(1)
لا يختلف اثنان على أنّ الشاعر بدر بن عبدالمحسن من أهم رواد التحديث في القصيدة الشعبية الخليجية، ومن أهم شعرائها الذين انتقلوا بالقصيدة الكلاسيكية الشعبية إلى القصيدة الجديدة بمفهومها التجديدي مستخدما لغة حية وصورا مبتكرة ودلالات ورموزا متقنة الاستخدام، وذلك واضح في اللغة التي اشتغل عليها، إضافة إلى التطوير الحاصل في القصيدة الشعبية الحديثة شكلا ومضمونا.
لقد قدّم بدر عبدالمحسن طوال حياته الشعرية نموذجا مهما للقصيدة الشعبية حين أخرج القصيدة من ألفاظها التقليدية ودلالاتها إلى التعبير الشعري الخلاق الناتج عن ثقافة محمّلةٍ بالفن والأحاسيس المرهفة والصور التي تتوالد من قصيدة إلى أخرى. إنه بدر عبدالمحسن الشاعر، مهندس الكلمة، وضابط إيقاعها الشعري، والفنان الذي اقتطف الصورة من أعاليها. سأله الإعلامي عبدالله المديفر في البرنامج التلفزيوني «الليوان»: «...الشيء الثابت الذي لا يتغير، وكان موجودا في كل لقاءاتنا السابقة هو قلق الابتكار، إنك تبتكر شيئا جديدا، وهذا موجود في كل حديث». فأجاب: «مع العمر هذا كله كيف يتحول الإنسان إلى قصيدته؟ أتناول القصيدة بشكل مختلف، لأن هذا هو مفهومي للشعر، وهذا المفترض وهذا الابتكار، بذلك أحس أني شخص غير مفهوم، لا نكتب شيئا مختلفا إلا في القصيدة فقط، مثلا عند كتابة الرسالة إذا أردت كتابتها تكتبها بوضوح...». إذن إن الابتكار عند البدر أسلوب يشتغل عليه الشاعر، ويقدم القصيدة من خلالها وهذا ما لمسناه في غير نص من نصوصه الشعرية التي جاءت تنهل من معين الابتكار.
(2)
تأخذك قصيدة بدر عبدالمحسن إلى عوالم مختلفة من الدهشة، ومستويات من الإبداع، فتحس وأنت تقرأ نصوصه الشعرية أنك أمام نحّات ينحت لوحة فنية، يُجسد فيها معاني الفن والجمال البصري.
في قصيدته (المسافر) التي كتبت في تسعينيات القرن الماضي يأخذك البدر إلى هذه العوالم الجميلة مستحضرا لحظات الوداع والفراق والسفر والشوق، بل إنه يستحضر الدلالات الصوتية والبصرية كفنين يتداخلان مع عمق التبادل الشعوري والعاطفي. تقوم القصيدة في (20) سطرا شعريا قصيرا يبدؤها بـ:
لا تلوّح للمسافر
المسافر راح
ولا تنادي للمسافر
المسافر راح
هنا يمزج الشاعر بين فعل (الحركة التلويح وفعل الصوت) المناداة معتمدا على دلالة الألف في كلمة (راح) التي استخدمها صوتيا للمدّ في الوصول إلى أبعد نقطة في النداء إلى البعيد.
مع ذلك لا يزال اختلاط الأصوات المتداخلة مع غيرها يقدّم نصا شعريا مائزا، فازدحمت الدلالات في مدينة الشعر التي يعمّها الوداع والفراق، فنرى ازدحام الأصوات في المدى، والقطار يفوت والمسافر راح، أنوار الشوارع ذبلت والحروف انطفأت. هكذا التقاطات البدر في قصائده الشعرية الحديثة؛ فالتقاطة القطار مثلا برغم أنه يعيش في منطقة لا تكثر بها القطارات تحمل دلالاتها من عمق النص الشعري للتعبير عن السفر والوداع والفراق والشوق استطاع استغلال دلالاته وتوظيفها جيدا. والتقاطة وجه المسافر وتشبيهه بالمدينة والنهار والورد الأصفر والغصون كلها دالة على مرحلة الفراق الذي تنطفئ معه الأشياء:
لا تلوح للمسافر ..
المسافر راح ..
ولا تنادي للمسافر
المسافر راح ..
يا ضياع أصواتنا .. في المدى والريح
القطار وفاتنا ..
والمسافر راح ..
يالله يا قلبي تعبنا من الوقوف ..
ما بقى بالليل نجمة ولا طيوف ..
