خيار رفح لإسرائيل.. عزلة في الخارج وانقسام في الداخل
تاريخ النشر: 14th, May 2024 GMT
في مساء الاثنين الماضي أنهت إسرائيل أشهرا من التكهنات المرعبة، حينما توغلت دباباتها في معبر رفح القائم بين غزة ومصر. وبحلول الصباح كان الجيش قد تولى السيطرة على المعبر وكانت العملية القائمة بالقرب من مدينة رفح قد بدأت.
تبدو هذه خطوة غير حكيمة. فقد حذر حلفاء إسرائيل من أن الهجوم على رفح سوف يجدد كارثة أكثر من مليون فلسطيني لاذوا بالمدينة.
فلماذا إذن تقدمت حكومة إسرائيل؟ لقد أصر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مرارا أن الهجوم على رفح ضروري لتحقيق «نصر تام». وهذا المصطلح المراوغ من المفترض أن يعني تدمير جيش حماس وقدراتها في الحكم وإعادة رهائن إسرائيل المحتجزين لديها. لكن في حال اختيار إسرائيل هذا المسار، لا بد أن تعترف بمعنى استراتيجية «النصر التام» الفعلي حتى الآن.
حتى تاريخه، لم يؤد قيام الحكومة الإسرائيلية بالحرب إلى تدمير حماس. فثمة اعتقاد واسع بأن هناك مبالغة في تقدير الجيش الإسرائيلي بأنه قتل ما بين عشرة آلاف وأربعة عشر ألف مقاتل من حماس، لأن هذا الرقم قد يضم أي قتلى من الذكور في سن مناسب. ولا تزال حماس تسيطر على مصير الرهائن الذين يتدهور حالهم ويموتون في الأسر.
أدت سياسة «النصر الكامل» التي تنتهجها الحكومة إلى عزلة عالمية هي الأكثر أهمية في تاريخ إسرائيل. قبل إعلان بايدن، سبق أن أعلنت كندا وإيطاليا إيقاف صادرات الأسلحة الجديدة إلى إسرائيل. وقطعت كولمبيا العلاقات الدبلوماسية، وأعلنت تركيا حظرا تجاريا ربما تكون قد علقته بعدها، لكن الخطر يشكل قنبلة اقتصادية ودبلوماسية. وإسرائيل تمثُل متهمة بإبادة جماعية في محكمة العدل الدولية ويلوح في الأفق شبح صدور أوامر اعتقال من المحكمة.
تنظر روح العصر العالمية إلى إسرائيل باعتبارها منبوذة، ويتجلى ذلك في احتجاجات الجامعات في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأوروبا أو صيحات الاستهجان المحبطة التي قوبلت بها المغنية الإسرائيلية إيدن جولاتن في يوروفيجن، واستبعاد الأكاديميين الإسرائيليين من المنتديات الدولية. ويؤدي إلغاء رحلات الطيران إلى صعوبة السفر وترسيخ الإحساس بالعزلة.
وفي الداخل الإسرائيلي، لا يزال أكثر من مائة ألف إسرائيلي نازحين. وتقلص الحرب دخول الشعب والصحة الذهنية، وكل يوم تفقد المزيد من الأسر أفرادها مع موت الجنود في غزة من أجل «نصر تام» لا يتحقق أبدا. وقد يكون هدف القضاء على حماس -باعتبارها تهديدا عسكريا للمدنيين الإسرائيليين والسيادة الإسرائيلية على الأرض- هدفا مبررا في ذاته، ولكن الحكومة لم تظهر بعد قدرتها على تحقيق هذا الهدف، وتشير الأدلة إلى الفشل.
ثمة مسار بديل. في الأسبوع الماضي ظهر مرة أخرى أن اتفاقية للرهائن ووقف إطلاق النار ممكنة. لكن المحادثات انهارت وذلك في الأغلب بسبب إصرار حماس الثابت على المطالبة بنهاية كاملة للحرب.
ما من أمر يسير في هذا المسار، إنهاء الحرب لا يمكن أن يختزل في ألم الإذعان لحماس، ذلك أن من شأنه تحقيق الكثير من المكاسب أيضا، للإسرائيليين وللفلسطينيين على السواء. فبالنسبة لإسرائيل بادئ ذي بدء، سوف تنقذ اتفاقية إنهاء الحرب نفوس الرهائن المتبقين. وهذا ما يريده غالبية الإسرائيليين، حيث يفضل 62% اتفاقية للرهائن على عملية رفح بحسب استطلاع رأي أجراه معهد الديمقراطية الإسرائيلي الأسبوع الماضي في حين أن 32% يجعلون الهجوم على رفح أولوية. وفي استطلاع رأي آخر أجرته القناة 13، لا يعتقد 52% من الإسرائيليين أن العملية سوف تحقق «النصر التام». وتبين لاستطلاع رأي أجرته القناة الإسرائيلية العامة أن القسم الأكبر ـ قرابة النصف من الإسرائيليين ـ يؤيدون اتفاقية رهائن تنطوي على إطلاق سراح جميع الرهائن في مقابل «إنهاء تام للحرب وإطلاق سراح آلاف الإرهابيين».
