عربي21:
2025-03-17@15:17:55 GMT

ضد دين واحد هو الإسلام!

تاريخ النشر: 13th, May 2024 GMT

ليس مشروعا للإصلاح الديني بالأساس، ولكنه توجه للتحرش بالإسلام في المقام الأول والأخير، ترعاه السلطة في هذا المرة ويدعمه الإقليم، الذي اختلطت لديه الأشياء فلم يميز الدين والإسلام السياسي، ولم يستهدف خلق حالة من التدين المسالم غير المهدد للأنظمة، ولكن اعتمد سياسة "كيد النساء"، حتى وإن حشد الجماهير في الجبهة الأخرى المعادية لهذا التوجه!

ولهذا فإن كثيرين ممن أخذوا على عاتقهم الهجوم على هذا التوجه، ليسوا من المنتمين لتيار الإسلام السياسي، ولكنهم من الليبراليين واليسار الوطني، وممن لهم موقف معارض للتيار الديني، وهم يرون ما يحدث يقع تحت حماية السلطة المستبدة، والإقليم الرجعي، والذي خبث لا يخرج إلا نكدا!

ليس من بين الذين تشكلت منهم حركة "تكوين" عالم واحد له باع في التخصص المطلوب للإصلاح الديني، ومجال إنكار السنة عرف أزهريا عبر شيخ ما يسمى بـ"القرآنيين" الدكتور أحمد صبحي منصور، أستاذ التاريخ السابق بجامعة الأزهر، والذي طارده الحكم الاستبدادي حتى استقر به المطاف لاجئا في بداية الأمر في الولايات المتحدة الأمريكية.

وهو يؤخذ من كلامه ويرد، لكنه في الأخير يقول رأيا جديرا بالمناقشة، غير هؤلاء الهواة الذين عندما يحشرون في الزاوية يفرشون الملاية، في خناقات الحواري!

ما هو جدير بالملاحظة، أن هذه الحركات موجهة ضد دين واحد، هو الإسلام، وكأن الديانات الأخرى في اجتهاداتها وطقوسها ليس فيها ما يستحق التوقف، وهم ينادون بالعلمانية، التي لا شأن للإسلام بها، لكنها كانت ضد الكنيسة
ومهما يكن فإن ما هو جدير بالملاحظة، أن هذه الحركات موجهة ضد دين واحد، هو الإسلام، وكأن الديانات الأخرى في اجتهاداتها وطقوسها ليس فيها ما يستحق التوقف، وهم ينادون بالعلمانية، التي لا شأن للإسلام بها، لكنها كانت ضد الكنيسة ومن أحد رموزها هو مارتن لوثر، والذي كان قسا في الأصل، ولم يكن عاطلا يتسكع على مقاهي المثقفين. فلا شأن للإسلام بالعلمانية التي لم تكن في مواجهته أصلا، ويستلفت الانتباه عندما نشاهد قسا إنجيليا ضمن فرقة "تكوين" التي تستهدف الإصلاح الإسلامي، في حين أن كنيسته كانت ضد المسيحية الأصولية، لكنه هنا لا يجرؤ أن يوجه أفكاره في اتجاه الآباء المؤسسين، وقد صار الإسلام في بلد الأزهر هو "الحيطة المايلة"، لنأتي إلى بيت القصيد!

اللحظة الفارقة:

فمثل يوسف زيدان، كمثل القمني، مع فارق في الدرجة، فالأخير قام توجهه بحسب مقولة الملحدين القدماء "ولعت هاشم بالملك.. فلا خبر جاء ولا وحي نزل"، وهو ينكر الأديان جميعها، لكنه مر بلحظة فارقة في حياته، كنت طرفا فيها، جعلته يركز على الإسلام فقط، بل ويكون جزءا من حسابات رموز مسيحية بعينها، لدرجة أنه عندما ألف فيلما تم استهدافه بالاغتيال، وفرّ إلى الخارج عاش في كنفهم، لكنهم لم يجزلوا له العطاء، أو قل إن ما انتظره كان أقل مما يتوقعه، فعاد مرة أخرى للقاهرة، ليموت على سريره، فلا أحد استهدفه، ولا أحد تربص به لاغتياله، وهو ما قررتُه مبكرا في كتابي "شر البلية.. في السياسة والذي منه"، والذي نفد من الأسواق عقب صدوره، ولا توجد نسخة الكترونية منه، حتى لا يقال إنني كالذي ينعى ابنه ويصلح ساعات!

