تأمَل حكومة المحافظين ببريطانيا في شق الإجماع الذي انعقد بعد الحرب العالمية الثانية بوجوب منح الناس المضطهدين حول العالم حق اللجوء. فبموجب مشروع قانون أجازه البرلمان في أبريل سيتم إيجازيًا (دون إبطاء) إرسال طالبي اللجوء الذين يصلون لبريطانيا بوسائل غير نظامية (مثلا بواسطة قوارب عبر القنال من فرنسا إلى رواندا) حيث يتولى المسؤولون في كيجالي تقييم طلباتهم وإذا قبلت سيمنحون حق اللجوء في ذلك البلد الإفريقي.
الخطة مشكوك في قانونيتها. لقد مُرِّرَت على الرغم من اعتراضات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان وأيضا المحكمة العليا في بريطانيا نفسها والتي دفعت بأن رواندا بالكاد يمكن أن توصف بأنها ملاذ.
يقول منتقدو هذا التشريع: إنه تحرك سياسي القصد منه مساعدة المحافظين في الانتخابات العامة التي يتوقع قيامها في وقت لاحق هذا العام. ومن المستبعد استمراره طويلًا. فمن المتوقع أن يخسر المحافظون بشكل كبير أمام حزب العمال الذي تعهد بإلغائه.
وعلى الرغم من أن دفع ما يصل إلى نصف مليون جنيه إلى حكومة بعيدة لتولي مسؤولية اللجوء غير مقبول كما يبدو ألا أن تكتيك بريطانيا هذا ليس فريدًا. فالبلدان الغنية حول العالم تواجه أعدادا ضخمة من المهاجرين الذين يتوافدون إلى حدودها وتجرِّب إجراءات متشددة لمنع دخولهم.
تكتيك حزب المحافظين مقتبس من أستراليا. ففي الفترة بين 2012 و2014 قامت بترحيل طالبي اللجوء الذين كانوا يفدون إليها بالقوارب إلى ناورا وغينيا بابوا الجديدة وذلك قبل أن تتحول إلى اعتراض القوارب في عرض البحر وإعادتها من حيث أتت.
وفي أوروبا أبرمت إيطاليا صفقة تستضيف بموجبها ألبانيا مراكز استقبال للمهاجرين (رغم أنها ستدار بواسطة مسؤولين إيطاليين وسيتم توطين المهاجرين الذين يحصلون على حق اللجوء في إيطاليا).
وأجازت الدنمارك تشريعًا في عام 2021 يسمح لها بترحيل طالبي اللجوء إلى خارج أوروبا بهدف تحقيق «صفر طالبي لجوء» حسبما ذكرت رئيسة وزرائها ميته فريدريسكن.
وتحاول الولايات المتحدة منع طالبي اللجوء من دخولهم إلى أراضيها منذ أيام إدارة ترامب والتي بعد فشل عدة محاولات في المحاكم نجحت أخيرًا في إبعاد المهاجرين إيجازيا بإعلان طوارئ الصحة العامة أثناء جائحة كورونا.
الرئيس بايدن أيضا يستكشف وسائل بديلة لإبقاء المهاجرين خارج الحدود. ففي العام الماضي رتب مع المكسيك لقبول 39 ألف مهاجر مُبعَد شهريا قدموا من فنزويلا ونيكاراجوا وهايتي وكوبا. ومؤخرا جدا هدد بايدن «بإغلاق» الحدود أمام المهاجرين الذين يدخلون الولايات المتحدة بطريقة غير قانونية سعيا وراء اللجوء.
نُصبت هذه الحواجز لوقف تدفقات غير مسبوقة للباحثين عن أماكن لجوء آمنة حول العالم. استقبلت الولايات المتحدة 1.8 مليون طالب لجوء في عام 2022 مقارنة بحوالي 19 ألف قبل عشر سنوات. وقفز عدد طالبي اللجوء في بريطانيا إلى ما يقرب من عشرة أضعاف إلى 167 ألفًا. وعالميًا تضخمت أعدادهم من 950 ألفًا في عام 2012 إلى أكثر من 6 ملايين في يونيو من العام الماضي.
هذا إضافة إلى ما يزيد عن 35 مليون شخص اعترفت بهم المفوضية السامية للاجئين التابعة للأمم المتحدة كلاجئين وأيضا أكثر من 5 ملايين فنزويلي والذين -رغم عدم اعتبارهم طالبي لجوء- فروا من بلدهم ولجأ معظمهم إلى بلدان أمريكا اللاتينية.
