الصرخة محرك تحولي في اليمن والأمة الإسلامية
تاريخ النشر: 14th, May 2024 GMT
تتأصل الكلمة في لُبّ الحضارات، فهي الركيزة التي تُشيّد عليها صروح الثقافة وتُنقش بها آيات التاريخ الخالدة. هي ذات الكلمة التي تُشعل فتيل الثورات الجياشة في أعماق النفوس، وتُترجم أرقى المشاعر وأنبل المواقف أمام مصاعب الوجود اليومي. بقوة الكلمة، يُعلي الأوفياء لواء الصدق في مواجهة الانحراف والغواية، مُتشبثين بسبيل الإرشاد، مُتحملين وطأة المجازفات ليبلغوا مرفأ الصدق، حيث تتلاقى الحياة العزيزة التي يستأهلونها، في رفعة الشموخ وعلو الكرامة وأُفق الحرية الرحب.
من رحم الكلمة، انبثقت المسيرة القرآنية العظيمة، لم تكن مجرد كلمة عابرة، بل كانت صرخة الحق التي هزت أركان الاستكبار العالمي، فسعوا لخنقها قبل أن تتنفس الحرية، لكنها انطلقت تهدم حصون الغرور والطغيان، وتُرعد عروش الشر في كل أصقاع الأرض، وسرعان ما تحولت إلى طوفان عاتٍ يجتث كل زرع خبيث نما على يد الكفر والعدوان في أمتنا.
كان العالم، بأسره، على حافة هاوية من التغييرات الجذرية لصالح قوى الظلم، التي تُطيح بالحكومات والدول، تنهب الثروات، وتُقيّد الشعوب بقيود العبودية باسم مكافحة الإرهاب، بعد أن أتقنت فن الخداع الذي شهد سقوط أبراج مركز التجارة العالمي في نيويورك. وهكذا، اندفعت الصهيونية بقبضتها الأمريكية لتغزو بلدان الأمة الإسلامية، معتبرة الإسلام عقبة كأداء في طريق تحقيق مصالحها وأهدافها العالمية، التي تسعى للهيمنة المطلقة على جميع دول العالم، بعد أن استولت على السيطرة الاقتصادية، فأصبح البنك الدولي هو الحاكم الأوحد للسياسات الاقتصادية العالمية، محددًا مسارات التنمية بما يضمن بقاء الدول في أدنى مستويات النمو، خاضعةً ومستسلمةً للسيطرة الدائمة.
وفي ظل هذه الأجواء، انطلقت آلة الإعلام العملاقة لتوجيه العقول نحو مسارات تُبعدها عن كل معتقد ودين وأخلاق، تحولها إلى مجرد أدوات استقبال سلبية، خاوية من التفكير العقلاني، مُعدة لاستقبال كل ما يُلقى فيها من سموم الفكر الغربي الكافر.
لذا، جاءت الرؤية الاستباقية للشهيد القائد، السيد حسين بدرالدين الحوثي، رحمه الله، كنور يُضيء في زمن الظلمات، حين فتحت دول المنطقة العربية أبوابها للضباط الأمريكيين، ليشرفوا على تدمير الأسلحة التي تهدد سلطتهم، متقبلين ذلك تحت شعار “إثبات حسن النوايا”. وفي الوقت نفسه، كان الخوف من القوة الأمريكية يملأ قلوب الزعماء والقادة العرب، من ملوك ورؤساء، الذين استسلموا للمقصلة الأمريكية دون تفكير أو تمهل.
في هذا السياق، قاد الشهيد القائد ثورة فكرية ثقافية قرآنية لم تكن في الحسبان، واحتضنها الشعب اليمني بكل فخر واعتزاز، حتى أثمرت قوة وعزيمة لا يستهان بها. من كان يتصور أن صرخة الحق والعزة ستتحول إلى قوة إقليمية ودولية تصنع التحولات وتقود أمة الإسلام نحو مواطن العزة والكبرياء؟ نتذكر الأيام التي كنا نرفع فيها الصرخة في مقراتنا، ولم نكن نتخيل أن يأتي يوم نرفعها عبر شاشاتنا وإذاعاتنا. إنها الحقيقة والنور، والحكمة التي نطق بها الشهيد القائد.
إن العالم لا يتغير إلا بالمواقف الشجاعة والجريئة، ومن يختار البقاء خلف الجدران سيظل محاصرًا بها، حتى يأتي الطوفان الذي يجرف كل شيء.
في هذه الأيام، نستذكر بكل فخر واعتزاز ذكرى انطلاقة الصرخة العظيمة، تلك الصرخة التي تجسدت فيها معاني الصدق والحكمة، والتي أطلقها الشهيد القائد، رائد الفكر والعمل، الذي أمر أتباعه بإعلانها عاليًا، مؤكدًا على أنها تمثل جوهر الحكمة والبصيرة. إنها تعبير عن رؤية استشرافية، تنبع من فكر قائد لا يتبع الآخرين بل يسير على درب الحرية، مستلهمًا من مبادئه الدينية الراسخة والقيم المجتمعية النبيلة. فكر قائد، ينأى بنفسه عن الأفكار السلبية لأولئك الذين تم تنصيبهم من قبل القوى الغربية كقادة وزعماء وملوك على الأمة العربية، ليبقوها تحت الهيمنة والسيطرة، كمصادر للثروات ومخازن استراتيجية، ولتظل شعوبها مجرد أسواق استهلاكية، تعيش في ظلال الجهل، مكتفية بتأمين مقومات الحياة الأساسية، تحت سطوة الأنظمة الأمنية القمعية التي تستغل خيرات البلاد وتقاسمها مع الدول المتغطرسة، مقابل البقاء في السلطة.
