كشفت صحيفة "هآرتس" العبرية خطر إصرار حكومة الاحتلال في الاستمرار بهجوم رفح واحتلال المعبر على تقاهمات مهمة مع الجانب المصري خصوصا فيما يتعلق بإدخال المساعدات وفتح معبر رفح.

وتؤكد الصحيفة في التحليل الذي كتبه المحلل السياسي للصحيفة تسفي هرئيل أن مصر ظلت ملتزمة طوال الوقت بالتنسيق مع "إسرئيل" بشأن إدخال المساعدات وخروج ودخول الأشخاص من معبر رفح، كما أنها لم تعترض على آلية الرقابة التي فرضتها "إسرائيل" على المساعدات.



ويشير التحليل إلى أن الوضع الآن، ومع الشرخ الحاصل بين تل أبيب والقاهرة بسبب هجوم رفح، فإن العلاقات بين الطرفين قد تدخل في توتر وأزمة عميقة، خصوصا أن مصر تطلب من واشنطن الضغط على تل أبيب لإيقاف الهجوم، وهو أمر يراه الأمركان ضروريا.

ومن هنا فإن تلك الأوضاع، كما هرئيل" قد تفيد السلطة الفلسطينية وتسمح لها بدخول القطاع دون تلبية الاشتراطات الأمريكية المحددة بإجراء إصلاحات عميقة في السلطة.


وفيما يلي نص المقال:
الشرخ بين إسرائيل ومصر آخذ في الاتساع، وهو يهدد العلاقات بين الطرفين ففي الأسبوع الماضي تسرب من الغرف المغلقة إلى العلن. ومن أجل إزالة الشك فإن الحديث لم يكن يدور عن "تسريب" أو اقتباس تحليلي، لكن الإعلان عن رفض مصر التنسيق مع إسرائيل في موضوع إدخال المساعدات الإنسانية عبر معبر رفح، نشرته قناة "القاهرة" التي تمتلكها المخابرات المصرية.

من الآن موقف مصر، الذي طوال عدة أيام تم الحفاظ على سريته، لمنع تدهور العلاقات إلى درجة المس باتفاق "كامب ديفيد"، أصبح الموقف الرسمي والعلني. غضب مصر لم يفاجئ الولايات المتحدة وما كان يجب أن يفاجئ إسرائيل. خلال أسابيع أرسلت القاهرة التحذيرات التي طلبت فيها بشكل حازم، لا سيما من واشنطن، كبح نية إسرائيل اقتحام رفح واحتلال المعبر.

خوف مصر من اختراق الحدود من قبل مئات آلاف الفلسطينيين الغزيين ليس جديدا. فمصر حذرت من ذلك في الأيام الأولى للحرب، لكن رغم ذلك استمرت في التعاون مع إسرائيل في كل ما يتعلق بإدخال المساعدات الإنسانية. وخلافا للأردن وتركيا فان مصر لم تقم بإعادة السفير من تل أبيب، والمخابرات المصرية حافظت على علاقة وثيقة مع رؤساء الاستخبارات والجيش في إسرائيل، حتى عندما تم إغلاق قناة الاتصال المباشرة مع مكتب رئيس الحكومة، الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أوضح منذ بداية الحرب بأن اتفاق السلام ليس محل اختبار أو نقاش. وبهذه الروحية تم أيضا توجيه أجهزة الإعلام في الدولة.

في الأسبوع الماضي حدثت انعطافة. جهات مصرية رفيعة سابقة بدأت تتحدث عن "إمكانية حدوث مواجهة عسكرية مع إسرائيل" إذا اجتاز الجيش الإسرائيلي الحدود نحو شبه جزيرة سيناء، وبأن مصر لا يمكنها المرور مرور الكرام على المس بسيادتها من قبل إسرائيل.

قرار وقف التعاون مع إسرائيل، بالذات في قضية المساعدات الإنسانية، لا يعتبر سابقة. فهو يدل على استعداد القاهرة لاتخاذ خطوات شديدة يمكن أن تحدث نزاعا سياسيا. في الحقيقة إعلان أمس عن الانضمام لدعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية في لاهاي هو فقط خطوة إعلانية. ولكن موقف مصر الذي اتخذته بعد ثمانية أشهر يكشف عمق الأزمة.