الواقعة التي وردت في الكتاب الصادر في سنة (2009)، كانت عندما دُعي سيد القمني لمحاضرة في الجمعية المصرية للتنوير، ولأن مشروعه يقوم على أنه لا خبر جاء ولا وحي نزل، فقد بدأ بالهجوم على التراث الإسلامي وأمسك بالشيخ الشعراوي هجوما وسخرية، وسط سعادة الحضور وابتهاجهم. وقد تبادلنا أنا وأحد الشباب الليبراليين (لا أعرف الآن أين أراضيه) وقتئذ الرد عليه، وبدت الصدور تضيق بنا ذرعا فاكفهرت الوجوه، ثم كانت قاصمة الظهر عندما انتقل القمني للهجوم على بعض الآراء التي تخص المسيحية، هنا صدرت همهمات من الحضور، الذين كانوا في مجملهم من الإخوة المسيحيين، ولم يفوّت صديقنا هذا الفرصة وقال ضاحكا: الآن.. وأكمل جملته بصوت هذه الهمهمات!

احتيال القمني وجهل يوسف زيدان:

وكان القمني من الذكاء بمكان، فعرف اتجاه الريح، فترك الموضوع وأمسك بصاحبنا وأعلن أسفه لأن يتعامل شاب مثقف بهذا الشكل، وعاد وزاد في سلوك صاحبنا الذي لا يليق بمحفل مستنير، وكان هذا هروبا من النافذة، فعلم أن جمهوره لا يتقبل منه إلا التحرش بالإسلام، والسخرية من شيوخه، فواصل المسيرة في هذا الاتجاه!

الأمر نفسه يسري على يوسف زيدان، وهنا لا بد من مقارنة بين الشخصين، فسيد القمني محتال يقرأ التراث قراءة انتقائية، للبحث عما يؤكد ما يقرره ابتداء قبل حصة المطالعة، فإن لم تسعفه الكتب اختلق الفكرة، لذا فقد أمسك به بعض الباحثين في موقع "إسلام أون لاين" وتعقبوا هوامش كتبه ليجدوها من تأليفه فلا أساس لها، وأن إحالاته للمجهول، وأثبتوا هذا كله، لكن بإغلاق الموقع أُهدر هذا الجهد. فيذكر القمني واقعة ويحيلها مثلا لكتاب تراثي مع ذكر الطبعة، والصفحة، وليس هناك شيء من هذا في المرجع المذكور!

أما يوسف زيدان فهو متواضع الثقافة، متورم الذات، ولهذا هو يأتي بالعجائب. انظر كيف شرح بيت شعر قديم بما يكشف عن جهل رضي عنه بحجم رضاه هو عن الجهل، وقبل كتابة هذه السطور استمعت لمقطع من لقاء تلفزيوني يتحدث فيه عن محنة الإمام أحمد بن حنبل، وكيف أنه مات تحت التعذيب في قضية خلق القرآن، والثابت أنه رغم التعذيب الشديد إلا أنه مات بعد المحنة بسنوات!

بيد أن يوسف زيدان مثل غيره من جماعة "تمكين"، يظهرون بمفردهم في البرامج التلفزيونية بحسبانهم محميات طبيعة، يتكفل أولياء أمورهم في الداخل والإقليم بحمايتهم، لهذا فإن استضافتهم في معظم المرات منفردين، ليعبروا عن جهلهم أبلغ ما يكون التعبير، وفي حضرة مذيع أجهل!

ما علينا، فتوجه يوسف زيدان هو للإصلاح الكنسي أو المسيحي، وهو ما ثبت من عمله "عزازيل"، وهو ما قيل إنه مسروق مرة من مخطوط لكاتبه الراهب هيبا، ومرة انه منقول نقل مسطرة من رواية أجنبية، بحسب المدير السابق لليونسكو، وهو أمر يحتاج إلى فحص وتدقيق في الاتهام، إلا ان الجدير بالملاحظة أن يوسف زيدان ومع انشغاله كثيرا بـ"الهرتلة" عَمّال على بطّال، لم ينشغل بالرد على هذا الاتهام، الذي إن صح لأسقط عنه الثقة والاعتبار!