لنتأمل اليوم ما أصبحت عليه الصرخة، فقد تحولت من مجرد شعار إلى واقع ملموس، ولا يزال الأعداء يعبرون عن دهشتهم وحيرتهم من التطورات التي شهدها اليمن، بعد تسع سنوات شاقة من العدوان والحصار، والخذلان العربي والدولي المؤسف. اليوم، تحولت الصرخة إلى صواريخ باليستية ومجنحة وطائرات مسيرة، وإلى شعب عريق يتحد ويتناغم مع قيادته الحكيمة، التي لم تشهد إلا العزة والشموخ، ولم تعرف إلا الوفاء والإخلاص. اليوم، نحن في مواجهة مباشرة مع القوى الغربية والصهيونية، وبفضل الله تعالى، قد أغلقنا كل منافذ التجسس والفتن الطائفية، ولم يتبقَ لديهم إلا العملاء والخونة الذين لن يستطيعوا أبدًا أن يثنوا عزيمة هذا الشعب العظيم، الذي تحرر من كل قيود الهيمنة الفكرية والفتنوية، وانطلق نحو مستقبل مشرق بالعزة والكرامة والحرية، يبني واقعًا جديدًا ومستقبلًا واعدًا له ولأجياله القادمة، رافضًا كل أشكال العبودية إلا لله، متوكلًا على الله العزيز الحكيم، واثقًا بنصره وتأييده، ومتحدًا مع قيادته الباسلة الشجاعة، ممثلة بقائد المسيرة القرآنية، قائد الثورة، السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي، حفظه الله ونصره. واثقًا به، فمن لم يكن مؤمنًا به من قبل، فقد أصبح اليوم شاهدًا على الفرق بين الأقوال والأفعال، وما أعظمها من أفعال بدأت بكلمة، بدأت بصرخة… صرخة الحق والعزة والحرية والكرامة والشموخ. صرخة: الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل
اللعنة على اليهود، النصر للإسلام
القائم بأعمال محافظ تعز *
المصدر: الثورة نت
كلمات دلالية: التی ت
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: المنهج الذي بيننا وبين الخلق مبني على العفو والصفح
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن هناك منهجا ينبغي أن نتبعه في علاقتنا مع الخلق، هذا المنهج مبني على العفو والصفح. قال الله تعالى: {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، وقال سبحانه: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ}.
وأضاف جمعة، فى منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التاوصل الإجتماعي فيسبوك، إنه أمرٌ في غاية الصعوبة، يحتاج إلى صبرٍ وتجرُّع مرارة. كيف تعفو عمن آذاك؟ وكيف تتجاوز عن مَن اعتدى عليك؟ وكيف تغفر لمن شتمك أو سبَّك بلا مبرر؟ وكيف يكون ذلك إذا كنت على الحق، وهو على الباطل؟.
روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي ﷺ: "هل أتى عليك يومٌ كان أشدَّ من يوم أحد؟ فقال ﷺ : " لقد لقيت من قومك ، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة ، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال ، فلم يجبني إلى ما أردت ، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي ، فرفعت رأسي ، فإذا أنا بسحابة قد أظلتني ، فنظرت فإذا فيها جبريل عليه السلام ، فناداني فقال : إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردُّوا عليك ، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمر بما شئت فيهم. فناداني ملك الجبال ، وسلم عليّ. ثم قال : يا محمد ، إن الله قد سمع قول قومك لك ، وأنا ملك الجبال ، وقد بعثني ربك إليك لتامرني بأمرك ، إن شئت أطبق عليهم الأخشبين (جبلَي مكة). فقال النبي ﷺ: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "جاء الطفيل بن عمرو إلى النبي ﷺ فقال: إن دوسًا قد هلكت؛ عصت وأبت، فادعُ الله عليهم. فقال ﷺ: اللهم اهدِ دوسًا وائتِ بهم."
وعن جابر رضي الله عنه قال: "قالوا: يا رسول الله، أحرقتنا نبال ثقيف، فادعُ الله عليهم. فقال ﷺ: اللهم اهدِ ثقيفًا."
مما سبق يتضح لنا أن الإسلام يدعو إلى خلق العفو والصفح، وليس إلى الانتقام أو حب إنزال العقاب بالآخرين. فقد كان النبي ﷺ رحمةً للعالمين، يدعو لهم بالهداية. والدعاء لمن ظلمك مقامٌ عالٍ وخلقٌ رفيع، لأنه يتجاوز حدود العفو والسماح إلى الرغبة في الخير لهم ولكل الناس.
هذه هي أخلاق النبي الكريم ﷺ، وهذا هو المنهج الذي ينبغي أن نسير عليه في تعاملنا مع الناس. وإن كان ذلك عظيمًا وشاقًا، فإنه واجب، لأنه يضعنا في نزاع مع أنفسنا. ومع ذلك، فإن الأمر لله ولرسوله، وكلام الله ورسوله أمانة في أعناقنا.
فاجعلوا العلاقة التي بينكم وبين الخلق مبناها الصفح، والعفو، والمغفرة، والرحمة؛ لأننا نحب أن يعفو الله عنا، ويغفر لنا، ويوفقنا، ويجعلنا في محل نظره سبحانه وتعالى.