المؤثرات العقلية آفات الزمن
تاريخ النشر: 13th, May 2024 GMT
محمد رامس الرواس
التَّحديات التي تتعرَّض لها مُجتمعاتنا في هذا الوقت للنيل من أبنائنا وشبابنا عبر الترويج للمخدرات وتوزيعها وتعاطيها تمسُّ مباشرةً منظومتنا الأخلاقية والسلوكية المستمدَّة من ديننا الإسلامي الحنيف.
وتأتِي المؤثرات العقلية -بكافة أنواعها وأصنافها- على رأس هذه التحديات؛ لذا لا يكفى إقامة الندوات والمحاضرات والفعاليات، إنما يجب علينا من أجل التصدي لمثل هذه الآفة وضع دراسات مُتخصِّصة وبحوث اجتماعية من ذوي الشأن بالجامعات والوزارات والأجهزة المختصة بهذه القضية، على أن تكون هذه الدراسات مشفوعة بأهداف ووظائف القصد منها تعزيز قدرة مجتمعاتنا المحلية لمواجهة مثل هذه التحديات المستمرة للنيل من ثروة الوطن الأولى ألا وهم الشباب، هذا بجانب أهمية تعزيز الوازع الديني والصحي ووضع أولويات تنطلق منها هذه الدراسات لأجل توجيه رسالة مباشرة إلى الأسرة لأنها الحصن الأول والأهم، ثم المدرسة، عبر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.
ولطالما كانت مُعاناة المجتمعات من انتشار آفة سموم المخدرات عثرة في طريق نهوضها وتقدمها، فازدهرت دول كافحت المؤثرات العقلية، وتراجعتْ دول تقاعست عن دورها؛ لما للمؤثرات العقلية من أضرار كُبرى يأتي ضياع الوقت على رأسها، ثم تليه الأضرار الصحية والاجتماعية والاقتصادية، وعليه وضعت الدول الإستراتيجيات والدراسات وخصَّصت الدوائر المختصة والمنظومات الأمنية والصحية والتوعوية والقانونية للتصدي ومكافحة هذه الآفة، ورفدت ذلك بالتوعية الإعلامية والرسائل المباشرة لتوضيح الأخطار ومعالجتها، لكي تتجنب مجتمعاتها هذه التجارة والتعاطي والحيازة التي يجرمها القانون والشرع.
الأسرة خطُّ الدفاع الأول كما يحلو للبعض وصفها؛ لأنها متى ما صلحت صلح المجتمع واختفت الآثار السلبية فيه، والأسرة تأتي قبل المدرسة وقبل الصُّحبة؛ لذا كان لزامًا على الأسرة المراقبة الدقيقة لأبنائها، ثم يأتي دور المدرسة بالتعاون مع المجتمع ومع الأسرة لأجل قطع الطريق أمام مثل هذه الآفة، وإنجاح تنفيذ الخطط المتخصصة لتحقيق مكافحة مستحكمة ومستدامة، في ظل وجود حماية ترتكز على محاور أساسية مدروسة للمكافحة.
حدَّثني أحد المحامين الشباب، قال: "لم أرَ في هذا الموضوع أجدى من تدخل الأسرة مبكرًا، ومن ثم أخذ المتعاطي للجهات الصحية لتقييم الحالة، ومتى ما استدعت العلاج تتم المعالجة الفورية بالمستشفيات المتخصصة". فنضوج المجتمعات يعكس -بلا شك- وعيها التام بكيفية التصدي لمثل هذه المخاطر، وتنسيق جهود الجميع بهدف وجود رقابة مستمرة ومكثفة لأبنائنا الشباب وهو أمر لابد منه للوصول إلى نتائج إيجابية في هذا الشأن .
ووجود قانون الجزاء العُماني مسنود بإدارة مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية بشرطة عُمان السلطانية، يعكس حرص الحكومة على توفير الحماية التي تعمل على قطع دابر هذه الآفة من المجتمع لأجل أسرة وأبناء ومجتمع مستقر وآمن، عبر مكافحة تهريب المؤثرات العقلية بكافة أنواعها، ومن ثم وجود قوانين رادعة لوقف دخول هذه السموم للسلطنة عبر المنافذ البرية الجوية والبحرية، وضبط مرتكبي هذه الجرائم، وتقديمهم للعدالة، مع استمرارية واستدامة الوعي المجتمعي.