ذبلت أنوار الشوارع .. وانطفى ضيّ الحروف
يالله يا قلبي سرينا .. ضاقت الدنيا علينا
القطار وفاتنا ..
والمسافر راح ..
مادري باكر هالمدينة وشتكون ..
النهار والورد الأصفر والغصون ..
هذا وجهك يالمسافر لما كانت لي عيون ..
وينها عيوني حبيبي ..
سافرت مثلك حبيبي ..
القطار وفاتنا ..
والمسافر راح.
(3)
مما أشار إليه بدر عبدالمحسن في برنامج «الليوان» عن تجربته الشعرية الذي طل يكتب صفحاتها شعرا طوال خمسين عاما، أنه مرّ فيها بثلاث مراحل:
الأولى: ويعدها أجمل المراحل الثلاث، وهي مرحلة الرومانسية استمرت لعشر سنين، يقول عنها: «إنني كنت أكتب لنفسي، وكنت أصفق لنفسي، وكانت الأغاني في تلك المرحلة قد اشتهرت برغم أني لم أكن شخصا معروفا».
الثانية: مرحلة الشهرة والنجومية واستمرت 20 عاما، قال عنها: «بدأت أكتب لنفسي ولغيري ، إنما هنا فيها كان هناك صراع بين الشعر والشاعر».
أما الثالثة: المرحلة الأخيرة إلى ما قبل 3 سنوات من الآن، فيها ابتدأت الرغبة في الكتابة تخفت، وبدأ الشعر يظهر على فترات متباعدة.
هذه المراحل بما فيها شكّلت لحظات الكتابة الشعرية عند البدر بكل ما تجسده معاني الشعر وتحولاته، وبكل ما تجسدها الحياة في عين الشاعر، لذا فإننا نرى في نصوصه ميلا إلى الكتابة عن الذات، نجد مثلا في قصيدة (الأربعين) أنه كان يتحدث فيها عن مضي العمر برغم أنه ما زال في حيوية الشباب:
أدري أن الوقت يذهب ما يعود..
اربعينٍ فارقتني يالعنود
ماطر الايام من غيم الزمان..
ما يبل الريق لو مهما يجود
كم شربته صافيٍ بارد قراح..
ما دريت ان الظما سر الوجود
كل شمسٍ تلمس اشجار العمر..
تحرق الاوراق وتجف الفنود
وكل ريحٍ تدفع شراع العمر..
ينقطع به حبل ويميل العمود
دار بعين مرت وتوني صغير..
انتظر لعل تصدق لي الوعود
والغريب اني على هذا مغَبُوط..
ادري اني بخير لا شفت الحسود
الزمن يا بنيتي كله زوال..
ما تخلد كود لحظات السجود
وفي آخر قصيدة يبعثها لأخيه في مرضه الأخير كان يتحدث فيها عن السنين والنهايات في نص مؤثر يودّع فيه العالم في نظرة عميقة إلى الحياة، يظهر فيها دلالات التعب والسفر الطويل الذي يصل معه إلى نهايته وانتهاء مسيرة المسافر الذي تكون آخر محطاته عند توقف القطار:
صوتي تجرح ما بقى غير همسي
وعسى حروفي اليوم توفي بغرضها
كن السنين استكثرت طول عرسي
سبعين غيري ما حصله بعضها
ولابدها يا سعود بتغيب شمسي
ذي سنة رب الخلايق فرضها
ولاعلها حريتي بعد حبسي
ولا علي ألقى عند ربي عوضها
لولاي أحبك ما تذكرت نفسي
ولا انتبهت لعجزها أو مرضها
ومادام أشوفك طاب حزني وأنسي
وما همني حلو الحياة و مضضها
لعل قبل سعود لحدي و رمسي
أخوي من أثرى حياتي و نهضها
ويا من ذكرني ما تذكرت منسي
ذكرت من عد النجوم و قبضها
أنا الذي لو تلمس الريح خمسي
كان السحاب أرخى العباة ونفضها
هذا الشجن حرثي والأيام غرسي
قصيدتي يبطي الزمن ما نقضها
(4)
من الملامح التجديدية التي نجدها في قصيدة البدر (بس أحلم) البناء السردي الذي يقوم على الوصف والحركة والانتقال البطيء من مشهد لآخر. لقد قدّمت سردية هنا نصا يمزج بين الشعر والسرد في دلالاته.
