لجريدة عمان:
2025-03-29@21:48:33 GMT

البلدان الغنية وطالبو اللجوء

تاريخ النشر: 14th, May 2024 GMT

تأمَل حكومة المحافظين ببريطانيا في شق الإجماع الذي انعقد بعد الحرب العالمية الثانية بوجوب منح الناس المضطهدين حول العالم حق اللجوء. فبموجب مشروع قانون أجازه البرلمان في أبريل سيتم إيجازيًا (دون إبطاء) إرسال طالبي اللجوء الذين يصلون لبريطانيا بوسائل غير نظامية (مثلا بواسطة قوارب عبر القنال من فرنسا إلى رواندا) حيث يتولى المسؤولون في كيجالي تقييم طلباتهم وإذا قبلت سيمنحون حق اللجوء في ذلك البلد الإفريقي.

الخطة مشكوك في قانونيتها. لقد مُرِّرَت على الرغم من اعتراضات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان وأيضا المحكمة العليا في بريطانيا نفسها والتي دفعت بأن رواندا بالكاد يمكن أن توصف بأنها ملاذ.

يقول منتقدو هذا التشريع: إنه تحرك سياسي القصد منه مساعدة المحافظين في الانتخابات العامة التي يتوقع قيامها في وقت لاحق هذا العام. ومن المستبعد استمراره طويلًا. فمن المتوقع أن يخسر المحافظون بشكل كبير أمام حزب العمال الذي تعهد بإلغائه.

وعلى الرغم من أن دفع ما يصل إلى نصف مليون جنيه إلى حكومة بعيدة لتولي مسؤولية اللجوء غير مقبول كما يبدو ألا أن تكتيك بريطانيا هذا ليس فريدًا. فالبلدان الغنية حول العالم تواجه أعدادا ضخمة من المهاجرين الذين يتوافدون إلى حدودها وتجرِّب إجراءات متشددة لمنع دخولهم.

تكتيك حزب المحافظين مقتبس من أستراليا. ففي الفترة بين 2012 و2014 قامت بترحيل طالبي اللجوء الذين كانوا يفدون إليها بالقوارب إلى ناورا وغينيا بابوا الجديدة وذلك قبل أن تتحول إلى اعتراض القوارب في عرض البحر وإعادتها من حيث أتت.

وفي أوروبا أبرمت إيطاليا صفقة تستضيف بموجبها ألبانيا مراكز استقبال للمهاجرين (رغم أنها ستدار بواسطة مسؤولين إيطاليين وسيتم توطين المهاجرين الذين يحصلون على حق اللجوء في إيطاليا).

وأجازت الدنمارك تشريعًا في عام 2021 يسمح لها بترحيل طالبي اللجوء إلى خارج أوروبا بهدف تحقيق «صفر طالبي لجوء» حسبما ذكرت رئيسة وزرائها ميته فريدريسكن.

وتحاول الولايات المتحدة منع طالبي اللجوء من دخولهم إلى أراضيها منذ أيام إدارة ترامب والتي بعد فشل عدة محاولات في المحاكم نجحت أخيرًا في إبعاد المهاجرين إيجازيا بإعلان طوارئ الصحة العامة أثناء جائحة كورونا.

الرئيس بايدن أيضا يستكشف وسائل بديلة لإبقاء المهاجرين خارج الحدود. ففي العام الماضي رتب مع المكسيك لقبول 39 ألف مهاجر مُبعَد شهريا قدموا من فنزويلا ونيكاراجوا وهايتي وكوبا. ومؤخرا جدا هدد بايدن «بإغلاق» الحدود أمام المهاجرين الذين يدخلون الولايات المتحدة بطريقة غير قانونية سعيا وراء اللجوء.

نُصبت هذه الحواجز لوقف تدفقات غير مسبوقة للباحثين عن أماكن لجوء آمنة حول العالم. استقبلت الولايات المتحدة 1.8 مليون طالب لجوء في عام 2022 مقارنة بحوالي 19 ألف قبل عشر سنوات. وقفز عدد طالبي اللجوء في بريطانيا إلى ما يقرب من عشرة أضعاف إلى 167 ألفًا. وعالميًا تضخمت أعدادهم من 950 ألفًا في عام 2012 إلى أكثر من 6 ملايين في يونيو من العام الماضي.

هذا إضافة إلى ما يزيد عن 35 مليون شخص اعترفت بهم المفوضية السامية للاجئين التابعة للأمم المتحدة كلاجئين وأيضا أكثر من 5 ملايين فنزويلي والذين -رغم عدم اعتبارهم طالبي لجوء- فروا من بلدهم ولجأ معظمهم إلى بلدان أمريكا اللاتينية.

اتفاقية الأمم المتحدة بشأن وضع اللاجئين لعام 1951 والتي أقرَّت الحق في الحماية من القمع والاضطهاد في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية لم يتم إعدادها لهذا الغرض. فهي لم تتصور فرار الناس من دول فاشلة أو تسيطر عليها إلى حد كبير منظمات إجرامية ووحشية أو متأثرة بالتغير المناخي.