اتفاقية الأمم المتحدة بشأن وضع اللاجئين لعام 1951 والتي أقرَّت الحق في الحماية من القمع والاضطهاد في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية لم يتم إعدادها لهذا الغرض. فهي لم تتصور فرار الناس من دول فاشلة أو تسيطر عليها إلى حد كبير منظمات إجرامية ووحشية أو متأثرة بالتغير المناخي.
ولم يتوقع واضعو الاتفاقية قدوم شبكة الإنترنت التي ساعدت المهاجرين في القيام برحلات كانت مستحيلة قبل ربع قرن. لقد حدث آخر إصلاح لقانون الهجرة الأمريكي حوالي عام 1990وقبل فترة طويلة من شرح فيديوهات (تيك توك) أفضل طريقة لعبور غابة «دارين جاب» بين كولومبيا وبنما ومساعدة «ترجمة جوجل» المهاجرين الصينيين أثناء عبورهم المكسيك.
مع ذلك لا يمكن أن يكون نصب حواجز لمنع طالبي اللجوء حلًا، فبلدان الدخل المنخفض والمتوسط اليوم تستضيف أكثر من ثلاثة أرباع لاجئي العالم، والحواجز الجديدة في بلدان العالم الغني تسهم في تضخم أعداد المهاجرين في بلدان أقل قدرة على دمجهم في مجتمعاتها واقتصاداتها.
نظريا، هنالك حلول متاحة، ففي أوروبا كما في الأمريكيتين تبدو الاتفاقيات الإقليمية (الجماعية) لاقتسام عبء الهجرة لا غنى عنها لرفع الضغط عن كل بلد بمفرده. بريطانيا، على نحو ما، جلبت لنفسها أزمة طالبي اللجوء عندما خرجت من الاتحاد الأوروبي. لقد فقدت بذلك القدرة على تنسيق سياسات اللجوء مع البلدان الأخرى الأعضاء في الاتحاد. وهذه الأيام سيكون من الصعب جدا بالنسبة لها إقناع فرنسا بوقف عبور القوارب من سواحلها المطلة على القنال الإنجليزي.
لكن فرص وضع قرارات مستنيرة ضئيلة. في الشهر الماضي اتخذ الاتحاد الأوروبي خطوة أخرى لتقاسم العبء حيث طالب كل الأعضاء بالمساهمة على نحو ما. ومن غير الواضح ما إذا كانت هذه الاتفاقية ستفعل أي شيء أفضل من المحاولات السابقة التي فشلت كلها.
يوحي صعود الشعبويين المستبدين الذين يلوِّحون بشعارات كارهة للأجانب بأن جهود التنسيق ستنهار في معظمها عندما تحاول في المرة القادمة أعداد كبيرة من طالبي اللجوء الانتقال عبر الحدود الأوروبية.
صحيح لكي يظل اللجوء خيارًا صالحًا لأولئك الذين يفرون من العنف والقهر يجب أن يقتصر على ذلك الهدف. فاللجوء يجب ألا يكون بوابة دخول «متعدد الأغراض» لأي أحد يبحث عن حياة أفضل. ومن المعقول لبلدان الملاذات الغنية تشديد الإجراءات على نحو ما لضمان أن يحقق اللجوء غرضه.
لكن هذه القيود لن تكون فعالة إذا كانت بالغة الفظاظة. بل يجب توسيع الاتفاقيات الدولية لحماية المضطهدين بحيث تضع حسابا لأشكال العنف والقمع الجديدة التي تدفع الناس إلى الفرار من بلدانهم بما في ذلك تلك التي تنشأ عن فشل الدولة والإجرام. التغير المناخي أيضا يستدعي توسيع الفرص للمهاجرين الفارِّين من الحرمان.
ما هو صحيح أيضا أن أية مجموعة من الحواجز مهما كانت قوية لن تضعف عزيمة الناس على الهجرة. وإذا كانت أوروبا أو الولايات المتحدة تعتقد أنها يمكنها منع من استبدَّ بهم اليأس في العالم من الوصول إلى شواطئها سيخيب ظنها.
