لجريدة عمان:
2024-12-26@05:12:42 GMT

الاقتصاد السلوكي وتصميم السياسات العامة

تاريخ النشر: 14th, May 2024 GMT

الاقتصاد السلوكي من العلوم الحديثة الذي بدأت الحكومات الاهتمام بها منذ سنوات، وهو مزيج من عدة علوم اجتماعية مثل علم النفس وعلم الاجتماع، ويفترض أن الإنسان لا يتصرف بعقلانية عند اتخاذ القرارات؛ لتأثره بعوامل اجتماعية وعاطفية تؤثر على قراره وتوجهاته.

ويختلف عن الاقتصاد التقليدي في عدم وجود الصرامة في الفرضيات مما يكلفه ثمنا باهظا عند اتخاذ القرار، وربما يؤدي ذلك إلى عدم انتفاعه من القرار؛ لذلك من المهم تصميم السياسات العامة لتوجّه الأشخاص نحو الخيار الأفضل والمناسب عبر وضعه كخيار افتراضي.

فوفقًا للدراسات التي أجريت لمعرفة سلوك الأفراد؛ فإنهم يميلون للخيار الذي حدد لهم مسبقا بل يفضلونه عن الخيارات الأخرى، وهذا عكس افتراضات النظرية الاقتصادية التقليدية التي تقول إن الأشخاص سوف يذهبون للخيار الذي يعتقدون أنه أفضل لهم بغض النظر عن الخيار المبدئي الذي حدد لهم مسبقا، ورغم عدم اقتناع البعض بدور الاقتصاد السلوكي في صنع السياسات العامة وتصميمها، إلا أن هناك مثالا متداولا عن نجاح الأمر؛ ففي إحدى الولايات الأمريكية جرى تشجيع العاملين الجدد على الانضمام في نظام التقاعد عبر التسجيل في منصة مخصصة لذلك، بحيث تدفع الولاية دولارًا واحدا نظير كل دولار يدفعه العامل للتقاعد، ولم يسجّل من العاملين الجدد في النظام سوى 20% من العاملين فقط. وبعد تقييم أسباب عدم قابلية العاملين على التسجيل في المنصة، جرى تجربة وضع الانضمام للمنصة سار منذ التحاقه للعمل من اليوم الأول ما لم يطلب العامل الانسحاب من النظام، كون أن هذا الخيار هو المفضّل لكافة العاملين، وكانت النتيجة أن 91% من العاملين الجدد فضّلوا البقاء في النظام إثر قيام الولاية على أساس أنه الخيار المبدئي ولم يُقدّم أحد من الموظفين طلبا بالإلغاء سوى 9% منهم.

فالتوجه نحو العلوم السلوكية في صنع السياسات يعد أمرا فاعلا لاتخاذ بعض القرارات المالية مثل تحسين تحصيل الضرائب، والتشجيع على الادخار إضافة إلى ترشيد الإنفاق وتجويده، ورغم عدم تفضيل الكثيرين للعلوم السلوكية؛ لعدم صرامة القرارات المتخذة كونها تعتمد على التوجهات السلوكية والعاطفية، إلا أنه من المهم الإشارة إلى أن النظرية الاقتصادية التقليدية لم تستطع تفسير بعض السلوكيات الاقتصادية مثل أسباب شراء السلع خلال السفر بضعف سعرها الحقيقي داخل البلد، وإعطاء عامل المطعم مبلغا إضافيا كإكرامية بينما لا نقوم بذلك عند عامل المحال التجارية، وبيع الأسهم عند ارتفاعها وعدم شراء المزيد منها؛ لظنهم أنها لن تستمر في الارتفاع إلى مالا نهاية. وكذلك شراهة التسوق واستخدام البطاقة الائتمانية، رغم أن التصرف الحكيم ألا يتأثر الشخص بوجودها؛ لارتفاع نسبة الفائدة عليها.

إن استخدام الأفكار المستقاة من علم الاقتصاد السلوكي لها دور في دفع الأشخاص نحو اتخاذ القرار المناسب دون تدخل أو تأثير من طرف آخر، لكن ينبغي أن نفكر جديا في ابتكار نماذج تساعد على فهم سلوك الأفراد عند تصميم السياسات العامة، وأنهم ليسوا عقلانيين في كثير من قراراتهم، ويتأثرون بالعاطفة كثيرا مما يدفعهم لارتكاب الأخطاء، وينبغي دفعهم نحو اتخاذ القرار الصحيح عبر فهم توجهاتهم وتوظيف تطبيقات الاقتصاد السلوكي في صنع السياسات العامة.

ما يربك البعض تبني السياسات السلوكية في كثير من البلدان هو حداثة علم الاقتصاد السلوكي، وصعوبة فهم تطبيقاته؛ لاشتراك عدة علوم في تكوينه خاصة علم النفس الذي يتطلب فهما عميقا واطلاعا مستمرا لأبعاده وتأثيراته على اتخاذ القرار. إضافة إلى ذلك أن الاقتصاد السلوكي لم يستقر على تطبيقات ونظريات واضحة، مما يجعل بعض الحكومات تتردد كثيرا في بناء سياسات اقتصادية سلوكية.