تنسيق كامل
منذ اللحظة الأولى تمسكت مصر بالتنسيق الكامل مع إسرائيل، رغم أنه كان يمكنها فتح معبر رفح والسماح بدخول قوافل المساعدات الإنسانية بدون أي قيود إلى قطاع غزة. المطار في العريش أصبح مركزا لتجمع المساعدات من دول كثيرة وإجراءات الفحص والنقل التي قامت إسرائيل بإملائها تم الحفاظ عليها بحرص كبير. سيطرة مصر على معبر رفح اعتبرت دائما وسيلة الضغط الرئيسية على حماس، وحتى أنها أكثر أهمية من المساعدات التي حصلت عليها حماس من قطر، لأنه تم استخدامه كشريان رئيسي لخدمة حماس كأداة إدارة رئيسية للحياة المدنية في القطاع. ولكن منذ سيطرت إسرائيل عليه فإنه فقد أهميته وغير الاتجاه. معبر رفح هو الآن الوسيلة التي تستخدمها مصر للضغط على إسرائيل، وليس على حماس، من أجل وقف استمرار العملية في رفح وإعادة المعبر إلى ما كان عليه في السابق.

العملية أدت إلى أن عدد الشاحنات التي تدخل إلى القطاع انخفض بشكل دراماتيكي، وافتراض مصر هو أن الضغط الدولي، لا سيما الأمريكي، سيضطر إسرائيل لإعادة تقييم احتلال رفح. نظريا، إسرائيل يمكنها فتح كل المعابر بينها وبين القطاع كي لا تصبح هناك أي أهمية لمعبر رفح. ولكن عندها يمكن أن تجد نفسها أمام جبهة موحدة لجميع الدول التي تتعاون معها، الغربية والعربية، التي سترفض التعاون مع هذه الخطوة.

النتيجة في هذه الأثناء هي أن خطوة مصر وتهديد أمريكا بتأخير إرساليات السلاح الهجومي، جعلت هاتين الدولتين هما اللتان يمكنهما رسم سيرورة الحرب في قطاع غزة على فرض أن إسرائيل لن تتبنى أقوال الهراءات لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، التي قررت "المحاربة بالأظافر" حتى ضد مصر.

خطوة مصر تعيد إلى جدول رأس الأولويات الحاجة الاستراتيجية لاتخاذ قرار بشأن منظومة إدارة فلسطينية التي ستبدأ بالعمل من الآن، دون انتظار تطبيق الشعار السحري الذي يسمى "اليوم التالي".

صيغة نتنياهو التي بحسبها "نحن سنضطر إلى أن تكون هناك حكومة مدنية في يد فلسطينيين لا يلتزمون بإبادتنا. والأمل في أن يحدث هذا الأمر بمساعدة دول مثل اتحاد الإمارات والسعودية اللتان تريدان رؤية السلام والاستقرار، تلاشى في مهده"، حسب أقواله في المقابلة التي أجراها معه دكتور بيل. وزير خارجية اتحاد الإمارات، محمد بن زايد، تخلى عن قاموس الدبلوماسية المهذب وقال: "نحن ندين تصريحات الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، حول طلبه منا المشاركة في الإدارة المدنية في قطاع غزة، الذي يوجد تحت احتلال إسرائيل".

دولة الإمارات أكدت أن "رئيس الحكومة الإسرائيلية لا توجد لديه أي قدرة قانونية على اتخاذ مثل هذه الخطوة. أيضا الدولة رفضت الانجرار وراء أي خطة تهدف إلى توفير غطاء لوجود إسرائيل في القطاع". لا يمكن أن تكون هناك أقوال واضحة وحادة أكثر من ذلك. وبنفس الروحية كان رد قطر ومصر. السحر المزيف الذي يقوم بتسويقه المسؤولون الكبار في إسرائيل حول إمكانية تشكيل تحالف عربي للحكم في غزة لا يصمد أمام اختبار الواقع. والتحالف العربي الوحيد الموجود هو الذي يطلب من إسرائيل إنهاء الحرب وعدم توسيع احتلال رفح.

