«ميثاق السودان»: التمهيد لرجوع الإنقاذ وسيطرة العسكر

بابكر فيصل

وقَّعت بعض القوى السياسية والحركات المسلحة المؤيدة للجيش في الثامن من الشهر الجاري بالقاهرة ميثاقاً أطلقت عليه اسم: “ميثاق السودان لإدارة الفترة التأسيسية الانتقالية”، أوضحت فيه تصورها لكيفية وقف القتال الدائر بين الجيش وقوات الدعم السريع وادارة مرحلة ما بعد الحرب.

احتوى الميثاق على عدد من المحاور التي تناولت المباديء العامة والأهداف والمرتكزات وقضايا الحوار والأزمة السياسية والإقتصادية بالإضافة إلى هياكل و نظام الحكم في الفترة الانتقالية. وعلى الرغم من النقاط العامة والرؤى التي تنادي بوقف الحرب والتفاصيل المذكورة إلا أن جوهر الميثاق يسعى لتحقيق أربعة أهداف.

الهدف الأول هو إشراك المؤتمر الوطني/ الحركة الإسلامية في العملية السياسية التي ستعقب اتفاق وقف إطلاق النار، وقد جاء ذلك في نصين من نصوص الميثاق، يقول الأول: (الحوار السوداني السوداني الشامل دون إقصاء هو الخيار الوحيد للتوافق والمصالحة الوطنية)، كما يدعو الثاني إلى: (مشاركة كافة المكونات السياسية والمدنية والأهلية في كافة مراحل الحوار دون إقصاء).

الهدف الثاني هو العودة للشراكة المدنية العسكرية التي تأسست قبل انقلاب 25 أكتوبر 2021، حيث نص الميثاق في الفقرة المتعلقة بهياكل الفترة الانتقالية على أن: (يتشكل مجلس السيادة من سبعة أعضاء من العسكريين والمدنيين).

الهدف الثالث هو الحفاظ على المناصب الوزارية للحركات المسلحة المتحالفة مع الجيش، حيث نص الميثاق على: (استصحاب اتفاقات السلام في تكوين وتشكيل الحكومة)، وقد أوضح رئيس حركة العدل والمساواة القصد من هذا النص في الحوار الذي أجراه معه موقع “المحقق”، حيث أكد (أن نسبة الحركات المسلحة ثابتة، وأنها ستكون موجودة في التشكيل القادم للحكومة).

أما الهدف الرابع فهو يتضح من خلال التمعن في قائمة الموقعين على الميثاق والتي ضمت أكثر من 57 تحالف وحزب وحركة مسلحة، تمثل واجهات للمؤتمر الوطني وفلول نظام الإنقاذ ومؤيدي انقلاب 25 أكتوبر وقد تمت صناعتها وتجميعها من أجل الدفع بها لإغراق العملية السياسية والتحكم في مخرجاتها.

تعمَّد الميثاق عدم الإشارة لقضية تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989 وإزالة وجوده في الأجهزة الأمنية والعسكرية وبيروقراطية الدولة- وهي أمُّ القضايا التي تستند عليها أية رؤية وطنية لإنهاء الحرب واستدامة الديمقراطية ووضع البلاد في مسار الإنتقال الصحيح الذي يفضي إلى إنتخابات حرة ونزيهة- مما يمهد الطريق للعودة الكاملة لنظام الإنقاذ.

قد كتب انقلاب 25 أكتوبر 2021 الفصل الأخير للمشاركة السياسية للجيش في الفترة الانتقالية وهو الأمر الذي تجلى بوضوح في الاتفاق الإطاري الذي وقعته قيادة الجيش والذي نص على المدنية الكاملة لكافة هياكل السلطة، كما أنَّ قضية إبعاد الجيش من السياسة قد صارت أكثر أهمية بعد اندلاع الحرب المدمرة في البلاد.

لن تتوقف مساعي المؤتمر الوطني/ الحركة الإسلامية من أجل العودة للسلطة بأية ثمن، (وهو الهدف الذي أشعلوا بسببه هذه الحرب اللعينة)، مما يتطلب من كافة قوى الثورة تجاوز خلافاتها الثانوية لإفشال مخططات عودة نظام الإنقاذ وسيطرة العسكر ذلك أن غايتهم الأخيرة المنشودة هى هزيمة الثورة وقواها الحية.

الأمر الأكثر أهمية يتمثل في الرسالة الواضحة التي يجب أن ترسلها القوى المدنية للشعب السوداني وللمجتمعين الإقليمي والدولي هى أنها لن تكون جزءاً من أية عملية سياسية يشارك فيها المؤتمر الوطني وواجهاته المصنوعة ولا يتم تحديد أطرافها بدقة، وأنها لن تتنازل عن مطلب تفكيك نظام الإنقاذ كما أنها لن تعود للشراكة مع العسكر مرة أخرى.

الوسوماتفاق السلام الإنقاذ الحركات المسلحة الحركة الإسلامية القاهرة المؤتمر الوطني بابكر فيصل جبريل إبراهيم مسار الانتقال ميثاق السودان

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: اتفاق السلام الإنقاذ الحركات المسلحة الحركة الإسلامية القاهرة المؤتمر الوطني بابكر فيصل جبريل إبراهيم ميثاق السودان المؤتمر الوطنی نظام الإنقاذ

إقرأ أيضاً:

الكيزان والحرب: مشروع التمكين الدموي وتجارة المأساة في السودان

بقلم: عمر سيد أحمد

أبريل 2025

O.sidahmed09@gmail.com

لم يكتفِ الكيزان بثلاثة عقود من القمع والفساد، بل اختاروا تفجير حرب أهلية جديدة لإعادة تمكين أنفسهم على أنقاض السودان. أطلقوا العنان لميليشياتهم، وتركوا المدن تنهار تحت ضربات النهب والاغتصاب والقتل، بينما احتمى الجيش ـ المختطف منذ سنوات ـ داخل معسكراته، تاركًا الشعب فريسة لصنيعتهم: الدعم السريع.