ورغم ذلك هناك فوائد في توظيف الاقتصاد السلوكي لتحسين سلوك المستهلكين في الشراء، وتجويد الإنفاق الشخصي وكذلك التشجيع على الادخار مثل نشر العبارات التحفيزية لادخار جزء من رواتب الموظفين للحصول على رواتب مجزية عند التقاعد، وهو ما تقوم به كثير من البنوك لتوجيه الموظفين نحو برامج تشجّع على الادخار وتضمن عوائد مجزية بعد التقاعد، وهناك أمثلة أخرى تثبت نجاح الاقتصاد السلوكي في صنع السياسات العامة، لعل أبرزها ما يقوم به مشاهير التواصل الاجتماعي لتوجيه الأشخاص نحو اختيار بعض السلع دون غيرها لتشجيعهم على الشراء رغم أن هذه السلع ربما تؤثر على الأنظمة الغذائية المتبعة.

إن السياسات الاقتصادية السلوكية ليست بديلا عن السياسات الاقتصادية التقليدية كالسياسات النقدية والمالية، لكنها تساعد في تحسين الاستجابة للسياسات الموضوعة لتكون نتائجها أكثر فاعلية. وأرى من المهم الأخذ في الحسبان الجوانب السلوكية للأشخاص عند تصميم السياسات العامة؛ لدورها في نجاح القرارات المالية وتحقيق الغاية من إقرارها رغم صعوبة التحكم بمشاعر وعواطف الأشخاص.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: السیاسات العامة اتخاذ القرار

إقرأ أيضاً:

"بيتك في مصر".. مبادرة جديدة للمصريين العاملين بالخارج

تستعد الحكومة المصرية، لإطلاق مبادرة جديدة لتوفير وحدات سكنية للمصريين المغتربين، وبما يسهم في توفير موارد للبلاد بالعملات الأجنبية.

وقالت وزارة الخارجية والهجرة المصرية، في بيان مؤخرا، إنه تم التوصل إلى مبادرة جديدة بعنوان "بيتك في مصر" بالتعاون مع وزارة الإسكان، لتوفير فرص الحصول على وحدات سكنية متميزة للمصريين بالخارج تناسب احتياجاتهم وتعزز روابطهم بالوطن.

وقال السفير نبيل حبشي، نائب وزير الخارجية للهجرة وشئون المصريين بالخارج، في البيان، إن هذه المبادرة جاءت من أجل توفير فرص الحصول على وحدات سكنية تلائم احتياجات السكن بالنسبة للمصريين بالخارج ويتم سداد ثمنها بالعملات الأجنبية والتى تصب فى صالح المصريين بالخارج وفى الوقت ذاته تسهم في زيادة موارد الدولة من النقد الأجنبي.

وأضاف نائب وزير الخارجية بأن دراسة هذه المبادرة قد بدأت خلال "مؤتمر المصريين بالخارج" الذي نظمته وزارة الخارجية في شهر أغسطس الماضي.

ومن المقرر أن يتم إطلاق موقع إلكتروني للحجز في هذه المبادرة، خلال شهر يناير المقبل، ويتم من خلاله اختيار الوحدة، وسيكون التخصيص بأسبقية الحجز، حيث سيتم فتح باب الحجز، بداية من شهر فبراير، ولمدة شهر واحد.

ويشترط للتقدم للمبادرة، عند إعلانها أن يكون المتقدم مصري الجنسية وأن يكون له حساب بنكي في بلد إقامته بالخارج مضى عليه 6 أشهر على الأقل، كما يسمح لكل مصري بالخارج حجز وحدتين كحد أقصى.

وبحسب ما ذكرته وسائل إعلام مصرية، فإن المبادرة تتضمن طرح 5 آلاف وحدة سكنية من بينها شقق وفلل، موزعة على عدة مناطق في مصر، وتشمل 4200 شقة وفلل في مدن العلمين الجديدة، العاصمة الإدارية الجديدة، المنصورة الجديدة، 6 أكتوبر، ومدينة الشيخ زايد، وعدة قرى سياحية أخرى، بالإضافة إلى 800 وحدة بمدينتي والسلام.

مقالات مشابهة

  • ضبط 40520 مخالفة مرورية خلال ٢٤ ساعة
  • الأخير هذا العام.. موعد الاجتماع المقبل للجنة السياسات لتحديد سعر الفائدة
  • باحث: السياسات الإسرائيلية تستهدف جعل شمال غزة منطقة غير قابلة للسكن البشري
  • لجنة السياسات بالتحالف الديمقراطي العربي تنظم ندوة نقاشية حول فوز ترامب بانتخابات أمريكا
  • حراك نيابي لاستئناف التعيينات وتثبيت العاملين بنظام العقود
  • المنصات الرقمية: القوة الخفية في تشكيل السياسات العالمية
  • "بيتك في مصر".. مبادرة جديدة للمصريين العاملين بالخارج
  • السيارات الكهربائية تدفع هوندا ونيسان وميتسوبيشي على اتخاذ قرار تاريخي
  • وزير العمل يبحث استكمال حصر العاملين بالشركات المتعثرة والمنسحبة
  • بحث التعاون في مجال السياسات الاقتصادية بين سلطنة عمان والكويت