لجريدة عمان:
2024-11-18@18:22:19 GMT

الاقتصاد السلوكي وتصميم السياسات العامة

تاريخ النشر: 14th, May 2024 GMT

الاقتصاد السلوكي من العلوم الحديثة الذي بدأت الحكومات الاهتمام بها منذ سنوات، وهو مزيج من عدة علوم اجتماعية مثل علم النفس وعلم الاجتماع، ويفترض أن الإنسان لا يتصرف بعقلانية عند اتخاذ القرارات؛ لتأثره بعوامل اجتماعية وعاطفية تؤثر على قراره وتوجهاته.

ويختلف عن الاقتصاد التقليدي في عدم وجود الصرامة في الفرضيات مما يكلفه ثمنا باهظا عند اتخاذ القرار، وربما يؤدي ذلك إلى عدم انتفاعه من القرار؛ لذلك من المهم تصميم السياسات العامة لتوجّه الأشخاص نحو الخيار الأفضل والمناسب عبر وضعه كخيار افتراضي.

فوفقًا للدراسات التي أجريت لمعرفة سلوك الأفراد؛ فإنهم يميلون للخيار الذي حدد لهم مسبقا بل يفضلونه عن الخيارات الأخرى، وهذا عكس افتراضات النظرية الاقتصادية التقليدية التي تقول إن الأشخاص سوف يذهبون للخيار الذي يعتقدون أنه أفضل لهم بغض النظر عن الخيار المبدئي الذي حدد لهم مسبقا، ورغم عدم اقتناع البعض بدور الاقتصاد السلوكي في صنع السياسات العامة وتصميمها، إلا أن هناك مثالا متداولا عن نجاح الأمر؛ ففي إحدى الولايات الأمريكية جرى تشجيع العاملين الجدد على الانضمام في نظام التقاعد عبر التسجيل في منصة مخصصة لذلك، بحيث تدفع الولاية دولارًا واحدا نظير كل دولار يدفعه العامل للتقاعد، ولم يسجّل من العاملين الجدد في النظام سوى 20% من العاملين فقط. وبعد تقييم أسباب عدم قابلية العاملين على التسجيل في المنصة، جرى تجربة وضع الانضمام للمنصة سار منذ التحاقه للعمل من اليوم الأول ما لم يطلب العامل الانسحاب من النظام، كون أن هذا الخيار هو المفضّل لكافة العاملين، وكانت النتيجة أن 91% من العاملين الجدد فضّلوا البقاء في النظام إثر قيام الولاية على أساس أنه الخيار المبدئي ولم يُقدّم أحد من الموظفين طلبا بالإلغاء سوى 9% منهم.

فالتوجه نحو العلوم السلوكية في صنع السياسات يعد أمرا فاعلا لاتخاذ بعض القرارات المالية مثل تحسين تحصيل الضرائب، والتشجيع على الادخار إضافة إلى ترشيد الإنفاق وتجويده، ورغم عدم تفضيل الكثيرين للعلوم السلوكية؛ لعدم صرامة القرارات المتخذة كونها تعتمد على التوجهات السلوكية والعاطفية، إلا أنه من المهم الإشارة إلى أن النظرية الاقتصادية التقليدية لم تستطع تفسير بعض السلوكيات الاقتصادية مثل أسباب شراء السلع خلال السفر بضعف سعرها الحقيقي داخل البلد، وإعطاء عامل المطعم مبلغا إضافيا كإكرامية بينما لا نقوم بذلك عند عامل المحال التجارية، وبيع الأسهم عند ارتفاعها وعدم شراء المزيد منها؛ لظنهم أنها لن تستمر في الارتفاع إلى مالا نهاية. وكذلك شراهة التسوق واستخدام البطاقة الائتمانية، رغم أن التصرف الحكيم ألا يتأثر الشخص بوجودها؛ لارتفاع نسبة الفائدة عليها.

إن استخدام الأفكار المستقاة من علم الاقتصاد السلوكي لها دور في دفع الأشخاص نحو اتخاذ القرار المناسب دون تدخل أو تأثير من طرف آخر، لكن ينبغي أن نفكر جديا في ابتكار نماذج تساعد على فهم سلوك الأفراد عند تصميم السياسات العامة، وأنهم ليسوا عقلانيين في كثير من قراراتهم، ويتأثرون بالعاطفة كثيرا مما يدفعهم لارتكاب الأخطاء، وينبغي دفعهم نحو اتخاذ القرار الصحيح عبر فهم توجهاتهم وتوظيف تطبيقات الاقتصاد السلوكي في صنع السياسات العامة.