احتشاد الكنيسة ضده:
شعر هنا أن هذا التخصص من شأنه أن يجعله في أزمة مع الكنيسة وجمهورها، فذهب يقصر دعوته للإصلاح الديني على الإسلام، وإنه لمن المدهش أن يكون "داعية الإصلاح الديني" لا يستطيع قراءة آية قرآنية بشكل صحيح
ومذكرات الراهب هيبا تنتقد كثيرا من تعاليم الكنيسة المصرية، لذا فقد احتشدت الكنيسة للهجوم عليها، وصدرت عن ثلاثة من الآباء الكهنة ثلاثة مؤلفات للرد عليها، فكان الاتفاق على تصنيفها كرواية، وقد فازت بالبوكر العربية. فقد عاش يوسف زيدان في دور الأديب الكبير، لتكون هذه الراوية هي "بيضة الديك"، وقد أصدر روايتين أو ثلاثا بعد ذلك فلم تحقق نجاحا يُذكر، وليس هذا هو الموضوع!

فقد شعر هنا أن هذا التخصص من شأنه أن يجعله في أزمة مع الكنيسة وجمهورها، فذهب يقصر دعوته للإصلاح الديني على الإسلام، وإنه لمن المدهش أن يكون "داعية الإصلاح الديني" لا يستطيع قراءة آية قرآنية بشكل صحيح!

لقد عرف التاريخ دعاة للإصلاح مثل الإمام محمد عبده، وجمال الدين الأفغاني، والشيخ محمد الغزالي، بيد أن هؤلاء كانوا أئمة وعلماء، في حين أننا الآن أمام تفاهة يمثلها زيدان ورفاقه، والتي تجعلهم ريشة في مهب الريح إذا جرت مناظرتهم من قبل آخرين، لأنهم ليسوا على شيء!

لقد ذكر لي المثقف القومي المغربي عبد الإله المنصوري كيف أن زيدان حل على مؤتمر في المغرب، ولم يكن جاهزا، وبدا كما لو كان لم يعد موضوعه، فقال كلاما بخفة أثار استنكار الحاضرين لأنهم اعتبروه استهانة بالمغرب العربي من جانب المشرق، إلى حد أن يتعامل معهم المحاضر بهذه الخفة. وقلت له إن زيدان لم يستهدف الاستخفاف بكم، لكن هذه حدوده الفكرية، فمن تعتقدون أن يكون محمد عابد الجابري أو حسن حنفي؟!

إنها الضحالة يا سيدي!

twitter.com/selimazouz1

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه تكوين الأديان المصرية مصر الاسلام العلمانية أديان تكوين مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة یوسف زیدان

إقرأ أيضاً:

الإنجيليون تيار الولادة الثانية في الكنيسة البروتستانتية

تيار ديني تجديدي محافظ، انبثق من رحم الكنيسة البروتستانتية، يضم مجموعة من الكنائس المستقلة، تجمع بينها مبادئ عقدية، ترتكز على التحول للإيمان بالتوبة (الولادة الثانية)، والاعتقاد بالسلطة المطلقة للكتاب المقدس وحده، وصلب المسيح وتضحيته، ونشر الإنجيل في جميع أنحاء العالم.

والإنجيلية حركة مسيحية عالمية، يُقدر عدد أتباعها بما يزيد على 600 مليون نسمة حول العالم (وفق بيانات التحالف الإنجيلي العالمي)، يتجمع أكثر من 90 ألفا منهم في الولايات المتحدة الأميركية، يشكلون قوة سياسية مؤثرة في الانتخابات الأميركية وقرارات البيت الأبيض المتعلقة بالسياسات الداخلية والخارجية.

ويَعتبر الإنجيليون دعم الاحتلال الإسرائيلي مسألة عقدية، لأن إقامة إسرائيل -في نظرهم- وسيادتها في الأراضي المقدسة (فلسطين) "تحقق نبوءة آخر الزمان"، التي تنتهي ببناء الهيكل وعودة المسيح المخلص، الذي سيحكم العالم من القدس.

ولطالما مارس الإنجيليون ضغوطا على الإدارة الأميركية، لتقديم مزيد من الدعم لإسرائيل، ففي الولاية الأولى للرئيس الأميركي دونالد ترامب (2016-2020)، والذي يمثل الإنجيليون ثلث قاعدته الانتخابية، اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية إليها بين العامين 2017 و2018.

