لجريدة عمان:
2025-01-31@12:09:38 GMT

الاقتصاد السلوكي وتصميم السياسات العامة

تاريخ النشر: 14th, May 2024 GMT

الاقتصاد السلوكي من العلوم الحديثة الذي بدأت الحكومات الاهتمام بها منذ سنوات، وهو مزيج من عدة علوم اجتماعية مثل علم النفس وعلم الاجتماع، ويفترض أن الإنسان لا يتصرف بعقلانية عند اتخاذ القرارات؛ لتأثره بعوامل اجتماعية وعاطفية تؤثر على قراره وتوجهاته.

ويختلف عن الاقتصاد التقليدي في عدم وجود الصرامة في الفرضيات مما يكلفه ثمنا باهظا عند اتخاذ القرار، وربما يؤدي ذلك إلى عدم انتفاعه من القرار؛ لذلك من المهم تصميم السياسات العامة لتوجّه الأشخاص نحو الخيار الأفضل والمناسب عبر وضعه كخيار افتراضي.

فوفقًا للدراسات التي أجريت لمعرفة سلوك الأفراد؛ فإنهم يميلون للخيار الذي حدد لهم مسبقا بل يفضلونه عن الخيارات الأخرى، وهذا عكس افتراضات النظرية الاقتصادية التقليدية التي تقول إن الأشخاص سوف يذهبون للخيار الذي يعتقدون أنه أفضل لهم بغض النظر عن الخيار المبدئي الذي حدد لهم مسبقا، ورغم عدم اقتناع البعض بدور الاقتصاد السلوكي في صنع السياسات العامة وتصميمها، إلا أن هناك مثالا متداولا عن نجاح الأمر؛ ففي إحدى الولايات الأمريكية جرى تشجيع العاملين الجدد على الانضمام في نظام التقاعد عبر التسجيل في منصة مخصصة لذلك، بحيث تدفع الولاية دولارًا واحدا نظير كل دولار يدفعه العامل للتقاعد، ولم يسجّل من العاملين الجدد في النظام سوى 20% من العاملين فقط. وبعد تقييم أسباب عدم قابلية العاملين على التسجيل في المنصة، جرى تجربة وضع الانضمام للمنصة سار منذ التحاقه للعمل من اليوم الأول ما لم يطلب العامل الانسحاب من النظام، كون أن هذا الخيار هو المفضّل لكافة العاملين، وكانت النتيجة أن 91% من العاملين الجدد فضّلوا البقاء في النظام إثر قيام الولاية على أساس أنه الخيار المبدئي ولم يُقدّم أحد من الموظفين طلبا بالإلغاء سوى 9% منهم.

فالتوجه نحو العلوم السلوكية في صنع السياسات يعد أمرا فاعلا لاتخاذ بعض القرارات المالية مثل تحسين تحصيل الضرائب، والتشجيع على الادخار إضافة إلى ترشيد الإنفاق وتجويده، ورغم عدم تفضيل الكثيرين للعلوم السلوكية؛ لعدم صرامة القرارات المتخذة كونها تعتمد على التوجهات السلوكية والعاطفية، إلا أنه من المهم الإشارة إلى أن النظرية الاقتصادية التقليدية لم تستطع تفسير بعض السلوكيات الاقتصادية مثل أسباب شراء السلع خلال السفر بضعف سعرها الحقيقي داخل البلد، وإعطاء عامل المطعم مبلغا إضافيا كإكرامية بينما لا نقوم بذلك عند عامل المحال التجارية، وبيع الأسهم عند ارتفاعها وعدم شراء المزيد منها؛ لظنهم أنها لن تستمر في الارتفاع إلى مالا نهاية. وكذلك شراهة التسوق واستخدام البطاقة الائتمانية، رغم أن التصرف الحكيم ألا يتأثر الشخص بوجودها؛ لارتفاع نسبة الفائدة عليها.

إن استخدام الأفكار المستقاة من علم الاقتصاد السلوكي لها دور في دفع الأشخاص نحو اتخاذ القرار المناسب دون تدخل أو تأثير من طرف آخر، لكن ينبغي أن نفكر جديا في ابتكار نماذج تساعد على فهم سلوك الأفراد عند تصميم السياسات العامة، وأنهم ليسوا عقلانيين في كثير من قراراتهم، ويتأثرون بالعاطفة كثيرا مما يدفعهم لارتكاب الأخطاء، وينبغي دفعهم نحو اتخاذ القرار الصحيح عبر فهم توجهاتهم وتوظيف تطبيقات الاقتصاد السلوكي في صنع السياسات العامة.

