لجريدة عمان:
2024-12-23@14:29:06 GMT

اجتياح رفح ...ومخاطر الخروج عن السيطرة ؟!

تاريخ النشر: 14th, May 2024 GMT

ليس من المبالغة في شيء القول إنه في الحروب، كما في المفاوضات، تعمد الأطراف المتصارعة إلى ممارسة أقصى الضغوط الممكنة ضد الخصم أو الخصوم سواء بشكل مباشر أو غير مباشر ومحاولة النيل منه ومن مكانته أمام العالم حتى ولو عبر مواقف رمزية ذات بعد إعلامي وسياسي بالطبع. وتتولى وسائل التواصل الاجتماعي القيام بحملات التشهير حسب قدراتها وأهدافها وأولوياها، المعلنة وغير المعلنة.

وعلى امتداد الفترة الماضية منذ السابع من أكتوبر الماضي وحتى الآن جرت العديد من مواقف المبارزة العلنية بين الخصوم على مرأى من الجميع، برغم ما يفرضه ذلك من ثمن إضافي يشكل عبئا على العلاقة بين أصدقاء أو حلفاء كما هو الحادث في الآونة الأخيرة بين إسرائيل والولايات المتحدة، أو بالأحرى بين نتانياهو وبايدن حول الحرب في غزة وحول اجتياح القوات الإسرائيلية لمدينة رفح الفلسطينية وسير المعارك ومدى استجابة نتانياهو لما يعتبره بايدن نصائح تفيد إسرائيل وتحقق مصالحها حتى لو اقتضى ذلك إعلان واشنطن ما يمكن اعتباره تورطا مباشرا في الحرب في غزة على لسان واشنطن ذاتها. وبالرغم من محاولات واشنطن وتل أبيب العديدة والمتواصلة المداراة على الخلافات بينهما والحد دوما من أهميتها ودلالتها وحجمها والتأكيد كذلك على خصوصية العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، إلا أن تصريحات نتانياهو العنترية الموجهة للداخل وللرد على تصريحات بايدن بشكل غير مباشر، وكذلك سخرية بن غفير وزير الأمن القومي الإسرائيلي ومزاعمه حول علاقة بايدن بحركة حماس في ورقة «القلب الأحمر» وما صاحب ذلك من جدل شارك فيه الرئيس الإسرائيلي وزعيم المعارضة يائير لابيد فضلا عن تصريحات دبلوماسيين إسرائيليين في مواقع رسمية، كل ذلك عكس في الواقع القلق الإسرائيلي الشديد من توتر العلاقات مع الولايات المتحدة وما يمكن أن تسببه من مشكلات لإسرائيل بدأ بعضها في الظهور بالفعل. ولم يقتصر الأمر على إسرائيل وأمريكا ولكنه امتد أيضا إلى إسرائيل وقطر بسبب العلاقة القطرية مع حماس، كما امتد إلى العلاقة بين إسرائيل ومصر حيث توجد خلافات مكتومة ومتراكمة بين الجانبين بسبب حملة إسرائيل ضد رفح، وعبر ذلك عن نفسه في رفض إسرائيل للتعديل الذي أدخلته مصر وقطر على آخر اقتراح للهدنة لتيسير موافقة حماس على صفقة التهدئة التي بذلت فيها مصر وقطر جهدا كبيرا لسد الفجوات والتقريب بين حماس وإسرائيل حتى لا تنهار المحادثات. وإذا كان قد تردد أن التعديل المصري القطري لا يختلف كثيرا عن الاقتراح الذي قدمه نتانياهو في 27 أبريل الماضي للوصول إلى توافق حول الصفقة إلا أن نتانياهو أبى أن يعطي مصر وقطر ميزة النجاح في التوصل لاتفاق التهدئة، بل وأحرجهما بادعاء أن التعديلات تمت بدون موافقة وأنها بعيدة «كل البعد» عن ما يمكن أن توافق عليه إسرائيل، ثم التعلل بعدم التوصل إلى اتفاق من أجل أن يواصل الحرب وليقوم عمليا باجتياح رفح برغم كل المناشدات الإقليمية والدولية بعدم الإقدام على اجتياح رفح تجنبا للمخاطر والمذابح التي يمكن أن تصاحبها في النهاية بما في ذلك تصعيد الخلافات مع بايدن. وفي هذا الإطار فإنه يمكن الإشارة إلى ما يلي:

أولا، أنه بالرغم من أن بايدن أكد مرارا وبشكل صريح ومباشر أمام نتانياهو وأمام مجلس الحرب الإسرائيلي وعلى مدى الأشهر الماضية على أنه لن يوافق على اجتياح رفح إلا إذا كانت هناك خطة لحماية المدنيين والموظفين الدوليين في رفح - موظفي الأونروا – إلا أن إسرائيل لم تقدم هذا الالتزام واستمر نتانياهو في عناده حتى بعد أن اقترحت واشنطن بدائل للاجتياح العسكري ومنها ما أشارت إليه واشنطن بتزويد إسرائيل بتقنيات ومعلومات استخبارية تمكنها من تحديد مواقع قيادات حماس في الأنفاق لتعقبها وتصفيتها من ناحية وتغيير هيكل القيادة في غزة من ناحية ثانية. ولكن إسرائيل مضت في خطتها بالسيطرة على الجانب الفلسطيني لمعبر رفح وغلق المعبر وبدء الحملة على رفح عمليا بشن عملياتها العسكرية والطلب من سكان شرق رفح مغادرة مناطقهم والانتقال إلى غرب غزة والأماكن التي قالت إنها آمنة على حد زعمها. وأمام هذا العناد أو التحدي من جانب نتانياهو فإن بايدن من جانبه طلب من البنتاجون دراسة صفقات السلاح الأمريكية وتأجيل تسليم الذخائر للجيش الإسرائيلي حتى يتم إخلاء رفح من المدنيين. وحتى الآن لم تعلن واشنطن متى ستفرج عن شحنة القنابل التي تم تعليقها في الأيام الأخيرة بسبب خطورتها على المدنيين حيث إنها قنابل زنة 1000 كيلو تقريبا، وهي شديدة الخطورة في حالة استخدامها في المناطق المكتظة مثل رفح وغزة. من جانب آخر، فإن نتانياهو كشف عن هدفه الحقيقي المتمثل في الاستمرار في الحرب والتهرب من التوصل إلى اتفاق للتهدئة وإطلاق سراح الرهائن، ففي مفاوضات الأسبوع الماضي التي شاركت فيها كل الأطراف المعنية وترأس الوفد الأمريكي وليم بيرنز رئيس المخابرات المركزية الأمريكية تأكد أن نتانياهو يرفض التوصل إلى أي اتفاق للتهدئة في غزة قبل الانتهاء من حملته على رفح، وبالتالي فإن اعتراض نتانياهو في حقيقته ليس الاعتراض على نص أو على منطوق التعديل المصري القطري ولكنه لإيحاد مسوغ للتهرب من التوصل إلى اتفاق حتى تشعر إسرائيل أنها حققت أهدافها في رفح والانتصار على حماس على حد زعم نتانياهو وذلك برغم أن البيت الأبيض أكد من جانبه أن اجتياح رفح لن يهزم حماس و بالتالي لن يحقق هدف نتانياهو خاصة وأن معركة رفح لن تترك مجالا على الأرجح لمعركة أخرى بعد تدمير غزة وخانيونس ثم رفح في هذه الفترة التي قد تمتد لبضعة أشهر حسب وتيرة الحرب التي يتم توسيعها تدريجيا على الأرض.

ثانيا، إنه بالرغم من التحذيرات المصرية لإسرائيل من مخاطر اجتياح رفح ومن التهجير القسري للفلسطينيين إلى سيناء بل والتلويح بالإضرار باتفاقية السلام وحتى تعليقها في حالات محددة إلا أن إسرائيل التي لم تستجب لمناشدات بايدن الرامية إلى منع اجتياح رفح حماية لإسرائيل ذاتها لم تستجب أيضا لمناشدات وتحذيرات مصر التي رفعت حالة الطوارئ في شمال سيناء ودفعت بأعداد من الدبابات والمدرعات إلى الحدود مع رفح أيضا وقد أدت سيطرة إسرائيل على الجانب الفلسطيني من معبر رفح ورفع العلم الإسرائيلي عليه إلى احتقان العلاقات مع مصر، وتجدر الإشارة إلى أن واشنطن أكدت أن إسرائيل لم تنسق كما ينبغي مع مصر بالنسبة لمعبر رفح، وقد أدانت القاهرة الخطوات الإسرائلية بوقف الحركة من خلال معبر رفح وطالبت بوقفها فورا. كما رفضت مرور شاحنات المساعدات عبر معبر كرم أبو سالم إلى غزة بدلا من مرورها عبر معبر رفح. ومن جانبها حاولت إسرائيل تبرير خطواتها الهمجية والتصعيدية بادعاء أن الجانب الفلسطيني من معبر رفح يقع ضمن سيطرتها ومسؤوليتها وأن ما قامت به لا يتعارض مع معاهدة السلام مع مصر على حد زعمها، وهي ادعاءات مردود عليها تماما، وردت مصر عليها مهددة بتعليق معاهدة السلام مع إسرائيل. ولكن مصر لا تريد على الأرجح زيادة التصعيد بعد أن بذلت الكثير من الجهد في محاولة للتهدئة والتوصل إلى صفقة لا تزال تأمل في التوصل إليها رغم كل ألاعيب نتانياهو المفضوحة. ورغم ذلك لا تزال الاتصالات مستمرة بين الجانبين حول صفقة التهدئة ومحاولة الوصول إلى توافق ما بشأنها، وهو ما يقلل من فرص الصدام بين الجانبين. ومع ذلك فإن الصورة مختلفة على المستوى الخارجي، والمؤكد أن حسابات الأمن القومي لمصر هي مسؤولية مصر في النهاية وتخضع عملية تقييمها والتعامل معها للحسابات المصرية دون مزايدة من جانب أي طرف خاصة وأن المزايدين على مصر كثر وبشكل مباشر وغير مباشر ولا تريد مصر الدخول في حرب مع إسرائيل أو الانجرار إلى ذلك إلا وفق حساباتها هي وفي الوقت الذي تحدده هي، وهو في النهاية حق مصري أصيل لا يمكن قبول المزايدة حوله لا من قريب ولا من بعيد.