على بلدان الملاذات الغنية بدلا من العمل فقط لوقف الهجرة الإقرار بالقدرات العديدة التي يجلبها المهاجرون للاقتصادات المضيفة. ومن أجل ازدهارها هي نفسها على البلدان الغنية في الغرب التي يشيخ سكانها وتتناقص أعدادهم والمنكوبة بالشعبوية الكارهة للأجانب أن تتصالح مع حقيقة حاجتها إلى المهاجرين بأكثر مما تعتقد.
ادواردو بورتر محرر وكاتب رأي بصحيفة واشنطن بوست.
ترجمة خاصة لـ $
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة طالبی اللجوء لجوء فی
إقرأ أيضاً:
أمريكا تبدأ ترحيل المهاجرين.. وصفهم ترامب بـالأجانب المجرمين (شاهد)
شاركت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت٬ صورة لأشخاص يقفون في طابور وهم يصعدون على متن طائرة عسكرية، تمهيدا لترحيلهم.
وأعلن البيت الأبيض، الجمعة، بدء تنظيم رحلات جوية مخصصة لترحيل المهاجرين غير النظاميين من الولايات المتحدة.
وأكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، عبر منصة "إكس"، أن الرحلات الخاصة بالترحيل قد انطلقت، مشيرة إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أرسل رسالة قوية وواضحة إلى العالم بأسره.
ونشرت ليفيت صورة لأشخاص يصعدون إلى طائرة عسكرية، مع تعليق: "بدأت رحلات الترحيل". وأضافت: "إذا دخلتم إلى الولايات المتحدة بطرق غير قانونية، فسوف تواجهون عواقب خطيرة".
Migrants seen lining up to board deportation flights as Trump promises ‘severe consequences’ for those entering US illegally https://t.co/3Eb6aPx6Bh pic.twitter.com/10lM6ZOCQC — New York Post (@nypost) January 24, 2025
وفي وقت سابق من اليوم نفسه، أعلن البيت الأبيض أن السلطات الأمريكية أوقفت في يوم واحد 538 مهاجرًا لا يحملون وثائق قانونية. ووصف البيان هذه الإجراءات بأنها "لمحة صغيرة" عن الخطوات التي ستتخذها إدارة ترامب لتأمين حدود البلاد.
من جهته، علق راس باراكا، رئيس بلدية نيوآرك في ولاية نيوجيرسي، إحدى المدن التي شهدت عمليات التوقيف، قائلاً: "نيوآرك لن تقف مكتوفة الأيدي أمام ترويع الناس بشكل غير قانوني". ووصف العملية التي جرت في المدينة بأنها "مروعة"، مشيرًا إلى أن أحد المحتجزين كان محاربًا قديمًا في الجيش الأمريكي.
وفي إطار تعزيز جهود الترحيل، منحت إدارة ترامب الوكالات الفيدرالية سلطات واسعة لتكثيف إجراءات ترحيل المهاجرين. حيث أصدر بنيامين هوفمان، القائم بأعمال وزير الأمن الداخلي، مذكرة توسع صلاحيات الوكالات الفيدرالية في اتخاذ إجراءات ضد المهاجرين غير النظاميين.
وتأتي هذه الخطوات في أعقاب إعلان ترامب حالة الطوارئ الوطنية على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة، وإغلاق معبر مدينة إل باسو بولاية تكساس على الحدود مع المكسيك، بعد حفل تنصيبه الاثنين الماضي. كما أعلنت إدارة الجمارك وحماية الحدود الأمريكية إلغاء تطبيق "CBP One"، الذي كان يتيح للمهاجرين دخول البلاد بطرق قانونية.
وفي خطابه خلال حفل التنصيب، وصف ترامب المهاجرين غير النظاميين بـ"المجرمين"، وأعلن عن إرسال قوات عسكرية إلى الحدود الجنوبية لتعزيز الأمن.
كما وقّع ترامب قرارات لإعلان "حالة طوارئ وطنية" عند الحدود الجنوبية للولايات المتحدة، وأعلن عن نشر تعزيزات عسكرية إضافية في المنطقة، مؤكدًا عزمه على ترحيل ما وصفهم بـ"الأجانب المجرمين".
يأتي ذلك بعد أن وافق الكونغرس، الذي يسيطر عليه الجمهوريون، في وقت سابق من الأسبوع، على مشروع قانون يهدف إلى توسيع فترة الحبس الاحتياطي للمشتبه بهم من الأجانب.