وفور تنصيبه للولاية الثانية مطلع عام 2025، ألغى أمرا تنفيذيا يسمح بفرض عقوبات على المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية، وضغط لتهجير فلسطينيي قطاع غزة، وإضافة إلى ذلك سارع الإنجيليون إلى الضغط عليه للسماح لإسرائيل بضم الضفة الغربية كاملة.

إعلان النشأة

تعود جذور الإنجيلية إلى حركة الإصلاح الديني في الكنيسة الكاثوليكية، التي تزعمها مارتن لوثر وأتباعه في أوروبا في القرن السادس عشر، والتي تقوم على الاعتقاد بالكتاب المقدس مصدرا وحيدا موثوقا ومُلزما للحقيقة الدينية، وكان أتباع هذه الحركة أول من أُطلق عليهم "إنجيليون"، لتمييزهم عن غيرهم من أتباع الحركات الإصلاحية الأخرى.

وفي القرن السابع عشر نشأت حركة الإحياء الإنجيلي، وهي حركة تجديدية داخل الكنيسة البروتستانتية، رافضة للشكليات والجمود الذي طغى على الكنيسة، وشكلت تلك الموجة التيار الثاني الذي غذى الإنجيلية بعد الإصلاح اللوثري.

وكانت البداية من ألمانيا تحت مسمى "حركة التقوى"، التي تأسست بجهود من القس اللوثري فيليب جاكوب سبينر، وركزت على التحول و"التجديد "الداخلي للإنسان" والاعتقاد بأن مثل هذه التجربة ضرورية للخلاص.

ومع دخول القرن الثامن عشر أخذت هذه الحركة تنتشر في إنجلترا، وكان من أبرز المبشرين بها تشارلز ويسلي مؤسس حركة الميثودية، وبلغ تأثير الإنجيليين ذروته في بريطانيا في القرن التاسع عشر، إذ أثرت المعتقدات والممارسات الإنجيلية آنذاك بشكل عميق على الحياة والفكر والسياسة المحلية والاستعمارية البريطانية.

ولم يقتصر نشاط تيار الإنجيلية في إنجلترا على نشر الأعمال اللاهوتية، بل نشروا أعمالا أدبية وعملوا في تحرير المجلات وإدارة الجمعيات، وساهموا بقوة في النشاط الثقافي.

وفي أواخر القرن الثامن عشر نمت الإنجيلية في الولايات المتحدة، واتسع نطاق الدعوة لها بشكل متزايد في أوروبا وأميركا بحلول القرن التاسع عشر، من خلال رجال الإحياء الديني الأميركيين، أمثال: تشارلز غرانديسون فيني ودوايت إل. مودي، وأرسلت الحركة بعثات تبشيرية عالمية، استهدفت أميركا الجنوبية وأفريقيا وآسيا.

وتنامت قوة الإنجيلية وامتدادها في العالم، ووحد أتباعها من مختلف الطوائف حول العالم جهودهم وشكلوا التحالف الإنجيلي عام 1846 في لندن، ثم أنشؤوا فروعا أخرى له بين العامين 1846 و1955 في العديد من الدول، مثل فرنسا وألمانيا وكندا والولايات المتحدة والسويد والهند وتركيا وإسبانيا والبرتغال، ونشطت المؤتمرات العامة في أوروبا وأميركا.

ديفيد بارسونز نائب رئيس السفارة المسيحية الدولية في القدس عام 2018 (رويترز) انشقاق الأصولية

مع اندلاع الثورة العلمية التي بدأت في نهاية القرن التاسع عشر، واجهت المسيحية البروتستانتية تحديا جديدا، تمثل في النقد الكتابي، وهو ما جعل بعض الكنائس تميل مع هذا الاتجاه على حساب الأصولية الكنسية.

إعلان

وفي الاتجاه المعاكس نشأ تيار ثالث في الإنجيلية، دافع عن التعاليم المسيحية البروتستانتية التقليدية، وفي الوقت نفسه نظر إلى الكتاب المقدس لا لكونه مصدرا لاهوتيا فقط، بل باعتباره أساس الحياة الشخصية والجماعية.