ما يربك البعض تبني السياسات السلوكية في كثير من البلدان هو حداثة علم الاقتصاد السلوكي، وصعوبة فهم تطبيقاته؛ لاشتراك عدة علوم في تكوينه خاصة علم النفس الذي يتطلب فهما عميقا واطلاعا مستمرا لأبعاده وتأثيراته على اتخاذ القرار. إضافة إلى ذلك أن الاقتصاد السلوكي لم يستقر على تطبيقات ونظريات واضحة، مما يجعل بعض الحكومات تتردد كثيرا في بناء سياسات اقتصادية سلوكية.

ورغم ذلك هناك فوائد في توظيف الاقتصاد السلوكي لتحسين سلوك المستهلكين في الشراء، وتجويد الإنفاق الشخصي وكذلك التشجيع على الادخار مثل نشر العبارات التحفيزية لادخار جزء من رواتب الموظفين للحصول على رواتب مجزية عند التقاعد، وهو ما تقوم به كثير من البنوك لتوجيه الموظفين نحو برامج تشجّع على الادخار وتضمن عوائد مجزية بعد التقاعد، وهناك أمثلة أخرى تثبت نجاح الاقتصاد السلوكي في صنع السياسات العامة، لعل أبرزها ما يقوم به مشاهير التواصل الاجتماعي لتوجيه الأشخاص نحو اختيار بعض السلع دون غيرها لتشجيعهم على الشراء رغم أن هذه السلع ربما تؤثر على الأنظمة الغذائية المتبعة.

إن السياسات الاقتصادية السلوكية ليست بديلا عن السياسات الاقتصادية التقليدية كالسياسات النقدية والمالية، لكنها تساعد في تحسين الاستجابة للسياسات الموضوعة لتكون نتائجها أكثر فاعلية. وأرى من المهم الأخذ في الحسبان الجوانب السلوكية للأشخاص عند تصميم السياسات العامة؛ لدورها في نجاح القرارات المالية وتحقيق الغاية من إقرارها رغم صعوبة التحكم بمشاعر وعواطف الأشخاص.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: السیاسات العامة اتخاذ القرار

إقرأ أيضاً:

روشتة برلمانية لتذليل العقبات أمام المستثمرين لدعم الاقتصاد وتقليل الاستيراد وتعزيز الموازنة العامة

نواب البرلمان عن العقبات أمام المستثمرين: تذليل العقبات أمام المستثمرين ضرورة لدعم الاقتصاد الوطني دعم الاستثمار في الصناعة يعزز الإنتاج المحلي ويقلل الاستيراددعم الاستثمار يعزز الموارد المالية للدولة 

أكد عدد من أعضاء لجنة الشئون الاقتصادية والخطة والموازنة والصناعة أن تعزيز الاستثمار لا يقتصر فقط على توفير التسهيلات الإدارية، بل يتطلب تطوير البنية التحتية، وتحقيق استقرار تشريعي يضمن وضوح السياسات الاقتصادية، ويعزز ثقة المستثمرين في السوق المصرية. كما شددت على أهمية منح حوافز للمستثمرين في القطاعات الحيوية مثل الصناعة والتكنولوجيا والطاقة المتجددة.

أكد النائب علي الدسوقي، عضو لجنة الشئون الاقتصادية بمجلس النواب، أن الحكومة المصرية تولي اهتمامًا كبيرًا بتشجيع الاستثمار ودعم مناخ الأعمال، تنفيذًا لتوجيهات القيادة السياسية بضرورة إزالة العقبات أمام المستثمرين وتحفيز القطاع الخاص للمشاركة الفعالة في التنمية الاقتصادية.

وأوضح الدسوقي في تصريح خاص لـ"صدى البلد"، أن اللقاء الذي جمع وزيرة التنمية المحلية، الدكتورة منال عوض، مع وفد رجال الأعمال بالإسكندرية يأتي ضمن جهود الدولة لفتح قنوات تواصل مباشرة مع المستثمرين، ما يعزز مناخ الاستثمار ويؤكد التزام الحكومة بتقديم التسهيلات المطلوبة لتشجيع المزيد من الاستثمارات في كافة القطاعات.

وأشار النائب إلى أن الاقتصاد المصري شهد تحسنًا ملحوظًا خلال السنوات الماضية نتيجة حزمة من الإصلاحات الاقتصادية والتشريعية، التي ساهمت في تهيئة بيئة الأعمال، مؤكدًا أن استمرار هذه الجهود سيؤدي إلى جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية والمحلية، مما ينعكس إيجابيًا على معدلات النمو وتوفير فرص العمل.