ولم يتوقع واضعو الاتفاقية قدوم شبكة الإنترنت التي ساعدت المهاجرين في القيام برحلات كانت مستحيلة قبل ربع قرن. لقد حدث آخر إصلاح لقانون الهجرة الأمريكي حوالي عام 1990وقبل فترة طويلة من شرح فيديوهات (تيك توك) أفضل طريقة لعبور غابة «دارين جاب» بين كولومبيا وبنما ومساعدة «ترجمة جوجل» المهاجرين الصينيين أثناء عبورهم المكسيك.

مع ذلك لا يمكن أن يكون نصب حواجز لمنع طالبي اللجوء حلًا، فبلدان الدخل المنخفض والمتوسط اليوم تستضيف أكثر من ثلاثة أرباع لاجئي العالم، والحواجز الجديدة في بلدان العالم الغني تسهم في تضخم أعداد المهاجرين في بلدان أقل قدرة على دمجهم في مجتمعاتها واقتصاداتها.

نظريا، هنالك حلول متاحة، ففي أوروبا كما في الأمريكيتين تبدو الاتفاقيات الإقليمية (الجماعية) لاقتسام عبء الهجرة لا غنى عنها لرفع الضغط عن كل بلد بمفرده. بريطانيا، على نحو ما، جلبت لنفسها أزمة طالبي اللجوء عندما خرجت من الاتحاد الأوروبي. لقد فقدت بذلك القدرة على تنسيق سياسات اللجوء مع البلدان الأخرى الأعضاء في الاتحاد. وهذه الأيام سيكون من الصعب جدا بالنسبة لها إقناع فرنسا بوقف عبور القوارب من سواحلها المطلة على القنال الإنجليزي.

لكن فرص وضع قرارات مستنيرة ضئيلة. في الشهر الماضي اتخذ الاتحاد الأوروبي خطوة أخرى لتقاسم العبء حيث طالب كل الأعضاء بالمساهمة على نحو ما. ومن غير الواضح ما إذا كانت هذه الاتفاقية ستفعل أي شيء أفضل من المحاولات السابقة التي فشلت كلها.

يوحي صعود الشعبويين المستبدين الذين يلوِّحون بشعارات كارهة للأجانب بأن جهود التنسيق ستنهار في معظمها عندما تحاول في المرة القادمة أعداد كبيرة من طالبي اللجوء الانتقال عبر الحدود الأوروبية.

صحيح لكي يظل اللجوء خيارًا صالحًا لأولئك الذين يفرون من العنف والقهر يجب أن يقتصر على ذلك الهدف. فاللجوء يجب ألا يكون بوابة دخول «متعدد الأغراض» لأي أحد يبحث عن حياة أفضل. ومن المعقول لبلدان الملاذات الغنية تشديد الإجراءات على نحو ما لضمان أن يحقق اللجوء غرضه.

لكن هذه القيود لن تكون فعالة إذا كانت بالغة الفظاظة. بل يجب توسيع الاتفاقيات الدولية لحماية المضطهدين بحيث تضع حسابا لأشكال العنف والقمع الجديدة التي تدفع الناس إلى الفرار من بلدانهم بما في ذلك تلك التي تنشأ عن فشل الدولة والإجرام. التغير المناخي أيضا يستدعي توسيع الفرص للمهاجرين الفارِّين من الحرمان.

ما هو صحيح أيضا أن أية مجموعة من الحواجز مهما كانت قوية لن تضعف عزيمة الناس على الهجرة. وإذا كانت أوروبا أو الولايات المتحدة تعتقد أنها يمكنها منع من استبدَّ بهم اليأس في العالم من الوصول إلى شواطئها سيخيب ظنها.

على بلدان الملاذات الغنية بدلا من العمل فقط لوقف الهجرة الإقرار بالقدرات العديدة التي يجلبها المهاجرون للاقتصادات المضيفة. ومن أجل ازدهارها هي نفسها على البلدان الغنية في الغرب التي يشيخ سكانها وتتناقص أعدادهم والمنكوبة بالشعبوية الكارهة للأجانب أن تتصالح مع حقيقة حاجتها إلى المهاجرين بأكثر مما تعتقد.

ادواردو بورتر محرر وكاتب رأي بصحيفة واشنطن بوست.

ترجمة خاصة لـ $

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة طالبی اللجوء لجوء فی

إقرأ أيضاً:

الصين في "العصر الترامبي" 

يختبئ الرئيس ترامب وهو يعمق من صناعة قرارته وراء الدوافع الاقتصادية

         

تجد الصّين نفسها مثل كثيرٍ من دول العالم في حيرة من أمرها لجهة التعاطي مع القرارات والمواقف الصادرة عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مع أنها كانت تتوقع منه ذلك مسبقاً على خلفية ما صدر منه في عهدة حكمه الأولى (2017 ـ 2021)، وأيضا ما روّج له خلال حلمته الانتخابية.

يختبئ الرئيس ترامب وهو يعمق من صناعة قرارته وراء الدوافع الاقتصادية بما تحمله من تنافس وصراع محموم بين بلاده والصين، لكنه في حقيقة الأمر ينطلق أيضا من دوافع سياسية، تتعلق أساساً بالمحافظة على قيادة الولايات المتحدة الأمريكية للعالم، من خلال فرض القوة والتوحش والتغول، بعيداًً عن القوة النّاعمة.

