زيارة غروسي إلى طهران.. أزمة جديدة أم تفاهمات جديدة؟
تاريخ النشر: 13th, May 2024 GMT
13 مايو، 2024
بغداد/المسلة الحدث:
محمد صالح صدقيان
كثٌر الحديث خلال الأسابيع الماضية عن تفاهمات أُبرمت بين طهران وواشنطن بشأن امكانية احياء “الإتفاق النووي” المُوقع عام 2015 بين إيران والمجموعة السداسية الدولية.
حديث “التفاهمات” سمعناه قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 وبعده؛ لكن معطيات ما بعد هذا التاريخ المفصلي، تبدو أكثر جدية وإن كان مسار هذه التفاهمات يُشكّل امتداداً للمباحثات التي أسفرت عن صفقة أمريكية إيرانية عبر منصة عمان البلد الذي احتضن مباحثات مهمة منذ العام 2012 والتي أسفرت في محطة منها عن ابصار “الاتفاق النووي” النور عام 2015 ، وفي محطة أخری عن صفقة تبادل معتقلين في العام 2023.
وقد جاءت زيارة مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي إلى طهران في الأسبوع الماضي والمباحثات التي أجراها مع وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان ومساعده علي باقري الذي يمسك بملف المفاوضات مع الجانب الأمريكي إضافة إلی رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية محمد اسلامي لتُحرك المياه الراكدة؛ لكن اللافت للإنتباه أن غروسي أعرب عن أمله في إعادة احياء “الإتفاق النووي”، وهو موقف تقاطع مع جاء على لسان محمد اسلامي بتأكيده تمسك طهران بهذا الاتفاق، مُحملاً الجانب الأمريكي الذي انسحب من الاتفاق عام 2018 مسؤولية تداعيات انهيار ذلك الإتفاق.
وعلى جاري عادته، منذ سنوات، يعكس غروسي في طهران مناخات إيجابية أو حذرة أحياناً، كما حصل في زيارته الأخيرة، لكنه ما أن يصل إلى فيينا حتى تتبدل لهجته كلياً، حيث بلغ به الأمر حد المجاهرة بأن المفاوضات مع طهران بلغت “الطريق المسدود”، ورأى أن الوضع الراهن “غير مُرضٍ على الإطلاق”، وتوقع بدء الحصول على نتائج ملموسة قريباً، في إشارة واضحة إلى طهران بوجوب التوصل إلى اتفاق بينها وبين الوكالة قبل إجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة في فيينا في شهر حزيران/يونيو المقبل.
وعلی الرغم من أن مدير منظمة الطاقة الذرية الإيرانية أعرب عن استعداد بلاده للتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية والإجابة عما تبقی من أسئلتها، خصوصاً ما يتعلق بالتلوث الاشعاعي في موقعين خارجين عن نطاق الإشراف الدولي؛ إلا أن طهران تعتقد أن الوكالة سرعان ما تستجيب للضغوط التي تُمارسها جهات أجنبية وتحديداً الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي وتتخذ ما تطرحه هذه الجهات من “شبهات” بشأن البرنامج النووي الإيراني، ذريعة لمطالبة الجانب الإيراني بتقديم أجوبة عليها؛ في الوقت الذي تقول فيه إيران إن مثل هذه “الشبهات” يجب أن تُطرح من قبل فرق التفتيش التابعة للوكالة الدولية المتواجدة بشكل دائم داخل إيران والتي لم تتحدث يوماً في تقاريرها الدورية عن سلوك مغاير للطبيعة السلمية للبرنامج النووي الإيراني.
وهناك نقطة منهجية تطلبها إيران دائماً لتعزيز التعاون الثنائي مع الوكالة، تتمثل في ابقاء المعلومات السرية بشأن البرنامج النووي الإيراني بعهدة الوكالة الدولية، لا أن يتم تسريبها إلى الكيان الإسرائيلي؛ كتلك المتعلقة بتفاصيل المباحثات التي يُجريها مدير الوكالة الدولية مع الجانب الإيراني أو المتعلقة بعمل المفتشين أو تلك المراسلات التي تتم بين الوكالة الدولية والجانب الإيراني؛ وهي نقطة لم تستطع طهران اقناع الوكالة بعدم تسريبها لجهة متورطة في استهداف البرنامج الإيراني وتعمل من أجل تفكيكه لأسباب سياسية – أمنية وليس لأسباب فنية تقنية تقع في صلب مهام الوكالة الدولية.
وفي جديد هذا الملف أيضاً؛ التطورات التي تشهدها المنطقة وما رافقها من مواجهة عسكرية مباشرة بين إيران والكيان الإسرائيلي بعنوان “الوعد الصادق” منتصف الشهر الماضي. لذا ليس مستبعداً أن يتأثر هذا الملف بموقف تل أبيب، فمشكلة البرنامج النووي الإيراني ليست بماهيته وأهدافه إنما بمعارضة الكيان الإسرائيلي المطلقة له، الأمر الذي استوجب ممارسة ضغط إسرائيلي علی الرئيس دونالد ترامب فرض عليه الانسحاب من “الإتفاق النووي” في العام 2018 كرمى عيون نتنياهو واللوبي اليهودي الذي أراد لهذا الإتفاق أن يُولد ميتاً.
ويبقى السؤال: هل هناك أي أفق لإعادة احياء “الإتفاق النووي” وهل ثمة تفاهمات جديدة بين طهران وواشنطن ستكون مطروحة علی الطاولة بعد انتهاء حرب غزة؟
يُجيب مصدر إيراني بـ”نعم”، ويعتقد أن هذه الإجابة رُبما تنطبق أيضاً علی غير هذه الأسئلة المتعلقة بالعلاقة بين طهران وواشنطن لكنه يجزم أن الكرة ليست في الملعب الإيراني بل في الملعب الأمريكي.
