قالت تقارير إعلامية مغربية إن فعاليات معرض الرباط الدولي للكتاب شهدت أول أمس السبت "حالة طوارئ" ثقافية، بسبب الزحام وإقبال الزوار على حفل توقيع الكاتب السعودي أسامة مْسَلَّم، الأمر الذي فاجأ الكثير من الزوار الذين سمعوا لأول مرة عن هذا الكاتب السعودي الشاب.

وذكرت هذه المصادر أنه وبسبب حالة الإزدحام التي أدت إلى إغماءات في صفوف المراهقات خاصة، اضطرت إدارة المعرض إلى اختصار لحظة التوقيع والإعلان عبر مكبرات الصوت بأن الكاتب السعودي غادر المعرض للتخفيف من حالة الإزدحام.



الكاتب والباحث المغربي الدكتور التيجاني بولعوالي كتب نصا بخصوص معرض الرباط الدولي للكتاب، الذي انطلق يوم 10 أيار (مايو) الجاري ويمتد إلى غاية يوم 19 من أيار (مايو) الجاري، وخص بالذكر  الروائي السعودي أسامة المسلم وكيف استطاع أن يخترق أزمة القراءة التي خيمت على المشهد الفكري المغربي والعربي كما بدت له في معرض الرباط الدولي للكتاب، ننشرها هنا في "عربي21" تعميقا للنقاش..

من رأى ليس كمن سمع!

غيابي هذا العام عن المعرض الدولي للكتاب في الرباط (2024)، جعلني أتابع بعض مجرياته عن بعد. أكيد أن من رأى ليس كمن سمع! لكن ما تتناقله بعض وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعية "الموثوقة" يكفي لأن ننسج صورة تقريبية عن طبيعة المعرض؛ وهي صورة إن لم تكن صحيحة 100%، فلعلّها تنطوي على بعض المؤشرات التي تسعفنا كمثقفين وقراء لنستوعب توجهات القراءة، ونستغور نوايا صناع القرار غير المعلنة، بل ونفكك المخططات الخفية التي ما انفكت تُحاك لزحزحة الثابت العقدي والهوياتي في الشخصية المغربية.

وقد تابعت الملاحظات المتنوعة التي تم تسجيلها حول معرض الكتاب، ويتعلق أغلبها، كما العادة، بالغلاء  الفاحش للكتب، وإقصاء بعض دور النشر، وعدم الرضا على البرنامج "الفرنكفوني" للوزارة المعنية بالأمر، وغيرها.

آه، نسيت أن المعرض شهد هذه السنة ظاهرة مثيرة للغاية، تتعلق بالروائي السعودي "أسامة المسلم" الذي سرق الأضواء، ونحن في "دار غفلون"! سرق الأضواء وجعل معظم الكتاب الآخرين في ظلام دامس! أنا شخصيا لست ضد ما حصل، كما لمست في عشرات التدوينات والتعليقات المستغربة، وأحيانا المستنكرة! لو كنت حاضرا، لاشتريت بعض كتبه، ليس ليوقّع عليها صاحبها، كما يحلم بذلك الجمهور الغفير من الشباب والشيب الذي حج إلى عين المكان.


         الروائي السعودي "أسامة المسلم" الذي سرق الأضواء، ونحن في "دار غفلون"!

أعتقد شخصيا أن هذه الظاهرة ينبغي أن تُفهم لا أن تُلجم، لأن ثمة مؤشرات خفية على تحول جذري في توجهات القراءة وتطلعات القراء، لا سيما الشباب منهم، لكن لا أحد سواء من الكتاب أو النقاد التفت إلى ذلك. نحن ما زلنا نكتب بعقلية السبعينات والثمانينات لجيل تفصله عقود طويلة عن تلك المرحلة التي أصبحت في خبر كان، وعندما لا يباع الكتاب نلعن الظلام عوض أن نكتب ما يريده الناس ويحبه الشباب والأطفال، الذين خلقوا لزمان غير زماننا، كما قيل!