السلطة الفلسطينية
السلطة الفلسطينية أيضا لا تسارع إلى تحمل المسؤولية عن القطاع، بالتأكيد ليس بالبنية التي تظهر فيها كخاضعة لتعليمات الجيش الإسرائيلي وبدون أدوات للسيطرة والإدارة تكون مناسبة، التي يمكن أن ترسخ سيطرتها. محمود عباس ابن الـ 88، الذي أجرى أمس فحوصات في المستشفى، وضع شرطا رئيسيا لاستعداده لإدارة غزة، الذي بحسبه هذه الخطوة يجب أن تكون ضمن صفقة سياسية واسعة تضمن الحل السياسي للقضية الفلسطينية.

قرار الأمم المتحدة في الأسبوع الماضي، تعزيز مكانة فلسطين في المؤسسة وتوصية مجلس الأمن بإعادة فحص طلب فلسطين الانضمام كعضو كامل في الأمم المتحدة، حتى الآن لا يلبي طلب محمود عباس، وإذا اعترفت أيضا بعض الدول في الأسابيع القريبة القادمة بفلسطين فلن يكون لذلك أي معنى طالما أن الولايات المتحدة تتمسك بالموقف الذي يقول "الاعتراف بالدولة الفلسطينية الآن لن يساعد في الدفع قدما بحل الدولتين". ولكن واشنطن نفسها لا توجد لديها خطة سياسية أخرى باستثناء إجراء المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، في الوقت الذي تدرك فيه بشكل جيد أن هذه المفاوضات لا توجد لها أي احتمالية في هذه الأثناء.

قبل بضعة أشهر اقترح محمود عباس أن ترتب الولايات المتحدة والدول الأوروبية لعقد مؤتمر دولي تتم فيه المناقشة بصورة عملية خططا لتطبيق حل الدولتين. وأوضح بأن هذا المؤتمر يمكن أن يوفر على الأقل في المرحلة الأولى الشرط السياسي الذي وضعه لتدخل السلطة الفلسطينية في قطاع غزة. ولكن الولايا المتحدة ما زالت غير مستعدة للتحدث عن ذلك المؤتمر، ناهيك عن المبادرة. في المقابل، توقعات الإدارة الأمريكية بإجراء إصلاحات في السلطة الفلسطينية، تلبي تعريف الرئيس الأمريكي لـ "السلطة المحدثة"، والتي يمكنها أن تحصل على الدعم الأمريكي لإدارة القطاع، لا تتحقق بالفعل.

محمود عباس قام في شهر آذار/ مارس بتعيين الاقتصادي محمد مصطفى في منصب رئيس الحكومة الفلسطينية. وقد مر منذ ذلك الحين شهرين، لكن في هذه الأثناء خطط الإصلاحات توجد على الورق فقط.

ربما على خلفية التطورات في قطاع غزة والانتقاد في الجيش الإسرائيلي بأن عدم وجود خطة سياسية يعرض حياة الجنود للخطر، والضغط الأمريكي ضد العملية في رفح وإجراءات مصر التي تصعب المبالغة في خطورتها، فإنه لم يكن أي مناص، على الأقل للولايات المتحدة من إظهار "المرونة الاستراتيجية"، وهو التعبير الذي تم أخذه من قاموس المرشد الأعلى في إيران، والموافقة على إدخال السلطة إلى قطاع غزة حتى بدون إجراء إصلاحات حقيقية.

وحتى لو تمت إزالة هذا اللغم السياسي، في هذه الأثناء لا يظهر كيف سيكون ذلك، فإن السلطة الفلسطينية بحاجة إلى أكثر بكثير من بضع سيارات مصفحة وسلاح خفيف كي يمكنها القيام بمهماتها. في الواقع يوجد للسلطة بضعة آلاف من الموظفين الذين يحصلون على الرواتب في غزة الذين يمكنهم البدء في إعادة ترميم على الأقل جزء من الأجهزة المدنية، لكن لا توجد لديهم قوة شرطة كافية، والقوة التي توجد هناك غير مزودة بما فيه الكفاية لمواجهة التحديات الفورية من أجل الحفاظ على النظام. وهناك قوات شرطة فلسطينية تقوم الآن بإجراء التدريبات العسكرية في أريحا والأردن، لكنها بعيدة عن أن تلبي الاحتياجات القائمة في قطاع غزة.