وفي حقيقة الأمر، فإن مفعول “الإتفاق النووي” انتهی عندما تخلت الدول الغربية عن التزاماتها المنصوص عليها في الإتفاق المذكور، وتحديداً ألمانيا وفرنسا وبريطانيا بعد انسحاب الولايات المتحدة عام 2018؛ وما يدفع للتفاؤل هو حاجة إدارة الرئيس جو بايدن لتفاهمات مع إيران تخدمه قبيل الانتخابات الرئاسية المقررة في الخريف المقبل، مقابل حاجة إيران لإزالة العقوبات الإقتصادية المفروضة علیها، وتحديداً ما يتعلق بنظام التحويلات المالية (السويفت)، وهذا ما تعمل عليه المحطة العُمانية حتى يومنا هذا.
وفي هذا الإطار، لا بُدّ من التنبيه إلى عامل مهم وهو ما أنتجه “الإتفاق النووي” في العام 2015 من تهدئة نسبية في منطقة الشرق الأوسط للعديد من التوترات، لكن الجنون الإسرائيلي وتحديداً ما يدور في عقل نتنياهو هو الذي سبّب كل هذه التطورات حيث كان يَعتقد أن انهيار هذا الإتفاق سيحمي الأمن القومي الإسرائيلي، لكنه أخطأ، كما في المرات السابقة، عندما تجاهل حقيقة أن البرنامج النووي الإيراني والاتفاق مع الدول الكبری هو أكبر ضمانة للأمن الإقليمي والعالمي، بدليل ما تشهده المنطقة في أكثر من ساحة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر حتى الآن.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
المصدر: المسلة
كلمات دلالية: البرنامج النووی الإیرانی الوکالة الدولیة الإتفاق النووی
إقرأ أيضاً:
خياران لا ثالث لهما.. أمريكا بين الضربة العسكرية والحلول السياسية مع إيران
بغداد اليوم - بغداد
كشف العضو السابق في لجنة الأمن والدفاع النيابية، عباس صروط، اليوم الخميس (30 كانون الثاني 2025)، عن ثلاثة أسباب رئيسة تمنع الولايات المتحدة من شن ضربة واسعة ضد إيران، رغم تصاعد التوترات في المنطقة.
وقال صروط، لـ"بغداد اليوم"، إن "المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط استراتيجية ومتعددة الأبعاد، وتلعب دورًا حاسمًا في قرارات البيت الأبيض لا سيما أن هذه المنطقة تمد العالم بنحو نصف احتياجاته من الطاقة، ما يجعل أي توتر غير محسوب مصدر قلق كبير لواشنطن، لما قد يترتب عليه من ارتدادات خطيرة على الاقتصاد العالمي".
وأضاف، أن "إيران تمتلك قدرات تمكنها من استهداف مواقع استراتيجية أمريكية في المنطقة ما يجعل أي ضربة شاملة محفوفة بالمخاطر خاصة أن طهران لديها العديد من الأدوات والوسائل القتالية التي قد تفاجئ واشنطن".
وأشار إلى، أن "البيت الأبيض يخشى من أن تدفع أي ضربة شاملة إيران إلى التفكير جديًا في امتلاك السلاح النووي كخيار دفاعي، وهو ما يشكل تهديدًا استراتيجيًا يثير قلق صناع القرار الأمريكيين".
وأكد صروط، أن "أي مواجهة عسكرية واسعة في الشرق الأوسط لن تقتصر على حدود جغرافية معينة، بل ستكون لها ارتدادات إقليمية وعالمية خطيرة، وهو ما يدفع الولايات المتحدة إلى تجنب هذا السيناريو، واللجوء بدلًا من ذلك إلى الضغوط الاقتصادية والمناورات السياسية بهدف الوصول إلى اتفاق يضمن مصالحها دون الانجرار إلى حرب مفتوحة".
وفي ذات السياق كشف مصدر مطلع، الثلاثاء (28 كانون الثاني 2025)، عن رسالة شفوية مقتضبة من البيت الأبيض إلى طهران تتضمن رؤية الرئيس الأمريكي الجديد لطبيعة العلاقة مع إيران.
وقال المصدر، لـ"بغداد اليوم"، إن "رسالة شفوية وصلت مساء الأحد من البيت الأبيض إلى بغداد، ومنها إلى وسطاء عراقيين لنقلها إلى طهران، تضمنت نقاطًا محددة تمثل خلاصة موقف واشنطن تجاه إيران".
وأضاف المصدر أن "الرسالة أكدت أن الرئيس الأمريكي لا يسعى إلى الحرب مع طهران، بل يهدف إلى التوصل إلى صفقة طويلة الأمد تنهي حالة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، مع التشديد على حماية المصالح الأمريكية في المنطقة".
وأشار إلى أن "رؤية الرئيس الأمريكي تتركز على منع إيران من الوصول إلى القدرة على إنتاج أسلحة نووية، في إطار صفقة شاملة تضمن تفوق حليفته في المنطقة، في إشارة إلى إسرائيل".
ولفت إلى أن "إيران تضررت بشدة في العديد من المحاور الإقليمية، مما يتيح فرصة جديدة لواشنطن لتحقيق تفاهمات طويلة الأمد معها، رغم أن الرسائل الأمريكية لا تزال غير علنية وتعتمد على وسطاء متعددي الأطراف".