وفي القرن العشرين أدت الخلافات حول تفسير الكتاب المقدس إلى حركة انشقاق داخل الكنيسة البروتستانتية في الولايات المتحدة، وأصبح واضحا الانقسام بين الإنجيليين التقدميين والأصوليين حول قضايا مثل النقد الكتابي والمشاركة الاجتماعية، لذلك انفصل بعض الأصوليين عندما فقدوا التأثير في طوائفهم، وأسسوا كنائس جديدة، وكليات ومعاهد دينية ملتزمة بالفكر الأصولي.

ومع منتصف القرن نشأت حركة جديدة أطلق عليها "الإنجيلية الجديدة" ثم الإنجيلية فقط لاحقا، لتمييز أفرادها عن الأصوليين الانفصاليين، وتألفت الإنجيلية الجديدة من الطوائف التي حافظت على التعاليم الأصولية، وعلى عكس الانفصاليين، أبقت على الود مع الطوائف المسيحية الأخرى، وكان من أبرز قادتها بيلي غراهام، الذي أصبح شخصية محورية في حمل الرسالة الإنجيلية عبر العالم.

وفي حين رغب الأصوليون في رؤية أنفسهم إنجيليين، أراد الإنجيليون الآخرون تمييز أنفسهم باسم "الإنجيليون الجدد"، ومع ذلك، بقي لدى الطرفين فيما بعد الكثير من القواسم المشتركة حول عناصر التجديد في الكنيسة.

الانتشار حول العالم

شهد القرن العشرون انتشارا واسعا للإنجيلية حول العالم، وشكل قادتها في الولايات المتحدة الرابطة الوطنية للإنجيليين عام 1942، وفي النصف الثاني من القرن، اتسع انتشار الإنجيلية في العديد من الدول، مثل البرازيل وجنوب أفريقيا وكوريا الجنوبية والفلبين، وغدت الإنجيلية قوة مهمة في العالم المسيحي، تعمل بشكل منظم عبر تشكيل "الزمالة الإنجيلية العالمية" عام 1951، والتي سُميت لاحقا "التحالف الإنجيلي العالمي".

إعلان

وأسست الحركة مجموعة من المنظمات المدنية تضم أصحاب المهن مثل الأطباء والعلماء والرياضيين، وأصبحت قوة ثقافية مهمة، لها نشاطات في الكثير من الجامعات، وساهمت في نشر دراسات حول العلوم واللاهوت والدراسات الثقافية في المجلات العلمية، واستغلت كذلك البث الإذاعي والتلفزيوني لإيصال رسالتها.

ونمت الحركة في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، بسبب التقارب بين تيار المحافظين فيها مثل الكنائس المشيخية والمعمدانية، وتيار التقاليد الميثودية كالكنائس الخمسينية وكنائس القداسة، ووحد الجانبان جهودهما، وهو الأمر الذي ساعد في تسارع انتشار الحركة حول العالم مع دخول القرن الحادي والعشرين.

وفي عام 2020، أظهرت دراسة فرنسية تستند إلى 25 وثيقة حول الإنجيلية في العالم، أن قارة آسيا تضم أكبر تجمع للإنجيليين، بتعداد وصل إلى نحو 215 مليون نسمة، وجاءت أفريقيا في المرتبة الثانية بتعداد بلغ 185 مليونا.

وكان أبرز تجمع لهم على مستوى الدول في الولايات المتحدة، التي ضمت 93 مليون إنجيليّ، تليها الصين بتعداد 66 مليونا، ونيجيريا بنحو 58 مليونا والبرازيل بحوالي 47 مليون نسمة.

وبمرور السنوات، أصبح التحالف الإنجيلي العالمي عبارة عن شبكة من الكنائس تنتشر في أكثر من 140 دولة، وتخدم أكثر من 600 مليون مسيحي إنجيلي حول العالم، وهو ما يعادل نحو ربع المسيحيين في العالم.

الاتحاد الإنجيلي العالمي (الموقع الرسمي) العقائد والممارسات

تعود أصول كلمة "الإنجيلية" إلى اللغة اليونانية وتعني "البشارة السارة"، وجاء في الموقع الرسمي للاتحاد الإنجيلي العالمي، أن كلمة "إنجيلي" مشتقة من كلمة "إنجيل"، لأنها تعني الشخص المنتسب إلى الإنجيل، والذي يشكل هذا الكتاب السماوي محور تفكيره وحياته واهتمامه.