سألني ذات مرة ابني الصغير: أبي، هل أنت يوتيوبر؟ لأنه شاهد بعض أشرطتي من المحاضرات الهولندية والعربية، أجبته بالنفي، لكنه أصر قائلا بنوع من الدهشة: ولماذا لك قنوات وتنشر فيها؟ قلت له: فقط للحفاظ على هذه التسجيلات وجعلها متاحة للطلبة والمهتمين. ربما لم يقتنع بكلامي، ورأى أني قد أكون يوتيوبرا ناجحا، فاسترسل قائلا ببراءته الطفولية: أبي، إذا أردت أن يرى أشرطتك الكثير من الناس وتجلب آلاف المشاهدين والمشتركين، عليك أن تأخذ الميكرفون وتذهب إلى الشاطيء وتتكلم وتسأل الناس وهكذا... ضحكت في الحقيقة ملء أشداقي، ليس استصغارا لما قاله ابني، بل إدراكا مني بأني لم أعد أخاطب بفكري السياق المناسب، أو بالأحرى لم يعد فكري يناسب السياق الذي أعيش فيه.

وهذا ما ينطبق في الحقيقة على معظم الكتاب من جيلي، لأننا تمسكنا بعشق الكتابة الذي حجب عنا واقع الناس الواسع، فاكتفينا بنخبة النخبة، فتشبث الشعراء بعمود الشعر في زمن لم يعد يُقرأ فيه الشعر، وغاص الروائيون في الميثولوجيا والتاريخ بدل معالجة الواقع المعيش الذي يعج بالأحداث والغرائب، وغرق المفكرون والفلاسفة في المفاهيم المعقدة والمصطلحات الغريبة، فاصبحنا معها نحتاج إلى عشرات الساعات لفك طلاسمها وألغازها، وانحبس الفقهاء في القواعد والكليات والمنطقيات دون التفطن لفقه الواقع حيث الناس تتقاذفهم الفتاوى العابرة للقارات والأفكار الهدامة، وهكذا دواليك.

لعل الكاتب السعودي ـ الظاهرة استطاع أن يدرك الرغبة الدفينة في نفس ابني الصغير، وفشلت أنا الأب والكاتب والمفكر في إدراكها، رغم أنه من تربية يدي، وأقضي معه الساعات الطوال داخل المنزل وخارجه. وابني الصغير هنا هو رمز لهذه الأجيال المسلمة الصاعدة في كل مكان، لكنها للأسف الشديد مغيبة من برامج الوزارات واستراتيجياتها، ولا يكاد اهتمامها بالشباب والطفولة يتجاوز البعد الشكلي "البروتوكولي"، وأيضا مغيبة من رؤية معظم الكتاب والنقاد والمفكرين ودور النشر (أقصد من كلامي السياق العربي لا الغربي!).

تفسر بعض التعليقات نجاح الكاتب السعودي بكونه اعتمد أسلوبا فريدا يتسم بالسلاسة والخيال الجامح وخلق شخصيات أسطورية وعوالم غريبة؛ لكن أليس هناك الكثير من الروائيين العرب الذين يكتبون بهذه الطريقة، بل وأفضل بكثير؟! ومع ذلك، فتظل رواياتهم كاسدة ولا يباع منها إلا النسخ القليلة التي قد لا تتعدى أصابع اليد الواحدة.

هناك تفسير آخر، وهو أن الكاتب السعودي قريب جد من جمهوره الشباب، فهو يستثمر بذكاء وحذق ودهاء الإعلام الجديد وشبكات التواصل الاجتماعي، حيث يخصص جلسات تفاعلية مكثفة مع قرائه، وينظم لهم المسابقات، ويوزع عليهم الهدايا، وغير ذلك. ولعل هذا أسلوب جديد في عالم معولم تتحكم فيه الشبكات الاجتماعية، لكن ألسنا أيضا مشتركين في مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، ومع ذلك لا نتلقى إلا بعض لايكات الإعجاب القليلة؟

وفي الأخير، أود أن أنهي كلامي ببعض التساؤلات المفتوحة: كيف تسلل الكاتب ـ الظاهرة في جنح الليل إلى قلوب أبنائنا وبناتنا وعيون الكتاب ناعسة وأقلام النقاد غافلة؟ هل يرجع هذا النجاح "الشكلي" العارم الذي حققه الكاتب ـ الظاهرة حقا إلى فرادة أسلوبه وتميز خطابه الروائي أم أن هناك عوامل أخرى (سياسية، إيديولوجية، ثقافية، إعلامية...) ساهمت في هذا النجاح "الشكلي"؟ ألا يعني هذا الإقبال المكثف على ما يكتبه هذا الكاتب ـ الظاهرة أن وضعية القراءة "بخير"، وأن المشكلة تكمن بالأساس في عدم تمكن الكتاب والنقاد من حل شفرات الاستعداد القرائي لدى القاريء العربي؟