عندما نأتي لكي نُشخِّص أسباب تعاطي مثل هذه المؤثرات العقلية، نجد جملة من الأسباب؛ أولها: غياب الوازع الديني، ومن ثم ضعف شخصية المتعاطي وانعدام مهاراته الحياتية، فيذهب للمؤثرات العقلية ليسد كل عجز ونقص عنده، ظانًّا أن هذا هو الحل، هذا بجانب أصدقاء السوء بالمدرسة أو الشارع، ولا شك أنَّ الطلاق والأسرة المُفكَّكة وحدوث الخلافات المستمرة والمزعجة داخل الأسرة...وغيرها من الأسباب المشابهة، قد تكون أحد أسباب التعاطي للهروب من المعاناة ونسيان ما هم فيه من توترات، بينما يأتي المجتمع الذي تُثار بداخله الخصومات والنزاعات بالدرجة التالية في الأسباب، خاصة إذا كان شاب هذا المجتمع في جهل وفقر وعوز، فيصبحوا معرضين لمخاطر المخدرات .
إنَّ المؤشرات التي ترصُدها شرطة عمان السلطانية -متمثلة بالإدارة العامة لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية- في مجال التجارة وتعاطي المخدرات، ومنها القات على سبيل المثال، أصبحت تدعو للخوف الشديد على مجتمعنا العُماني، مما يُمكن القول معه إنَّ اكتشاف الأسباب لهذه الآفة الخطيرة ووضع الحلول الناجعة، حتى لو تم تغليظ العقوبات، سيحقق بترها واستئصالها من المجتمع.
الأمر متى ما تعلق بالسلوكيات والأخلاقيات تظهر هناك تأثيرات جانبية؛ منها: السرقة، كما تظهر على المتعاطي علامات وسمات مثل الكذب وطلبه للأموال باستمرار، وتقلب مزاجه، بجانب شحوب وجهه باستمرار، وهزال على جسمه وفقدانه للوزن، والتعب الدائم وفقدان الشهية، لذلك أصبحت وزارة الصحة الشريك المهم بجانب مكافحة المؤثرات، والأسرة، والمدرسة، والوزرات المعنية وعلى رأسها الاعلام؛ لأنَّ الصحة حلقة تطبيب المتعاطي؛ كونها معنية بالعلاج لمن أصبحت حالتهم في عِدَاد المدمنين، فتضع من طرفها الخطط والبرامج التوعوية والصحية والعلاجية؛ من أجل تأهيل مَنْ وَقَع في براثن هذه الآفة لأجل إزالة السموم من أجسامهم، ومن ثم يمكنهم أن يعودوا للمجتمع مجددًا، ولا شك أنَّ هناك أداورًا مشكورة لوزارة التنمية الاجتماعية -متمثلة في دائرة الإرشاد والاستشارات الأسرية- من خلال برامجها الوطنية، بالتعاون مع لجنة الوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية، وبالتنسيق مع اللجان المختصة بالمحافظات والولايات؛ منها: اللجان الصحية وجمعيات المرأة...وغيرها.
وختامًا.. إنَّ الاعلام عندما يضع خططه التوعوية، ويناقش قضايا المؤثرات العقلية، عبر برامج متخصصة مستدامة -سواء عبر خارطته الإعلامية السنوية بصيغة مسلسلات هادفة، أو حوارات توعوية، أو ندوات، أو ملتقيات، واستضافة خبراء ومختصين ورجال القانون والكُتَّاب والأدباء والمفكرين- لعرض صيغ ناجعة للقضاء على هذه الآفة الكبرى لأجل نجاة المجتمعات ووصولها إلى بر الأمان بعون الله وحفظه ورعايته.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
وسط مراوغات الاحتلال.. القاهرة تسارع الزمن لإنقاذ غزة.. خطة مصرية جديدة لإنقاذ اتفاق وقف إطلاق النار.. حماس توافق على الإفراج عن 5 رهائن أسبوعيًا
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
تسعى مصر إلى إنقاذ اتفاق وقف إطلاق النار، بعد تنصل حكومة بنيامين نتنياهو من بدء المرحلة الثانية من الاتفاق، وسقط الاتفاق، الذى أُقر قبل نحو شهرين، عمليًا مع استئناف إسرائيل غارات عنيفة على قطاع غزة تسببت فى مقتل المئات، بينهم قيادات فى الجناح السياسى لحركة حماس.