السلطة الفلسطينية لن يتعين عليها إدارة المعارك ضد حماس، هذا سيكون دور الجيش الإسرائيلي وقوة دولية توافق على التواجد إذا كانت السلطة هي صاحبة البيت. في نفس الوقت السلطة الفلسطينية ستحتاج إلى تمويل كبير بمليارات الدولارات، سواء لدفع الرواتب، وبالأساس لإعادة ترميم بنى تحتية مثل شبكة الكهرباء والمياه وجهاز الصحة، خلافا للوضع الآن الذي فيه دول الخليج ترفض المساعدة طالما أن إسرائيل هي التي تحكم في القطاع، فإنه يمكن الافتراض بأن هذه المساعدة ستأتي إذا تم ضمان أن الأموال ستذهب للسلطة الفلسطينية مباشرة وليس من خلال إسرائيل.

هل ستوافق إسرائيل على مثل هذا الترتيب؟ هل ستحرر أموال الضرائب للسلطة الفلسطينية، بما في ذلك أموال الشريحة الغزية التي حتى الآن هي مجمدة في حساب في النرويج؟ الإجابة على ذلك توجد لدى وزير المالية سموتريتش، مثلما هي ميزانية السلطة الفلسطينية أكثر مما توجد لدى نتنياهو. لا حاجة إلى تخمين موقف سموتريتش. فهو يقول بأن أي خطة سياسية في قطاع غزة مرهونة في البداية بـ "خطة سياسية" ستسمح بها. وطالما أن البنية السياسية في إسرائيل تقف فوق حقل ألغام يهدد وجودها فانه لا توجد أي أهمية لفحص مهني لقدرة السلطة الفلسطينية على إدارة قطاع غزة.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية سياسة دولية الاحتلال رفح المصري السلطة مصر امريكا الاحتلال السلطة رفح المزيد في سياسة سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المساعدات الإنسانیة السلطة الفلسطینیة الجیش الإسرائیلی فی هذه الأثناء فی قطاع غزة إسرائیل فی مع إسرائیل خطة سیاسیة محمود عباس معبر رفح لا توجد یمکن أن

إقرأ أيضاً:

حملة حماية وطن الفلسطينية تحمي المحتل!

تصيب المرء حالة الشعور بالصدمة، بعد ثلاثين عاما من تجربة قدمتها السلطة الفلسطينية، وأداؤها على الأرض لمواجهة الاحتلال ومشروعه الاستعماري يُبعد مسألة التسرع بإطلاق الأحكام عليها، كذريعة لتثبيت صورة أخرى عنها علقت السلطة الفلسطينية في إطارها رغم الظروف التي أحاطت بالقضية الفلسطينية وتحولاتها المتشعبة.

فتقديم مراجعة وجردة سريعة لأداء السلطة الفلسطينية تخلص لقدسية وظيفتها لحماية الاحتلال ومشاركته في تثبيت قمع الشارع الفلسطيني، ومناهضة أي حالة مقاومة تنمو داخله، رغم دوس المحتل وتمزيقه كل الاتفاقات والتفاهمات المبرمة مع السلطة.. حصيلة لم تبدد مرارة الشعب الفلسطيني، بل ضاعفتها مراكمة العدوان والاستيطان دون مواجهة ومراجعة حقيقية من السلطة الفلسطينية، وهو ما جعلها ووظيفتها الجسر الذي عبر منه المحتل للنيل من بقية الحقوق الفلسطينية بتنفيذ أجندة المشروع الصهيوني المرعبة على الأرض، وكشف ظهر القضية أمام طعنات التطبيع والخذلان العربي.

قيام أجهزة أمن السلطة الفلسطينية، بتنفيذ حملة "حماية وطن" على مدينة ومخيم جنين، وسقوط شهداء وجرحى، بذريعة مطاردة "الخارجين عن القانون"، هو مشاركة بالتزوير الصهيوني الذي قاد حملة دموية بنفس الأمكنة في الضفة والقدس، لكن بغياب من يدعي حماية الوطن.

قيام أجهزة أمن السلطة الفلسطينية، بتنفيذ حملة "حماية وطن" على مدينة ومخيم جنين، وسقوط شهداء وجرحى، بذريعة مطاردة "الخارجين عن القانون"، هو مشاركة بالتزوير الصهيوني الذي قاد حملة دموية بنفس الأمكنة في الضفة والقدس، لكن بغياب من يدعي حماية الوطن
ومفهوم الحماية الذي تعمل وفقه أجهزة سلطة رام الله معروف باعتبار أي مقاومة في مدن الضفة والقدس "إرهابا" وخروج عن عرف قانون الخنوع والإذلال الذي يحكم علاقة سلطة فلسطينية بعدو شعبها. هراوة السلطة الفلسطينية وبندقيتها التي وجهت نحو صدور الفلسطينيين، تفضحان سلوك الأداة الفلسطينية الحامية للمحتل، ولا يمكن حصر ذلك في سطور قليلة، ومن العسير إخفاؤها والقفز عنها.