ولا تُعد الإنجيلية طائفة بعينها، وإنما هي تيار ديني ينتمي المؤمنون به إلى كنائس وطوائف مختلفة، مثل الكنائس المعمدانية والسبتية والميثودية وكنائس المسيح وكنائس القداسة والكنائس الخمسينية.

إعلان

ولا توجد سلطة مركزية عالمية تخضع لها تلك الكنائس، بل هي مجموعة كنائس مستقلة، تعتمد على سلطة القادة الإنجيليين المحليين، وتجمع بينها مبادئ عقدية مشتركة، تُعرف بها وتميزها عن غيرها من الكنائس المسيحية الأخرى، وترتكز على 4 مبادئ أساسية:

التحول:

يؤكد الإنجيليون على أهمية تجربة التحول الصادق إلى الإيمان، والذي يأتي من خلال التوبة، والانتقال من حياة الخطيئة إلى الإيمان، وهو ما يُسمى بالولادة الثانية، لذلك يطلق عليهم أيضا "المولودون من جديد".

ويمثل طقس المعمودية أهمية مركزية عندهم، لأنه يدل على التحول والميلاد الجديد، الذي يعتبره الإنجيليون نقطة تحول كبرى في مسار حياة الإنسان، تحدد هويته وتختم خلاصه.

سلطة الكتاب المقدس:

يعتمد الإنجيليون على الكتاب المقدس وحده (العهد القديم والعهد الجديد)، فهو السلطة العليا في جميع أمور الاعتقاد والطقوس، ويجب أن تكون له الأسبقية دائما على العقل والتقاليد والسلطة الكنسية والخبرة الفردية.

ويعتمد الإنجيليون المعنى الحرفي الظاهر من نصوص الكتاب المقدس، ويرفضون جهود التأويل، فهم يرون أن الإنسان قادر على معرفة الله من خلال الكتاب المقدس وحده، لأن الله قد كشف فيه الحقيقة الشاملة والأبدية بطريقة يمكن للجميع فهمها.

وتشكل صورة إنسان (رجل أو امرأة) يحمل الكتاب المقدس في يده رمزا للإنجيلية في كثير من أنحاء العالم، للدلالة على الإيمان بقوة الكتاب المقدس.

صلب المسيح وتضحيته:

تعتبر هذه القضية مركزية لرسالة الإنجيل، وتشكل جوهر المعتقدات الإنجيلية، ويقصد بها أن كلمة الله الأزلية حلّت في يسوع الناصري، الذي أظهر الله بشكل واضح للبشرية، وأنه مات على الصليب، للتكفير عن خطايا البشرية.

النشاط التبشيري:

ويقصد به الالتزام بنشر الإيمان و"البشارة السارة" للمسيح بين جميع الناس في العالم، وإثبات حقيقة الإنجيل في التبشير والخدمة الاجتماعية.

إعلان

وفضلا عن تلك العقائد المشتركة، لكل كنيسة من الكنائس الإنجيلية خصوصيتها العقدية والفكرية التي تميزها عن غيرها، فقد تختلف كنائس الإنجيليين فيما بينها في تفصيلات تتعلق بالطقوس وأسلوب العبادة وموقفها من القضايا الاجتماعية وبعض المسائل اللاهوتية، مثل: المعمودية ودور المرأة في القيادة.

وتركز الحركة الإنجيلية على استقامة السلوك، وقد اعتاد المؤمنون بها في القرون الأولى الابتعاد عن التدخين والكحول وممارسة الجنس المحرم والطلاق والرقص ومشاهدة الأفلام، ولكن الالتزام بهذه الأمور بدأ يتراجع نسبيا مع مرور الزمن، إلا أن الإخلاص في الزواج ظل أمرا بالغ الأهمية.

تفاعلات اجتماعية وقوة سياسية

كوّن الإنجيليون بمرور الزمن، أنماطا مشتركة في التفكير وأسلوب الحياة، مثل الهوية المسيحية في المشاركة السياسية، والحركات المناهضة للشذوذ الجنسي والخمر والإجهاض، وطوروا وفقا لذلك تحالفات تنظيمية وشبكات للتفاعل الاجتماعي.