وفي المجال الدولي، سوف ينقذ إنهاء الحرب علاقة إسرائيل بأقرب حلفائها أي الولايات المتحدة. وليس بالأمر الهامشي على الإطلاق أن إنهاء القتال في غزة سوف يقلل خطر التصعيد مع حزب الله في الشمال، وهو الاحتمال الذي تتزايد خطورته.
سوف يقتضي إنهاء الحرب أيضا من إسرائيل أن تضع خططا واقعية لليوم التالي في غزة بالتعاون مع نطاق من الحلفاء الغربيين والعرب. وقد يتضمن هذا أيضا اتفاقية التطبيع السعودية الكبرى التي تدفع إليها أمريكا واتفاقية متعددة الأطراف أكثر قابلية للدوام لإحداث تحول حقيقي في العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية تتضمن الاستقلال والحكم الذاتي للفلسطينيين.
الحقيقة القاسية هي أن حياة الفلسطينيين ـ بالنسبة لأغلب الإسرائيليين في الوقت الراهن ـ مجرد أمر ثانوي مرجأ، لكن الحقيقة الدقيقة هي أن مصائر الشعبين متضافرة. لقد تعرض قرابة خمسة وثلاثين ألفا من الفلسطينيين للموت، ومن هؤلاء أكثر من أربعة عشر ألف طفل. ويعني إنهاء الحرب إنقاذ الأرواح في المستقبل، وكل نجاة لحياة نصر للجميع.
لكن هناك حقيقة أخرى يجب أن تثير قلق الإسرائيليين، إذ تظهر تسجيلات الفيديو في رفح أهل غزة وهم ينتشلون صغارهم من المباني بأطراف متدلية كالمطاط المذاب، وأطفالا ممزقي الجلد وأذرع أطفال تنتأ من وسط الأسمنت المنهار. ويمكن العثور على هذا التوثيق على الإنترنت، لكن الإسرائيليين يمكن أن يشاهدوا الأهوال في غزة دونما بحث. وبالإضافة على اضطراب ما بعد الصدمة الذي سوف يعانون منه بسبب إصاباتهم الخاصة، فقد أشار علماء نفس إلى إصابات معنوية من جراء الصراع ناجمة عن التسبب في تلك الأمور. ولا يختلف الإسرائيليون عن الجنود الأمريكيين في العراق، واجتناب هذا المصير يجب أن يكون حافزا للجميع.
ولعل الإسرائيليين يستوعبون السيناريوهات المقبضة المقبلة. فقد تبين لاستطلاع رأي أجراه معهد سياسة الشعب اليهودي تراجعا استثنائيا واضحا في نسبة الإسرائيليين المؤمنين يقينا بالنصر ـ إذ انخفضت النسبة من 74% في أكتوبر إلى 38% فقط في مطلع مايو. وأكثر من 40% من الإسرائيليين الآن غير واثقين من قدرة الإسرائيليين على النصر. ولكن لعل البعض متخوفون من التكلفة إن أمكن النصر أصلا.
لإسرائيل أن تختار مسارا مختلفا، مسارا ينقذ أرواح الرهائن، وينقذ أرواح الفلسطينيين، وينقذ علاقات إسرائيل العالمية، ويمنع التدهور المحتوم لروحها في حرب أبدية. أما التمسك المرضي بالنصر التام فيتحول إلى الهزيمة التامة لإسرائيل.
داليا شيندلين باحثة ومحللة سياسية وخبيرة استطلاعات رأي مقيمة في تل أبيب
عن الجارديان البريطانية
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: إنهاء الحرب أکثر من فی غزة
إقرأ أيضاً:
حماس: اتفاق وقف النار بغزة قريب ما لم تضع إسرائيل شروطا جديدة
اعتبرت 3 فصائل فلسطينية أن إمكانية الوصول لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى باتت أقرب من أيّ وقت مضى إذا لم تضع إسرائيل شروطا جديدة، بينما أشار قيادي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أن الاتفاق من الممكن أن يرى النور قبل نهاية العام إذا لم يعطله رئيس الوزراء الإسرائيلي.
وقالت حماس -في بيان اليوم السبت- إن وفودا من قادتها والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بحثت في القاهرة أمس مجريات الحرب الإسرائيلية على غزة، وتطورات المفاوضات غير المباشرة لاتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، ومجمل المتغيرات على مستوى المنطقة.