وشدد الدسوقي على أهمية تكامل الجهود بين القطاعين العام والخاص لدعم المشروعات الاستثمارية، لافتًا إلى أن مشاركة رجال الأعمال في اللقاءات الحكومية تعكس حرص الدولة على إشراك القطاع الخاص في صناعة القرار الاقتصادي. كما دعا إلى مزيد من الإجراءات التحفيزية، مثل تقديم حوافز ضريبية وجمركية للمشروعات الجديدة، وميكنة الإجراءات الحكومية لضمان سرعة إنجاز التراخيص وتقليل البيروقراطية.

واختتم النائب تصريحاته بالتأكيد على أن مجلس النواب، وخاصة لجنة الشئون الاقتصادية، يعمل بشكل متواصل لمتابعة تنفيذ القوانين والتشريعات الداعمة للاستثمار، مشيرًا إلى أهمية تعزيز التعاون بين الجهات الحكومية والمستثمرين لدفع عجلة التنمية الاقتصادية وتحقيق أهداف رؤية مصر 2030.

أكدت النائبة مرفت الكسان، عضو لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، أن تحفيز الاستثمارات المحلية والأجنبية يعد ركيزة أساسية لتعزيز موارد الدولة المالية وتحقيق معدلات نمو اقتصادي مرتفعة، مشيرة إلى أن الحكومة تبذل جهودًا كبيرة لتحسين بيئة الأعمال وتوفير التسهيلات اللازمة للمستثمرين.

وأوضحت الكسان في تصريح خاص لـ"صدى البلد" أن اللقاء الذي عقدته وزيرة التنمية المحلية مع وفد رجال الأعمال بالإسكندرية يعكس توجه الدولة نحو تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص باعتباره محركًا رئيسيًا للاقتصاد المصري، مؤكدة أن هذه اللقاءات تسهم في الاستماع إلى التحديات التي تواجه المستثمرين والعمل على حلها بشكل سريع وفعال.

وأشارت إلى أن تعزيز الاستثمار لا يقتصر فقط على توفير التسهيلات الإدارية، بل يتطلب تطوير البنية التحتية، وتحقيق استقرار تشريعي يضمن وضوح السياسات الاقتصادية، ويعزز ثقة المستثمرين في السوق المصرية. كما شددت على أهمية منح حوافز للمستثمرين في القطاعات الحيوية مثل الصناعة والتكنولوجيا والطاقة المتجددة.

وأكدت النائبة أن الاستثمار يمثل أحد المصادر الرئيسية لزيادة الإيرادات العامة للدولة، حيث يسهم في توسيع القاعدة الضريبية دون فرض أعباء إضافية على المواطنين، مما يدعم تنفيذ مشروعات البنية التحتية والخدمات العامة، مثل الصحة والتعليم والنقل.

وفي ختام تصريحاتها، دعت مرفت الكسان إلى ضرورة استمرار التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص، وإيجاد آليات مستدامة لدعم رواد الأعمال والشركات الناشئة، مشددة على أن لجنة الخطة والموازنة في البرلمان تتابع باستمرار تأثير السياسات الاقتصادية على الاستثمار لضمان تحقيق أفضل النتائج لصالح الاقتصاد الوطني.

ومن جانبها، أكدت النائبة إيفلين متي، عضو لجنة الصناعة بمجلس النواب، أن تهيئة مناخ الاستثمار وتحفيز رجال الأعمال على ضخ مزيد من الاستثمارات في القطاعات الصناعية يعدان من الأولويات التي تعمل عليها الدولة المصرية، تنفيذًا لتوجيهات القيادة السياسية الرامية إلى تعزيز الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الواردات.

وأوضحت متي في تصريح خاص لـ"صدى البلد"، أن اللقاء الذي جمع وزيرة التنمية المحلية مع وفد رجال الأعمال بالإسكندرية يعكس اهتمام الدولة بتعزيز دور القطاع الخاص في التنمية الصناعية، حيث يوفر هذا التعاون فرصًا كبيرة لنمو الصناعات المحلية وزيادة القيمة المضافة للمنتجات المصرية في الأسواق العالمية.

وأشارت إلى أن القطاع الصناعي يمثل قاطرة التنمية الاقتصادية، إذ يسهم في خلق فرص عمل جديدة وزيادة الصادرات، مؤكدة ضرورة تقديم مزيد من التسهيلات للمصنعين والمستثمرين، لا سيما فيما يتعلق بالحصول على الأراضي الصناعية، وتوفير التمويل الميسر، وتبسيط إجراءات التراخيص والتشغيل.

