اجتياح رفح ...ومخاطر الخروج عن السيطرة ؟!
تاريخ النشر: 14th, May 2024 GMT
ليس من المبالغة في شيء القول إنه في الحروب، كما في المفاوضات، تعمد الأطراف المتصارعة إلى ممارسة أقصى الضغوط الممكنة ضد الخصم أو الخصوم سواء بشكل مباشر أو غير مباشر ومحاولة النيل منه ومن مكانته أمام العالم حتى ولو عبر مواقف رمزية ذات بعد إعلامي وسياسي بالطبع. وتتولى وسائل التواصل الاجتماعي القيام بحملات التشهير حسب قدراتها وأهدافها وأولوياها، المعلنة وغير المعلنة.
وعلى امتداد الفترة الماضية منذ السابع من أكتوبر الماضي وحتى الآن جرت العديد من مواقف المبارزة العلنية بين الخصوم على مرأى من الجميع، برغم ما يفرضه ذلك من ثمن إضافي يشكل عبئا على العلاقة بين أصدقاء أو حلفاء كما هو الحادث في الآونة الأخيرة بين إسرائيل والولايات المتحدة، أو بالأحرى بين نتانياهو وبايدن حول الحرب في غزة وحول اجتياح القوات الإسرائيلية لمدينة رفح الفلسطينية وسير المعارك ومدى استجابة نتانياهو لما يعتبره بايدن نصائح تفيد إسرائيل وتحقق مصالحها حتى لو اقتضى ذلك إعلان واشنطن ما يمكن اعتباره تورطا مباشرا في الحرب في غزة على لسان واشنطن ذاتها. وبالرغم من محاولات واشنطن وتل أبيب العديدة والمتواصلة المداراة على الخلافات بينهما والحد دوما من أهميتها ودلالتها وحجمها والتأكيد كذلك على خصوصية العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، إلا أن تصريحات نتانياهو العنترية الموجهة للداخل وللرد على تصريحات بايدن بشكل غير مباشر، وكذلك سخرية بن غفير وزير الأمن القومي الإسرائيلي ومزاعمه حول علاقة بايدن بحركة حماس في ورقة «القلب الأحمر» وما صاحب ذلك من جدل شارك فيه الرئيس الإسرائيلي وزعيم المعارضة يائير لابيد فضلا عن تصريحات دبلوماسيين إسرائيليين في مواقع رسمية، كل ذلك عكس في الواقع القلق الإسرائيلي الشديد من توتر العلاقات مع الولايات المتحدة وما يمكن أن تسببه من مشكلات لإسرائيل بدأ بعضها في الظهور بالفعل. ولم يقتصر الأمر على إسرائيل وأمريكا ولكنه امتد أيضا إلى إسرائيل وقطر بسبب العلاقة القطرية مع حماس، كما امتد إلى العلاقة بين إسرائيل ومصر حيث توجد خلافات مكتومة ومتراكمة بين الجانبين بسبب حملة إسرائيل ضد رفح، وعبر ذلك عن نفسه في رفض إسرائيل للتعديل الذي أدخلته مصر وقطر على آخر اقتراح للهدنة لتيسير موافقة حماس على صفقة التهدئة التي بذلت فيها مصر وقطر جهدا كبيرا لسد الفجوات والتقريب بين حماس وإسرائيل حتى لا تنهار المحادثات. وإذا كان قد تردد أن التعديل المصري القطري لا يختلف كثيرا عن الاقتراح الذي قدمه نتانياهو في 27 أبريل الماضي للوصول إلى توافق حول الصفقة إلا أن نتانياهو أبى أن يعطي مصر وقطر ميزة النجاح في التوصل لاتفاق التهدئة، بل وأحرجهما بادعاء أن التعديلات تمت بدون موافقة وأنها بعيدة «كل البعد» عن ما يمكن أن توافق عليه إسرائيل، ثم التعلل بعدم التوصل إلى اتفاق من أجل أن يواصل الحرب وليقوم عمليا باجتياح رفح برغم كل المناشدات الإقليمية والدولية بعدم الإقدام على اجتياح رفح تجنبا للمخاطر والمذابح التي يمكن أن تصاحبها في النهاية بما في ذلك تصعيد الخلافات مع بايدن. وفي هذا الإطار فإنه يمكن الإشارة إلى ما يلي:
أولا، أنه بالرغم من أن بايدن أكد مرارا وبشكل صريح ومباشر أمام نتانياهو وأمام مجلس الحرب الإسرائيلي وعلى مدى الأشهر الماضية على أنه لن يوافق على اجتياح رفح إلا إذا كانت هناك خطة لحماية المدنيين والموظفين الدوليين في رفح - موظفي الأونروا – إلا أن إسرائيل لم تقدم هذا الالتزام واستمر نتانياهو في عناده حتى بعد أن اقترحت واشنطن بدائل للاجتياح العسكري ومنها ما أشارت إليه واشنطن بتزويد إسرائيل بتقنيات ومعلومات استخبارية تمكنها من تحديد مواقع قيادات حماس في الأنفاق لتعقبها وتصفيتها من ناحية وتغيير هيكل القيادة في غزة من ناحية ثانية. ولكن إسرائيل مضت في خطتها بالسيطرة على الجانب الفلسطيني لمعبر رفح وغلق المعبر وبدء الحملة على رفح عمليا بشن عملياتها العسكرية والطلب من سكان شرق رفح مغادرة مناطقهم والانتقال إلى غرب غزة والأماكن التي قالت إنها آمنة على حد زعمها. وأمام هذا العناد أو التحدي من جانب نتانياهو فإن بايدن من جانبه طلب من البنتاجون دراسة صفقات السلاح الأمريكية وتأجيل تسليم الذخائر للجيش الإسرائيلي حتى يتم إخلاء رفح من المدنيين. وحتى الآن لم تعلن واشنطن متى ستفرج عن شحنة القنابل التي تم تعليقها في الأيام الأخيرة بسبب خطورتها على المدنيين حيث إنها قنابل زنة 1000 كيلو تقريبا، وهي شديدة الخطورة في حالة استخدامها في المناطق المكتظة مثل رفح وغزة. من جانب آخر، فإن نتانياهو كشف عن هدفه الحقيقي المتمثل في الاستمرار في الحرب والتهرب من التوصل إلى اتفاق للتهدئة وإطلاق سراح الرهائن، ففي مفاوضات الأسبوع الماضي التي شاركت فيها كل الأطراف المعنية وترأس الوفد الأمريكي وليم بيرنز رئيس المخابرات المركزية الأمريكية تأكد أن نتانياهو يرفض التوصل إلى أي اتفاق للتهدئة في غزة قبل الانتهاء من حملته على رفح، وبالتالي فإن اعتراض نتانياهو في حقيقته ليس الاعتراض على نص أو على منطوق التعديل المصري القطري ولكنه لإيحاد مسوغ للتهرب من التوصل إلى اتفاق حتى تشعر إسرائيل أنها حققت أهدافها في رفح والانتصار على حماس على حد زعم نتانياهو وذلك برغم أن البيت الأبيض أكد من جانبه أن اجتياح رفح لن يهزم حماس و بالتالي لن يحقق هدف نتانياهو خاصة وأن معركة رفح لن تترك مجالا على الأرجح لمعركة أخرى بعد تدمير غزة وخانيونس ثم رفح في هذه الفترة التي قد تمتد لبضعة أشهر حسب وتيرة الحرب التي يتم توسيعها تدريجيا على الأرض.