وقالت أيضا إن وفود الفصائل الفلسطينية الثلاثة اتفقوا على أنّ "إمكانية الوصول إلى اتفاق باتت أقرب من أيّ وقت مضى إذا توقف العدوّ عن وضع اشتراطات جديدة".
وأضافت حماس "اتفقنا مع قادة الجهاد والجبهة الشعبية على الاستمرار في التواصل والتنسيق حول كافة المستجدات المتعلقة بالعدوان الإسرائيلي على شعبنا ومفاوضات وقف إطلاق النار".
وتابعت أنها بحثت مع الجهاد والجبهة الشعبية مشروع لجنة الإسناد المجتمعي لإدارة قطاع غزة، وأهمية بدء خطوات عملية لتشكيل اللجنة والإعلان عنها في أقرب فرصة.
إعلان
"نقاط عالقة غير معطلة"
في سياق متصل، نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن قيادي في حماس أنّ "المباحثات قطعت شوطا كبيرا وهامّا، وتمّ الاتفاق على معظم النقاط المتعلقة بقضايا وقف النار وتبادل الأسرى، وبقيت بعض النقاط العالقة لكنّها لا تعطّل".
وأضاف هذا القيادي مشترطا عدم نشر اسمه "الاتفاق يمكن أن يرى النور قبل نهاية العام الحالي إذا لم يعطّله نتنياهو بشروط جديدة".
وأوضح أنّ "الاتفاق في حال تم إعلانه وتنفيذه سيقضي بوقف للحرب تدريجيا والانسحاب العسكري من القطاع بشكل تدريجي، لكنّ الاتفاق ينتهي بصفقة جادّة لتبادل الأسرى ووقف دائم للحرب وانسحاب كلّي من القطاع وعودة النازحين، وعدم العودة للأعمال القتالية بضمانات الوسطاء الدوليين، والإعمار".
نتنياهو يواجه اتهامات متزايدة من المعارضة وعائلات الأسرى الإسرائيليين بعرقلة التوصل لصفقة مع حماس (الفرنسية) إسرائيل: الظروف تحسنتوأول أمس، أبلغ مكتب نتنياهو عائلات الأسرى في قطاع غزة بأن ظروف إبرام صفقة تبادل مع الفصائل الفلسطينية "تحسنت" دون التوصل إلى اتفاق نهائي.
ووفق صحيفة "إسرائيل اليوم" فإنها المرة الأولى التي يصدر فيها مكتب نتنياهو بيانا يتحدث عن "تطور" بالمفاوضات منذ بداية حرب الإبادة -التي تشنها إسرائيل على الحجر والشجر والإنسان الفلسطيني- في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، .
والثلاثاء الماضي، أفادت وسائل إعلام مصرية بأن القاهرة والدوحة تبذلان جهودا مكثفة مع كافة الأطراف للتوصل إلى اتفاق تهدئة في قطاع غزة.
وتحتجز إسرائيل في سجونها أكثر من 10 آلاف و300 أسير فلسطيني، ويُقدر وجود 100 أسير إسرائيلي تحتجزهم المقاومة الفلسطينية بقطاع غزة بينما أعلنت حماس مقتل عشرات منهم في غارات عشوائية إسرائيلية.
وأكدت حماس -مرارا، خلال الأشهر الماضية- استعدادها لإبرام اتفاق، وأعلنت موافقتها في مايو/أيار الماضي على مقترح قدمه الرئيس الأميركي جو بايدن.
إعلانغير أن نتنياهو تراجع عن مقترح بايدن، بطرح شروط جديدة أبرزها استمرار حرب الإبادة الجماعية وعدم سحب الجيش من غزة. بينما تتمسك حماس بوقف تام للحرب وانسحاب كامل لجيش الاحتلال وصفقة تبادل عادلة.
وكان وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس أعلن، الأسبوع الماضي، أن الجيش يعتزم السيطرة أمنيا على قطاع غزة والاحتفاظ بحق العمل (العسكري) فيه بعد الحرب، كما هو الحال في الضفة الغربية المحتلة.
وتتهم المعارضة وعائلات المحتجزين الإسرائيليين نتنياهو بعرقلة التوصل إلى اتفاق، وذلك للحفاظ على منصبه وحكومته. إذ يهدد وزراء متطرفون، بينهم وزيرا الأمن إيتمار بن غفير والمالية بتسلئيل سموتريتش، بالانسحاب من الحكومة وإسقاطها في حال القبول بإنهاء الحرب.
وبدعم أميركي ترتكب إسرائيل -منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023- إبادة جماعية في غزة خلّفت قرابة 153 ألف شهيد وجريح فلسطينيين معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين.
وتواصل إسرائيل مجازرها على مرأى ومسمع من العالم جميعه، متجاهلة مذكرتي اعتقال أصدرتهما الجنائية الدولية في 21 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بحق نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، وذلك لارتكابهما جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الفلسطينيين في غزة.