ويحاول البدر أن يفتتح نصه بدلالتين متضادتين: (البوح/ السر، الوضوح/ الغموض) ثم تتحرك القصيدة بعد ذلك إلى حركة درامية تقدّم من خلالها الشخصية:
اعبر الشارع
في الرصيف الثاني قهوة فيها اربع طاولات
وحده اجلس فيها وحد يوحده للي بيجي بعد يوحده لأغلى حرف عند ياما آخر وحده دايم للي فات من هموم وذكريات زحمة لكن كل من في القهوة ربعي
كلهم دمي و دمعي ليه ما تجلس مكاني وهذا شوفي وهذا سمعي اطلب أقلام ودفاتر وحاول أكتب عن شعور لاهو ظلما و لا هو نور قلب ما بين السطور وأنا اكتب أغنية مثل الرسايل كنت اكذب
والخيال العذب كذب كنت لازم اخفي سري و ما أقول ان هالمرة قصيدي هو خيالات الحقول
أسراب الطيور عن حقيقه عن شعور ما هو في ذهب السنابل انما تحت الجذور كسروا العشاق بابي
قطعوا لحمي ثيابي.. وخلعوا الادراج ..طاحت مزهرياتي الجميلة شققوا جفني كتابي وسألوا وين الجديل هو دمعة العين الكحيلة مالقوا في بيتي الاوما لقوا في صدري الاوما لقوا في قلبي الامنياتي المستحيلة واني احلم بس احلم
لعل القصيدة قدّمت ملمحا تجديديا ولو بسيطا عن القصيدة الجديدة التي يكتبها البدر، فيها الصور والانتقال المكاني، وتداخل الشخصيات مع غيرها.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: بدر عبدالمحسن
إقرأ أيضاً:
3 وزراء ومحافظ القاهرة يفتتحون معرض «أهلا رمضان» بميدان باب الشعرية.. ننشر قائمة الأسعار
افتتح علاء فاروق، وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، والدكتور شريف فاروق، وزير التموين والتجارة الداخلية، ومحمد جبران، وزير العمل والدكتور إبراهيم صابر، محافظ القاهرة، معرض أهلا رمضان، للسلع الغذائية ومستلزمات رمضان في منطقة ميدان باب الشعرية بالقاهرة.
في البداية، أشاد علاء فاروق، وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، بالتعاون بين مؤسسات الدولة والقطاع الخاص لتنفيذ تكليفات الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية بتخفيف العبء عن كاهل المواطنين وتوفير السلع الغذائية الأساسية لهم بأسعار مخفضة.
وقال «فاروق» إنّ الهيئات والقطاعات التابعة للوزارة تواصل طرح السلع من خلال تنظيم معارض في المحافظات وكذلك الاشتراك في المعارض التي تنظمها الوزرات الأخرى بالإضافة إلى طرح السلع في منافذ وزارة الزراعة الثابتة والمتحركة على مستوى الجمهورية والتي تبلغ 274 منفذا ثابتا و33 متحركًا.
وأضاف «فاروق» أنّ وزارة الزراعة تعتزم استعدادا للشهر الكريم إقامة عدة معارض للسلع الغذائية ومستلزمات رمضان في عدة محافظات ولن تقتصر على القاهرة فقط كما تعتزم الوزارة، التوسع في فتح منافذ بيع جديدة، وزيادة عدد منافذها المتحركة، وكذلك التعاون مع القطاع الخاص لتقليل الحلقات الوسيطة بين المنتج والمستهلك بما يضمن وصول السلع للمواطنين بجودة عالية وأسعار مناسبة من اجل محاربة الغلاء.
ومن جانبه أشار الدكتور شريف فاروق، وزير التموين والتجارة الداخلية، إلى أهمية افتتاح معارض «أهلاً رمضان» ومعارض السلع الأساسية في جميع المحافظات، وذلك في إطار توجيهات القيادة السياسية بتوفير السلع الأساسية بأسعار مخفضة للمواطنين، خاصة مع اقتراب شهر رمضان المبارك، حيث تم اليوم افتتاح معرض «أهلاً رمضان» الخاص بوزارة الزراعة بمشاركة من وزارة التموين ممثلة في الشركة القابضة للصناعات الغذائية وبالتعاون مع محافظة القاهرة، وكذلك مشاركة الوزارة في تنظيم معارض السلع الأساسية على مستوى جميع المحافظات، بهدف تعزيز المعروض من السلع وزيادة ضخ المنتجات الغذائية في الأسواق.