ثالثا، إنه في الوقت الذي فضحت فيه حركة حماس تراجع إسرائيل وعدم رغبتها أو التزامها بما تتعهد به، وأن نتانياهو يريد فقط استمرار الحرب في غزة ورفح سواء تم التوصل إلى صفقة أو لم يتم، فإن حماس أكدت بعد الجولة الأخيرة من المفاوضات أنها ستعيد النظر في استراتيجيتها للتفاوض بالتشاور مع قادة الفصائل الفلسطينية الأخرى، ولعل ذلك يكون فرصة لالتئام الصف والوحدة الفلسطينية لمواجهة التصعيد الإسرائيلي وهو ما يعني فتح المجال أمام استمرار الحرب واحتمال خروج الموقف عن السيطرة في رفح وغزة وجنوب لبنان والمنطقة ككل بكل ما يترتب على ذلك من نتائج.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: اجتیاح رفح التوصل إلى معبر رفح فی غزة إلا أن

إقرأ أيضاً:

«القدس للدراسات»: إسرائيل تحاول شيطنة حماس وإظهارها بصورت المتعنت

قال الدكتور أحمد رفيق عوض رئيس مركز القدس للدراسات، إنّ التسريبات التي تخرج عن صفقة التفاوض وتبادل الأسرى والمحتجزين تأتي من الجانب الإسرائيلي، وبالتالي ليس بضرورة أن تكن دقيقة، وبالتالي قد لا يكون هدفها نشر المعلومات الموجودة بها، بل إظهار حركة حماس بصورة المتعنت «وشيطنتها» أمام المؤيدين لها والوسطاء والإدارة الأمريكية، وبالتالي يسهل توجيه الضربات لها «أي الهجمات على الفلسطينيين في قطاع غزة».

تكنيك إسرائيل في التفاوض

وأضاف عوض خلال حواره عبر فضائية القاهرة الإخبارية، أنّ إسرائيل تتبع تكنيك محدد منذ أكثر من عام، يتمثل في نشر أجواء التفاؤل وتسريب بعض المعلومات، وتظهر استعدادها بإتمام الصفقة لكن حماس ترفض، وبالتالي تتحول حماس طيلة الوقت إلى الطرف المتعنت والرافض.

تعامل نتيناهو مع الإدارة الأمريكية

وتابع، أنّ نتيناهو يدرك كيفية التعامل مع الإدارة الأمريكية، حيث يتقدم بمقترح بشأن صفقة التفاوض، والتي تقابل بالرفض من حماس، وبالتالي يتخلص نتنياهو من الضغوط الأمريكية.

مقالات مشابهة

  • باحثة سياسية: إسرائيل تركز على المناطق تحت السيطرة المدنية الفلسطينية
  • القدس للدراسات يكشف خطة إسرائيل لتحويل حماس إلى طرف متعنت في التفاوض
  • «القدس للدراسات»: إسرائيل تحاول شيطنة حماس وإظهارها بصورت المتعنت
  • مخططات التقسيم ومخاطر استنساخ أحداث سوريا في دول المنطقة
  • غانتس يتهم نتانياهو بتدمير صفقة الرهائن
  • بلال الدوي: مصر الدولة الوحيدة التي أجبرت إسرائيل على السلام
  • قيادي بحركة حماس يكشف عن آخر تطورات المفاوضات مع إسرائيل
  • حماس: اتفاق وقف النار بغزة قريب ما لم تضع إسرائيل شروطا جديدة
  • 40 ساعة من اجتياح جنين .. كم بلغت الخسائر؟
  • شرط قديم جديد..نتانياهو: لن أوقف الحرب في غزة قبل القضاء على حماس