وأضافت النائبة أن تحسين مناخ الاستثمار في القطاع الصناعي يتطلب تطوير سلاسل التوريد المحلية، وتشجيع الاعتماد على المكونات والمواد الخام المحلية، مما يسهم في تقليل الفاتورة الاستيرادية وتحقيق الاكتفاء الذاتي في العديد من المنتجات الاستراتيجية.

كما أكدت على أهمية تعزيز التكامل بين القطاعين العام والخاص من خلال شراكات استراتيجية تساهم في نقل التكنولوجيا الحديثة إلى المصانع المصرية، مما يعزز قدرتها التنافسية في الأسواق الإقليمية والعالمية.

وفي ختام تصريحاتها، شددت إيفلين متي على أن مجلس النواب، وخاصة لجنة الصناعة، يعمل على متابعة تنفيذ سياسات الدولة لدعم الاستثمار الصناعي، مؤكدة ضرورة توفير بيئة أعمال جاذبة تساعد المستثمرين على التوسع في أنشطتهم، مما يعود بالنفع على الاقتصاد الوطني ويعزز مسيرة التنمية المستدامة.

أكدت وزيرة التنمية المحلية، منال عوض، أن هناك توجيهات واضحة من القيادة السياسية للحكومة علي تذليل أية عقبات أو مشكلات تواجه المستثمرين ورجال الاعمال وحل مشكلاتهم لزيادة ضخ استثمارتهم خاصة فى ظل الإجراءات التى قامت بها الدولة المصرية خلال الفترة الماضية من تحسين بيئة الاستثمارات وتسهيل وتبسيط الإجراءات الخاصة لجذب الاستثمارات ودعم قطاع الصناعة المحلية. 

جاء ذلك خلال استقبال وزيرة التنمية المحلية، بمقر الوزارة بالعاصمة الإدارية الجديدة، وفداً من مؤسسة رجال الأعمال المصريين بالإسكندرية برئاسة محمد هنو رئيس مجلس إدارة جمعية رجال الأعمال بالإسكندرية والمهندس هاني ابو سعد رئيس لجنة الإسكان بالجمعية، ومحمد السحلي نائب رئيس شركة محرم وشركاه ،وبحضور عدد من قيادات الوزارة .

وذكرت الوزارة -في بيان الأربعاء- أن اللقاء شهد دعم قنوات التواصل والتعاون بين الوزارة والمحافظات من جهة وجمعية رجال الأعمال بالإسكندرية من جهة أخرى؛ تدعيمًا لدور القطاع الخاص في عملية التنمية في المحافظات المصرية، وتأكيدًا على توجه الدولة نحو فتح آفاق جديدة للاستثمار بكل محافظة مصرية بناءً على مزاياها التنافسية والبيئية سواء كانت ميزات بشرية أو طبيعية أو جغرافية.
وخلال اللقاء قدم وفد جمعية رجال الأعمال التهنئة للدكتورة منال عوض بمناسبة اختيارها لتولي وزارة التنمية المحلية، كما تم استعراض بعض أنشطة ومجالات عمل جمعية رجال أعمال الاسكندرية والتعاون المشترك الذي يمكن أن تقوم به مع وزارة التنمية المحلية والمحافظات خاصة في مجالات التدريب والاستثمار وتمويل المشروعات الصغيرة.

مقالات مشابهة

  • أستاذ اقتصاد : خروج الأموال الساخنة يتسبب في نقص العملة الأجنبية
  • أستاذ اقتصاد: ترامب أعلن أنه سيخفض سعر الفائدة بعد توليه الحكم وهو أمر إيجابي
  • العلاج السلوكي هو الأفضل لخفض السمنة لدى الطفل
  • روشتة برلمانية لتذليل العقبات أمام المستثمرين لدعم الاقتصاد وتقليل الاستيراد وتعزيز الموازنة العامة
  • العراق يؤكد إلتزامه بتطوير السياسات لتحقيق نمو مستدام في سوق العمل
  • تفاصيل موافقة النواب على اتفاق تمويل مع البنك الدولى بقيمة 500 مليون دولار
  • رئيس «التخطيط القومي»: تعزيز دور الشباب مهم لصياغة السياسات الاقتصادية
  • هواوي Nova 13i.. هاتف بمواصفات قوية وتصميم أنيق
  • جلسة عمومية لمجلس المستشارين لمساءلة رئيس الحكومة حول السياسات العمومية
  • رئاسة مجلس الوزراء تلغي المؤسسة العامة للتجارة الخارجية ‏