*كاتب وباحث مغربي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير معرض المغربي الكتاب المغرب كتاب معرض رأي سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الکاتب السعودی الدولی للکتاب أسامة المسلم ـ الظاهرة

إقرأ أيضاً:

محافظ القاهرة يحاور مجموعة من الطلاب في مكتبة «اقرأ نون السحار» بمدينة نصر

تفقد الدكتور إبراهيم صابر، محافظ القاهرة مكتبة «اقرأ نون السحار» بمدينة نصر والتي تقدم خدمة القراءة المجانية، إذ التقى بمجموعة من طلبة وطالبات المدارس الذين عبروا عن سعادتهم لوجود مكتبات مجانية بهذا المستوى المتميز الذى يشبع لديهم هواية القراءة بالمجان.

تعزيز البنية الثقافية

وأكّد محافظ القاهرة أن المكتبة التي تشهد إقبال كبير من الطلاب والشباب تمثل خطوة مهمة نحو تفعيل توجيهات القيادة السياسية الرامية لتعزيز البنية الثقافية والتعليمية في مصر، وذلك ضمن رؤية الدولة لتأصيل الثقافة وتنمية المجتمع بما يخدم أهداف الوطن التنموية، فهذه المكتبة تُمثل إضافة نوعية لمكتبات مصر العامة، إذ تقدم بيئة محفزة على القراءة والمعرفة، وتوفر فرصًا واسعة لجميع أفراد المجتمع للوصول إلى روافد الثقافة والعلوم.

دور المكتبة في نشر الوعي

وأضاف الدكتور إبراهيم صابر أنَّ هذه المكتبة التي أقامتها الدولة، تأتي تنفيذًا لتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي، بنشر المكتبات العامة في الأحياء كافة، إيمانًا منه بأهمية الدور الذي تقوم به المكتبة في نشر الوعي، وتعميق المعرفة والعلم، وكذلك لتشجيع النشء على القراءة والبحث ورفع المستوى الثقافي.

وأشار محافظ القاهرة، إلى أن المكتبة تقوم بتقديم مواد تعليمية متميزة وخدمات ثقافية موجهة لجميع الفئات العمرية والمجتمعية في المنطقة بهدف نشر الثقافة والمعرفة، بما يعزز الثقافة العامة ويشجع على التعلم المستمر، ويجعل المكتبة مركزًا للابتكار الفكري والثقافي.

وتقع المكتبة على محور شينزو أبي في مدينة نصر، وتبلغ مساحتها الكلية 625 مترًا مربعًا، منها 105 أمتار مربعة مخصصة للقراءة للكبار، و16 مترًا مربعًا مخصصة للأطفال، كما تضم المكتبة مساحة خارجية تصل إلى 300 متر مربع، وتخصص كحديقة مفتوحة، وتحتوي على 6 آلاف كتاب في مجالات المعرفة كافة.

مقالات مشابهة

  • محافظ القاهرة يحاور مجموعة من الطلاب في مكتبة «اقرأ نون السحار» بمدينة نصر
  • منها الدعاء والصدقة.. أعمال تنفع الميت في قبره
  • دعاء حفظ القرآن للأطفال.. اللهم سهّل عليهم استيعاب آيات الكتاب العظيم
  • إصدارات متنوعة عن منطقة جازان تزخر بها أجنحة معرض الكتاب
  • بأحدث العناوين.. «قصور الثقافة» في معرض الكتاب بكلية الدراسات الإسلامية
  • الروائي أحمد مسعود: الانتفاضة الفلسطينية الثالثة ستكون ثقافية
  • ” أسامة المسلم” يخطف الأنظار في منصة توقيع الكتب بمعرض جازان للكتاب 2025
  • أمير جازان يتجول في معرض الكتاب ويطّلع على برامجه الثقافية
  • د. عبدالله الغذامي يكتب: بين النص والقارئ
  • ابن وكيع التنيسي... أحدث إصدارات ديوان الشعر بهيئة الكتاب