ونشرت صحيف « هآرتس» العبرية، تقريًرا أفاد بأن هناك خطة مصرية جديدة لوقف إطلاق النار تتضمن إطلاق سراح خمسة رهائن تدريجيًا، من بينهم آخر رهينة أمريكى على قيد الحياة، وستُجرى مناقشات أخرى بعد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ.
وقالت الصحيفة إن الاقتراح ينص على أن حماس ستفرج تدريجيا عن خمسة رهائن وتقدم معلومات عن الرهائن المتبقين مقابل وقف فورى لإطلاق النار، وكان المفاوضون المصريون قد اقترحوا إجراء المزيد من المناقشات، بما فى ذلك المحادثات بشأن الانسحاب الإسرائيلى الكامل من غزة، بعد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ.
وأضافت أن هناك مصدرا أكد أن مصر مهتمة بالتفاوض بين إسرائيل وحماس فقط بشرط أن تقدم الولايات المتحدة الضمانات.
وأفاد المصدر، أن حماس أبدت استعدادها للإفراج عن خمسة رهائن بمعدل رهينة واحد كل عشرة أيام مقابل وقف إطلاق النار لمدة ٥٠ يومًا، وسيشكل هذا إطارًا لمفاوضات معمقة حول إعادة جميع الرهائن المتبقين وانسحاب القوات الإسرائيلية من غزة، ولم يتم تقديم الخطة المصرية، التى يبدو أنها تحظى بدعم حماس، لكن مصادر إسرائيلية قالت إنها على علم بوجود هذه الخطة؛ لكن إسرائيل تصر على إطلاق سراح ١١ رهينة على قيد الحياة، وهو ما يمثل نحو نصف إجمالى من يعتقد أن حماس تحتجزهم، حسبما قال مصدر إسرائيلى مشارك فى المحادثات لصحيفة هآرتس.
وقالت مصادر فى حماس، إنها تتوقع تغيرًا قريبًا فى الموقف الإسرائيلي، وإذا نجحت الحكومة فى إقرار موازنة الدولة لهذا العام، فسيتعزز موقف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بشكل كبير.
ويستند الاقتراح المصرى الأخير إلى حد كبير على اقتراح كتبه مؤخرًا المبعوث الأمريكى ستيف ويتكوف فى الدوحة، وتتمثل النقاط الرئيسية للخطة المصرية الجديدة فى إطلاق سراح خمسة رهائن أحياء، بمن فيهم الجندى الإسرائيلى إيدان ألكسندر، آخر رهينة أمريكى على قيد الحياة، وتزويد إسرائيل بمعلومات عن سلامتهم، وفى المقابل، ستسمح إسرائيل بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة ووقف الأعمال العدائية.
وذكرت وكالة رويترز للأنباء، أن اقتراحا مختلفا، قدمته مصر أولا الأسبوع الماضي، دعا حماس إلى إطلاق سراح جميع الرهائن الذين تحتجزهم فى نهاية المحادثات مقابل جدول زمنى للانسحاب الإسرائيلى الكامل من غزة تحت ضمانات أمريكية. وتتضمن الخطة إطلاق حماس سراح خمسة رهائن كل أسبوع، بشرط أن تبدأ إسرائيل فى الوقت نفسه تنفيذ المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار الذى تم التوصل إليه فى يناير الثانى الماضي، حسبما ذكرت رويترز.
وأشارت المصادر إلى أن الولايات المتحدة وحماس وافقتا على الاقتراح، إلا أن إسرائيل لم ترد حتى الآن، وتستمر إسرائيل فى الادعاء بأنها تفكر فى تكثيف هجومها على غزة، فإن إسرائيل وحماس لم تعلنا رسميًا أن المحادثات انهارت.
وقالت إسرائيل فى الأيام القليلة الماضية، إن المحادثات مجمدة فعليا، لكنها اعترفت أيضا بأن الهجمات المتجددة فى غزة، والتى ورد أنها كانت تهدف إلى الضغط على حماس لتبنى خطة ويتكوف، لم تؤت ثمارها بعد.
فى هذه الأثناء، أفادت وسائل الإعلام العربية بمحاولات الوسطاء صياغة اقتراح من شأنه أن يعيد إسرائيل وحماس إلى طاولة المفاوضات، ويجدد وقف إطلاق النار، ويطلق سراح الرهائن، ويعزز إعادة إعمار غزة.