عندما انسحب الدعم السريع من بعض المناطق، لم يعد الأمان. عاد الجيش ذاته، ومعه مليشيات مسلحة وتجار حرب من حركات مُدجّنة، لا لحماية المواطنين، بل لإكمال مشروع الفوضى تحت مسمى “التحرير”. كل ذلك جرى تحت غطاء سياسي وإعلامي مموّل، هدفه تزييف الحقائق وتحويل المجرمين إلى أبطال.

من الفوضى إلى إعادة التمكين

استغل الكيزان الحرب كأداة ذكية لتحويل غضب الشعب ضدهم إلى صراعات بين مكونات المجتمع. بدلاً من أن تتوحد القوى المدنية والثورية، تم جرّها إلى خلافات داخلية، بينما واصل الكيزان اختراق مؤسسات الدولة: سيطروا على الجيش عبر البرهان، وعلى الإعلام عبر أبواق مأجورة، وعلى الاقتصاد عبر شبكات فساد مزروعة بعناية منذ سنوات.

لم تكن الفوضى عبثية، بل جزء من خطة لإعادة التمكين. أُفرغت السجون من المجرمين، أُطلقت الكتائب الإرهابية، واستُخدم العنف العرقي والجنسي كسلاح سياسي. أُحرقت القرى، وقُسّمت المجتمعات على أساس إثني وجهوي، لإنتاج واقع لا يُمكن الخروج منه إلا عبر بقاء الكيزان في السلطة.

ماكينة الكذب الإعلامي

كان للإعلام دور محوري في استمرار هذه الكارثة. غرف إلكترونية بتمويل ضخم تبث الشائعات وتعيد تصوير الكيزان كـ"منقذين"، في حين أنهم أصل الكارثة. إعلاميون مرتزقة يبررون القصف، ويشيطنون دعوات السلام، ويُهاجمون كل من يكشف الجريمة.

تُستخدم وسائل التواصل كسلاح. تُنشر الكراهية على مدار الساعة، ويُعاد تشكيل الوعي العام ليُصدق أن هذه الحرب هي “معركة كرامة”، رغم أن الكرامة بالنسبة للكيزان تعني فقط: العودة إلى السلطة بأي ثمن.

تجارة المأساة

بعد أن دمروا المدن، خرج تجار الحرب من أوكارهم ليتحدثوا عن “إعادة الإعمار”. نفس الوجوه من نظام الإنقاذ تعرض اليوم خدمات "الصيانة" و"التنظيف" للعقارات التي نُهبت تحت أعينهم، بل وأيديهم. هذا الاستثمار في جراح الناس ليس فقط وقاحة سياسية، بل جريمة أخلاقية واقتصادية، تُظهر كيف تحوّل الخراب إلى سوق رائجة للمجرمين.

الكيزان والجنجويد: تحالف الإجرام

رغم وحشية الدعم السريع وجرائمه في القتل والاغتصاب والنهب، يبقى الكيزان أكثر خطورة، لأنهم لا يمارسون العنف فقط، بل يصنعون بيئته، ويبررونه باسم الدين والوطن، ويُديرونه من فوق الطاولة وتحتها. استخدموا السلطة لتدمير مؤسسات الدولة، والدين لتبرير الجرائم، والإعلام لتسويق القتلة.

الرسائل واضحة

- إلى قادة الجيش المختطف: أنتم واجهة لمليشيا تحمي مشروع التمكين، لا جيش وطني.
- إلى القوى المدنية: لا أمل دون وحدة حقيقية، ولا انتصار دون مواجهة الكيزان أولًا.
- إلى الدول التي تموّل الحرب: أنتم شركاء في الجريمة، وسيُحاسبكم التاريخ.
- إلى الشعب السوداني: الحرب لها تجار، ولا مخرج إلا بإسقاطهم جميعًا.

الخاتمة: لا عدو غيرهم

ما يحدث ليس قدراً محتوماً، بل مشروع إجرامي واضح. العدو واحد: الكيزان وأدواتهم في الجيش والميليشيات. لا نهاية لهذه الحرب إلا بإسقاط من صنعها وتاجر بها، ولا مستقبل لهذا الوطن إلا إذا استعاد الشعب سلطته، وعدالته، وذاكرته.  

مقالات مشابهة

  • الكيزان والحرب: مشروع التمكين الدموي وتجارة المأساة في السودان
  • القمة البريطانية لإنهاء الحرب في السودان (3)
  • تصاعد نيران الحرب وضرورة وقفها
  • المقالات التي تعمل على تعزيز السلام والأمن على أرض السودان
  • الألغام ومخلفات الحرب تسقط مئات السوريين منذ سقوط نظام الأسد
  • أسباب للتفاؤل بنظام عالمـي مـا بعـد أمـريكـي
  • قوات الدعم السريع، من الذي أنشأ الوحش حقًا؟ لا هذا ولا ذاك، بل هو اختراق استخباراتي مكتمل الأركان
  • الحرب في السودان ...هل تنتهي قريبا أم تتسع؟!
  • أهل الشمال بين الدور الوطني والاتهامات الجائرة
  • قائمة بالهواتف التي سيتوقف واتساب عن العمل عليها بداية من الشهر المقبل