وساد بين كثير منهم اتجاه عام يقوم على التفاعل مع المجتمع المدني، وبدأت الإنجيلية تظهر بصفتها حركة اجتماعية تجمع بين مبادئ الإيمان والشعور بالحماسة والالتزام المُغيّر للحياة، وتم إنشاء صالات الألعاب الرياضية للكنائس وقاعات الزمالة والمقاهي والمكتبات وتجمعات للباحثين مصممة للترفيه، وتديرها الكنيسة.

واستطاع الإنجيليون الانتشار من خلال إنشاء مؤسسات تعليمية وفنية ومدارس دينية، وقد ارتبط صعودهم ببرامج الدعم الاجتماعي التي أسسوها والأنشطة الإنسانية التي قادوها، مثل إنشاء المدارس والعيادات وحفر الآبار والمساعدة في إطلاق مشاريع تجارية.

وسعى الإنجيليون إلى التأثير في الجانب السياسي، فحرصوا على رفع مستوى مشاركتهم السياسية، لا سيما في الولايات المتحدة، إذ طوروا أيديولوجية سياسية خاصة بهم، وشكلوا مؤسسات وشبكات من المسيحيين المحافظين بهدف نشر أيديولوجياتهم في هذا المجال، وكونوا مجموعات ضغط مثل منظمة " التركيز على الأسرة" و"تحالف الإيمان والحرية".

إعلان

وتُظهر إحصائيات مركز الأبحاث الأميركي "بيو" للفترة بين عامي 2023 و2024، أن الإنجيليين هم المجموعة الدينية الكبرى في الولايات المتحدة، وقد مثلوا نسبة تصل إلى 23% من إجمالي البالغين في البلاد، وبذلك شكلوا كتلة انتخابية ضخمة، أصبحت دعامة رئيسية للقاعدة الانتخابية للحزب الجمهوري، الذي يتماشى أكثر مع المواقف المحافظة التي يتبنونها في القضايا الدينية والأخلاقية والاجتماعية.

وارتبط الإنجيليون بالأحزاب المحافظة في العديد من البلدان الأخرى حول العالم، ففي أميركا اللاتينية أسسوا أكثر من 20 حزبا، أثروا من خلالها في السياسة، ومن ذلك، دعم الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو، الذي يعتنق أفكارهم، للوصول إلى السلطة في العام 2018.

وفي أفريقيا، تضغط الحركة الإنجيلية على الساسة ونخب الدول للتأثير في صناعة القرار السياسي على المستوى المحلي أو الوطني، لا سيما في الدول ذات النسبة العالية من السكان الإنجيليين.

فرانكلين غراهام الرئيس والمدير التنفيذي لجمعية بيلي غراهام الإنجيلية (الفرنسية) قوة داعمة لإسرائيل

يُعتبر الإنجيليون جزءا من الحركة المسيحية الصهيونية، التي تؤمن بأن فلسطين هي الأرض المقدسة التي وُعد بها اليهود في الكتاب المقدس، وأن القدس هي عاصمتهم، ويعتقدون بوجوب المساهمة في تحقيق ذلك الوعد.

ويتعلق الإنجيليون بشدة بالنبوءة التوراتية التي تقول إن اليهود سيعودون إلى الأرض المقدسة (فلسطين) في آخر الزمان، ويسودون عليها، ويبنون الهيكل في القدس، ويَعُد الإنجيليون هذه النبوءة إحدى عقائدهم المركزية.

وترى النبوءة أن حربا ستقع في أعقاب بناء الهيكل، يُقتل فيها ثلثا اليهود، ويعتنق الثلث الآخر المسيحية، وبعد 7 سنوات ينزل المسيح من السماء ليخلص البشرية، ويقود المؤمنين للنصر في المعركة المسماة "هرمجدون"، التي ستقع في وادي جبل مجدو، شمالي فلسطين المحتلة، ويحكم ألف عام من الهيكل في القدس.

وينشغل الإنجيليون بالنبوءة وتحقيقها، وينظمون بشكل مستمر رحلات دينية إلى القدس والأراضي الفلسطينية، تشمل زيارة جبل مجدو، يستمعون أثناءها إلى روايات رجال الدين حول النبوءة والمعركة التي ستقع في تلك المنطقة.