ثانيا، إنه بالرغم من التحذيرات المصرية لإسرائيل من مخاطر اجتياح رفح ومن التهجير القسري للفلسطينيين إلى سيناء بل والتلويح بالإضرار باتفاقية السلام وحتى تعليقها في حالات محددة إلا أن إسرائيل التي لم تستجب لمناشدات بايدن الرامية إلى منع اجتياح رفح حماية لإسرائيل ذاتها لم تستجب أيضا لمناشدات وتحذيرات مصر التي رفعت حالة الطوارئ في شمال سيناء ودفعت بأعداد من الدبابات والمدرعات إلى الحدود مع رفح أيضا وقد أدت سيطرة إسرائيل على الجانب الفلسطيني من معبر رفح ورفع العلم الإسرائيلي عليه إلى احتقان العلاقات مع مصر، وتجدر الإشارة إلى أن واشنطن أكدت أن إسرائيل لم تنسق كما ينبغي مع مصر بالنسبة لمعبر رفح، وقد أدانت القاهرة الخطوات الإسرائلية بوقف الحركة من خلال معبر رفح وطالبت بوقفها فورا. كما رفضت مرور شاحنات المساعدات عبر معبر كرم أبو سالم إلى غزة بدلا من مرورها عبر معبر رفح. ومن جانبها حاولت إسرائيل تبرير خطواتها الهمجية والتصعيدية بادعاء أن الجانب الفلسطيني من معبر رفح يقع ضمن سيطرتها ومسؤوليتها وأن ما قامت به لا يتعارض مع معاهدة السلام مع مصر على حد زعمها، وهي ادعاءات مردود عليها تماما، وردت مصر عليها مهددة بتعليق معاهدة السلام مع إسرائيل. ولكن مصر لا تريد على الأرجح زيادة التصعيد بعد أن بذلت الكثير من الجهد في محاولة للتهدئة والتوصل إلى صفقة لا تزال تأمل في التوصل إليها رغم كل ألاعيب نتانياهو المفضوحة. ورغم ذلك لا تزال الاتصالات مستمرة بين الجانبين حول صفقة التهدئة ومحاولة الوصول إلى توافق ما بشأنها، وهو ما يقلل من فرص الصدام بين الجانبين. ومع ذلك فإن الصورة مختلفة على المستوى الخارجي، والمؤكد أن حسابات الأمن القومي لمصر هي مسؤولية مصر في النهاية وتخضع عملية تقييمها والتعامل معها للحسابات المصرية دون مزايدة من جانب أي طرف خاصة وأن المزايدين على مصر كثر وبشكل مباشر وغير مباشر ولا تريد مصر الدخول في حرب مع إسرائيل أو الانجرار إلى ذلك إلا وفق حساباتها هي وفي الوقت الذي تحدده هي، وهو في النهاية حق مصري أصيل لا يمكن قبول المزايدة حوله لا من قريب ولا من بعيد.
ثالثا، إنه في الوقت الذي فضحت فيه حركة حماس تراجع إسرائيل وعدم رغبتها أو التزامها بما تتعهد به، وأن نتانياهو يريد فقط استمرار الحرب في غزة ورفح سواء تم التوصل إلى صفقة أو لم يتم، فإن حماس أكدت بعد الجولة الأخيرة من المفاوضات أنها ستعيد النظر في استراتيجيتها للتفاوض بالتشاور مع قادة الفصائل الفلسطينية الأخرى، ولعل ذلك يكون فرصة لالتئام الصف والوحدة الفلسطينية لمواجهة التصعيد الإسرائيلي وهو ما يعني فتح المجال أمام استمرار الحرب واحتمال خروج الموقف عن السيطرة في رفح وغزة وجنوب لبنان والمنطقة ككل بكل ما يترتب على ذلك من نتائج.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: اجتیاح رفح التوصل إلى معبر رفح فی غزة إلا أن
إقرأ أيضاً:
حماس ترحّب بانعقاد العدل الدولية للنظر في التزامات إسرائيل
رحّبت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بانعقاد جلسات الاستماع في محكمة العدل الدولية لمناقشة التزامات الاحتلال تجاه الفلسطينيين في قطاع غزة.