تاريخ خيبات الشعب الفلسطيني من سلوك ومواقف السلطة الفلسطينية لمواجهة العدوان، ترك مهانة متتالية لنضاله وتضحياته، فمواقف السلطة وزعيمها وأجهزتها الأمنية مخزية؛ من الانفعال المزيف الذي تحاول الظهور به أمام شعبها في ذروة كل عدوان لم يتوقف على الأرض والحقوق الفلسطينية، بينما قفزاتها في السر والعلن تجعلها مرتمية في أحضان عدو الشعب الفلسطيني.

كل مقدمات السلطة الفلسطينية مختلة بمستوى فاضح، والنتائج التي خلفها سلوكها على الشارع والمجتمع الفلسطيني متناغمة تماما في تسهيل العدوان على الأرض واتساع رقعة الاستيطان والتهويد وتراجع مكانة قضية فلسطين. وهذه معادلة قسرية تحاول السلطة مع الاحتلال فرضها بعد علو مكانة القضية على إثر معركة "طوفان الأقصى"، فبعد تراجع أداء السلطة الفلسطينية على الأرض وإضعافها إلى الحد الذي دمرت من خلاله سلطة الاحتلال معنى وجوهر وظيفة السلطة ومزقت كل أوسلو، تحاول إسرائيل إعادة السلطة الفلسطينية للمكانة "الطبيعية" المعاونة لرأس الحربة الصهيونية، والحفاظ على الخيط الناظم لسلوكها على الأرض، كعين حارسة لأمن المحتل ومستوطناته ويد ضاربة من جعبة المحتل لكل من يفكر بمقاومة الاحتلال. وفاء السلطة الفلسطينية لمهامها الأمنية محكوم بالمقدمات والسلوك على الأرض بشواهد كثيرة.

في جنين ونابلس وطولكرم والخليل والقدس، وكل مدن وقرى الضفة المحتلة التي ترتدي فيها السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية "طاقية الإخفاء" في كل اجتياح وعدوان؛ مزّق المدن الفلسطينية وحوّلها لمعازل منفصلة تخترقها مستوطنات ضخمة، وبمشاريع استيطانية تقضم ما تبقى لدولة فلسطينية. وظهور شرطة السلطة الفلسطينية بعضلات وأوامر الاحتلال لمطاردة كل مقاوم وكل حالة ثورية ونضالية، هو في الحقيقة قتل لأوهام عديدة عن حل الدولتين والسلام مع مستعمر لا يخفي عدوانية وعنصرية تقضي على كل الحقوق الفلسطينية، وما تبقى من عنوان التمسك بالسلام وأوهامه العريضة يجعل أي عاقل لا ينجر خلفه وتصديقه لضخامة حقائق وتفاصيل على الأرض تفرض على السلطة الفلسطينية خلع مظهرها كشرطي احتلال يواجه غضب شارع مقموع بشكل مزدوج؛ من محتل، ومن سلطة لم تعد ممسكة إلا بتنسيق أمني مع عدو شعبها، الأمر الذي حوّل مآسي شعبها من حصار وعدوان وتهويد واستيطان تسليما واستسلاما للأمر الواقع، وجعل قضيته الوطنية خاضعة لإذعان وخنوع يُفرغ مشروع التحرر الوطني من محتواه، ويضرب جذور أي مصالحة فلسطينية تحاول استعادتها حركة تحرر وطني فلسطيني، سلبت منها سلطة أوسلو كل بوادر الخروج من مستنقع الاستحكام بمخافر المحتل وأوامره.

