المحاكمات التي تجريها غير كافية ودون مستوى الطموح وهناك إفلات من العقاب. وينتقد النشاط قانون العفو العام الذي يرى أنه سمح بإطلاق سراح متشددين وعودتهم إلى أحضان "داعش"

وتخشى عيسى من عدم تقبل المجتمع الأيزيدي أيضا للنساء المغتصبات حال جميع المجتعمات الشرقية التي تنظر إلى المغتصبات بدونية، وتقول إنه يتم اشتراط عودتهن بتخليهن عن أبنائهم من مسلحي داعش، لكن عيسى ينفي ذلك، ويقول إن المغتصبات يتم استقبالهن بكل ترحاب.

واتفق الناشطون الذين تحدث معهم موقع "الحرة" على أن الأيزديين لم يحصلوا على التعويضات المناسبة.

ووجد تقرير هيومن رايتس ووتش أنه لا يوجد أحد من سكان سنجار حصل على تعويض مالي على خسارة ممتلكاته وسُبل عيشه كما ينص على ذلك "القانون رقم 20 لعام 2009".

وتشير على أنه تمت الموافقة على 3500 طلب في انتظار السداد من قبل "الدائرة المالية في نينوى". 

وبحلول فبراير 2024، ارتفع عدد الطلبات المكتملة إلى 8300، دون أن يحصل أي شخص على أي مدفوعات، وفق ما قال لـهيومن رايتس ووتش القاضي عمار محمد، وهو رئيس لجنة التعويضات في تلعفر، التي تشرف على اللجنة الفرعية للتعويضات في سنجار.

وعلى مدى الأشهر الماضية، قال العديد من المسؤولين الحكوميين لهيومن رايتس ووتش إنه سيتم قريبا الإفراج عن الأموال المخصصة لدفع تعويضات السنجاريين.

وأكّد أحدهم أن ذلك سيتم "في أقرب وقت الأسبوع المقبل"، وأن الانطلاق في مشاريع إعادة الإعمار وشيك، ولكن بعد مرور سنة، لم يحصل تقدم كبير.

وقال مسؤولان حكوميان لـهيومن رايتس ووتش إن التأخير في صرف التعويضات كان ناتجا عن "مشاكل في الميزانية" حالت دون دفع الأموال المخصصة.

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: هیومن رایتس ووتش إن إقلیم کردستان فی المئة من حزب العمال فی القضاء العدید من سنوات من

إقرأ أيضاً:

حرب اليمن: كيف يؤثر خفض المساعدات على البلاد؟

لا تدري أمل كيف يمكن لأسرتها أن تعيش في حال انقطاع أو انخفاض حجم المساعدات الغذائية التي تحصل عليها من المنظمات الدولية. في مخيم للنازحين شمالي اليمن، تسكن أمل مع أبنائها التسعة.

 

مثل أغلبية اليمنيين الآن، يعتمد سكان المخيم الذي يؤوي آلاف الأسر على الإمدادات الإنسانية التي توفرها الجمعيات الأهلية المحلية والدولية.

 

بصوت يئن من أعباء أجبرتها الحياة على تحملها، أخبرتني أمل عبر الهاتف أن "أي تقليص للمساعدات سيكون حكماً بالإعدام علينا".

 

وتتلقى أمل سلة غذاء شهرية من برنامج الأغذية العالمي تقول إنها لا تكفيها إلا لأسبوعين فقط. وحتى الحصول على هذه السلة لم يعد مضموناً بعد أن لجأت العديد من المنظمات الإنسانية، وعلى رأسها الأمم المتحدة، للحد من أنشطة الإغاثة التي تمد أغلب اليمنيين بأسباب الحياة.

 

قرار تخفيض أنشطة توزيع المساعدات اتخذ بعد أن ألقى الحوثيون، المدعومون من إيران، القبض على 24 شخصاً من موظفي الأمم المتحدة بالإضافة لعدد آخر من العاملين بالمنظمات الإنسانية المحلية والدولية خلال الأشهر الماضية.

 

وفي يناير/ كانون الثاني، من هذا العام، قبض على مجموعة جديدة من موظفي هيئات الإغاثة الأممية، لم يعرف عددهم على وجه الدقة. وخلقت الاعتقالات حالة من الخوف قيدت حرية حركة المسؤولين عن توزيع المساعدات.