وأوضح أن هذه المعارض تمثل إحدى الآليات الرئيسية التي تعتمدها الدولة لضبط الأسواق وتخفيف الأعباء عن كاهل المواطنين، حيث توفر تشكيلة واسعة من السلع الغذائية الأساسية، مثل اللحوم، والدواجن، والزيوت، والسكر، والأرز، بأسعار تنافسية تقل عن مثيلاتها في الأسواق.
وأكد أن هذه الجهود تأتي في إطار حرص الحكومة على تحقيق التوازن بين العرض والطلب، وضمان توافر السلع بالكميات الكافية، مما يسهم في استقرار الأسعار ويحد من أي محاولات لاستغلال المواطنين خلال الموسم الرمضاني.. كما أن التعاون الوثيق بين وزارة التموين والتجارة الداخلية وكبرى الشركات المنتجة وسلاسل الإمداد يضمن استمرار تدفق السلع وضمان جودتها بأسعار مناسبة.. وقال ندعو جميع المواطنين للاستفادة من هذه المعارض التي تم توزيعها جغرافياً لتغطية جميع المناطق، مع التأكيد على استمرار ضخ السلع بشكل يومي لتلبية احتياجات الأسر المصرية خلال الشهر الكريم.
من جانبه أكد وزير العمل محمد جبران، خلال مشاركته في الافتتاح أن هذه النوعية من المعارض الخاصة بشهر رمضان دليل على حرص الحكومة على توفير السلع الغذائية والأساسية للمواطنين بأسعار مخفضة في إطار خطة تخفيف الأعباء على السادة المواطنين خاصة الفئات الأكثر احتياجا، ومواجهة جميع أشكال استغلال المواطن خاصة خلال المواسم والشهر الكريم.
وأوضح الوزير أن تكليفات وتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية مباشرة وصريحة للسادة الوزراء كل في مجال تخصصه، بأهمية العمل على الدعم والرعاية والحماية، وتوفير حياة كريمة للمواطن المصري وتقديم الخدمات له بشكل لائق وكريم.
وأشاد «جبران» بالمعرض والتخفيضات الكبيرة، موجها الشكر والتقدير الى وزارتي الزراعة والتموين، وكافة الوزارات والجهات والشركات التي تنسق معها لتنظيم معارض«أهلا رمضان» في كل المحافظات.
دعا الوزير جبران كافة المواطنين إلى الاستفادة من هذه المعارض التي تؤكد الجهود التي تبذلها الحكومة لصالح المواطن المصري البسيط..
وبدوره أكد الدكتور إبراهيم صابر، محافظ القاهرة، أنّ المحافظة تتعاون مع الوزارات والهيئات المعنية وتشجع إقامة الأسواق والمعارض التي تهدف لتخفيف العبء عن المواطن، حيث يتم توفير السلع بأسعار مخفضة عن مثيلاتها بنسبة 30%وذلك لان عملية البيع تتم بين المصنع أو التاجر الأصلي والمواطن دون حلقات وسيطة.
وأضاف المحافظ، أنّ معرض أهلا رمضان، في ميدان باب الشعرية يأتي في إطار جهود المحافظة لتوفير السلع الغذائية الأساسية ومستلزمات شهر رمضان المبارك مشيرا الى انه اول امس تم افتتاح معرض أهلا رمضان بمدينة نصر بالتعاون مع بعض الوزارات واليوم نفتتح المعرض الثاني بميدان باب الشعرية لخدمة أهالي المنطقة بالإضافة إلى التنسيق مع الغرفة التجارية وأسواق اليوم الواحد التى تنعقد يومين كل أسبوع.
من ناحيته قال اللواء أمجد سعده مستشار وزير الزراعة للشؤون المالية أن معرض أهلا رمضان يتضمن كل احتياجات البيت المصري مشيرا إلى أسعار بعض السلع على النحو التالي:
يصل سعر اللحوم البلدية إلى 280 جنيه، أرز بلدي 24 جنيها، فول بلدي 45 جنيها، فاصوليا. 30 جنيه، بيض مائدة 150 جنيها، دواجن مجمدة 120 جنيها، سمك بلطى 70 جنيه، سكر 30 جنيه، جبن 90 جنيه للكيلو، بطاطس 5 جنيهات، طماطم 5 جنيهات، بصل 5 جنيهات، زيت طعام لتر 60 جنيه، مكرونة 25 جنيها للكيلو.
اقرأ أيضاًتخفيضات على جميع السلع.. أماكن معارض أهلا رمضان 2025 في المحافظات
خلال أيام.. إقامة معارض أهلا رمضان 2025 في الجامعات