وعلى الطرف الآخر، تدرك الصين جيَداً أن دوافع التهديد الأمريكي ليست اقتصادية خالصة، إنما تحمل داخلها تهديداً لجبهتها الداخلية من خلال تعطيل التنمية، وبالتالي تراجع دورها كما ذهب إلى ذلك وانغ شياو هوي (كبير المحللين في شبكة الصين في مقاله، الذي حمل عنوان: عصا الرسوم الجمركية الأمريكية لن تعيق مسيرة تقدم الصين في 19 مارس الجاري ــ موقع الصين اليوم). 

لا شك أن من بين أسباب فرض رسوم جديدة على المنتجات الصينية من طرف ترامب، هو محاولة تطويع الصين وإخضاعها أمام التهديدات الأمريكية واجبارها على التفاوض على غرار ما فعل مع كندا والمكسيك، بحيث ترجح الكفة فيها لجهة تحقيق المصالح الأمريكية على خلاف نتائج الحروب التجارية العديدة السابقة بين الدولتين، وهذا يعد عملاً تكتيكياً، وإن بدا هدفاً استراتيجيّاً، ذلك لأن فرض مزيد من الضرائب على السلع الصينية يضر بمصالح المواطن الأمريكي.. إذن ما هو الهدف الإستراتيجي الأمريكي من الضغط على بكين في العصر الترامبي؟.

تشير بعض التقرير والتحليلات، وكذلك المعطيات الحالية المعلنة، إلى أن الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة ترامب، تعمل من أجل منع الصين من سيرها نحو تحديد موقعها في نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب تسعى إليه جاهدة مع دول أخرى منذ عقود، خاصة بعد أن تراجعت الدول المتحالفة معها، ومنها على الخصوص مجموعة "بريكس"، وكذلك بعد أن دخلت الولايات المتحدة في حوار مباشر مع موسكو، هدفه بالأساس ابعاد أي تحالف، أو حتى تعاون هذه الأخير، مع بكين.

من ناحية أخرى، فإن واشنطن، تضغط على الصين لإجبارها على التنازل في قضيتي بحر الصين الجنوبي وتايوان، وهذا لن يتحقق لأنه مضر بالأمن القومي للصين ووحدتها الترابية، لذا يتعذر تطويعها بهذا الخصوص، مع أنه هدف استراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية.

الصراع بين الدولتين ـ رغم قرارات ترامب ـ ظاهره الاقتصاد وباطنه السياسية، مع أن الولايات المتحدة تضغط لأجل شراء الصين مزيدا من المنتجات الأمريكية، كما تحاول شراء حصص شركة "تيك توك" بأسعار زهيدة، في وقت تصر فيه الصين على موقفها.. يبقى السؤال هنا هل ستنجح سياسة ترامب في تحقيق ذلك؟.

من غير الواضح ما ستؤول إليه مواقف الصين من خلال رد فعلها على ضغوط ترامب المتواصلة، لكن المعروف أن الصين والولايات المتحدة هما أكبر اقتصادين في العالم، وهما متكاملان في سلاسل الصناعة والتوريد بشكل كبير، وبالتالي فإن الحرب التجارية بينهما ـ ذات الطابع السياسي الخفي والمعلن ـ لا تقوض التعاون بينهما فقط ولكنها تشكل تهديدا للاقتصاد العالم، ولا شك أن الرئيس ترامب يعرف ذلك، لكنه يصرُّ على تحكم الولايات المتحدة في العالم حتى لو أدى ذلك إلى كوارث.. إنها حرب مفتوحة من ترامب على دول العالم كلها بالقوتين الاقتصادية والعسكرية، والصين من الدول المعنية بذلك، لكن مهما كانت النتائج السلبية للحرب الأمريكية عليها ستكون الأقل ضررا مقارنة بالدول الأخرى.

مقالات مشابهة

  • الحكومة الإيطالية تدرج دولا عربية في قائمة “البلدان الأصلية الآمنة”
  • كتاب: تاريخ البعثات الدبلوماسية
  • غينيا تنضم إلى ستة بلدان أفريقية للإشادة بالوساطة المغربية لإستعادة مكانتها داخل الإتحاد الإفريقي
  • «مصطفى بكري» يوجه رسالة نارية إلى العالم: أين ضمائركم من جرائم نتنياهو ضد أطفال فلسطين الذين يُحرقون بالقنابل؟
  • زيلينسكي: لن نعترف بأن المساعدات العسكرية الأميركية كانت قروضا
  • إيطاليا تعتزم ترحيل طالبي لجوء مرفوضين إلى مخيمات ألبانية
  • السماح لرئيس بنما السابق باللجوء إلى نيكاراغوا
  • «الشيخ خالد الجندي»: مصر البلد الوحيد في العالم التي سمعت كلام الله مباشرةً (فيديو)
  • تصعيد جديد.. وارسو تجمد طلبات اللجوء للمهاجرين القادمين من بيلاروس
  • الصين في "العصر الترامبي"