 

وتصنف الأمم المتحدة اليمن من بين أقل عشر دول في العالم نمواً، وفقاً لمؤشر التنمية البشرية، الذي يكشف عن مستوى رفاهية الشعوب. كما يحتاج أكثر من نصف سكان البلاد للإعانات، بحسب اليونيسيف.

 

اشترط كل من التقيناهم إخفاء هويتهم كي يتحدثوا إلينا، إذ يعيشون تحت سيطرة الحوثيين الذين يبسطون نفوذهم على المحافظات الشمالية وكذلك العاصمة صنعاء. ويخشى سكان تلك المناطق أن يتعرضوا للتنكيل أو الملاحقة الأمنية.

 

ولذلك، فقد استخدمنا أسماء مستعارة لكل الأشخاص في تلك القصة، كما نمتنع عن تحديد أماكن وقوع الأحداث على وجه الدقة.

 

تعول أمل أسرتها الكبيرة بمفردها، لأن زوجها مريض ولا يقوى على العمل. وتشعر أن الحياة قد كشرت عن أنيابها منذ أن بدأت رحلة نزوح شاقة وطويلة، قبل أكثر من 10 سنوات، حتى وصلت إلى هذا المخيم الواقع في صحراء قاحلة.

 

وتخبرني "لو انقطعت عنا إمدادات الغذاء والدواء، سيموت أبنائي. فإننا لا نملك شيئا من حطام هذه الحياة".

 

واضطرت أسرة أمل لمغادرة منزلها في عام 2015 بعد أن اندلعت المواجهات بين الحوثيين، أو حركة أنصار الله كما تطلق على نفسها، والتحالف الذي قادته السعودية للحيلولة دون تمدد نفوذ الحوثيين في اليمن.

 

وتنظر السعودية للحوثيين كذراع لإيران في الشرق الأوسط. وطالما تنافس البلدان على النفوذ الإقليمي. وترفض السعودية وغيرها من القوى السنية في المنطقة تنامي النفوذ الإيراني الشيعي في عدة دول عربية. وشن تحالف، قادته الرياض، غارات جوية مكثفة على مناطق وجود الحوثيين في جارتها الجنوبية، اليمن. ووفرت الولايات المتحدة وبريطانيا دعما لوجيستياً واستخباراتياً لهذا القصف الجوي.

 

التسول أم الموت جوعاً؟

 

يبلغ أصغر أبناء أمل التسعة نحو خمس سنوات، وتسكن الأسرة خيمة بلاستيكية بالية لا تقيها شر حرارة ولا تحميها من برودة. ولا يوجد في الخيمة أثاث يذكر، فلا أسرة ولا مقاعد ولا حتى أغطية ثقيلة يتدثرون بها من شتاء الصحراء القارس.

 

بعد أن تنفد سلة الغذاء الشهرية، تضطر أمل للخروج من المخيم لتمر على المطاعم والأسواق وتتسول بضعة أرغفة من الخبز أو قليلا من الأرز والعدس لتسد به رمق أبنائها التسعة.

 

وتقول "أشعر بالخزي وأنا أمد يدي بالسؤال. لكن ما من حيلة لدي. هل أترك أولادي يتضورون جوعاً؟" وكثيراً ما تجهش بالبكاء بسبب ضيق ذات اليد وشعورها بالعجز.

 

ويوضح برنامج الأغذية العالمي أن حوالي 70% من العائلات النازحة تكافح من أجل سد أبسط احتياجاتها من الغذاء.

 

مصير مجهول

 

في 10 من فبراير/ شباط الجاري، نعى برنامج الأغذية العالمي وفاة أحد موظفيه "أثناء احتجازه. وكان قد تم اعتقاله تعسفياً من قبل سلطات الأمر الواقع (الحوثيين) في 23 كانون ثان/يناير 2025. ودعا إلى إجراء إجراء تحقيق فوري وشفاف لمحاسبة المسؤولين عن تلك "المأساة المروعة غير واضحة".

 

يشعر عبد العزيز بقلق بالغ إزاء مصير موكليه إذ لا يعرف مكان احتجازهم حتى الآن. ويتولى الدفاع عن 14 شخصاً من موظفي المنظمات الإنسانية القابعين خلف القضبان منذ العام الماضي، من بينهم ثلاثة من العاملين بالأمم المتحدة.