ماذا نجد خلف الحملة الأمنية للسلطة في مدن الضفة والتي أطلقت عليها تسمية " حماية وطن"، في ظل عدوان متواصل على غزة مع جرائم حرب وإبادة، وإقرار حكومة نتنياهو جملة قوانين استعمارية، خصوصا الإعلان عن نية ضم الضفة ومصادرة آلاف الدونمات من الأراضي لصالح مشاريع الاستيطان الضخم؟ نعثر فقط على بديهيات أساسية متعلقة بالمشروع الصهيوني، ومنع قيام دولة فلسطينية ونعثر على ثابت في أداء السلطة الفلسطينية وخيارها الفاشل، استجابة السلطة الفلسطينية لطلبات المستعمر الصهيوني، أفقد المشروع الوطني الفلسطيني وزنه السياسي والمعنوي، الذي كان يفخر به طيلة عقود نضاله الذي عمده بدم وتضحيات لم تتوقف، واجب الخروج من هذه الحالة الفاشلة يقع على عاتق جميع القوى والفصائل للعودة إلى ركائز وأعمدة القضية الفلسطينية التي ضربها الاحتلال، وأداء سلطة التنسيق الأمني أضعف من مرجعيات القضية الفلسطينية في الشارع الذي دمرت السلطة جسورها معه، وفي المحافل الدولية والعربيةومحاولة السلطة الفلسطينية تجديد طلب الطاعة للحكومة الإسرائيلية وللإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة ترامب، على أن وجودها كشريك يمتلك قدرة و جهوزية خوض مواجهة مع الشارع الفلسطيني، لتمهيد الطريق لأي تسوية تضمن للسلطة تجديد وظيفتها والخروج من حالة العجز التي وضعها بها الاحتلال.

أنماط عمل سلطة التنسيق الأمني الفلسطينية، في المدن والقرى الفلسطينية، وأداء السياسة الفلسطينية الرسمية بنفس الأدوات الفاشلة منذ 30 عاما بأسس وبديهيات القبول بوظيفة قمعية تابعة للاحتلال، وفقدان السلطة معظم رصيدها وبريقها بالتحول لخندق المحتل لمواجهة شعب تحت الاحتلال، يبقي كل المشروع الفلسطيني وحقوقه في المصيدة الإسرائيلية، ولأن كل الفهلوة الأمنية والسياسية الفلسطينية امتهنت خداع شعبها للإبقاء على خيارات سلطوية ضيقة مناقضة بالمطلق لغالبية الشعب الفلسطيني الساحقة، فإن واجب الخروج من هذه الحالة الفاشلة يقع على عاتق جميع القوى والفصائل للعودة إلى ركائز وأعمدة القضية الفلسطينية التي ضربها الاحتلال، وأداء سلطة التنسيق الأمني أضعف من مرجعيات القضية الفلسطينية في الشارع الذي دمرت السلطة جسورها معه، وفي المحافل الدولية والعربية.

وعملية "حماية وطن" التي تشنها سلطة أبي مازن على الشعب الفلسطيني هل هي فعلا لحماية وطن أم لتأمين حماية محتل؟ مع أن هذا الوطن غير الموجود على الأرض قد حوّله المحتل لمعازل ومستوطنات؛ جزء منها تحميه سلطة التنسيق الأمني والجزء الآخر من الوطن تعرض لإبادة جماعية وتهجير وجرائم حرب لم تستدع من سلطة "حماية وطن" التفكير بمراجعة وظيفتها كحارس يحمي عدو شعبها.

x.com/nizar_sahli

مقالات مشابهة

  • الهدف تصفية الفصائل.. هآرتس: حملة السلطة بالضفة ضمن خطة تعود لولاية ترامب السابقة
  • حملة حماية وطن الفلسطينية تحمي المحتل!
  • «الجامعة»: الاعتراف الفرنسي بالدولة الفلسطينية خطوة مهمة
  • أبو الغيط : الاعتراف الفرنسي بالدولة الفلسطينية خطوة مهمة
  • أبو الغيط لوفد "الشيوخ الفرنسي": الاعتراف بالدولة الفلسطينية خطوة مهمة لحل الدولتين
  • هآرتس: نفوذ تركيا في سوريا يقيد إسرائيل
  • أميركا تطلب موافقة إسرائيل لمساعدة السلطة الفلسطينية عسكرياً
  • ضمن مخطط صهيوني ممنهج.. أجهزة أمن السلطة الفلسطينية تشن حربًا على المقاومة في الضفة
  • مراسلة الجزيرة بموسكو تكشف عن الفندق الذي نزل به الأسد والأموال التي بحوزته
  • إسرائيل تبحث تفككا محتملا للسلطة الفلسطينية