ونقل كبار قادة حركة حماس مؤخرا رسائل إلى الفصائل الفلسطينية فى غزة، أعربوا فيها عن إدراكهم للظروف الصعبة التى يعيشها القطاع، وأنهم يظهرون مرونة كبيرة فى المفاوضات.
وقال مصدر فلسطينى مشارك فى المفاوضات، إن إسرائيل لا تواجه أى مشكلة فى إطلاق سراح مئات السجناء «الأمنيين الفلسطينيين» لأن هناك الآلاف منهم فى سجونها، فقضية السجناء ليست مشكلة.
وقد تتفاقم الأمور مجددًا إذا طالبت حماس بالإفراج عن سجناء معروفين مثل مروان البرغوثى وآخرين، لكن هذا لن يحدث إلا لاحقًا، ولكن فى هذه الأثناء، نفضل الحصول على بضعة أسابيع أخرى من الهدوء مقابل مساعدات إنسانية وفتح المعبر الحدودى مجددًا ليتمكن المرضى والجرحى من الخروج.
ومن جانبه قال جهاد طه، المتحدث باسم حركة حماس، لصحيفة العربى الجديد، إن الحوارات مع الوسطاء مستمرة بهدف حل العقبات.
وأكد أن حماس تستجيب بشكل إيجابى لأفكار ومقترحات الوسطاء، لكنه أضاف، أن الحكومة المتطرفة فى إسرائيل تظهر فى سلوكها عدم احترام لجهود الوسطاء الذين يعملون بإصرار على وضع حد للهجمات.
إسرائيل تصر على التهجير
وفى تطور خطير ومنحنى آخر للأزمة الفلسطينية؛ افق مجلس الوزراء الأمنى الإسرائيلى على مقترح مثير للجدل لتسهيل هجرة الفلسطينيين من غزة، فى خطوة يحذر المنتقدون من أنها قد ترقى إلى مستوى التطهير العرقي.
وقال وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، الأحد، إن مجلس الوزراء الأمنى المصغر وافق على اقتراح وزير الدفاع يسرائيل كاتس لتنظيم "النقل الطوعى لسكان غزة الراغبين فى الانتقال إلى دول ثالثة، وفقا للقانون الإسرائيلى والدولي، ووفقا لرؤية الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب"، حسب تعبيره.
ويمثل هذا القرار تأييدًا قويًا لخطة كانت تُعتبر فى السابق ضمن الخيال اليمينى المتطرف. ويأتى رغم تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلى فى وقت سابق، بعدم تهجير سكان غزة المدنيين بشكل دائم.
وقال منتقدو القرار إن أى تهجير جماعى لسكان غزة فى خضم حرب مدمرة سيرقى إلى مستوى التطهير العرقي، وهو عمل مرتبط بجرائم حرب والجرائم ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي. ورد المسئولون الإسرائيليون بأن الهجرة ستكون طوعية وتتماشى مع المعايير القانونية الدولية.
وأكدت منظمات الإغاثة أن حرب إسرائيل جعلت الحياة فى غزة شبه مستحيلة. ووصف مارتن غريفيث، كبير مسئولى الإغاثة الطارئة فى الأمم المتحدة، القطاع بأنه "غير صالح للسكن"، وقال إن سكانه "يشهدون تهديدات يومية لوجودهم فى حد ذاته".
ومن شأن الموافقة الإسرائيلية أن تنشئ إدارة داخل وزارة الدفاع "لإعداد وتسهيل التنقل الآمن والمنضبط لسكان غزة الذين يرغبون فى الانتقال الطوعى إلى دول ثالثة"، حسبما أفادت وزارة الدفاع الإسرائيلية فى بيان.
وسيشمل عمل تلك الإدارة "إقامة مسارات للحركة، ونقاط تفتيش للمشاة عند معابر محددة فى قطاع غزة"، وبنية تحتية لكى تمكن الناس من المغادرة.
وقدّم المسئولون الإسرائيليون الخطة على أنها تنفيذ لرغبة ترامب فى السيطرة على غزة، وطرد سكانها الفلسطينيين إلى الدول المجاورة، وتحويلها إلى "ريفييرا" شرق أوسطية.
وكانت وزيرة الدولة للشئون الخارجية فى السلطة الوطنية الفلسطينية، فارسين أغابيكيان شاهين قالت لمذيعة شبكة CNN بيكى أندرسون الشهر الماضي، إن الفلسطينيين "متمسكون بالبقاء فى أرضهم ولن يرحلوا".