وقد حمل هذا المعتقد الإنجيليين على تقديم دعم غير محدود لإسرائيل، يتجلى في التبرعات المالية الضخمة والدائمة، والتي تتضاعف في حالات الحروب، وتأييدهم السيطرة الإسرائيلية التامة على كامل أراضي فلسطين التاريخية، ودعم الاستيطان فيها، إضافة إلى جهود إعلامية قوية مناصرة لإسرائيل، والوقوف معها في كل حروبها.

إعلان

وقد أسسوا مجموعة من المنظمات، تهدف إلى تقديم الدعم والمناصرة للاحتلال الإسرائيلي، منها:

منظمة مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل، وتعد أكبر المنظمات الإنجيلية المناصرة لإسرائيل، تأسست عام 1992، وتضم أكثر من مليون عضو.

منظمة السفارة المسيحية العالمية، وتضم مسيحيين متضامنين مع إسرائيل من كافة أنحاء العالم، وتعمل في 170 دولة. لها فروع في 90 دولة، وتنفذ برامج لتشجيع هجرة اليهود إلى المستوطنات، بما فيها منح كل مهاجر راتبا شهريا مجزيا.

مؤسسة الصداقة، وتنشط بشكل أساسي في دعم الهجرة والاستيطان في إسرائيل.

وتقدم الإنجيلية في الولايات المتحدة خصوصا، دعما سياسيا غير محدود لإسرائيل، ومن صوره التصويت لمرشح الرئاسة الداعم أكثر للاحتلال، ثم استثمار ذلك لاحقا وسيلة ضغط لتحقيق مطالبهم، والتي منها التمكين لإسرائيل.

وقد ضغطت الكتلة الإنجيلية التي انتخبت ترامب في ولايته الأولى عام 2016، والتي شكلت حوالي ثلث ناخبيه، من أجل إعلان القدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة إليها.

وفي انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2024، صوت نحو 80% من الإنجيليين لصالح ترامب، بما يمثل حوالي ثلث ناخبيه، وبمجرد تنصيبه في يناير/كانون الثاني 2025، حقق بعض مطالبهم، فقد ألغي أمرا تنفيذيا للرئيس الأميركي السابق جو بايدن، كان يسمح بفرض عقوبات على المستوطنين في الضفة الغربية، وضغط لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة.

ولم تكتف الحركة بذلك، فسرعان ما ضغطت عليه لتحقيق مطالب إضافية، منها السماح لإسرائيل بضم الضفة الغربية.

ولكن هذه الأفكار بدأت تتقلص في جيل الشباب من الإنجيليين، الذي بدأ يتبنى وجهة نظر أكثر انفتاحا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، تطالب "بتحقيق العدالة لجميع الأطراف".

وقد كشف استطلاع للرأي، أُجري بتكليف من جامعة نورث كارولينا عام 2021، أن الإنجيليين الأصغر سنا (أقل من 30 عاما) انخفضت نسبة الداعمين منهم لإسرائيل ما بين العامين 2018 و2021 من 75% إلى 34%.

إعلان

مقالات مشابهة

  • بشعار «رمضان يجمعنا».. اليوم انطلاق فعاليات ملتقى الإنشاد الديني و الترانيم بمعهد إعداد القادة
  • التعليم العالي: انطلاق الموسم الثاني من ملتقى «رمضان يجمعنا» للإنشاد الديني والترانيم مساء اليوم
  • الثقافة تفتتح ملتقى الطور للإنشاد الديني.. أنغام ومدائح تزين ليالي رمضان
  • الإنجيليون تيار الولادة الثانية في الكنيسة البروتستانتية
  • عبد الناصر زيدان: حجم خسائر النادي الأهلي يصل إلى 220 مليون جنيه
  • ناصر زيدان يهاجم الحكم محمد عادل بسبب لاعب المقاولون
  • الخطاب الديني في سلطنة عمان.. تعزيز للتسامح والاعتدال والتقارب
  • ذكرى رحيل البابا شنودة الثالث.. حكيم الكنيسة وصوت الوطنية
  • محافظة دمشق: تدعوكم جماهير الثورة للمشاركة في استكمال فعاليات احتفال ذكرى الثورة السورية المباركة، التي ستُقام اليوم السبت عند الساعة الثامنة والنصف مساءً في ساحة الأمويين، وذلك بسبب ارتفاع درجات الحرارة نهاراً
  • وزراء وبرلمانيون إسرائيليون يطالبون الكونغرس الأميركي بإعلان حق اليهود الديني بالأقصى