 

ويخبرني أن "الاتصال انقطع معهم تماماً خلال الثلاثة أشهر الأولى من اعتقالهم".

 

وفي الشهور التالية، تمكن المحتجزون من إجراء مكالمات هاتفية معدودة وقصيرة لأفراد أسرهم "وتراوحت مدة المكالمة بين خمس وعشر دقائق". ولا يعرف عبدالعزيز إلام سيؤول مصير موكليه.

 

وحاولت بي بي سي التواصل مع الحوثيين لمعرفة المزيد من التفاصيل بخصوص كل عمال الإغاثة المحتجزين لكننا لم نتلق رداً.

 

عمال إغاثة ملاحقون

 

وتتصاعد المخاوف بشأن تدهور أحوال النازحين، في ظل استمرار ملاحقة الحوثيين للعاملين في منظمات المجتمع المدني. تتذكر هناء اللحظة التي دخلت فيها إلى مكتبها بالعاصمة صنعاء لتجد "الأبواب محطمة ومديري محاطاً برجال الأمن وكل محتويات المكتب من أجهزة وكاميرات وهواتف مصادرة". وتقول إن هذه المداهمة، التي تمت قبل بضعة أشهر، حُفرت في ذاكرتها للأبد.

 

تعمل هناء بمنظمة أهلية تمولها الولايات المتحدة وتنخرط في تمكين المرأة وتدريب الكوادر المحلية على حل المشكلات المجتمعية والسياسية عبر التفاوض. كما تتولى، بالتعاون مع جمعيات أخرى، استخراج أوراق ثبوتية للنازحين الذين فقدوا متعلقاتهم خلال النزوح، كي يبدأوا حياة جديدة.

 

لكنها رحلت عن صنعاء وتوجهت نحو جنوب البلاد البعيد عن نفوذ الحوثيين، بعد احتجاز مديرها واتهامه بالتخابر. فبعد يوم واحد من القبض عليه، جلست هناء أمام شاشة التلفزيون لتشاهد قناة "المسيرة" التابعة للحوثيين وهي تبث ما وصفته باعترافات "شبكة التجسس الأمريكية"، في إشارة لمجموعة من الموظفين المحليين بالسفارة الأمريكية في صنعاء الذين ألقي القبض عليهم في عام 2021. وأغلقت السفارة أبوابها في عام 2015 بعد سيطرة الحوثيين على العاصمة.

 

تخبرني هناء أنها شعرت حينها أن الرحيل قرار لا بد منه، لأن الحوثيين باتوا يستهدفون كل من يرتبط بأي جهة أجنبية.

 

"حملات تشهير"

 

وتعتقد هناء أن ملاحقة الحوثيين لمؤسسات المجتمع المدني تهدف لترهيب المواطنين. لكن أكثر ما يؤلمها هو كيفية استقبال الرأي العام لما تصفه بحملات التشهير التي نظمها الحوثيون ضد أفراد المجتمع المدني. وتقول "صدمت عندما طالعت مواقع التواصل الاجتماعي لأجد الناس مؤمنة بأننا عملاء وجواسيس".

 

بعد رحلة صعبة، نجحت هناء في الوصول لجنوب البلاد لتجلس "في بكاء متواصل لثلاثة أيام بعد أن فقدت الرغبة في تناول أي طعام". فقد كان وقع الصدمة أكبر من قدرتها على التحمل.

 

يتزايد خوف هناء حالياً بعد أن صنف الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الحوثيين كجماعة إرهابية مؤخراً. وقد يصب الحوثيون جام غضبهم على كل العاملين بالمنظمات ذات التمويل الأمريكي عقب هذا التصنيف.

 

ويحصل اليمن على مساعدات ضخمة من الولايات المتحدة بلغت قيمتها الإجمالية نحو ستة مليارات دولار منذ أواخر عام 2014، وفق بيانات البعثة الأمريكية إلى اليمن.

 

ويأتي جزء كبير من تلك المساعدات عبر الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) التي قرر ترامب مؤخراً تعليق عملها لمدة 90 يوماً حتى تتم مراجعة بنود الصرف. وصارت الكثير من المشروعات التي تمولها الوكالة في أكثر من مئة دولة حول العالم في مهب الريح بعد قراره بتخفيض العمالة وتجميد الحسابات المصرفية.