وقالت الحركة، في بيان اليوم الاثنين، إنها تؤكد أهمية مداولات محكمة العدل الدولية كخطوة نحو محاسبة الاحتلال على جرائمه المتواصلة.
وأشارت إلى أن تلك المداولات أبرزت خطورة منع دخول المساعدات باعتباره انتهاكا صارخا للقانون الدولي الإنساني، كما فضحت استخدام الاحتلال التجويع أداة حرب ضد المدنيين.
وأكدت حماس ضرورة متابعة التدابير السابقة للعدل الدولية التي تجاهلها الاحتلال بشكل متعمّد، وأشارت إلى أن المجتمع الدولي بمؤسساته القانونية والحقوقية مطالب اليوم بتحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية.
جلسات علنية
وبدأت محكمة العدل الدولية في لاهاي، اليوم الاثنين، جلساتها العلنية للنظر في التزامات إسرائيل القانونية تجاه نشاط المنظمات الدولية ووجودها في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وتستعرض المحكمة مرافعات خطية وشفوية تقدمت بها دول ومنظمات دولية بشأن مدى احترام إسرائيل للمعاهدات الدولية، لا سيما تلك المتعلقة بحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، وضمان حرية عمل وكالات الإغاثة والبعثات الأممية في الأراضي المحتلة.
إعلانوقالت إلينور هَمرشولد -ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة أمام محكمة العدل الدولية- إن على إسرائيل التزامات بموجب القانون الدولي والقانون الإنساني، على رأسها ضمان وصول المساعدات إلى قطاع غزة، وتسهيل عمل مؤسسات الإغاثة وحماية المستشفيات والمرافق الصحية.
وأوضحت الممثلة الأممية أن على إسرائيل بوصفها سلطة احتلال تأمين الاحتياجات الإنسانية بالأراضي المحتلة وإدارة الأراضي الواقعة تحت سلطتها وفق القانون الدولي.
وأضافت أن قرار منع عمليات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) يشكّل توسعا لسيادة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية، بما فيها القدس الشرقية ويعني عدم امتثالها لالتزاماتها.
وافتتحت محكمة العدل الدولية اليوم أسبوعا من جلسات الاستماع المخصصة لالتزامات إسرائيل الإنسانية تجاه الفلسطينيين، بعد أكثر من 50 يوما على فرضها حصارا شاملا على دخول المساعدات إلى قطاع غزة الذي مزقته الحرب.
وقال مراسل الجزيرة عبد الله الشامي إن جلسات الاستماع ستستمر حتى يوم الجمعة من هذا الأسبوع، بمشاركة أكثر من 40 دولة، وقد استمعت المحكمة اليوم إلى كلمة ممثل الأمم المتحدة، وكلمات ممثلي فلسطين ومصر وماليزيا، على أن تتوالى كلمات ممثلي دول ومؤسسات أخرى خلال الأيام المقبلة.
وستقدم عشرات الدول مرافعاتها، منها الولايات المتحدة والصين وفرنسا وروسيا والمملكة العربية السعودية، إضافة إلى جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الأفريقي.
وفي يناير/كانون الثاني 2024، دعت محكمة العدل الدولية إسرائيل إلى منع أي عمل محتمل من أعمال الإبادة الجماعية والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة.
وفي مارس/آذار 2024، وبناء على طلب جنوب أفريقيا التي تتهم إسرائيل بالإبادة الجماعية، دعت المحكمة إلى اتخاذ تدابير إسرائيلية جديدة للتعامل مع "المجاعة" المنتشرة في القطاع الفلسطيني.
إعلانوكانت محكمة العدل الدولية قد أصدرت في يوليو/تموز الماضي رأيا استشاريا، اعتبرت فيه الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية "غير قانوني"، وطالبت بإنهائه في أقرب وقت ممكن.