ما يربك البعض تبني السياسات السلوكية في كثير من البلدان هو حداثة علم الاقتصاد السلوكي، وصعوبة فهم تطبيقاته؛ لاشتراك عدة علوم في تكوينه خاصة علم النفس الذي يتطلب فهما عميقا واطلاعا مستمرا لأبعاده وتأثيراته على اتخاذ القرار. إضافة إلى ذلك أن الاقتصاد السلوكي لم يستقر على تطبيقات ونظريات واضحة، مما يجعل بعض الحكومات تتردد كثيرا في بناء سياسات اقتصادية سلوكية.

ورغم ذلك هناك فوائد في توظيف الاقتصاد السلوكي لتحسين سلوك المستهلكين في الشراء، وتجويد الإنفاق الشخصي وكذلك التشجيع على الادخار مثل نشر العبارات التحفيزية لادخار جزء من رواتب الموظفين للحصول على رواتب مجزية عند التقاعد، وهو ما تقوم به كثير من البنوك لتوجيه الموظفين نحو برامج تشجّع على الادخار وتضمن عوائد مجزية بعد التقاعد، وهناك أمثلة أخرى تثبت نجاح الاقتصاد السلوكي في صنع السياسات العامة، لعل أبرزها ما يقوم به مشاهير التواصل الاجتماعي لتوجيه الأشخاص نحو اختيار بعض السلع دون غيرها لتشجيعهم على الشراء رغم أن هذه السلع ربما تؤثر على الأنظمة الغذائية المتبعة.

إن السياسات الاقتصادية السلوكية ليست بديلا عن السياسات الاقتصادية التقليدية كالسياسات النقدية والمالية، لكنها تساعد في تحسين الاستجابة للسياسات الموضوعة لتكون نتائجها أكثر فاعلية. وأرى من المهم الأخذ في الحسبان الجوانب السلوكية للأشخاص عند تصميم السياسات العامة؛ لدورها في نجاح القرارات المالية وتحقيق الغاية من إقرارها رغم صعوبة التحكم بمشاعر وعواطف الأشخاص.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: السیاسات العامة اتخاذ القرار

إقرأ أيضاً:

محافظ مصرف ليبيا يبحث مع “الحويج” تناغم السياسات النقدية والتجارية

الوطن| رصد

بحث محافظ مصرف ليبيا المركزي ناجي عيسى، مع وزير الاقتصاد والتجارة بالحكومة المنتهية محمد الحويج، اليوم الاثنين، تناغم السياسات النقدية والتجارية، وتوحيد الجهود في مواجهة التقلبات الاقتصادية.

وناقش اللقاء تحقيق استقرار الأسعار بما يتماشى مع أهداف خطة مصرف ليبيا المركزي، في السيطرة على متغيرات التضخم وأسعار الصرف.

واتفق الإجتماع، على تشكيل فريق عمل مُشترك من الباحثين الاقتصاديين لغرض دراسة احتياجات السوق من السلع والخدمات، وتشجيع الصناعات المحلية، وتقديم مقترحات قابلة للتطبيق.

الوسومالسياسات النقدية ليبيا محافظ مصرف ليبيا محمد الحويج

مقالات مشابهة

  • لجنة السياسات بالبنك المركزي تجتمع في هذا الموعد لتحديد سعر الفائدة
  • المرور تنفي إصدارها بيانا لحجز المركبات أثناء حظر تجوال التعداد السكاني
  • عباس صابر يلتقي العاملين بالأمن الصناعي بشركة إسكندرية للبترول
  • شباب الإمارات بـCOP29.. نماذج مؤثرة في صياغة السياسات المناخية العالمية
  • محافظ مصرف ليبيا يبحث مع “الحويج” تناغم السياسات النقدية والتجارية
  • هدية جديدة من نقابة العاملين بالنيابات والمحاكم لأعضائها
  • الرباط تستضيف الندوة الثالثة لجائزة الشارقة في المالية العامة
  • مديرة صندوق النقد: أطالب صناع السياسات بإجراء إصلاحات طموحة وتنشيط خلق فرص العمل
  • «التضامن»: افتتاح فعاليات البرنامج التأسيسي لتدريب العاملين بالإدارات
  • ضبط كيان تعليمي وهمي للنصب على المواطنين فى القاهرة