 

وحذرت منظمة هيومان رايتس ووتش من "التأثير المدمر" لسياسات الرئيس الأمريكي وكذلك "الاعتقالات التعسفية التي يمارسها الحوثيون".

 

وقالت نيكو جعفرنيا، الباحثة في شؤون اليمن والبحرين بالمنظمة الحقوقية، لبي بي سي، إن وضع الحوثيين على قائمة الإرهاب بجانب تجميد عمل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) سيؤدي إلى "تبعات ضخمة على تقديم المساعدات". وتوضح جعفرنيا أن الوكالة الأمريكية تضطلع بنحو ثلث المساعدات المقدمة لليمن.

 

عيادات بلا دواء

 

يعاني الكثير من أطفال المخيم من الإسهال والالتهاب الرئوي بسبب تردي مستوى المعيشة وقلة الغذاء وسوء الأوضاع الصحية. ولا يتوفر من سبل العلاج إلا أقل القليل.

 

وتظل رفوف بعض العيادات بالمنطقة خالية لأسابيع. وعلمت بي بي سي من العاملين هناك إن المخزون المتاح من الأدوية لا يقارن بحجم الاحتياج ولا بأعداد المرضى.

 

تواصلت بي بي سي مع عدة هيئات تابعة للأمم المتحدة للاستفسار بشأن سير توزيع المساعدات في مناطق الحوثيين من دون أن نتلقى رداً.

 

لكن هانز غروندبرغ، المبعوث الإنساني الخاص لليمن، قال في كلمة أمام مجلس الأمن الدولي، إن ملاحقة الحوثيين لعمال الإغاثة ليست فقط "انتهاكاً لحقوق الإنسان الأساسية، بل تمثل أيضا تهديداً مباشراً لقدرة الأمم المتحدة على مساعدة ملايين المحتاجين".

 

"رضيت بقدري"

 

لا تتفاءل سميرة بشأن المستقبل. وتخبرنا أنها لم تعش يوماً واحداً طيباً منذ وفاة زوجها قبل سنوات. تسكن مع أمل في نفس المخيم، برفقة أبنائها الأربعة. وتتساءل سميرة بصوت مليء بالبؤس "ماذا سيحل بأبنائي إن مت؟! هذا هو السؤال الذي يقض مضجعي كل ليلة فيحرمني النوم".

 

وتلجأ سميرة لبيع نصف سلة الغذاء الشهرية التي تحصل عليها من برنامج الأغذية العالمي لأنها تحتاج للنقود كي تشتري عبوات مياه لأبنائها إذ لا توجد مياه في المخيم. ويلحظ من يتجول في المنطقة صفوفا طويلة من رجال ونساء وأطفال، يحمل كل منهم عبوات ضخمة لتوفير حاجتهم من المياه.

 

يعمل ياسر، ابن سميرة الأكبر، في غسيل السيارات كي يعين والدته على إعالة إخوته الصغار. كان يتمنى أن يذهب للمدرسة بل كان يحلم باستكمال دراسته خارج اليمن لكنه يقول باستسلام "هذا هو قدري وقد رضيت به".


مقالات مشابهة

  • هيئة فلسطينية: الاحتلال يسعى لإنهاء المخيمات بالضفة الغربية وإعادة احتلالها
  • الصدر على وشك تفجير قنبلة العودة.. هل يسقط عرش الإطار؟
  • منظمة نسوية تطلق مشروع سبل العيش للإيزيديات في سنجار (صور)
  • قوّة كبيرة من الجيش داهمت خيم النازحين السوريين في الطيبة
  • شؤون اللاجئين: استهداف المخيمات و"الأونروا" جزء من مخطط تصفية قضية اللاجئين وحقوقهم
  • دخول معدات اللجنة المصرية القطرية إلى شمال غزة لفتح الطرقات وإنشاء المخيمات
  • 43 روضة في مخيمات النازحين بمحافظتي  مأرب والجوف تختتم عامها الدراسي وتكرم المبرزين
  • محافظ إدلب يبحث مع المنظمة الدولية لحقوق الإنسان وشؤون اللاجئين واقع النازحين في المخيمات
  • حرب اليمن: كيف يؤثر خفض المساعدات على البلاد؟
  • الأمم المتحدة تطلق خطة لجمع 370.9 مليون دولار لدعم عودة اللاجئين السوريين والنازحين داخليا